طالباني ونائبه السابق ينبشان الماضي ويتبادلان التهم بالمسؤولية في كوارث كردستان
في مناوشة إعلامية غير مسبوقة بين زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني وزعيم كتلة التغيير المعارضة
صورة أرشيفية لجلال طالباني ونائبه السابق نوشيروان مصطفى («الشرق الأوسط»)
السليمانية: «الشرق الأوسط»
تصاعدت حدة الخلافات القائمة بين الرئيس العراقي، جلال طالباني، ونائبه السابق في الاتحاد الوطني الكردستاني نوشيروان مصطفى، رئيس كتلة التغيير المعارضة، وأخذت منحى خطيرا بفتح صفحات الماضي وإلقاء كل منهما تبعات الكثير من الكوارث التي حلت بالشعب الكردي إبان حكم نظام صدام حسين، على الآخر، منها كارثة الأنفال والقصف الكيماوي لمدينة حلبجة الكردية عام 1988.
فأثناء مؤتمر عقده الاتحاد الوطني أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قدم طالباني تقريرا سياسيا تحدث فيه عن الأوضاع في العراق وكردستان وتطرق إلى موضوع ترك نوشيروان الحزب في جزء من ذلك التقرير موجها الكثير من الاتهامات إلى نائبه السابق.
وكتب نوشيروان مصطفى مقالا مطولا تحت عنوان «من النضال المشترك إلى التخوين»، قال في بدايته: «لقد تلقيت حديث فخامة الرئيس العراقي وأمين عام الاتحاد الوطني من مصادر متفرقة، ولكني لم أعره اهتماما لأنني حسبته حالة من الغضب والهياج، ولكن بعد نشر الحديث في وسائل إعلام الاتحاد الوطني، وجدت لزاما علي أن أرد على الاتهامات التي وجهها إلي السيد طالباني وإلى رفاقي في حركة التغيير. وأقولها بصراحة، إنني منزعج جدا من وصول علاقاتي مع طالباني إلى هذا المستوى من حيث التخوين، وأن تصل علاقاتنا النضالية والشخصية الممتدة إلى 40 سنة من النضال المشترك في الخنادق إلى هذا الحال، وأن يصفنا بعدو كردستان، لذلك أضطر هنا أن أرد على الخطوط العامة للاتهامات التي وجهها إلينا في تقريره. وعلى الرغم من أن طالباني تطرق إلى أحداث تمتد إلى ثلاثين سنة بشكل مبعثر مما يتطلب أجوبة مطولة ودقيقة، ولكني أحتفظ بالرد على كل ما جاء من تفاصيل إلى وقت آخر».
ويتطرق نوشيروان مصطفى إلى مضمون الاتهامات التي وجهها طالباني له ولرفاقه، ويقول: «أشار طالباني في تقريره إلى أنه صدرت أوامر بقتل الناس في القرى والمدن الكردية من دون علم السكرتير العام ونصف أعضاء المكتب السياسي وعصبة الشغيلة». ويرد على هذه الفقرة من تقرير طالباني قائلا: «لا أريد أن أحذو حذو الآخرين في تبرئة نفسي من الأحداث، فمنذ تأسيس الاتحاد الوطني قمنا مع طالباني وأعضاء الهيئة التأسيسية ووضع ترتيبات نضالنا السياسي المسلح وإعلان الثورة، وكأحد المسؤولين في هذه الحركة الثورية، أعلن تحملي كامل مسؤولياتي الأخلاقية والأدبية لكل الأحداث التي رافقتها، وأتحمل نتائج كل الخسائر، من قتل وغيره، التي وقعت نتيجة هذه الثورة، وأعلن أمام عوائل جميع الضحايا مسؤوليتي بذلك، وأنا مستعد للرد على ذلك أمام محكمة التاريخ وكذلك أمام الله».
ويتهم طالباني، في تقريره، نائبه السابق بالتسبب في وقوع كارثة القصف الكيماوي لمدينة حلبجة الكردية في 16/3/1988 من خلال عدم التزامه بتحذير سبق أن أرسله الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. ويقول طالباني: «في خضم هذا الصراع السياسي والفكري، وبرغم تجاربنا السابقة مع صدام حسين، وانكشاف الطبيعة الفاشية لنظامه، كان يفترض بنا أن نتعامل بشكل أكثر حكمة معه وأن لا نعطي تبريرا بيد هؤلاء الفاشست، ولكن في هذه الفترة بالذات نقل نوشيروان خلافاته الفكرية والسياسية إلى ميدان أكثر خطورة، وهو الميدان العسكري. وكان القرار الأخطر الذي اتخذه في هذه المرحلة هو تحرير مدينة حلبجة من دون علم أو مشاورة السكرتير العام وقيادة قوات البيشمركة، معتقدا أن ذلك سيخفف الضغط على مقر القيادة التي بدأ النظام بمهاجمته، فأعطى بذلك مبررا واضحا لصدام لضرب مدينة حلبجة في وضح النهار، خصوصا أن الحكومة العراقية أرسلت تحذيرا واضحا بأن أي هجوم مشترك مع قوات الباسداران الإيرانية ولأي منطقة عسكرية خاضعة للنظام سيرد باستخدام الأسلحة الكيماوية، حتى لو كانت مدينة السليمانية، ومع ذلك فإن وزر هذه الجريمة الكيماوية يتحملها النظام البعثي».
ويرد مصطفى على هذا الجزء من تقرير طالباني بالقول: «كان طالباني قد وصل إلى قناعة منذ فترة طويلة بأن النظام البعثي في العراق وصل إلى حد من القوة، بحيث إن المعارضة العراقية لم تعد قادرة على الإطاحة به من دون عامل خارجي، لذلك كان طالباني يهتم بصورة خاصة بكل من سورية وليبيا لمساعدته في تدبير انقلاب عسكري ضد النظام، وبعد أن يأس منهما لجأ إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كانت تخوض حربا دامية ضد الجيش العراقي». ويستطرد قائلا: «بعد تبادل الوفود بين الطرفين سافر طالباني إلى طهران. ووقع في أكتوبر عام 1986 اتفاقا مع ممثل إيران محمد باقر ذو القدر قائد قراركاه رمضان (أحد قادة الجيش الإيراني) في ذلك الوقت لتعاون حربي ضد الجيش العراقي وفي المجالات كافة، ونص الاتفاق أيضا على عدم الدخول في أي مفاوضات للسلام مع العراق من دون موافقة إيران. وبعد توقيع الاتفاق جرت عمليات مشتركة بين قوات بيشمركة الاتحاد وجيش باسداران وبشكل علني، وتحت إشراف مباشر من طالباني وبتعاون محمد باقر ذو القدر، وعلي شمخاني، وبعلم وزير الدفاع الإيراني. وعليه فإن أي تعاون أو تنسيق بيننا وبين القوات الإيرانية إنما استند على ذلك الاتفاق، وأن تبرئة صدام أو نظامه من تلك الجريمة تحت ذريعة التحذير المبكر لن تعفي صدام من المسؤولية، فهذه محكمة الجنايات في بغداد تنظر في مقاضاتهم عن تلك الجريمة».
ويضيف مصطفى أنه «قبل حلبجة كانت حكومة البعث قد قصفت الكثير من المناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة بالأسلحة الكيماوية، وإذا كان التحذير الذي يتحدث عنه طالباني قد وصله شخصيا، فإنه لم يصلني، لأن البعث في ذلك الوقت لم يكن له أي قناة اتصال مباشر معي ليبلغني بالتحذير، وبدوره لم يبلغنا السيد طالباني بمضمون هذا التحذير، ولذلك فإن عدم الاهتمام بهذا التحذير إذا كان حقيقيا يتحمله طالباني بنفسه. وقبل حلبجة أيضا جرت الكثير من العمليات الحربية في جبهات السليمانية وكركوك وأربيل وديالى، وإن هذه العمليات الكبرى التي يشارك فيها المئات من القادة والمسؤولين وتشترك فيها قوات أخرى مثل البارتي والحزب الاشتراكي والحركة الإسلامية وفيلق بدر، لم يكن ممكنا إخفاؤها أو تنفيذها من دون موافقة قيادة الاتحاد وشخص طالباني».
ويلقي طالباني في تقريره تبعات تراجع الدعم الأميركي للقضية الكردية أثناء أزمة الكويت على عاتق نوشيروان مصطفى، ويقول: «اتصل الأميركيون بي وطلبوا تعاوننا في تحرير الكويت، وتعهدوا في المقابل على تقديم الدعم المادي والعسكري لنا وتثبيت النظام الفيدرالي في العراق، وطلبت من نوشيروان دراسة الموضوع مع قادة الحزب ومع قادة حزب بارزاني للرد على العرض الأميركي، ولكن نوشيروان رفض ذلك، معتقدا أن صدام سينسحب من الكويت من تلقاء نفسه ثم نتورط نحن في الحرب، وفوت بذلك على شعبه فرصة تاريخية لا تعوض في تثبيت الفيدرالية بعد انتهاء حرب الكويت».
ويرد نوشيروان قائلا: «قبل بدء عمليات الأنفال بثلاثة أشهر سافر طالباني إلى أميركا، وفي ذلك الوقت لم تكن إدارة الرئيس بوش الأب على استعداد للقائه أو أي من قادة المعارضة العراقية، وكانت الإدارة مهتمة فقط بتحرير الكويت، ولم يكن إسقاط نظام صدام على طاولة البحث هناك، لأن ذلك كان سيخل بالتوازن الإقليمي. وفشل طالباني في لقاء قادة الإدارة، واقتصرت لقاءاته بأحد الموظفين الصغار في الخارجية الذي أبلغه أن الإدارة ليست على استعداد في الوقت الحاضر لإقامة أي علاقة مع أطراف المعارضة العراقية، وأعتقد أنه لا الرئيس بوش الأب ولا كلينتون ولا بوش الابن ولا الرئيس الحالي أوباما لم يتعهدوا للشعب الكردي بأي اعتراف بالفيدرالية للعراق».
وفي مقطع آخر من التقرير يتحدث طالباني عن نية نائبه بإنهاء الثورة المسلحة المندلعة في جبال كردستان عقب وقوع حملات الأنفال، ويقول: «بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية كان نوشيروان منهارا وفاقدا لمعنوياته القتالية، خصوصا بعد معارك مقر قيادة الاتحاد الوطني، فترك المنطقة لرفاقه بغياب الأمين العام، وكان ينوي تصفية الثورة الكردية لولا مقاومة الرفيقين كوسرت رسول وجبار فرمان اللذين رفضا التخلي عن ميدان القتال، وأرسل إلي الرفيق عمر عبد الله لأخذ رأيي، فأبلغته رفضي وإصراري على مواصلة الثورة حتى إسقاط نظام صدام، ولكنه بدأ يرسل الرسائل إلى صدام من وراء ظهر القيادة، عارضا عليه مطالب متواضعة، لكن صدام لم يكن على استعداد لأي اتفاق حتى لو كان هزيلا، بل لم يرد على أي من رسائل نائب الأمين العام، وكان طلبه الوحيد هو العودة إلى الصف الوطني».
ويرد نوشيروان على هذا الاتهام بالقول: «كان طالباني على علم مسبق بأن الجيش الذي شكله صدام لمواجهة إيران في الحرب بات جاهزا ومتقدما نحو كردستان، ولكنه لكي ينأى بنفسه من محرقة هذه المواجهة الوشيكة سافر إلى إيران، ومنها توجه إلى الخارج ولم يعد إلى كردستان إلا بعد تحريرها بانتفاضة ربيع عام 1991».
ونفى نوشيروان كتابة أي رسائل إلى صدام، ويقول في معرض رده على هذا الاتهام: «رغم قناعتي بضرورة مواكبة التفاوض السياسي الحكيم مع النضال المسلح لمعالجة المشكلات السياسية وإبعاد شبح المواجهات الدامية، ولكن طوال حياتي لم أرسل رسالة إلى صدام لا قبل ذلك الوقت ولا بعده».
ويرد نوشيروان على اتهامات طالباني بتشدده واحتقاره العلاقة الكردية العربية، وكذلك اتهامه بالسعي لتقسيم مناطق كردستان، وكونه معاديا أميركا وإيران وغيرهما، وكونه معارضا تطور العلاقات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، بالقول: «إن طالباني يريد تعريفي أمام الآخرين بأني ضد العلاقات الأخوية الكردية العربية، ويصفنا بحركة متشددة. وردا على ذلك أقول إنه ليس هناك أي أحد مثلي يؤمن بالصداقة والتعايش السلمي بين جميع المكونات المختلفة، ولكني أعتقد أيضا أن التعاون والصداقة شيء، وأن تصغير النفس شيء آخر. هناك الكثير من السياسيين الكرد يعانون من عقدة نفسية، وهي تصغير شأنهم أمام الآخرين، فمن يتابع تصرفاتهم مع المسؤولين في العراق أو خارجه، ومع الإيرانيين والأتراك والأميركان والبريطانيين سيلمس ذلك. ولكنني لا أعتبر الشعب الكردي أخا صغيرا لغيره من الشعوب، فهو ليس أقل شأنا منهم، ويجب على القادة الكرد أن لا يتعاملوا مع الآخرين بهذه الصورة المهينة من تصغير الذات، وأن يحترموا حرمة وكرامة الشعب الذي يمثلونه، ففي التعامل السياسي بين الدول والشعوب والأمم يجب تغليب مفهوم العلاقات المتوازنة على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل».
وينهي نوشيروان رده المطول على اتهامات طالباني بالقول: «إن ملخص تقرير طالباني إلى المؤتمر يركز على عدة اتهامات أساسية وهي، أن حركة التغيير تشكلت بالأساس لمعادة الاتحاد الوطني، وهي ضد الفيدرالية في كردستان، وإذا تسنى لهم فإنهم سيفصلون السليمانية عن الإقليم، وأنهم ضد الحركة التحررية الكردية وضد عودة كركوك إلى كردستان، ونحن نعتقد أن تعريف حركة التغيير كونها تشكل خطرا على الحركة الكردية والفيدرالية وحكومة الإقليم والبيشمركة والديمقراطية، واعتبارها قوة معادية للاتحاد الوطني وللشعب الكردي، هدفها تمهيد الأرضية أمام حملة تطهير جسدية ضد حركة التغيير ومناصريها. ولذلك فإننا وبعد نشر هذا التقرير في وسائل الإعلام نحمل طالباني والاتحاد الوطني الكردستاني مسؤولية أي أحداث أو تداعيات غير مرغوب فيها، فهم يتحملون مسؤولية كل التداعيات القادمة».
في مناوشة إعلامية غير مسبوقة بين زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني وزعيم كتلة التغيير المعارضة
صورة أرشيفية لجلال طالباني ونائبه السابق نوشيروان مصطفى («الشرق الأوسط»)
السليمانية: «الشرق الأوسط»
تصاعدت حدة الخلافات القائمة بين الرئيس العراقي، جلال طالباني، ونائبه السابق في الاتحاد الوطني الكردستاني نوشيروان مصطفى، رئيس كتلة التغيير المعارضة، وأخذت منحى خطيرا بفتح صفحات الماضي وإلقاء كل منهما تبعات الكثير من الكوارث التي حلت بالشعب الكردي إبان حكم نظام صدام حسين، على الآخر، منها كارثة الأنفال والقصف الكيماوي لمدينة حلبجة الكردية عام 1988.
فأثناء مؤتمر عقده الاتحاد الوطني أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قدم طالباني تقريرا سياسيا تحدث فيه عن الأوضاع في العراق وكردستان وتطرق إلى موضوع ترك نوشيروان الحزب في جزء من ذلك التقرير موجها الكثير من الاتهامات إلى نائبه السابق.
وكتب نوشيروان مصطفى مقالا مطولا تحت عنوان «من النضال المشترك إلى التخوين»، قال في بدايته: «لقد تلقيت حديث فخامة الرئيس العراقي وأمين عام الاتحاد الوطني من مصادر متفرقة، ولكني لم أعره اهتماما لأنني حسبته حالة من الغضب والهياج، ولكن بعد نشر الحديث في وسائل إعلام الاتحاد الوطني، وجدت لزاما علي أن أرد على الاتهامات التي وجهها إلي السيد طالباني وإلى رفاقي في حركة التغيير. وأقولها بصراحة، إنني منزعج جدا من وصول علاقاتي مع طالباني إلى هذا المستوى من حيث التخوين، وأن تصل علاقاتنا النضالية والشخصية الممتدة إلى 40 سنة من النضال المشترك في الخنادق إلى هذا الحال، وأن يصفنا بعدو كردستان، لذلك أضطر هنا أن أرد على الخطوط العامة للاتهامات التي وجهها إلينا في تقريره. وعلى الرغم من أن طالباني تطرق إلى أحداث تمتد إلى ثلاثين سنة بشكل مبعثر مما يتطلب أجوبة مطولة ودقيقة، ولكني أحتفظ بالرد على كل ما جاء من تفاصيل إلى وقت آخر».
ويتطرق نوشيروان مصطفى إلى مضمون الاتهامات التي وجهها طالباني له ولرفاقه، ويقول: «أشار طالباني في تقريره إلى أنه صدرت أوامر بقتل الناس في القرى والمدن الكردية من دون علم السكرتير العام ونصف أعضاء المكتب السياسي وعصبة الشغيلة». ويرد على هذه الفقرة من تقرير طالباني قائلا: «لا أريد أن أحذو حذو الآخرين في تبرئة نفسي من الأحداث، فمنذ تأسيس الاتحاد الوطني قمنا مع طالباني وأعضاء الهيئة التأسيسية ووضع ترتيبات نضالنا السياسي المسلح وإعلان الثورة، وكأحد المسؤولين في هذه الحركة الثورية، أعلن تحملي كامل مسؤولياتي الأخلاقية والأدبية لكل الأحداث التي رافقتها، وأتحمل نتائج كل الخسائر، من قتل وغيره، التي وقعت نتيجة هذه الثورة، وأعلن أمام عوائل جميع الضحايا مسؤوليتي بذلك، وأنا مستعد للرد على ذلك أمام محكمة التاريخ وكذلك أمام الله».
ويتهم طالباني، في تقريره، نائبه السابق بالتسبب في وقوع كارثة القصف الكيماوي لمدينة حلبجة الكردية في 16/3/1988 من خلال عدم التزامه بتحذير سبق أن أرسله الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. ويقول طالباني: «في خضم هذا الصراع السياسي والفكري، وبرغم تجاربنا السابقة مع صدام حسين، وانكشاف الطبيعة الفاشية لنظامه، كان يفترض بنا أن نتعامل بشكل أكثر حكمة معه وأن لا نعطي تبريرا بيد هؤلاء الفاشست، ولكن في هذه الفترة بالذات نقل نوشيروان خلافاته الفكرية والسياسية إلى ميدان أكثر خطورة، وهو الميدان العسكري. وكان القرار الأخطر الذي اتخذه في هذه المرحلة هو تحرير مدينة حلبجة من دون علم أو مشاورة السكرتير العام وقيادة قوات البيشمركة، معتقدا أن ذلك سيخفف الضغط على مقر القيادة التي بدأ النظام بمهاجمته، فأعطى بذلك مبررا واضحا لصدام لضرب مدينة حلبجة في وضح النهار، خصوصا أن الحكومة العراقية أرسلت تحذيرا واضحا بأن أي هجوم مشترك مع قوات الباسداران الإيرانية ولأي منطقة عسكرية خاضعة للنظام سيرد باستخدام الأسلحة الكيماوية، حتى لو كانت مدينة السليمانية، ومع ذلك فإن وزر هذه الجريمة الكيماوية يتحملها النظام البعثي».
ويرد مصطفى على هذا الجزء من تقرير طالباني بالقول: «كان طالباني قد وصل إلى قناعة منذ فترة طويلة بأن النظام البعثي في العراق وصل إلى حد من القوة، بحيث إن المعارضة العراقية لم تعد قادرة على الإطاحة به من دون عامل خارجي، لذلك كان طالباني يهتم بصورة خاصة بكل من سورية وليبيا لمساعدته في تدبير انقلاب عسكري ضد النظام، وبعد أن يأس منهما لجأ إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كانت تخوض حربا دامية ضد الجيش العراقي». ويستطرد قائلا: «بعد تبادل الوفود بين الطرفين سافر طالباني إلى طهران. ووقع في أكتوبر عام 1986 اتفاقا مع ممثل إيران محمد باقر ذو القدر قائد قراركاه رمضان (أحد قادة الجيش الإيراني) في ذلك الوقت لتعاون حربي ضد الجيش العراقي وفي المجالات كافة، ونص الاتفاق أيضا على عدم الدخول في أي مفاوضات للسلام مع العراق من دون موافقة إيران. وبعد توقيع الاتفاق جرت عمليات مشتركة بين قوات بيشمركة الاتحاد وجيش باسداران وبشكل علني، وتحت إشراف مباشر من طالباني وبتعاون محمد باقر ذو القدر، وعلي شمخاني، وبعلم وزير الدفاع الإيراني. وعليه فإن أي تعاون أو تنسيق بيننا وبين القوات الإيرانية إنما استند على ذلك الاتفاق، وأن تبرئة صدام أو نظامه من تلك الجريمة تحت ذريعة التحذير المبكر لن تعفي صدام من المسؤولية، فهذه محكمة الجنايات في بغداد تنظر في مقاضاتهم عن تلك الجريمة».
ويضيف مصطفى أنه «قبل حلبجة كانت حكومة البعث قد قصفت الكثير من المناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة بالأسلحة الكيماوية، وإذا كان التحذير الذي يتحدث عنه طالباني قد وصله شخصيا، فإنه لم يصلني، لأن البعث في ذلك الوقت لم يكن له أي قناة اتصال مباشر معي ليبلغني بالتحذير، وبدوره لم يبلغنا السيد طالباني بمضمون هذا التحذير، ولذلك فإن عدم الاهتمام بهذا التحذير إذا كان حقيقيا يتحمله طالباني بنفسه. وقبل حلبجة أيضا جرت الكثير من العمليات الحربية في جبهات السليمانية وكركوك وأربيل وديالى، وإن هذه العمليات الكبرى التي يشارك فيها المئات من القادة والمسؤولين وتشترك فيها قوات أخرى مثل البارتي والحزب الاشتراكي والحركة الإسلامية وفيلق بدر، لم يكن ممكنا إخفاؤها أو تنفيذها من دون موافقة قيادة الاتحاد وشخص طالباني».
ويلقي طالباني في تقريره تبعات تراجع الدعم الأميركي للقضية الكردية أثناء أزمة الكويت على عاتق نوشيروان مصطفى، ويقول: «اتصل الأميركيون بي وطلبوا تعاوننا في تحرير الكويت، وتعهدوا في المقابل على تقديم الدعم المادي والعسكري لنا وتثبيت النظام الفيدرالي في العراق، وطلبت من نوشيروان دراسة الموضوع مع قادة الحزب ومع قادة حزب بارزاني للرد على العرض الأميركي، ولكن نوشيروان رفض ذلك، معتقدا أن صدام سينسحب من الكويت من تلقاء نفسه ثم نتورط نحن في الحرب، وفوت بذلك على شعبه فرصة تاريخية لا تعوض في تثبيت الفيدرالية بعد انتهاء حرب الكويت».
ويرد نوشيروان قائلا: «قبل بدء عمليات الأنفال بثلاثة أشهر سافر طالباني إلى أميركا، وفي ذلك الوقت لم تكن إدارة الرئيس بوش الأب على استعداد للقائه أو أي من قادة المعارضة العراقية، وكانت الإدارة مهتمة فقط بتحرير الكويت، ولم يكن إسقاط نظام صدام على طاولة البحث هناك، لأن ذلك كان سيخل بالتوازن الإقليمي. وفشل طالباني في لقاء قادة الإدارة، واقتصرت لقاءاته بأحد الموظفين الصغار في الخارجية الذي أبلغه أن الإدارة ليست على استعداد في الوقت الحاضر لإقامة أي علاقة مع أطراف المعارضة العراقية، وأعتقد أنه لا الرئيس بوش الأب ولا كلينتون ولا بوش الابن ولا الرئيس الحالي أوباما لم يتعهدوا للشعب الكردي بأي اعتراف بالفيدرالية للعراق».
وفي مقطع آخر من التقرير يتحدث طالباني عن نية نائبه بإنهاء الثورة المسلحة المندلعة في جبال كردستان عقب وقوع حملات الأنفال، ويقول: «بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية كان نوشيروان منهارا وفاقدا لمعنوياته القتالية، خصوصا بعد معارك مقر قيادة الاتحاد الوطني، فترك المنطقة لرفاقه بغياب الأمين العام، وكان ينوي تصفية الثورة الكردية لولا مقاومة الرفيقين كوسرت رسول وجبار فرمان اللذين رفضا التخلي عن ميدان القتال، وأرسل إلي الرفيق عمر عبد الله لأخذ رأيي، فأبلغته رفضي وإصراري على مواصلة الثورة حتى إسقاط نظام صدام، ولكنه بدأ يرسل الرسائل إلى صدام من وراء ظهر القيادة، عارضا عليه مطالب متواضعة، لكن صدام لم يكن على استعداد لأي اتفاق حتى لو كان هزيلا، بل لم يرد على أي من رسائل نائب الأمين العام، وكان طلبه الوحيد هو العودة إلى الصف الوطني».
ويرد نوشيروان على هذا الاتهام بالقول: «كان طالباني على علم مسبق بأن الجيش الذي شكله صدام لمواجهة إيران في الحرب بات جاهزا ومتقدما نحو كردستان، ولكنه لكي ينأى بنفسه من محرقة هذه المواجهة الوشيكة سافر إلى إيران، ومنها توجه إلى الخارج ولم يعد إلى كردستان إلا بعد تحريرها بانتفاضة ربيع عام 1991».
ونفى نوشيروان كتابة أي رسائل إلى صدام، ويقول في معرض رده على هذا الاتهام: «رغم قناعتي بضرورة مواكبة التفاوض السياسي الحكيم مع النضال المسلح لمعالجة المشكلات السياسية وإبعاد شبح المواجهات الدامية، ولكن طوال حياتي لم أرسل رسالة إلى صدام لا قبل ذلك الوقت ولا بعده».
ويرد نوشيروان على اتهامات طالباني بتشدده واحتقاره العلاقة الكردية العربية، وكذلك اتهامه بالسعي لتقسيم مناطق كردستان، وكونه معاديا أميركا وإيران وغيرهما، وكونه معارضا تطور العلاقات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، بالقول: «إن طالباني يريد تعريفي أمام الآخرين بأني ضد العلاقات الأخوية الكردية العربية، ويصفنا بحركة متشددة. وردا على ذلك أقول إنه ليس هناك أي أحد مثلي يؤمن بالصداقة والتعايش السلمي بين جميع المكونات المختلفة، ولكني أعتقد أيضا أن التعاون والصداقة شيء، وأن تصغير النفس شيء آخر. هناك الكثير من السياسيين الكرد يعانون من عقدة نفسية، وهي تصغير شأنهم أمام الآخرين، فمن يتابع تصرفاتهم مع المسؤولين في العراق أو خارجه، ومع الإيرانيين والأتراك والأميركان والبريطانيين سيلمس ذلك. ولكنني لا أعتبر الشعب الكردي أخا صغيرا لغيره من الشعوب، فهو ليس أقل شأنا منهم، ويجب على القادة الكرد أن لا يتعاملوا مع الآخرين بهذه الصورة المهينة من تصغير الذات، وأن يحترموا حرمة وكرامة الشعب الذي يمثلونه، ففي التعامل السياسي بين الدول والشعوب والأمم يجب تغليب مفهوم العلاقات المتوازنة على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل».
وينهي نوشيروان رده المطول على اتهامات طالباني بالقول: «إن ملخص تقرير طالباني إلى المؤتمر يركز على عدة اتهامات أساسية وهي، أن حركة التغيير تشكلت بالأساس لمعادة الاتحاد الوطني، وهي ضد الفيدرالية في كردستان، وإذا تسنى لهم فإنهم سيفصلون السليمانية عن الإقليم، وأنهم ضد الحركة التحررية الكردية وضد عودة كركوك إلى كردستان، ونحن نعتقد أن تعريف حركة التغيير كونها تشكل خطرا على الحركة الكردية والفيدرالية وحكومة الإقليم والبيشمركة والديمقراطية، واعتبارها قوة معادية للاتحاد الوطني وللشعب الكردي، هدفها تمهيد الأرضية أمام حملة تطهير جسدية ضد حركة التغيير ومناصريها. ولذلك فإننا وبعد نشر هذا التقرير في وسائل الإعلام نحمل طالباني والاتحاد الوطني الكردستاني مسؤولية أي أحداث أو تداعيات غير مرغوب فيها، فهم يتحملون مسؤولية كل التداعيات القادمة».