هل يصبح وزير التجارة العراقي عبرة لما بعده من المفسدين ؟
مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا – لندن - التقارير- 24/5/2009 : الحكومة العراقية وعلى رأسها السيد المالكي أصبحت في موقف حرج للغاية بعد أن تناقلت وسائل الإعلام المختلفة فضيحة مدير مكتب وزير التجارة العراقي عبد الفلاح السوداني وهو يحضر مع شقيق الوزير حفلة ماجنة تخللتها كلمات إهانة واستخفاف بالسيد نوري المالكي ، فالسيد المالكي وقبيل حلول عام 2008 أعلن أن هذه السنة سوف
تكون عام محاربة الفساد ، بيد أن ما حصل هو أن تلك السنة كانت عاما للفساد بامتياز ، حيث شهدت الكثير من الوزارات وعلى رأسها وزارة التجارة نهباُ منظماً للأموال العامة وتفشيا غير معهود للرشاوى مما زاد من بؤس وحرمان الطبقات الفقيرة وعمّق مشاعرها بخيبة الأمل في نجاح الحكومة بوضع حد لنهم المفسدين ، فحيتان وزارة التجارة من اشقاء الوزير أو المقربين منه والمتعاقدين معه ابتلعوا أموال الحصة التموينية ، وحولوها إلى أرصدتهم في الخارج أو إلى حفلات ماجنة كما فعل محمد حنون مدير مكتب معالي الوزير ، ووزارتا الكهرباء والنقل اصبحتا أيضاً مرتعاً للمفسدين وسراق قوت الشعب ، ويبدو أن طبيعة التركيبة السياسية للأطراف التي تدير الحكم أوالمحاصصة والخطوات التي انتهجتها حكومة المالكي باتجاه المصالحة جعلت عملية محاسبة المفسدين من الوزراء وأصحاب النفوذ أمراً صعباً ، وقد أكد هذا المعنى صباح الساعدي رئيس لجنة النزاهة في البرلمان بقوله : ان وقوف الكتل السياسية المتنفذة في الحكومة وراء وزرائها وعدم السماح بمساءلتهم كان سبباً رئيساً في عدم استجواب الوزراء المتهمين بالفساد على منصة البرلمان ، مما أتاح لهؤلاء فرصة العبث بالمال العام بحرية وهم يشعرون أن كتلهم السياسية قادرة على اسكات الأطراف التي تحاول مجرد الإشارة إلى جرائمهم المالية ، والذي يراقب هذا الملف يجد أن الكثير من الأصوات المخلصة من داخل مجلس النواب وخارجه لم تستطع أن تفعل شيئاً من شأنه أن يوقف المفسدين ، بل إن لجنة النزاهة وبعض أعضاء مجلس النواب يحتفظون بالكثير من الوثائق التي تدين بعض الوزراء ومسؤولين متنفذين بقضايا فساد كبيرة ، إلا أن هذه الوثائق لم تجد من يتصفحها أو يستمع لمن يحتفظ بها ، لا من الحكومة ولا من الجهات الرقابية بل وحتى من الجهة القضائية المعنية بالأمر أكثر من غيرها .
ويبدو أن الرياح بدأت تغيِّر اتجاهها في غير صالح المفسدين داخل الحكومة العراقية ، حيث أن السيد المالكي شعر لأول مرة بضرورة التخلي عن سياسة الماهدنة مع المفسدين وأن مصداقية حكومته بدأ ت تهتز أمام فضائح الفساد الكبيرة التي لم تعد تخفى على أحد في الداخل والخارج ، وخاصة أنه قد وعد أكثر من مرة بوضع حد للفساد وأن هذه الوعود بدأ الشارع يفسرها على أنها ( بالونات ) دعائية يمهد لها المالكي قبيل الانتخابات التشريعية القادمة ، مع عدم إقدامه على إجراءات صارمة ، وقد جاء التوجه الجديد للمالكي بعد أن عرض عليه فلم لحفلة ماجنة أقامها مدير مكتب وزير التجارة تخللها كلمات جارحة بحق رئيس السلطة التنفيذية في العراق الجديد .
الحقيقة التي يجب أن تُذكر هي أن الشعب العراقي بكل فصائله كان ومازال يراقب تفشي الفساد في وزارات ودوائر الدولة بألم وقلة حيلة ، وهو يرى أمواله تنهب من قبل حفنة من السراق بعضهم من رموز النظام الصدامي المقبور ، ولعل محمد حنون الذي اختاره وزير التجارة مديراً لمكتبه عندما كان وزيرا للتربية ولم يفرط به عند انتقاله لوزارة التجارة هو أحد الرموز البعثية في الناصرية والتي مارست كل ألوان الجريمة والفساد بحق أبناء الناصرية ، والذي يزيد من ألم أبناء الشعب والمخلصين منهم خاصة أنهم ينظرون إلى مثل هذه العناصر المجرمة وهي تعبث فسادا ولم يستطع أحد منهم أن يفعل شيئاً ، فهم محميون من وزرائهم أو الكتل السياسية التي ترى في خدماتهم مصلحة خاصة لها ، ولم يشفع نداء 830 من شيوخ ووجهاء الجنوب للسيد المالكي بإقالة وزيري التجارة والكهرباء في اجتماع لهم يوم 7/9/2008 بعد أن ضمَّنوا ندائهم معاناة الوسط والجنوب من فشل الوزيرين في توفير القوت والكهرباء .
لم يعد أمام السيد المالكي من خيار غير تطهير حكومته من الوزراء المفسدين وإغماض العين تماما عن سياسة المهادنة أو المصانعة التي فرضتها المحاصصة السياسية وعمقتها دعوات المصالحة الأخيرة ، وهو مدعو لاتخاذ إجراءات شجاعة لتعميق مشاعر ثقة الشعب العراقي بحكومته بعد أن عصفت بهذه الثقة فضائح الفساد في غالبية دوائر الدولة ، وعلى رأسها وزارة التجارة التي تحسب على حزب الدعوة الذي ينتمي إليه . أما وزير التجارة فلا خيار أمامه بعد تلك الفضائح المشينة غير التنحي عن منصبه وتقديم نفسه للقضاء ، فالقضية ليست قضية شخصية يمكن حل معضلتها بالتراضي وأنما تتعلق بحرمان الملايين من الفقراء والمحرومين من حقهم في الحصول على قوتهم اليومي المسروق من قبل رجالات الوزير بلا حق شرعي أو قانوني ، فالقضاء في مثل هذه الأمور الخطيرة يكون هو الفصل في اتخاذ القرار النهائي .
انتحر هذا اليوم الرئيس السابق لكوريا الجنوبية ( موه موهيون ) بعد أن شعر بتأنيب الضمير لأن زوجته متهمة باستلام رشوة تقدر ب6 ملايين دولار ، وقال في وصيته ( لقد انتحرتُ لأني كنت سببا في بؤس وحرمان الآخرين ) ، فهل يفعل ذلك من كان سببا في هدر مئات الملايين من الدولارات من قوت الشعب العراقي وكان وما زال سبباً في بؤسهم وحرمانهم ، لم يكن ( موهيون ) مسلما ولم يتبجح في يوم ما في حياته أنه يحمل المباديء والقيم الإسلامية وأخلاق أهل البيت كما كان يفعله الوزراء المفسدون ومن على منابر المراكز الإسلامية وحسينيات أهل البيت عليهم السلام ولسنوات طويلة .
مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا
التقارير – 24/5/2009
منقول