المناصب ..تغدر بأهلها
-----------------------------
دفعني لهذا الموضوع ما رأيته في الأسبوع المنصرم
زميل وصديق كان مديرا عاما يغشاه اصحاب المطالب والحاجات في المكتب والبيت والقرية والمزرعة
قصدته في يوم من الأيام فهالني حشد كبير ينتظر ساعة الدخول عليه بعد الظهر
دخلت ضمن الداخلين ولما اقتربت منه أشار لي بالإنتظار حتى الفراغ
جلست متأملا لزميلي كيف يتعامل مع الجمهور، كما يقولون، وكيف يتخلص من المشاكل، والإحراجات
دلف شخص أعمى، ومسن، يقوده صبي، يلبس غترة غير متوازنة الأطراف، ألبسها أهله له استعدادا لمواجهة المسؤول
إقترب المسن وبدا يشرح حاجة إبنه الكبير القابع في البيت لوظيفة أي وظيفة، حتى فراش، أو مراسل أو حارس
اخذ سعادة الصديق الملف وقذفه إلى الأمام وقال بلهجة استعلاء أنا لست مدير توظيف (رح لغيري)إلتقط الصغير الملف وأمسك بيد أبيه، والوالد يردد كلمات متداخلة يشوبها الذل ،عرفت منها حسبنا الله مرتين
سبحان الله زميلي ذلك الدمث المبتسم (الحبيب)تحول إلى آفة
إنتظرت حتى انفض الجمع فبادرته قائلا ..ماهذا ..لست عبد العزيز الذي اعرفه
لماذا كل هذه الفظاظة مع المراجعين
قال لي :لو أمسكت مكاني شهرا لفعلت أكثر من ذلك، الكل يريد مصلحته فقط ،ولا يريد الإقتناع بأي سبب للرفض، أو التغيير
قلت له :سيأتي يوم أذكرك بأنك لو احسنت للناس ولو بالقول الطيب لكسبت وارتحت نفسيا
احالوه للتقاعد ذهبت له في مزرعته وجدته متلفلفا في بشت في (المشراق)
وجدته منكسرا وحيدا ..قال لا تعلق على الماضي أرجوك ..وكأنه تذكر ما قلته له سابقا ..ربما
لقد انخدعت بذلك الصيت وحاجة الناس إلي وكثرة اتصالاتهم والحرص على زيارتي ومكالمتي في كل مناسبة وبدون مناسبة
كنت أجدهم عند باب بيتي وباب سيارتي وفي السوق وفي المسجد وفي الطريق فظننت أنه لا يوجد على الأرض من هو في قيمتي ومكانتي وقدرتي
لقد أدركت بعد شهر من تقاعدي القسري أن منصبي قد غدر بي فقد اعطاني الصيت والمكانة والقيمة وأرغم الناس للحاجة لي كان الناس يخدمونني في كل مكان ويحاولون إهدائي في المناسبات وفي غيرها
أما الآن فلا يعلمون هل انا ميت أم حي ولا أين أتواجد ولا يريدون أن يعلموا
لو كنت إنسانا عاديا في وظيفتي لم اكن في هذا الوضع المأساوي أشتكي من تملق المنافقين وأهل المصالح ..سبحان الله لا يبدأ الإنسان في الإدراك الصحيح إلا حينما يتصرم عمره
تذكرته وجال بخاطري شخصيات كانت تملأ الإعلام يوميا قبل سنوات كوزيري التعليم والمانع والفيصل
تلا شت شخصياتهم ولم نعد نعرف هل هم في الداخل ام الخارج
أليس المنصب يملي لك ويرفعك و يدخل الغرور لقلبك ثم يغدر بك فتجد نفسك وقد تفرق الجمع والجاه والسلطة عنك ...أغلب الشعب السعودي يعرف السفير الشبيلي ويحترمه ولم ينس حسن أخلاقه وكرمه وأريحيته
ليت المتعالين المغرورين يعرفون أن حسن التعامل وخدمة المجتمع والناس هي الأساس لكي لا تغدر بهم المناصب