الحمَّى بين المتنبي وباكثير
First Published 2009-05-28
وزائرتي كأن بها حياءً ** فليس تزور إلا في الظلامِ
في جملة نقول إن باكثير تعامل مع الحمى من الخارج
بعكس المتنبي الذي تعامل معها من الداخل.
بعكس المتنبي الذي تعامل معها من الداخل.
ميدل ايست اونلاينكتب ـ أحمد فضل شبلول
قليل من الشعراء هم الذين يكتبون عن لحظات الفرح والمرح والسعادة والسرور التي تمر بهم في حياتهم، وكثيرون من الشعراء هم الذين يلجأون إلى أقلامهم في حالات الهم والحزن والألم والأسى والمرض والاحتياج والعوز، لذا فقد كثرت قصائد الحزن والألم والوحدة والغربة والمرض والعلة في الشعر العربي على امتداد عصوره المختلفة.
وانتقلت هذه العدوى إلى أغانينا المعاصرة فأصبحت أغاني الهجر والسهر والأرق والفراق والقسوة والخوف والدموع والأنين والنيران والأحزان .. الخ، هي السمة الغالبة على أغانينا.
ويبدو أن الإنسان العربي جُبِلَ على التغني بحزنه والكتابة عنه وإشهاره في وجوه الآخرين، أما لحظات الفرح والسعادة فإنه في الغالب يمارسها عن طريق المعايشة، ولا يلجأ، في معظم الأحيان، إلى قلمه للتعبير عنها. ولو كان الشاعر العربي يسجل لحظات فرحه مثلما يسجل لحظات حزنه ومرضه وخوفه لوصل إلينا كم لا بأس به من القصائد التي ترصد حالة الإنسان في مواجهة الخبر السعيد، أو ترصد أحاسيسه الدفينة التي تنطلق من إسارها لحظة السعادة والسرور والبهجة والانطلاق والحبور.
ويبدو أن لحظات الفرح والسعادة يغلب عليها الطابع الجماعي، فأغاني وقصائد الأفراح على سبيل المثال تعد أغاني وقصائد جماعية، أو أنها تغنى وتنشد في وجود مجموعة من البشر يحتفلون بمناسبة سعيدة أو سارة، أما أغاني وقصائد الحزن والمرض والأسى والألم، فإنها، في الغالب، أغان وقصائد فردية يكتوي بنارها الشاعر، ثم يسكبها على الورق خوفا من أن تحرقه، وتأتي على البقية الباقية من حياته الحزينة.
ويبدو أن مرض الحمى يعد من أكثر الأمراض التي يصاب بها الشعراء. إنهم بالتأكيد يصابون ـ مثل جميع الناس ـ بأمراض أخرى كذلك، ولكنهم أمام الحمى يجيدون التعبير عنها والكتابة فيها.
وقد كتب الشاعر الراحل علي أحمد باكثير (1907 ـ 1969) عدة قصائد ومقطوعات عن الحمى منها: "في حال مرض"، "تضرع على فراش الألم"، "ألمت بي الحمى"، "دعيني أيها الحمى"، "الروح الحنون" (1) وقد وقعت جميعها في 86 بيتا. وجاءت القصائد الثلاث الأولى من البسيط، والقصيدتان الأخريان من الوافر، فضلا عن قصيدة أخوانية كتبها عمر بن محمد باكثير (ابن عم الشاعر) بعنوان "أتحسدك البواعث والخطوب" وردت في ديوان "أزهار الربى في شعر الصبا" ص 146 وكانت بمناسبة مرض الشاعر بالحمى.
وكما نعرف فإن لأبي الطيب قصيدة شهيرة عن الحمى (2) وقعت في 42 بيتا وجاءت من بحر الوافر، يقول مطلعها:
ملومكما يجل عن الملام ** ووقع فعاله فوق الكلام
وتهدف هذه القراءة إلى إجراء مقارنة أو موازنة أدبية بين حمى المتنبي وحمى باكثير.