سلسلة موضوعات تراثية
1- حدثني جدي
كتبه : تحسين يحيى حسن أبو عاصي
(( نقلا على لسان الحاج فؤاد غزال – أبو سهيل - الذي يبلغ من العمر ثلاثة وثمانين عاما من منطقة التفاح في غزة ))
tahsseenn2010@hotmail.com
******************************
في أربعينات القرن الماضي ، لم يكن في مدينة غزة غير مذياع واحد ذو حجم كبير يشبه الصندوق ، وكان خادم مسجد هاشم ابن عبد المناف الواقع في وسط مدينة غزة يفتحه بعد العصر ، كانت البلاد واسعة والبنيان قليل ، وكنت ترى المناطق الزراعية منتشرة في كل مكان ، مزروعة بكل أنواع الفاكهة والخضروات والأشجار المثمرة بما لذ وطاب من الثمار ، وكان الناس بمجرد أن يسمعوا القرآن الكريم للقارئ الشيخ محمد رفعت رحمه الله ، يسارعون من كل حدب وصوب إلى المسجد ، أو يجلسون تحت الأشجار القريبة منه في منطقة تعرف بالسدرة ( نسبة إلى شجرة سدر مزروعة هناك ولا زالت منذ مئات السنين ) يتمتعون بظلالها وبهواء المكان النقي ، فلا ضوضاء تتعب أعصابك ، ولا أبواق سيارات ترهق سمعك .
كانت المنطقة ممتلئة ببساتين مزروعة بأشجار الحمضيات لكبار العائلات ،مثل عائلة أبو رمضان وعائلة خيال وعائلة غزال والنخالة وشراب.... وغيرهم ، وكانت تلك البساتين تبدأ ري أشجارها بعد العصر ، كان في كل بستان ما تعارف الناس على تسميته في ذلك الوقت بـــ ( البابور ) أي موتور ضخم في غرفة كبيرة ، وبمجرد أن يبدأ الموتور بضخ الماء من داخل الأرض إلى الأشجار كنت ترى الناس يتوافدون لتعبئة الماء في أوعيتهم الفخارية الجميلة ، وكانت عبارة عن قطع مختلفة الأشكال والأحجام من الفخار المحروق المصنوع من الطين ، منها الزير و الشربة و القدرة و الجرّة واللجّان والزبدية والبلبل ( للأطفال ) والكراز والكشكولة ........ وفي شهر رمضان المبارك ، كان كل رجل يخرج قبل الغروب وقد ربط بجانب ثيابه وعاءً فخاريا صغيرا اسمه ( لجّانة ) ، بعد أن حظي بتعبئته من بابور الماء ، استعدادا لتناول طعام الفطور ، أو خوفا من العطش الشديد الذي كان يواجهه وهو في طريقه إلى مسجد هاشم ابن عبد المناف ؛ ليستمع للقرآن الكريم في أيام الصيف الحارة .
وبعد أعوام قليلة انتشر المذياع أكثر من قبل ، فتمكن أصحاب المقاهي المركزية من شرائه لجذب الزبائن إليهم ، كان الناس يتجمعون حول المذياع بأعداد كبيرة يستمعون إلى نشرات الأخبار أو إلى أغنية قديمة ، ثم ظهر جهاز التلفاز الغير ملون ( أبيض وأسود فقط ) ، وكان الناس يقصدون المقهى من مكان بعيد للاستمتاع بمشاهدته ، ولقضاء أوقات في التسلية والمرح .
ولم يكن في المدينة غير عدد قليل من أجهزة الهاتف عند كبار العائلات ، وكان الاتصال يتم بواسطة آلة يدوية صغيرة مرتبطة في جهاز الهاتف كانت تعرف -بالمانويلا - ، كان المتصل يحركها بيده حركة دائرية مرات كثيرة ؛ من أحل أن يرد عليه موظف غرفة التحويلة التابعة لشبكة السنترال ، ومن ثم يحولك موظف التحويلة إلى مدينة القدس ، والتي تحولك بدورها إلى البلد ألذي تريد الاتصال به ،وعلى الرغم من الفقر وضيق الحال ، لكن الناس كانوا يحبون بعضهم بعضا ، تربطهم أواصر قوية من التقدير والاحترام والكرم والإخلاص أما اليوم ، فسبحان من يغير الأحوال .
2- الطهي
حضر إليه الضيوف على غير ميعاد سابق ، وكان إكرام الضيف صفة متأصلة عند أجدادنا ، طلب من زوجته إعداد الطعام .
قالت له : لا يوجد لدينا غير خبز الطابون فقط ( فرن شعبي من الطين يوقد بالحطب ) ، وثمار نبات البامية أو البامياء المزروعة في أرضنا ، وكانت من النوع الغير مرغوب ؛ بسبب كبر ثمرتها فالثمرة الطبيعية من 2 – 5 سم أما هذا النوع من النبات ، فقد بلغ طول ثمرته من 20 – 25 سم ، ولم يكن الرجل يملك الطماطم ولا زيتا ولا لحما يستعمله في طهي الطعام .
أرسل الرجل ابنه إلى البقال الذي كان يبعد عنه ساعة ذهابا وأخرى إيابا ؛ ليشتري ما يلزم للطعام فلم يجد شيئا ، وطلب من زوجته أن تعد الطعام كيفما كان .
قدم الرجل الطعام لضيوفه ، وهو عبارة عن بامياء مطهية بالماء فقط ، مضافا إليها الثوم المغلي ، وأقسم جميع الحاضرين أنهم ما أكلوا طعاما أشهى منه قط .
3- حافلة أبي موسى
كانت حافلة واحدة للركاب في مدينة غزة يقودها الحاج أبو موسى في فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي ، وكان بجواره موظف يعمل على تشغيل الحافلة بواسطة المانويلا وهي آلة يدوية من الحديد بدلا من مفتاح تشغيل السيارة اليوم ، وكان يقوم بتشغيل الحافلة من خارجها أي ليس من داخلها كما هو مألوف اليوم ، كما كان هذا الموظف هو الذي يأخذ من الركاب الأجرة ، وكان يعمل على تجهيز أرجيلة الحاج موسى الذي كان يضعها بجانبه طول مدة عمله داخل الحافلة ، يسحب من بربيجها طول الطريق ذهابا وإيابا وطربوشه الأحمر على رأسه .
كان في مدينة غزة سيارتان فقط أو ثلاث ، يعملن على الطريق ، ولم يكن غير طريق واحد فقط في غزة وهو الطريق الموصل ما بين البحر غربا وميدان وسط غزة شرقا ( وهو ميدان فلسطين حديثا ) بمسافة تقدر بثلاثة كيلو مترات تقريبا ، ولا يتسع لأكثر من سيارة واحدة ، وهو الطريق المعروف حتى اليوم بشارع عمر المختار ( شارع المدينة المركزي ) . يتبع بإذن الله وإلى اللقاء .
www.tahsseen.malware-site.www مدونتي : واحة الكتاب والأدباء المغمورين
1- حدثني جدي
كتبه : تحسين يحيى حسن أبو عاصي
(( نقلا على لسان الحاج فؤاد غزال – أبو سهيل - الذي يبلغ من العمر ثلاثة وثمانين عاما من منطقة التفاح في غزة ))
tahsseenn2010@hotmail.com
******************************
في أربعينات القرن الماضي ، لم يكن في مدينة غزة غير مذياع واحد ذو حجم كبير يشبه الصندوق ، وكان خادم مسجد هاشم ابن عبد المناف الواقع في وسط مدينة غزة يفتحه بعد العصر ، كانت البلاد واسعة والبنيان قليل ، وكنت ترى المناطق الزراعية منتشرة في كل مكان ، مزروعة بكل أنواع الفاكهة والخضروات والأشجار المثمرة بما لذ وطاب من الثمار ، وكان الناس بمجرد أن يسمعوا القرآن الكريم للقارئ الشيخ محمد رفعت رحمه الله ، يسارعون من كل حدب وصوب إلى المسجد ، أو يجلسون تحت الأشجار القريبة منه في منطقة تعرف بالسدرة ( نسبة إلى شجرة سدر مزروعة هناك ولا زالت منذ مئات السنين ) يتمتعون بظلالها وبهواء المكان النقي ، فلا ضوضاء تتعب أعصابك ، ولا أبواق سيارات ترهق سمعك .
كانت المنطقة ممتلئة ببساتين مزروعة بأشجار الحمضيات لكبار العائلات ،مثل عائلة أبو رمضان وعائلة خيال وعائلة غزال والنخالة وشراب.... وغيرهم ، وكانت تلك البساتين تبدأ ري أشجارها بعد العصر ، كان في كل بستان ما تعارف الناس على تسميته في ذلك الوقت بـــ ( البابور ) أي موتور ضخم في غرفة كبيرة ، وبمجرد أن يبدأ الموتور بضخ الماء من داخل الأرض إلى الأشجار كنت ترى الناس يتوافدون لتعبئة الماء في أوعيتهم الفخارية الجميلة ، وكانت عبارة عن قطع مختلفة الأشكال والأحجام من الفخار المحروق المصنوع من الطين ، منها الزير و الشربة و القدرة و الجرّة واللجّان والزبدية والبلبل ( للأطفال ) والكراز والكشكولة ........ وفي شهر رمضان المبارك ، كان كل رجل يخرج قبل الغروب وقد ربط بجانب ثيابه وعاءً فخاريا صغيرا اسمه ( لجّانة ) ، بعد أن حظي بتعبئته من بابور الماء ، استعدادا لتناول طعام الفطور ، أو خوفا من العطش الشديد الذي كان يواجهه وهو في طريقه إلى مسجد هاشم ابن عبد المناف ؛ ليستمع للقرآن الكريم في أيام الصيف الحارة .
وبعد أعوام قليلة انتشر المذياع أكثر من قبل ، فتمكن أصحاب المقاهي المركزية من شرائه لجذب الزبائن إليهم ، كان الناس يتجمعون حول المذياع بأعداد كبيرة يستمعون إلى نشرات الأخبار أو إلى أغنية قديمة ، ثم ظهر جهاز التلفاز الغير ملون ( أبيض وأسود فقط ) ، وكان الناس يقصدون المقهى من مكان بعيد للاستمتاع بمشاهدته ، ولقضاء أوقات في التسلية والمرح .
ولم يكن في المدينة غير عدد قليل من أجهزة الهاتف عند كبار العائلات ، وكان الاتصال يتم بواسطة آلة يدوية صغيرة مرتبطة في جهاز الهاتف كانت تعرف -بالمانويلا - ، كان المتصل يحركها بيده حركة دائرية مرات كثيرة ؛ من أحل أن يرد عليه موظف غرفة التحويلة التابعة لشبكة السنترال ، ومن ثم يحولك موظف التحويلة إلى مدينة القدس ، والتي تحولك بدورها إلى البلد ألذي تريد الاتصال به ،وعلى الرغم من الفقر وضيق الحال ، لكن الناس كانوا يحبون بعضهم بعضا ، تربطهم أواصر قوية من التقدير والاحترام والكرم والإخلاص أما اليوم ، فسبحان من يغير الأحوال .
2- الطهي
حضر إليه الضيوف على غير ميعاد سابق ، وكان إكرام الضيف صفة متأصلة عند أجدادنا ، طلب من زوجته إعداد الطعام .
قالت له : لا يوجد لدينا غير خبز الطابون فقط ( فرن شعبي من الطين يوقد بالحطب ) ، وثمار نبات البامية أو البامياء المزروعة في أرضنا ، وكانت من النوع الغير مرغوب ؛ بسبب كبر ثمرتها فالثمرة الطبيعية من 2 – 5 سم أما هذا النوع من النبات ، فقد بلغ طول ثمرته من 20 – 25 سم ، ولم يكن الرجل يملك الطماطم ولا زيتا ولا لحما يستعمله في طهي الطعام .
أرسل الرجل ابنه إلى البقال الذي كان يبعد عنه ساعة ذهابا وأخرى إيابا ؛ ليشتري ما يلزم للطعام فلم يجد شيئا ، وطلب من زوجته أن تعد الطعام كيفما كان .
قدم الرجل الطعام لضيوفه ، وهو عبارة عن بامياء مطهية بالماء فقط ، مضافا إليها الثوم المغلي ، وأقسم جميع الحاضرين أنهم ما أكلوا طعاما أشهى منه قط .
3- حافلة أبي موسى
كانت حافلة واحدة للركاب في مدينة غزة يقودها الحاج أبو موسى في فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي ، وكان بجواره موظف يعمل على تشغيل الحافلة بواسطة المانويلا وهي آلة يدوية من الحديد بدلا من مفتاح تشغيل السيارة اليوم ، وكان يقوم بتشغيل الحافلة من خارجها أي ليس من داخلها كما هو مألوف اليوم ، كما كان هذا الموظف هو الذي يأخذ من الركاب الأجرة ، وكان يعمل على تجهيز أرجيلة الحاج موسى الذي كان يضعها بجانبه طول مدة عمله داخل الحافلة ، يسحب من بربيجها طول الطريق ذهابا وإيابا وطربوشه الأحمر على رأسه .
كان في مدينة غزة سيارتان فقط أو ثلاث ، يعملن على الطريق ، ولم يكن غير طريق واحد فقط في غزة وهو الطريق الموصل ما بين البحر غربا وميدان وسط غزة شرقا ( وهو ميدان فلسطين حديثا ) بمسافة تقدر بثلاثة كيلو مترات تقريبا ، ولا يتسع لأكثر من سيارة واحدة ، وهو الطريق المعروف حتى اليوم بشارع عمر المختار ( شارع المدينة المركزي ) . يتبع بإذن الله وإلى اللقاء .
www.tahsseen.malware-site.www مدونتي : واحة الكتاب والأدباء المغمورين