تعدد الزوجات
تعدد الزوجات من الطرائف ذات الدلالات العميقة التي نقرأها يومياً في الصحف قصة تلك المرأة السعودية التي انتقمت من زوجها الخائن بذكاء مشروع ! فقد فاجأها بعد أن قضت معه نصف سني عمرها كزوجة مشاركة له في السراء و الضراء و المال و البنين مادياً و معنوياً و في بناء بيت العمر، فلة على أحسن طراز ، فاجأها بعروس جديدة و ضعها في الطابق العلوي من الفلة!! تمالكت أعصابها و لم تبدِ أي رد فعل و أوهمته بالهدوء و البرود حتى تحقق مأربها فطلبت منه أن يعطيها حقها في البيت ، فيكتب نصفه باسمها ففعل ، و ما أن أتم ذلك حتى رفعت عليه قضية طالبة الطلاق ، تدخل الوسطاء لثنيها و لكن جهودهم لم تجدِ، و تم الطلاق ، و ما أن أتمت العدة حتى تزوجت رجلاً آخر أسكنته معها في الطابق السفلي لتذيق لزوجها السابق ما أذاقها و بطريق مشروع مباح لا غبار عليه كما فعل هو تماماً و لكن مالبث الحال كذلك لأكثر من شهر حتى وصل زوجها السابق لمستشفى الأمراض العقليةهذه القصة لها دلالات عميقة و أشهد بأنها أثلجت قلوب معظم المتزوجات، و لو عرفن اسمها لما استبعد حملهن صورها و تحويلها لرمز أيضاً !! إن موضوع تعدد الزوجات أثار كثيراً من الجدل و اللغط في العصر الحديث سواءً من ناحية التشريع أو التطبيق بل يكاد يكون أول سؤال تطرحه أي امرأة تريد الدخول في الإسلام أو أن تتعرف عليه ، ففي إحدى حلقات برنامج أصدقاء العرب الذي تبثه قناة الجزيرة تشرح الضيفة الغربية المسيحية المتزوجة من فلسطيني مسلم انطباعاتها الأولى عن المجتمع العربي المسلم و ما أعجبها فيه و تروي كيف أنها بعد أن استقر بها الحال في سوريا، جاءها الجيران و عرضوا عليها الإسلام فأبدت إعجابها بالشرق و لكن لديها سؤال واحد فقط يستوقفها عن الدخول في الإسلام و هو: ما هي مكانة المرأة فيه؟ و ما حقيقة الأحكام المتعلقة بها و خصوصاً تعدد الزوجات؟الكثير من الباحثين الإسلاميين يميلون للطرح التبريري للفقه الإسلامي ، و الفقه بطبيعة الحال هو ليس بالضرورة مطابقاً للمراد الإلهي من النص، و إنما هو اجتهاد بشري قابل للتطوير و التعديل باختلاف المجتهدين و اختلاف الأزمان و إن كان الطرح التبريري مطلوب و لكن الطرح النقدي الفاحص أيضاً مطلوب بغرض الترشيد و الوصول للأمثل فالأمثل في ضوء الضوابط الشرعية طبعاً ، و لم تحظ قضية بالأخذ و الرد مثل قضية الفقه النسوي في الإسلام ، بين الإسلاميين و غير الإسلاميين ، و بين التقليديين و المجددين من الإسلاميين ، فهناك من فسر تعدد النساء بأنه حكم خاص بالأرامل منهن لأجل رعاية أيتامهن، و هناك من فسره بانه تدرج من الشارع نحو التحريم كما حدث في موضوع العبودية بتجفيف منابعها حتى انتهت و يستدل بأن التعدد قبل الإسلام كان بلا حد فجاء الإسلام و قيد التعدد بأربع ثم أوجب العدل في النفقة حيث ( فإن لم تستطيعوا أن تعدلوا فواحدة ) و أوضح أن العدالة القلبية مستحيلة ( و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء لو حرصتم ) و على أساسها أوصى بمراعاة ضعيفة الحظ من المحبة القلبية بقوله ( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) ، و بمدحه سبحانه للعلاقات الزوجية الأحادية و اعتباره لها من آياته العظيمة ( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً و جعل بينكم مودةً و رحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) و اعتباره لها بأنها هي الطبيعية و حتى الأمثلة من العلاقات الزوجية المذكورة في القرآن الكريم هي كلها أحادية مثل آدم و حواء، زكريا و زوجته، و غيرها.. هذا كله جعل أصحاب هذا الرأي يرون بأنه سبحانه إنما أراد التدرج من التعدد الواسع جداً إلى الأضيق ( أربع ) ثم شيئاً فشيئاً حتى القضاء على الظاهرة كما فعل في موضوع العبودية، حيث جعل عتق الرقاب من أعظم الأعمال و مكفرات الذنوب حتى انتهت العبودية ولم يحرمها بشكل مباشر، في حين يرى آخرون بأن هذا الرأي مثالي جداً غير واقعي حيث أن الأزواج ليسوا جميعهم متكافئون و سعداء و عشاق و أحبة و ذلك يقتضي التعدد الذي هو أفضل من طلاق الأولى ، إضافة إلى وجود العوانس إلى آخره من المبررات ، و بغض النظر عن درجة الصحة و الأحقية في كل من الرأيين فإن هناك أمور لابد من الالتفات لها و وضعها في الحسبان لدى كل دارس:أهمها معايشة الواقع عند التنظير،وحساب السلبيات والإيجابيات ، والأخذ بروح النص في الحسبان كيلا يتم التحايل عليه و ينقلب عند التطبيق إلى عكسه.فمن الأمورالتي ينبغي الالتفات لها ووضعها في الحسبان ،هي:أولاً : صحيح أنه هناك نسبة كبيرة من العنوسة حيث أنه في البحرين وحدها حسب آخر إحصائية خمسون ألف عانس و في السعودية نصف مليون .. إلخ مما تم تناوله في بحث سابق ، و هناك زيجات كثيرة غير متكافئة أو سعيدة ، و لكن هناك أيضاً حالة طلاق كل يومين في البحرين ( بنسبة 45% حسب إحصائية 2001 ) والتي تعتبر السادسة عربياً في عدد حالات الطلاق حسب آخر إحصائية معلنة و الطلاق هذا له أسباب كثيرة منها بلا شك التطبيق غير المرشد لحكم التعدد و نسبة التعدد في البحرين في العام 81 كانت 32.2% أما المعلنة في العام 2001 فقد بلغت تقريباً 1.19% أما الغير معلنة من متعة و مسيار و علاقات محرمة فحدث ولا حرج فهي أكثر بكثير ، والنسبة المذكورة تبدو غير واقعية ولعل من أسباب ذلك لجوء الزوجة الأولى للطلاق أو اشتراط الزوجة الجديدة على الزوج بتطليق الأولى.ثانياً: لدي تساؤل لماذا لا يتم تضمين الأخلاق في الجانب الفقهي، بمعنى عدم النظر للأحكام الفقهية بمعزل عن المبادئ الأخلاقية التي أمر بها الشرع ، فإذا كانت هناك أخلاقيات في التجارة و البيع حتى ورد حرمة البيع على البيع ( و لا يبع أحدكم على بيع بعض ) فالبيع أصلاً حلال ( كما في تعدد الزوجات ) و لكن إذا تقاطع هذا الحكم مع حكم آخر وهو مراعاة الأخوة الإسلامية عندئذ يحرم هذا البيع، و كيف تكون هناك أخلاقيات حتى في الحرب ( و لا تقطعوا شجرة و لا تهدموا كنيسة ،و.. ) و في الخطبة حيث أن ( الخطبة على الخطبة حرام ) على رأي جمهور الفقهاء و منهم الخميني و السيد محمد حسين فضل الله فلا يجوز لمؤمن أن يخطب فتاة متقدم غيره لخطبتها في نفس الوقت كيلا يؤثر عليه، مع أن الخطبة في الأصل مباحة و لكن تقاطعها في هذه الحال مع الجانب الخلقي حرمها فالحديث يقول ( تخلّقوا بأخلاق الله ) و ( إنما بُعثت لأتتم مكارم الأخلاق ). فإذا كان الحال كذلك فلماذا لا تكون هناك أخلاقيات في التزام الزوج بعهده لزوجته و الزواج هو اقدس رابطة و أكثر ما اهتم به الشارع ففصّل فيه آيات طوال طوال و لم يفعل بشأنه ما فعل بموضوع الصلاة مثلاً و الزكاة و الصيام، حيث اكتفى بالأمر بهم في القرآن و التوضيح جعله على السنة، أما العلاقات الزوجية ففصّل فيها القرآن تفصيلاً كثيراً لأن الأسرة هي نواة المجتمع و أساسه، فإذا صلحت صلح المجتمع بأكمله. نعود فنقول لماذا لا يؤخذ الجانب الأخلاقي في هذا الأمر ؟ فالتعدد مباح و لكن إذا تقاطع مع الوجوب الأخلاقي بالالتزام بالعهد هل يبقى كذلك ؟ أليس سبحانه يقول ( و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً ) و أياً كان العهد هو بين الإنسان و ربه أم بين الإنسان و أخيه و أليس من صفات المنافق المذكورة في الحديث هي خيانة الوعد ( علامات المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب و إذا وعد أخلف و إذا أؤتمن خان ) أليس الإسلام دين الأخلاق و ( تخلّقوا باخلاق الله ) و الحديث يقول ( لا تحاسدوا و لا تباغضوا ولا يبع أحدكم على بيع بعض ) أليس التعدد هو من أكبر دواعي التحاسد و التباغض بين الإناث اللواتي هن أساس المجتمع و الحضون المربية ( الأم مدرسةٌ إذا أعددتها ) إن الشاب إذا تقدم لخطبة فتاة فإن الاتفاق الضمني بينهما في بداية الزواج هو أن يكون لها وحدها و لذلك تعطيه أفضل ما لديها معنوياً و مادياً و تضحي لأجله بكل شيء ، و لكنه عندما يغدر بها و يخون العهد معها فيتزوج غيرها تحاول سحب كل ما أعطته إياه وأنى لها ما ذهب من صحتها و شبابها و مالها، هذا غير أن القوانين لا تحميها ولاتنصفها والأعراف المجتمعية بعيدة كل البعد عن روح الإسلام.
ِلست ضد التعدد كخيار مطروح و لكن الكلام في ترشيد استعمالات هذا الخيار بمعنى عدم جعله يتعارض مع - لا أقول خيار – و لكن مع وجوب الالتزام بالأخلاق الإسلامية التي نص عليها الشارع في وجوب الالتزام بالعهد ، ليكن الرجل واضحاً مع من يريد تزوجها منذ البداية إن كان لها وحدها أم أنها ضمن مجموعة زوجات ( بما فيهن المتعة أو المسيار ) و كل واحدة تختار على حسب ظروفها فالتي ظروفها تجلب لها زواجاً أحادياً ترفض و التي ظروفها لا تجلب لها أفضل من ذلك تقبل و بذلك لا يكون هناك خيانة عهد ، أما أن يتزوج أفضل الموجود ثم يخدعها فذلك حتماً ليس من روح الإسلام، و رسول الله (ص) مارس الزواج الأحادي كما أنه مارس التعدد دون أن يقع في رذيلة الخيانة حيث كان واضحاً في كلتا الحالتين منذ البداية.. يسعدني أن أرى الزواج الأحادي السعيد ، كما يسعدني أن أرى الزواج المتعدد ( على طريقة الحاج متولي ) بشرط ألا يتضمن خيانة ، و قد رأيت واقعاً أحد رجال الدين خطب امرأة و قال لها في الخطبة أنه سيتزوج معها 3 نساء و هي حرة في الاختيار، فإن أمكن ممارسة التعدد دون الإخلال بوعد صريح أو ضمني قطعه الزوج لزوجته فشيء جيد و لكن أن يحول حكم من عامل بناء إلى عامل هدم لا مثيل له للأسر و نخلط الاوراق و نقول شرع الله سبحانه و تعالى فذلك خلط واضح بين ، فالشرع وضع خيارات هذا من ضمنها و وضع خطوط حمراء و التزامات منها الالتزام بالعهد الذي هو من أهم عناصر الأخلاق الإسلامية، إن عقد الزواج مثل بقية العقود من بيع و تجارة، بل أهمها و أقدسها ، مطلوب فيه كما فيها الوضوح منذ البداية، إن الطريقة الممارسة حالياً في التعدد حولته لأكبر عامل هدم للأسر، فالحكم الشرعي إذا لم يفهم مقصده و لم يرشد يُساء استغلاله مثل كل قانون لا توضع له ضوابط ، فالقانون لا يحمي نفسه حيث يتم التحايل عليه ، و لذلك فإنه من الضرورة الاهتمام بمقاصد الشريعة او كما يسميه بعض العلماء مثل السيد محمد تقي المدرسي و الدكتور محمد الزحيلي والشيخ حميد المبارك وغيرهم بالفقه المقاصدي ، و إلا تحولت الكثير من الأحكام إلى ضدها ، فالصلاة في حد ذاتها تربية للروح و لكن أن يعكف شخص على الصلاة و يترك كل أمور الدنيا يحولها لعامل هدم ، إننا نجد بأن كثيرا من الرجال تحولوا لحيوانات تسعى لإرضاء شهوتها فقط بدون أدنى توقف حتى وقعوا في الحرام و المرأة يبرر التزوج عليها بأتفه الأسباب في حين لا يبرر طلاق المرأة لزوجها إلا للمعضلات ، نعم نرى أسراً مهدمة بلا عدد بسبب هذا الأمر بل أن الرجل بعد أن يخون زوجته و تطلب الطلاق عتد الصدمة يطلب منها تعويضاً مادياً خيالياً مع أنه سبحانه و تعالى يقول ( و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) النساء: 19و حتى في حال أراد الزوج طلاق زوجته لأجل زوجة جديدة و هو ما يحدث بكثرة ،أليس من الأخلاق في حال ميل قلبه لغيرها هو إما أن يبقيها و يسترضيها بما تشاء بعد الإذن منها طبعاً أو يطلقها مع تعويض يمنحها إياه عن كل ما أحدثه لها من ضرر؟ أليست هذه هي الأخلاق الإسلامية؟ و الله سبحانه و تعالى يقول ( و إن أردتم استبدال زوج مكان زوج و آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً و إثماً مبينا ) النساء: 20 ، و هذا كله خلاف الواقع، إن من الفقهاء الذين يستشعرون مآسي النساء وهوآية الله الشيخ يوسف صانعي قد أفتى بكراهة الزواج الثاني (وقبله الشيخ الطوسي ) و بعدم جوازه إلا بعد أخذ الإذن من الأولى،وقد ضمن هذا الحكم في قانون الأحوال في كل من إيران ومصر ، و بعض الفقهاء أفتى بأنه في حال الطلاق بعد عمر طويل قضاه الزوج مع زوجته كون خلاله مستقبله المادي فإن لها نصف ما يملك الزوج من منزل و مال ، وقد ضمن هذا الحكم أيضا في قانون الأحوال الإيراني ، وهكذا نرى بأن النظر للنصوص الشرعية بتمعن و بالأخذ في الاعتبار بمقاصد الشريعة يحميها من الانقلاب لعكس مرادها و يعطينا فهما فقهيا يكون قاعدة لحياة لا حيف فيها ولا ظلم فسبحانه جميل لايمكن أن يصدر منه غير الجميل
تعدد الزوجات من الطرائف ذات الدلالات العميقة التي نقرأها يومياً في الصحف قصة تلك المرأة السعودية التي انتقمت من زوجها الخائن بذكاء مشروع ! فقد فاجأها بعد أن قضت معه نصف سني عمرها كزوجة مشاركة له في السراء و الضراء و المال و البنين مادياً و معنوياً و في بناء بيت العمر، فلة على أحسن طراز ، فاجأها بعروس جديدة و ضعها في الطابق العلوي من الفلة!! تمالكت أعصابها و لم تبدِ أي رد فعل و أوهمته بالهدوء و البرود حتى تحقق مأربها فطلبت منه أن يعطيها حقها في البيت ، فيكتب نصفه باسمها ففعل ، و ما أن أتم ذلك حتى رفعت عليه قضية طالبة الطلاق ، تدخل الوسطاء لثنيها و لكن جهودهم لم تجدِ، و تم الطلاق ، و ما أن أتمت العدة حتى تزوجت رجلاً آخر أسكنته معها في الطابق السفلي لتذيق لزوجها السابق ما أذاقها و بطريق مشروع مباح لا غبار عليه كما فعل هو تماماً و لكن مالبث الحال كذلك لأكثر من شهر حتى وصل زوجها السابق لمستشفى الأمراض العقليةهذه القصة لها دلالات عميقة و أشهد بأنها أثلجت قلوب معظم المتزوجات، و لو عرفن اسمها لما استبعد حملهن صورها و تحويلها لرمز أيضاً !! إن موضوع تعدد الزوجات أثار كثيراً من الجدل و اللغط في العصر الحديث سواءً من ناحية التشريع أو التطبيق بل يكاد يكون أول سؤال تطرحه أي امرأة تريد الدخول في الإسلام أو أن تتعرف عليه ، ففي إحدى حلقات برنامج أصدقاء العرب الذي تبثه قناة الجزيرة تشرح الضيفة الغربية المسيحية المتزوجة من فلسطيني مسلم انطباعاتها الأولى عن المجتمع العربي المسلم و ما أعجبها فيه و تروي كيف أنها بعد أن استقر بها الحال في سوريا، جاءها الجيران و عرضوا عليها الإسلام فأبدت إعجابها بالشرق و لكن لديها سؤال واحد فقط يستوقفها عن الدخول في الإسلام و هو: ما هي مكانة المرأة فيه؟ و ما حقيقة الأحكام المتعلقة بها و خصوصاً تعدد الزوجات؟الكثير من الباحثين الإسلاميين يميلون للطرح التبريري للفقه الإسلامي ، و الفقه بطبيعة الحال هو ليس بالضرورة مطابقاً للمراد الإلهي من النص، و إنما هو اجتهاد بشري قابل للتطوير و التعديل باختلاف المجتهدين و اختلاف الأزمان و إن كان الطرح التبريري مطلوب و لكن الطرح النقدي الفاحص أيضاً مطلوب بغرض الترشيد و الوصول للأمثل فالأمثل في ضوء الضوابط الشرعية طبعاً ، و لم تحظ قضية بالأخذ و الرد مثل قضية الفقه النسوي في الإسلام ، بين الإسلاميين و غير الإسلاميين ، و بين التقليديين و المجددين من الإسلاميين ، فهناك من فسر تعدد النساء بأنه حكم خاص بالأرامل منهن لأجل رعاية أيتامهن، و هناك من فسره بانه تدرج من الشارع نحو التحريم كما حدث في موضوع العبودية بتجفيف منابعها حتى انتهت و يستدل بأن التعدد قبل الإسلام كان بلا حد فجاء الإسلام و قيد التعدد بأربع ثم أوجب العدل في النفقة حيث ( فإن لم تستطيعوا أن تعدلوا فواحدة ) و أوضح أن العدالة القلبية مستحيلة ( و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء لو حرصتم ) و على أساسها أوصى بمراعاة ضعيفة الحظ من المحبة القلبية بقوله ( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) ، و بمدحه سبحانه للعلاقات الزوجية الأحادية و اعتباره لها من آياته العظيمة ( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً و جعل بينكم مودةً و رحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) و اعتباره لها بأنها هي الطبيعية و حتى الأمثلة من العلاقات الزوجية المذكورة في القرآن الكريم هي كلها أحادية مثل آدم و حواء، زكريا و زوجته، و غيرها.. هذا كله جعل أصحاب هذا الرأي يرون بأنه سبحانه إنما أراد التدرج من التعدد الواسع جداً إلى الأضيق ( أربع ) ثم شيئاً فشيئاً حتى القضاء على الظاهرة كما فعل في موضوع العبودية، حيث جعل عتق الرقاب من أعظم الأعمال و مكفرات الذنوب حتى انتهت العبودية ولم يحرمها بشكل مباشر، في حين يرى آخرون بأن هذا الرأي مثالي جداً غير واقعي حيث أن الأزواج ليسوا جميعهم متكافئون و سعداء و عشاق و أحبة و ذلك يقتضي التعدد الذي هو أفضل من طلاق الأولى ، إضافة إلى وجود العوانس إلى آخره من المبررات ، و بغض النظر عن درجة الصحة و الأحقية في كل من الرأيين فإن هناك أمور لابد من الالتفات لها و وضعها في الحسبان لدى كل دارس:أهمها معايشة الواقع عند التنظير،وحساب السلبيات والإيجابيات ، والأخذ بروح النص في الحسبان كيلا يتم التحايل عليه و ينقلب عند التطبيق إلى عكسه.فمن الأمورالتي ينبغي الالتفات لها ووضعها في الحسبان ،هي:أولاً : صحيح أنه هناك نسبة كبيرة من العنوسة حيث أنه في البحرين وحدها حسب آخر إحصائية خمسون ألف عانس و في السعودية نصف مليون .. إلخ مما تم تناوله في بحث سابق ، و هناك زيجات كثيرة غير متكافئة أو سعيدة ، و لكن هناك أيضاً حالة طلاق كل يومين في البحرين ( بنسبة 45% حسب إحصائية 2001 ) والتي تعتبر السادسة عربياً في عدد حالات الطلاق حسب آخر إحصائية معلنة و الطلاق هذا له أسباب كثيرة منها بلا شك التطبيق غير المرشد لحكم التعدد و نسبة التعدد في البحرين في العام 81 كانت 32.2% أما المعلنة في العام 2001 فقد بلغت تقريباً 1.19% أما الغير معلنة من متعة و مسيار و علاقات محرمة فحدث ولا حرج فهي أكثر بكثير ، والنسبة المذكورة تبدو غير واقعية ولعل من أسباب ذلك لجوء الزوجة الأولى للطلاق أو اشتراط الزوجة الجديدة على الزوج بتطليق الأولى.ثانياً: لدي تساؤل لماذا لا يتم تضمين الأخلاق في الجانب الفقهي، بمعنى عدم النظر للأحكام الفقهية بمعزل عن المبادئ الأخلاقية التي أمر بها الشرع ، فإذا كانت هناك أخلاقيات في التجارة و البيع حتى ورد حرمة البيع على البيع ( و لا يبع أحدكم على بيع بعض ) فالبيع أصلاً حلال ( كما في تعدد الزوجات ) و لكن إذا تقاطع هذا الحكم مع حكم آخر وهو مراعاة الأخوة الإسلامية عندئذ يحرم هذا البيع، و كيف تكون هناك أخلاقيات حتى في الحرب ( و لا تقطعوا شجرة و لا تهدموا كنيسة ،و.. ) و في الخطبة حيث أن ( الخطبة على الخطبة حرام ) على رأي جمهور الفقهاء و منهم الخميني و السيد محمد حسين فضل الله فلا يجوز لمؤمن أن يخطب فتاة متقدم غيره لخطبتها في نفس الوقت كيلا يؤثر عليه، مع أن الخطبة في الأصل مباحة و لكن تقاطعها في هذه الحال مع الجانب الخلقي حرمها فالحديث يقول ( تخلّقوا بأخلاق الله ) و ( إنما بُعثت لأتتم مكارم الأخلاق ). فإذا كان الحال كذلك فلماذا لا تكون هناك أخلاقيات في التزام الزوج بعهده لزوجته و الزواج هو اقدس رابطة و أكثر ما اهتم به الشارع ففصّل فيه آيات طوال طوال و لم يفعل بشأنه ما فعل بموضوع الصلاة مثلاً و الزكاة و الصيام، حيث اكتفى بالأمر بهم في القرآن و التوضيح جعله على السنة، أما العلاقات الزوجية ففصّل فيها القرآن تفصيلاً كثيراً لأن الأسرة هي نواة المجتمع و أساسه، فإذا صلحت صلح المجتمع بأكمله. نعود فنقول لماذا لا يؤخذ الجانب الأخلاقي في هذا الأمر ؟ فالتعدد مباح و لكن إذا تقاطع مع الوجوب الأخلاقي بالالتزام بالعهد هل يبقى كذلك ؟ أليس سبحانه يقول ( و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً ) و أياً كان العهد هو بين الإنسان و ربه أم بين الإنسان و أخيه و أليس من صفات المنافق المذكورة في الحديث هي خيانة الوعد ( علامات المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب و إذا وعد أخلف و إذا أؤتمن خان ) أليس الإسلام دين الأخلاق و ( تخلّقوا باخلاق الله ) و الحديث يقول ( لا تحاسدوا و لا تباغضوا ولا يبع أحدكم على بيع بعض ) أليس التعدد هو من أكبر دواعي التحاسد و التباغض بين الإناث اللواتي هن أساس المجتمع و الحضون المربية ( الأم مدرسةٌ إذا أعددتها ) إن الشاب إذا تقدم لخطبة فتاة فإن الاتفاق الضمني بينهما في بداية الزواج هو أن يكون لها وحدها و لذلك تعطيه أفضل ما لديها معنوياً و مادياً و تضحي لأجله بكل شيء ، و لكنه عندما يغدر بها و يخون العهد معها فيتزوج غيرها تحاول سحب كل ما أعطته إياه وأنى لها ما ذهب من صحتها و شبابها و مالها، هذا غير أن القوانين لا تحميها ولاتنصفها والأعراف المجتمعية بعيدة كل البعد عن روح الإسلام.
ِلست ضد التعدد كخيار مطروح و لكن الكلام في ترشيد استعمالات هذا الخيار بمعنى عدم جعله يتعارض مع - لا أقول خيار – و لكن مع وجوب الالتزام بالأخلاق الإسلامية التي نص عليها الشارع في وجوب الالتزام بالعهد ، ليكن الرجل واضحاً مع من يريد تزوجها منذ البداية إن كان لها وحدها أم أنها ضمن مجموعة زوجات ( بما فيهن المتعة أو المسيار ) و كل واحدة تختار على حسب ظروفها فالتي ظروفها تجلب لها زواجاً أحادياً ترفض و التي ظروفها لا تجلب لها أفضل من ذلك تقبل و بذلك لا يكون هناك خيانة عهد ، أما أن يتزوج أفضل الموجود ثم يخدعها فذلك حتماً ليس من روح الإسلام، و رسول الله (ص) مارس الزواج الأحادي كما أنه مارس التعدد دون أن يقع في رذيلة الخيانة حيث كان واضحاً في كلتا الحالتين منذ البداية.. يسعدني أن أرى الزواج الأحادي السعيد ، كما يسعدني أن أرى الزواج المتعدد ( على طريقة الحاج متولي ) بشرط ألا يتضمن خيانة ، و قد رأيت واقعاً أحد رجال الدين خطب امرأة و قال لها في الخطبة أنه سيتزوج معها 3 نساء و هي حرة في الاختيار، فإن أمكن ممارسة التعدد دون الإخلال بوعد صريح أو ضمني قطعه الزوج لزوجته فشيء جيد و لكن أن يحول حكم من عامل بناء إلى عامل هدم لا مثيل له للأسر و نخلط الاوراق و نقول شرع الله سبحانه و تعالى فذلك خلط واضح بين ، فالشرع وضع خيارات هذا من ضمنها و وضع خطوط حمراء و التزامات منها الالتزام بالعهد الذي هو من أهم عناصر الأخلاق الإسلامية، إن عقد الزواج مثل بقية العقود من بيع و تجارة، بل أهمها و أقدسها ، مطلوب فيه كما فيها الوضوح منذ البداية، إن الطريقة الممارسة حالياً في التعدد حولته لأكبر عامل هدم للأسر، فالحكم الشرعي إذا لم يفهم مقصده و لم يرشد يُساء استغلاله مثل كل قانون لا توضع له ضوابط ، فالقانون لا يحمي نفسه حيث يتم التحايل عليه ، و لذلك فإنه من الضرورة الاهتمام بمقاصد الشريعة او كما يسميه بعض العلماء مثل السيد محمد تقي المدرسي و الدكتور محمد الزحيلي والشيخ حميد المبارك وغيرهم بالفقه المقاصدي ، و إلا تحولت الكثير من الأحكام إلى ضدها ، فالصلاة في حد ذاتها تربية للروح و لكن أن يعكف شخص على الصلاة و يترك كل أمور الدنيا يحولها لعامل هدم ، إننا نجد بأن كثيرا من الرجال تحولوا لحيوانات تسعى لإرضاء شهوتها فقط بدون أدنى توقف حتى وقعوا في الحرام و المرأة يبرر التزوج عليها بأتفه الأسباب في حين لا يبرر طلاق المرأة لزوجها إلا للمعضلات ، نعم نرى أسراً مهدمة بلا عدد بسبب هذا الأمر بل أن الرجل بعد أن يخون زوجته و تطلب الطلاق عتد الصدمة يطلب منها تعويضاً مادياً خيالياً مع أنه سبحانه و تعالى يقول ( و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) النساء: 19و حتى في حال أراد الزوج طلاق زوجته لأجل زوجة جديدة و هو ما يحدث بكثرة ،أليس من الأخلاق في حال ميل قلبه لغيرها هو إما أن يبقيها و يسترضيها بما تشاء بعد الإذن منها طبعاً أو يطلقها مع تعويض يمنحها إياه عن كل ما أحدثه لها من ضرر؟ أليست هذه هي الأخلاق الإسلامية؟ و الله سبحانه و تعالى يقول ( و إن أردتم استبدال زوج مكان زوج و آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً و إثماً مبينا ) النساء: 20 ، و هذا كله خلاف الواقع، إن من الفقهاء الذين يستشعرون مآسي النساء وهوآية الله الشيخ يوسف صانعي قد أفتى بكراهة الزواج الثاني (وقبله الشيخ الطوسي ) و بعدم جوازه إلا بعد أخذ الإذن من الأولى،وقد ضمن هذا الحكم في قانون الأحوال في كل من إيران ومصر ، و بعض الفقهاء أفتى بأنه في حال الطلاق بعد عمر طويل قضاه الزوج مع زوجته كون خلاله مستقبله المادي فإن لها نصف ما يملك الزوج من منزل و مال ، وقد ضمن هذا الحكم أيضا في قانون الأحوال الإيراني ، وهكذا نرى بأن النظر للنصوص الشرعية بتمعن و بالأخذ في الاعتبار بمقاصد الشريعة يحميها من الانقلاب لعكس مرادها و يعطينا فهما فقهيا يكون قاعدة لحياة لا حيف فيها ولا ظلم فسبحانه جميل لايمكن أن يصدر منه غير الجميل