اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا
اللهم صلي على محمد وأل محمد
الكويت دار العز موطني أهلي وناسي والنعم بأرضي الكويت أفتخر
زين العرب
الإمام الحسن(ع): موعظة الحياة *
لم تتوقف عطاءات الأئمة الرسالية على حياتهم، بل إنهم لم يتركوا فرصة إلا وعاشوا فيها هموم الأمة والرسالة، حتى ولو كان أحدهم في أشد حالات المرض، وهذا ما حصل مع الإمام الحسن(ع)، عندما طلب منه أحد أصحابه الموعظة وهو مسجى على فراشه، والسمّ يدبّ في مفاصله كلّها... ولأهمية الموضوع المثار، نستعرض ما تقدم به سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في شرحه لهذه الموعظة:
التزوُّد بالتقوى:
قال له جنادة بن أبي أمية في مرضه الذي توفي فيه: "عظني يابن رسول الله، قال: نعم، استعدّ لسفرك ـ فها أنت تراني وأنا في بداية السفر نحو الآخرة، لأنني سوف أفارق الحياة بعد قليل، وها أنا ذا أستعدّ له، فخذ من تجربتي ما تفكّر فيه في ما تقبل عليه من تجربة ـ وحصّل زادك ـ فالدنيا مزرعة الآخرة، {وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى} [البقرة:197] ـ قبل حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك ـ فأنت تطلب الدنيا، وتكافح من أجل الحصول عليها، ولكن في كلّ يوم يمضي من الدنيا، ينقضي شيء من عمرك ـ ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه". ونحن نريد أن نفهم ذلك، فهل يريد الإمام(ع) أن يقول لهذا الرجل لا تخطّط للمستقبل، ولا تفكّر في همومه التي لا بدّ لك من أن تحضّر لها خطوطها من قبل أن يأتي؟! إن الإمام(ع) لا يريد ذلك، ولكنه يقول، لا تترك مسؤوليتك في يومك هذا على أساس أنك تعيش هموم المستقبل. فأنت تعيش في هذا اليوم، ولهذا اليوم مسؤوليات في عباداتك ومعاملاتك ومشاريعك، لذلك فكّر في همّ هذا اليوم قبل أن يأتي اليوم الآخر، لأنّ لليوم الآخر هماً تتكفّل لحظات الزمن في معالجته.
"واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك" فأنت تسعى إلى المال، وتستهلك جهدك العقليّ والعاطفي والحركي من أجل أن تحصل عليه، حتى إنّك تشقى بذلك في أكثر من جانب من جوانب الحياة. ولكن وجّه لنفسك سؤالاً: لِمَ المال؟ إن المال يطلب من أجل أن يحصل الإنسان على ملبسه ومشربه ومسكنه وما إلى ذلك، مما يتحرّك في حاجاته الحياتية كإنسان لا بدّ له من أن يلبّي حاجاته. أما ما زاد عن هذا المال، مما لا يحتاجه الإنسان في قوتك ـ والقوت عنوان لكلّ حاجات الإنسان ـ فإنّه يكون خازناً لغيره. فلماذا تهتم كثيراً بأن تختزن لغيرك، والله تكفّل برزق غيرك كما تكفّل برزقك؟
وليس معنى ذلك أن تهمل غيرك، بل معناه أن لا تتحرّك من دون ضوابط في مصيرك، لتترك المال من بعدك وقد خلطت حلاله بحرامه، وابتعدت عن مسؤولياتك من أجل أن تخزنه للآخرين.
"واعلم أن الدنيا في حلالها حساب ـ لأنّ للحلال حساباته في كلّ ما يأخذ به الإنسان من الكلمة والفعل والعلاقة والموقف، وذلك من أجل أن ينطلق الحلال من خلال الدقّة في الحساب، بحيث يكون صافياً ـ وفي حرامها عقاب ـ لأنّ الله سبحانه وتعالى توعّد المرتكبين للحرام بالعقاب في الآخرة ـ وفي الشبهات عتاب"، والشبهات هي التي لا يتضح فيها المقصود، فإن الله سوف يعاتبك: كيف تجرأت على الشبهات؟ وقد ورد في أكثر من حديث: "من ترك الشبهات نجا من المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم".
ثم يقول الإمام الحسن(ع) لجنادة: "فأنزل الدنيا بمنـزلة الميتة ـ فإذا كنت في حالة جوع، وليس هناك طعام يحفظ حياتك، ولم يكن هناك غير الميتة ـ فخذ منها ما يكفيك" ويسدّ جوعك.
"فإن كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها ـ أي اقتصرت على حاجاتك الضرورية ـ وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه ـ لأنك مضطرّ إليه ـ كما أخذت من الميتة ـ وأنت مضطرّ ـ وإن كان العتاب فالعتاب يسير"، فإنّ ما أخذته من الدنيا كان يسيراً.
ثم يعطي الإمام(ع) القاعدة الرائعة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري وكلّ ما يتصل بحياة الإنسان في الدنيا: "واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". وهذا هو خطّ التوازن بين العمل للدنيا والعمل للآخرة.
إنّ الإمام الحسن(ع) لا يريد للإنسان أن يجلس ليندب حظّه وأمام عينيه قبره، فيترك عمل الدنيا على أساس أن الدنيا فانية...
صفـات الصاحـب:
ثم يختم الإمام(ع) كلامه في صفة الصاحب. مَن نصاحب؟ ومن نصادق؟ وما هي صفة الصاحب الذي ينبغي للإنسان أن يختاره؟ يقول(ع): "وإذا نازعتك إلى صحبة الرِّجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك ـ بعلمه وأخلاقه ودينه ـ وإذا خدمته صانك ـ أي لم يستغلّ خدمتك له ليسقطك، بل يصون موقعك، لأنّه يعتبر ذلك منك تواضعاً ـ وإذا أردت معونة أعانك ـ لأنّ ذلك هو حقّ الصحبة، وهو أن يشعر بمسؤوليته عن حاجات صاحبه ـ وإن قلت صدّق قولك ـ ولم يكذبك في قول ليسقط قولك ـ وإن صلت شدّ صولك ـ فإذا دخلت في معركة تحدٍّ فإنه يشدّ أزرك ـ وإن مددت يدك بفضل مدّها ـ أي عاونها وساعدها وأعطاها ـ وإن بدت منك ثلمة ـ أي ثغرة في حياتك ـ سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها ـ أي تحدّث بها أمام الناس ـ وإن سألته أعطاك، وإن سكتَّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحدى الملمّات ـ إحدى المصائب أو النوازل ـ واساك. من لا تأتيك منه البوائق ـ أي المهالك والمشاكل ـ ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق ـ أي في المواقف التي تبرز فيها الحقيقة ـ وإن تنازعتما منقسماً آثرك"(1). فإذا كانت القسمة بينك وبينه، فإنه يؤثرك على نفسه.
هذا ما تحدّث به الإمام الحسن(ع) من الكلمات المضيئة المشرقة التي تفتح القلب على الله وعلى الخير وعلى الدار الآخرة، فكيف نحوّلها إلى واقع عملي في حياتنا؟ الولاية هنا، وهي أن تسير حيث ساروا، وأن تقف حيث وقفوا، وأن تتعلّم ما علّموك، وأن تطبّق الخطّة التي خططوها لك. ومشكلتنا أننا في غالب أحوالنا ـ ولا أتحدث في المطلق، ولكنني أشير إلى ظاهرة ـ هي أننا فقدنا الوجه الآخر للأئمة(ع)، وهو وجه الحياة ووجه التقدّم والسموّ من خلال الكلمات المضيئة التي تحدّثوا بها.
اللهم صلي على محمد وأل محمد
الكويت دار العز موطني أهلي وناسي والنعم بأرضي الكويت أفتخر
زين العرب
الإمام الحسن(ع): موعظة الحياة *
لم تتوقف عطاءات الأئمة الرسالية على حياتهم، بل إنهم لم يتركوا فرصة إلا وعاشوا فيها هموم الأمة والرسالة، حتى ولو كان أحدهم في أشد حالات المرض، وهذا ما حصل مع الإمام الحسن(ع)، عندما طلب منه أحد أصحابه الموعظة وهو مسجى على فراشه، والسمّ يدبّ في مفاصله كلّها... ولأهمية الموضوع المثار، نستعرض ما تقدم به سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في شرحه لهذه الموعظة:
التزوُّد بالتقوى:
قال له جنادة بن أبي أمية في مرضه الذي توفي فيه: "عظني يابن رسول الله، قال: نعم، استعدّ لسفرك ـ فها أنت تراني وأنا في بداية السفر نحو الآخرة، لأنني سوف أفارق الحياة بعد قليل، وها أنا ذا أستعدّ له، فخذ من تجربتي ما تفكّر فيه في ما تقبل عليه من تجربة ـ وحصّل زادك ـ فالدنيا مزرعة الآخرة، {وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى} [البقرة:197] ـ قبل حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك ـ فأنت تطلب الدنيا، وتكافح من أجل الحصول عليها، ولكن في كلّ يوم يمضي من الدنيا، ينقضي شيء من عمرك ـ ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه". ونحن نريد أن نفهم ذلك، فهل يريد الإمام(ع) أن يقول لهذا الرجل لا تخطّط للمستقبل، ولا تفكّر في همومه التي لا بدّ لك من أن تحضّر لها خطوطها من قبل أن يأتي؟! إن الإمام(ع) لا يريد ذلك، ولكنه يقول، لا تترك مسؤوليتك في يومك هذا على أساس أنك تعيش هموم المستقبل. فأنت تعيش في هذا اليوم، ولهذا اليوم مسؤوليات في عباداتك ومعاملاتك ومشاريعك، لذلك فكّر في همّ هذا اليوم قبل أن يأتي اليوم الآخر، لأنّ لليوم الآخر هماً تتكفّل لحظات الزمن في معالجته.
"واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك" فأنت تسعى إلى المال، وتستهلك جهدك العقليّ والعاطفي والحركي من أجل أن تحصل عليه، حتى إنّك تشقى بذلك في أكثر من جانب من جوانب الحياة. ولكن وجّه لنفسك سؤالاً: لِمَ المال؟ إن المال يطلب من أجل أن يحصل الإنسان على ملبسه ومشربه ومسكنه وما إلى ذلك، مما يتحرّك في حاجاته الحياتية كإنسان لا بدّ له من أن يلبّي حاجاته. أما ما زاد عن هذا المال، مما لا يحتاجه الإنسان في قوتك ـ والقوت عنوان لكلّ حاجات الإنسان ـ فإنّه يكون خازناً لغيره. فلماذا تهتم كثيراً بأن تختزن لغيرك، والله تكفّل برزق غيرك كما تكفّل برزقك؟
وليس معنى ذلك أن تهمل غيرك، بل معناه أن لا تتحرّك من دون ضوابط في مصيرك، لتترك المال من بعدك وقد خلطت حلاله بحرامه، وابتعدت عن مسؤولياتك من أجل أن تخزنه للآخرين.
"واعلم أن الدنيا في حلالها حساب ـ لأنّ للحلال حساباته في كلّ ما يأخذ به الإنسان من الكلمة والفعل والعلاقة والموقف، وذلك من أجل أن ينطلق الحلال من خلال الدقّة في الحساب، بحيث يكون صافياً ـ وفي حرامها عقاب ـ لأنّ الله سبحانه وتعالى توعّد المرتكبين للحرام بالعقاب في الآخرة ـ وفي الشبهات عتاب"، والشبهات هي التي لا يتضح فيها المقصود، فإن الله سوف يعاتبك: كيف تجرأت على الشبهات؟ وقد ورد في أكثر من حديث: "من ترك الشبهات نجا من المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم".
ثم يقول الإمام الحسن(ع) لجنادة: "فأنزل الدنيا بمنـزلة الميتة ـ فإذا كنت في حالة جوع، وليس هناك طعام يحفظ حياتك، ولم يكن هناك غير الميتة ـ فخذ منها ما يكفيك" ويسدّ جوعك.
"فإن كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها ـ أي اقتصرت على حاجاتك الضرورية ـ وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه ـ لأنك مضطرّ إليه ـ كما أخذت من الميتة ـ وأنت مضطرّ ـ وإن كان العتاب فالعتاب يسير"، فإنّ ما أخذته من الدنيا كان يسيراً.
ثم يعطي الإمام(ع) القاعدة الرائعة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري وكلّ ما يتصل بحياة الإنسان في الدنيا: "واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". وهذا هو خطّ التوازن بين العمل للدنيا والعمل للآخرة.
إنّ الإمام الحسن(ع) لا يريد للإنسان أن يجلس ليندب حظّه وأمام عينيه قبره، فيترك عمل الدنيا على أساس أن الدنيا فانية...
صفـات الصاحـب:
ثم يختم الإمام(ع) كلامه في صفة الصاحب. مَن نصاحب؟ ومن نصادق؟ وما هي صفة الصاحب الذي ينبغي للإنسان أن يختاره؟ يقول(ع): "وإذا نازعتك إلى صحبة الرِّجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك ـ بعلمه وأخلاقه ودينه ـ وإذا خدمته صانك ـ أي لم يستغلّ خدمتك له ليسقطك، بل يصون موقعك، لأنّه يعتبر ذلك منك تواضعاً ـ وإذا أردت معونة أعانك ـ لأنّ ذلك هو حقّ الصحبة، وهو أن يشعر بمسؤوليته عن حاجات صاحبه ـ وإن قلت صدّق قولك ـ ولم يكذبك في قول ليسقط قولك ـ وإن صلت شدّ صولك ـ فإذا دخلت في معركة تحدٍّ فإنه يشدّ أزرك ـ وإن مددت يدك بفضل مدّها ـ أي عاونها وساعدها وأعطاها ـ وإن بدت منك ثلمة ـ أي ثغرة في حياتك ـ سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها ـ أي تحدّث بها أمام الناس ـ وإن سألته أعطاك، وإن سكتَّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحدى الملمّات ـ إحدى المصائب أو النوازل ـ واساك. من لا تأتيك منه البوائق ـ أي المهالك والمشاكل ـ ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق ـ أي في المواقف التي تبرز فيها الحقيقة ـ وإن تنازعتما منقسماً آثرك"(1). فإذا كانت القسمة بينك وبينه، فإنه يؤثرك على نفسه.
هذا ما تحدّث به الإمام الحسن(ع) من الكلمات المضيئة المشرقة التي تفتح القلب على الله وعلى الخير وعلى الدار الآخرة، فكيف نحوّلها إلى واقع عملي في حياتنا؟ الولاية هنا، وهي أن تسير حيث ساروا، وأن تقف حيث وقفوا، وأن تتعلّم ما علّموك، وأن تطبّق الخطّة التي خططوها لك. ومشكلتنا أننا في غالب أحوالنا ـ ولا أتحدث في المطلق، ولكنني أشير إلى ظاهرة ـ هي أننا فقدنا الوجه الآخر للأئمة(ع)، وهو وجه الحياة ووجه التقدّم والسموّ من خلال الكلمات المضيئة التي تحدّثوا بها.