التوبة وتعريفها
ضد الاصرار(التوبة)،و هي الرجوع من الذنب القولي و الفعلي و الفكري،و بعبارة اخرى:هي تنزيه القلب عن الذنب و الرجوع من البعد الى القرب،و بعبارة اخرى:ترك المعاصي في الحال و العزم على تركها في الاستقبال و تدارك ما سبق من التقصير.و كما ان الاصرار على العصيان من رذائل قوتي الغضب و الشهوة،فالرجوع عنه و تركه من فضائلهما،بمعنى ان العزم على ترك كل معصية يكون من عمل كليهما او احداهما،و من فعل النفس باعانتهما و انقيادهما للعاقلة،و ان كان الباعث على الرجوع و تهيج النفس و القوتين على مباشرة الرجوع و الترك هو معرفة عظم ضرر الذنوب،و كونها حجابا بين العبد و بين المحبوب،و يمكن ان يقال:ان التوبة هو الرجوع عن الذنب،و هو من ثمرات الخوف و الحب.فان مقتضى الحب ان يمتثل مراد المحبوب و لا يعصى في شيء مما يريده و يطلب من المحب،فتكون من فضائل القوتين ايضا.
لا بد من العمل بعد التوبة
لا يكفي في تدارك الشهوات و التوبة عن الذنوب مجرد تركها في المستقبل، بل لا بد من محو آثارها التي انطبعت في جوهر النفس بنور الطاعات، اذ كل شهوة و معصية صدرت من الانسان ارتفعت منها ظلمة الى قلبه، كما ترتفع من نفس الانسان ظلمة الى وجه المرآة الصقيلة، فان تراكمت ظلمة الشهوات و المعاصي صارت رينا، كما يصير بخار النفس في وجه المرآة عند تراكمه خبثا، كما قال-تعالى-:
«كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون»
«كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون»
فاذا تراكم الرين صار طبعا، فيطبع على قلبه، كما ان الخبث في وجه المرآة اذا تراكم و طال زمانه غاص في جرم الحديد و افسده، و صار بحيث لا يقبل التصقيل بعده، فالتائب من الذنوب لا بد له من محو تلك الآثار التي انطبعت منها في نفسه، و لا يكفي مجرد تركها في المستقبل، كما لا يكفى في تصقيل المرآة و ظهور الصور فيها قطع الانفاس و البخارات المسودة لوجهها في المستقبل، ما لم يشتغل بمحو ما انطبع فيها من الآثار، و كما ترتفع الى النفس ظلمة من المعاصي و الشهوات فتظلمها، فكذلك يرتفع نور من الطاعات و ترك الشهوات فينورها، و لهذا النور تنمحي ظلمة المعاصي و الشهوات، و اليه الاشارة بقوله-صلى الله عليه و آله-: «اتبع السيئة الحسنة تمحها» .
و اليه الاشارة بقوله-صلى الله عليه و آله-: «اتبع السيئة الحسنة تمحها» . فاذن لا يستغني العبد في حال من احواله من محو آثار السيئات عن قلبه بمباشرة حسنات تضاد آثارها آثار تلك السيئات، بمعنى ان تكون الحسنة التي ترتكب لمحو السيئة مناسبة لتلك السيئة، لقوله-صلى الله عليه و آله-: «اتق الله حيث كنت» : و لان المرض يعالجبضده، فكل ظلمة ارتفعت الى القلب، فلا يمحوها الا نور يرتفع اليه من حسنة تضادها، اذ الضد انما يرتفع بالضد، فيكفر سماع الملاهي بسماع القرآن و بحضور مجالس الذكر، و يكفر القعود في المسجد جنبا بالعبادة فيه، و يكفر مس المصحف محدثا باكرامه و تقبيله و كثرة قراءته، و يكفر شرب الخمر بالتصدق لكل شراب حلال هو احب اليه. . . الى غير ذلك. و ليس ذلك-اي ايقاع المناسبة-شرطا في المحو، فقد روى: «ان رجلا قال لرسول الله-صلى الله عليه و آله-: اني عالجت امراة فاصبت منها كل شيء الا المسيس، فاقض علي بحكم الله، فقال: اما صليت معنا؟ قال: بلى! فقال: ان الحسنات يذهبن السيئات» .
و ينبغي ان تكون التوبة عن قرب عهد بالخطيئة، بان يتندم عليها و يمحو آثارها قبل ان يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو، قال الله-تعالى-:
«انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب» . اي عن قرب عهد بعمل السوء. و قال: «و ليست التوبة للذين يعملونالسيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان».
قال الصادق-عليه السلام-: «ذلك اذا عاين امر الآخرة» . و قد ورد مثله عن رسول الله-صلى الله عليه و آله-ايضا.
و ينبغي ان تكون التوبة عن قرب عهد بالخطيئة، بان يتندم عليها و يمحو آثارها قبل ان يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو، قال الله-تعالى-:
«انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب» . اي عن قرب عهد بعمل السوء. و قال: «و ليست التوبة للذين يعملونالسيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان».
قال الصادق-عليه السلام-: «ذلك اذا عاين امر الآخرة» . و قد ورد مثله عن رسول الله-صلى الله عليه و آله-ايضا.
فضيلة التوبة
اعلم ان التوبة اول مقامات الدين، و راس مال السالكين، و مفتاح استقامة السائلين، و مطلع التقرب الى رب العالمين، و مدحها عظيم، و فضلها جسيم، قال الله-تعالى-:
«ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين» و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «التائب حبيب الله، و التائب من الذنب كمن لا ذنب له» . و قال الباقر-عليه السلام-: «ان الله-تعالى- اشد فرحا بتوبة عبده من رجل اضل راحلته و زاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله اشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها» . و قال -عليه السلام-: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و المقيم على الذنب و هو مستغفر منه كالمستهزئ» . و قال الصادق-عليه السلام-: «ان الله يحب من عباده المفتن التواب» : يعني كثير الذنب كثير التوبة. و قال-عليه السلام-:
«اذا تاب العبد توبة نصوحا، احبه الله فستر عليه» فقلت: و كيف يستر عليه؟
قال: «ينسى ملكيه ما كانا يكتبان عليه، و يوحى الى جوارحه و الى بقاع الارض ان اكتمي عليه ذنوبه، فيلقى الله-عز و جل-حين يلقاه و ليس شىء يشهد عليه بشيء من الذنوب» . و قال الصادق-عليه السلام-: «ان الله -عز و جل-اعطى التائبين ثلاث خصال لو اعطي خصلة منها جميع اهل السماوات و الارض لنجوا بها: قوله-عز و جل-: ان الله يحب التوابين. . . » الى آخره، و قوله:«الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به و يستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما فاغفر للذين تابوا-الى قوله-و ذلك هو الفوز العظيم»قوله: «و الذين لا يدعون مع الله الها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق اثاما، يضاعف له العذاب يومالقيامة و يخلد فيه مهانا، الا من تاب و آمن-الى قوله- و كان الله غفورا رحيما» .و قال ابو الحسن-عليهما السلام-: احب العباد الى الله المنيبون التوابون» .
«ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين» و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «التائب حبيب الله، و التائب من الذنب كمن لا ذنب له» . و قال الباقر-عليه السلام-: «ان الله-تعالى- اشد فرحا بتوبة عبده من رجل اضل راحلته و زاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله اشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها» . و قال -عليه السلام-: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و المقيم على الذنب و هو مستغفر منه كالمستهزئ» . و قال الصادق-عليه السلام-: «ان الله يحب من عباده المفتن التواب» : يعني كثير الذنب كثير التوبة. و قال-عليه السلام-:
«اذا تاب العبد توبة نصوحا، احبه الله فستر عليه» فقلت: و كيف يستر عليه؟
قال: «ينسى ملكيه ما كانا يكتبان عليه، و يوحى الى جوارحه و الى بقاع الارض ان اكتمي عليه ذنوبه، فيلقى الله-عز و جل-حين يلقاه و ليس شىء يشهد عليه بشيء من الذنوب» . و قال الصادق-عليه السلام-: «ان الله -عز و جل-اعطى التائبين ثلاث خصال لو اعطي خصلة منها جميع اهل السماوات و الارض لنجوا بها: قوله-عز و جل-: ان الله يحب التوابين. . . » الى آخره، و قوله:«الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به و يستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما فاغفر للذين تابوا-الى قوله-و ذلك هو الفوز العظيم»قوله: «و الذين لا يدعون مع الله الها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق اثاما، يضاعف له العذاب يومالقيامة و يخلد فيه مهانا، الا من تاب و آمن-الى قوله- و كان الله غفورا رحيما» .و قال ابو الحسن-عليهما السلام-: احب العباد الى الله المنيبون التوابون» .
قبول التوبة
التوبة المستجمعة لشرائطها مقبولة بالاجماع، و يدل عليه قوله-تعالى-:
«هو الذي يقبل التوبة عن عباده» . و قوله -تعالى-: «غافر الذنب و قابل التوب» . و قوله -تعالى-: «و من يعمل سوا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما» . و قول النبي-صلى الله عليه و آله-: «ان الله-تعالى-يبسط يده بالتوبة لمسىء الليل الى النهار و لمسىء النهار الى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» ، و بسط اليد كناية عن طلب التوبة، و طالب التوبة يقبله البتة. و قوله-صلى الله عليه و آله-: «ان الحسنات يذهبن السيئات، كما يذهب الماء الوسخ» . و قوله-صلى الله عليه و آله-: «لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم، لتاب الله عليكم» . و قوله-صلى الله عليه و آله-: «ان العبد ليذنب الذنب فيدخل في الجنة» . قبل: كيف يا رسول الله؟ ! قال: «يكون نصب عينيه تائبا منه فارا حتى يدخل الجنة» . و قوله-صلى الله عليه و آله-: «كفارة الذنب الندامة» . و قوله-صلى الله عليه و آله-: «من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته. ثم قال:ان السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته. ثم قال: ان الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته. ثم قال: ان الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته. ثم قال: ان يوما لكثير، من تاب قبل ان يعابن ملك الموت قبل الله توبته» و قال الباقر-عليه السلام-لمحمد بن مسلم: «ذنوب المؤمن اذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستانف بعد التوبة و المغفرة، اما و الله انها ليست الا لاهل الايمان» . فقال له: فان عاد بعد التوبة و الاستغفار من الذنوب، و عاد في التوبة؟ قال: «يا محمد بن مسلم! اترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر منه و يتوب ثم لا يقبل الله توبته؟ » ، قال: فانه فعل ذلك مرارا، يذنب ثم يتوب و يستغفر، فقال: «كلما عاد المؤمن بالاستغفار و التوبة عاد الله عليه بالمغفرة، و ان الله غفور رحيم يقبل التوبة و يعفو عن السيئات، فاياك ان تقنط المؤمن من رحمة الله» . و قوله-عليه السلام-: «اذا بلغت النفس هذه-و اهوى بيده الى حلقه-لم تكن المعالم توبة، و كانت للجاهل توبة» . و قوله-عليه السلام-: «ان آدم-صلى الله عليه-قال: يا رب! سلطت علي الشيطان، و اجريته منى مجرى الدم، فاجعل لى شيئا، فقال: يا آدم! جعلت لك: ان من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فان عملها كتبت عليه سيئة و من هم منهم بحسنة، فان لم يعملها كتبت له حسنة، فان هو عملها كتبت له عشرا، قال: يا رب! زدني، قال: جعلت لك: ان من عمل منهم سيئة ثم استغفر غفرت له، قال: يا رب! زدني، قال: جعلت لهم التوبة، و بسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه، قال: يا رب! حسبي» و قول الصادق-عليه السلام-: «ان الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة» ، قيل: يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: «نعم! انه ليذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه، فيرحمه الله فيدخله الجنة» . و قوله-عليه السلام-: «العبد المؤمن اذا ذنب ذنبا اجله الله سبع ساعات، فان استغفر الله لم يكتب عليه شيء، و ان مضت الساعات و لم يستغفر كتبت عليه سيئة، و ان المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، و ان الكافر لينسى من ساعته» . و قوله-عليه السلام-:
«ما من مؤمن يقارف في يومه و ليلته اربعين كبيرة فيقول و هو نادم: استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم بديع السماوات و الارض ذا الجلال و الاكرام و اساله ان يصلى على محمد و آل محمد و ان يتوب علي، الا غفرها الله له، و لا خير فيمن يقارف في يومه اكثر من اربعين كبيرة» (28) .
و روى: «ان الله-تعالى-لما لعن ابليس ساله النظرة، فانظره الى يوم القيامة، فقال: و عزتك لاخرجت من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح، فقال الله-تعالى: بعزتي لا حجبت عنه التوبة ما دام فيه الروح» . و ورد في الاسرائيليات: «ان شابا عبد الله عشرين سنة، ثم عصاه عشرين سنة، ثم نظر في المرآة، فراى الشيب في لحيته، فساءه ذلك، فقال: الهي اطعتك عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة، فان رجعت اليك اتقبلني؟ فسمع قائلا يقول:
اجبتنا فاجبناك، فتركتنا فتركناك، و عصيتنا فامهلناك، فان رجعت الينا قبلناك» . و الاخبار و الآثار في هذا المعنى اكثر من ان تحصى، و في بعض الاخبار المتقدمة دلالة عليه ايضا.
ثم الناظر بنور البصيرة لا يحتاج في هذا المعنى الى بيان، اذ يعلم ان التوبة توجب سلامة القلب، و كل قلب سليم مقبول عند الله و متنعم في الآخرة في جوار الله، و يعلم ان القلب خلق في الاصل سليما صافيا، اذ كل مولود يولد على الفطرة، و انما مرض و اسود بامراض الذنوب و ظلماتها، و دواء التوبة يزيل هذه الامراض، و نور الحسنات يمحو هذه الظلمات، و لا طاقة لظلام المعاصي مع نور الحسنات، كما لا طاقة لظلام الليل مع نور النهار، و لكدورة الوسخ مع بياض الصابون و الماء الحار، نعم اذا تراكمت الذنوب بحيث صار رينا و طبعا، و افسدت القلب بحيث لا يقبل الصفاء و النورانية بعد ذلك، فمثل هذا القلب لا تفيده التوبة، بمعنى انه لا يرجع و لا يتوب، و ان قال باللسان تبت، اذ اوساخ الذنوب غاصت في تجاويفه و تراكمت فيه بحيث لا يقبل التطهير، و لو بولغ فيه ادى الى انخراق القلب و هلاكه، لصيرورة الاوساخ جزءا من جوهره، كما ان الثوب الذي غاص الوسخ في تجاويفه و خلله و تراكم فيه، لو بولغ في تطهيره بالماء و الصابون ادى ذلك الى انخراقه. و هذا حال اكثر الخلق المقبلين على الدنيا المعرضين عن الله فانهم لا يرجعون و لا يتوبون، لصيرورة ذمائم الاخلاق و رذائلها ملكات راسخة فى نفوسهم و غاصت اوساخها في تجاويف قلوبهم، بحيث لا يتنبهون و لا يتيقظون حتى يقصدوا التوبة، و لو قصدوها فانما هو بمجرد اللسان، و القلب غافل خال عن الايمان، بل تتعذر عليه التوبة لبطلان حقيقتها.
«هو الذي يقبل التوبة عن عباده» . و قوله -تعالى-: «غافر الذنب و قابل التوب» . و قوله -تعالى-: «و من يعمل سوا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما» . و قول النبي-صلى الله عليه و آله-: «ان الله-تعالى-يبسط يده بالتوبة لمسىء الليل الى النهار و لمسىء النهار الى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» ، و بسط اليد كناية عن طلب التوبة، و طالب التوبة يقبله البتة. و قوله-صلى الله عليه و آله-: «ان الحسنات يذهبن السيئات، كما يذهب الماء الوسخ» . و قوله-صلى الله عليه و آله-: «لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم، لتاب الله عليكم» . و قوله-صلى الله عليه و آله-: «ان العبد ليذنب الذنب فيدخل في الجنة» . قبل: كيف يا رسول الله؟ ! قال: «يكون نصب عينيه تائبا منه فارا حتى يدخل الجنة» . و قوله-صلى الله عليه و آله-: «كفارة الذنب الندامة» . و قوله-صلى الله عليه و آله-: «من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته. ثم قال:ان السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته. ثم قال: ان الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته. ثم قال: ان الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته. ثم قال: ان يوما لكثير، من تاب قبل ان يعابن ملك الموت قبل الله توبته» و قال الباقر-عليه السلام-لمحمد بن مسلم: «ذنوب المؤمن اذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستانف بعد التوبة و المغفرة، اما و الله انها ليست الا لاهل الايمان» . فقال له: فان عاد بعد التوبة و الاستغفار من الذنوب، و عاد في التوبة؟ قال: «يا محمد بن مسلم! اترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر منه و يتوب ثم لا يقبل الله توبته؟ » ، قال: فانه فعل ذلك مرارا، يذنب ثم يتوب و يستغفر، فقال: «كلما عاد المؤمن بالاستغفار و التوبة عاد الله عليه بالمغفرة، و ان الله غفور رحيم يقبل التوبة و يعفو عن السيئات، فاياك ان تقنط المؤمن من رحمة الله» . و قوله-عليه السلام-: «اذا بلغت النفس هذه-و اهوى بيده الى حلقه-لم تكن المعالم توبة، و كانت للجاهل توبة» . و قوله-عليه السلام-: «ان آدم-صلى الله عليه-قال: يا رب! سلطت علي الشيطان، و اجريته منى مجرى الدم، فاجعل لى شيئا، فقال: يا آدم! جعلت لك: ان من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فان عملها كتبت عليه سيئة و من هم منهم بحسنة، فان لم يعملها كتبت له حسنة، فان هو عملها كتبت له عشرا، قال: يا رب! زدني، قال: جعلت لك: ان من عمل منهم سيئة ثم استغفر غفرت له، قال: يا رب! زدني، قال: جعلت لهم التوبة، و بسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه، قال: يا رب! حسبي» و قول الصادق-عليه السلام-: «ان الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة» ، قيل: يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: «نعم! انه ليذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه، فيرحمه الله فيدخله الجنة» . و قوله-عليه السلام-: «العبد المؤمن اذا ذنب ذنبا اجله الله سبع ساعات، فان استغفر الله لم يكتب عليه شيء، و ان مضت الساعات و لم يستغفر كتبت عليه سيئة، و ان المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، و ان الكافر لينسى من ساعته» . و قوله-عليه السلام-:
«ما من مؤمن يقارف في يومه و ليلته اربعين كبيرة فيقول و هو نادم: استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم بديع السماوات و الارض ذا الجلال و الاكرام و اساله ان يصلى على محمد و آل محمد و ان يتوب علي، الا غفرها الله له، و لا خير فيمن يقارف في يومه اكثر من اربعين كبيرة» (28) .
و روى: «ان الله-تعالى-لما لعن ابليس ساله النظرة، فانظره الى يوم القيامة، فقال: و عزتك لاخرجت من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح، فقال الله-تعالى: بعزتي لا حجبت عنه التوبة ما دام فيه الروح» . و ورد في الاسرائيليات: «ان شابا عبد الله عشرين سنة، ثم عصاه عشرين سنة، ثم نظر في المرآة، فراى الشيب في لحيته، فساءه ذلك، فقال: الهي اطعتك عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة، فان رجعت اليك اتقبلني؟ فسمع قائلا يقول:
اجبتنا فاجبناك، فتركتنا فتركناك، و عصيتنا فامهلناك، فان رجعت الينا قبلناك» . و الاخبار و الآثار في هذا المعنى اكثر من ان تحصى، و في بعض الاخبار المتقدمة دلالة عليه ايضا.
ثم الناظر بنور البصيرة لا يحتاج في هذا المعنى الى بيان، اذ يعلم ان التوبة توجب سلامة القلب، و كل قلب سليم مقبول عند الله و متنعم في الآخرة في جوار الله، و يعلم ان القلب خلق في الاصل سليما صافيا، اذ كل مولود يولد على الفطرة، و انما مرض و اسود بامراض الذنوب و ظلماتها، و دواء التوبة يزيل هذه الامراض، و نور الحسنات يمحو هذه الظلمات، و لا طاقة لظلام المعاصي مع نور الحسنات، كما لا طاقة لظلام الليل مع نور النهار، و لكدورة الوسخ مع بياض الصابون و الماء الحار، نعم اذا تراكمت الذنوب بحيث صار رينا و طبعا، و افسدت القلب بحيث لا يقبل الصفاء و النورانية بعد ذلك، فمثل هذا القلب لا تفيده التوبة، بمعنى انه لا يرجع و لا يتوب، و ان قال باللسان تبت، اذ اوساخ الذنوب غاصت في تجاويفه و تراكمت فيه بحيث لا يقبل التطهير، و لو بولغ فيه ادى الى انخراق القلب و هلاكه، لصيرورة الاوساخ جزءا من جوهره، كما ان الثوب الذي غاص الوسخ في تجاويفه و خلله و تراكم فيه، لو بولغ في تطهيره بالماء و الصابون ادى ذلك الى انخراقه. و هذا حال اكثر الخلق المقبلين على الدنيا المعرضين عن الله فانهم لا يرجعون و لا يتوبون، لصيرورة ذمائم الاخلاق و رذائلها ملكات راسخة فى نفوسهم و غاصت اوساخها في تجاويف قلوبهم، بحيث لا يتنبهون و لا يتيقظون حتى يقصدوا التوبة، و لو قصدوها فانما هو بمجرد اللسان، و القلب غافل خال عن الايمان، بل تتعذر عليه التوبة لبطلان حقيقتها.
طريق التوبة عن المعاصي
اعلم ان التوبة هي عن الذنوب التي لا تخلو عن الصفات و الافعال الشيطانية المتعلقة بالوهم، و الصفات و الافعال السبعية المتعلقة بالقوة السبعية، و الصفات و الافعال البهيمية المتعلقة بالقوة البهيمية. و من حيث تعلق التوبة بها و كيفية الخروج عنها ينقسم الى اقسام ثلاثة: احدها-ترك الطاعات الواجبة: من الصلاة، و الصوم، و الزكاة، و الخمس و الكفارة و غيرها. و طريق التوبة عنها: ان يجتهد في قضائها بقدر الامكان. و ثانيها-المحرمات التي بين العبد و بين الله، اعني المنهيات التي هي حقوق الله: كشرب الخمر، و ضرب المزامير، و الكذب، و الزنا بغير ذات بعل. و طريق التوبة عنها: ان يندم عليها، و يوطن قلبه على ترك العود الى مثلها ابدا. و ثالثها: الذنوب التي بينه و بين العباد، و هي المعبر عنها بحقوق الناس، و الامر فيها اصعب و اشكل، و هي اما فى المال، او في النفس، او في العرض، او في الحرمة، او في الدين: فما كان في (المال) : يجب عليه ان يرده الى صاحبه ان امكنه، فان عجز عن ذلك لعدم او فقر، وجب ان يستحل منه، و ان لم يحله او عجز عن الايصال لغيبة الرجل غيبة منقطعة او موته و عدم بقاء وارث له، فليتصدق عنه ان امكنه. و الا فعليه بالتضرع و الابتهال الى الله ان يرضيه عنه يوم القيامة، و عليه بتكثير حسناته و تكثير الاستغفار له، ليكون يوم القيامة عوضا عن حقه، اذ كل من له حق على غيره لا بد ان ياخذ يوم القيامة عوضا عن حقه، اما بعض طاعاته او بتحمل هذا الغير بعض سيئاته. و ما كان في (النفس) : فان كانت جناية جرت عليه خطا وجب ان يعطى الدية، و ان كان عمدا وجب عليه ان يمكن المجنى عليه او اولياءه مع هلاكه من القصاص حتى يقتص منه، او يجعل في حل، و ان عجز عن ذلك فعليه بكثرة اعتقاق الرقاب، لان ذلك نوع احياء و ايجاد لا يقدر الانسان على اكثر منه، فيقابل به الاعدام و الامانة، و عليه الرجوع ايضا الى الله بالتضرع و الابتهال ان يرضيه عنه يوم القيامة.
و ما كان في (العرض) : بان شتمه، او قذفه، او بهته، او اغتابه، فحقه ان يكذب نفسه عند من قال ذلك لديه، و يستحل من صاحبه مع الامكان، ان لم يخف تهديده و زيادة غيظه و هيجان فتنته من اظهاره، فان خاف ذلك، فليكثر الاستغفار له، و يبتهل الى الله ان يرضيه عنه يوم القيامة. و ما كان في (الحرمة) : بان خان مسلما في اهله و ولده او نحوهما، فلا وجه للاستحلال، اذ اظهار ذلك يورث الغيظ و الفتنة، لان من له شوب الرجولية لا يمكن ان يحل من خان في حرمته و وطا زوجته، كيف و لو احله و رضى بذلك كان فيه عرق من الدياثة، فاللازم لمثله ان يكثر التضرع و الابتهال الى الله المتعال، و يواظب على الطاعات و الخيرات الكثيرة لمن خانه في مقابلة خيانته، و ان كان حيا فليفرحه بالاحسان و الانعام و بذل الاموال، و يكرمه بالخدمة و قضاء الحوائج، و يسعى في مهماته و اغراضه، و يتلطف به، و يظهر من حبه و الشفقة عليه ما يستميل به قلبه، فاذا طاب قلبه بكثرة تودده و تلطفه، فربما سمحت نفسه في القيامة بالاحلال، فان ابى ان يكون انعامه و تلطفه من جملة حسناته التي يمكن ان يجبر بها في القيامة خيانته، فان كل ظلم و ايذاء و حق من حقوق العباد اذا لم يحل صاحبه يوم القيامة يقتص من الظالم فى يوم القيامة بالحكم العدل القهري باخذ العوض، سواء رضى الظالم ام لا، و سواء امتنع صاحب الحق عن القبول و الابراء ام لا، كما انه يحكم في الدنيا على من اتلف مال غيره باعطاء المثل، و يقهر على ذلك، و يحكم على هذا الغير بقبوله، و يجبر عليه ان امتنع عن الابراء و عن القبول، فكذلك يحكم احكم الحاكمين و اعدل العادلين في محكمة القيامة، فيقتص من كل ظالم موذ باخذ حسناته و وضعها في موازين ارباب المظالم، فان لم تف بها حسناته، حمل من سيئات ارباب المظالم، فيهلك المسكين بسيئات غيره. و بذلك يعلم: انه لا خلاص لاحد في القيامة الا برجحان ميزان الحسنات على ميزان السيئات، و مع الرجحان-و لو بقدر مثقال-تحصل النجاة، فيجب على كل معتقد بيوم الحساب ان يسعى في تكثير الحسنات و تقليل السيئات، حتى لا ترجح سيئاته يوم القيامة على حسناته و لو بمثقال فيكون من الهالكين، و على كل حال لا يغفل عن التضرع و الابتهال في الليل و النهار الى الله-سبحانه-، لعله بعميم لطفه لا يفضحه يوم تبلى السرائر، و يرضى خصمه بخفى الطافه.
و ما كان فى (الدين) : بان نسب مسلما الى الكفر او الضلالة او البدعة. فليكذب نفسه بين يدي من قال ذلك عنده، و يستحل من صاحبه مع الامكان، و بدونه فليستغفر له و يكثر الابتهال الى الله ليرضيه عنه يوم القيامة.
و مجمل ما يلزم في التوبة عن حقوق الناس: ارضاء الخصوم مع الامكان، و بدونه التصدق و تكثير الحسنات و الاستغفار، و الرجوع الى الله بالتضرع و الابتهال، و ليرضيهم عنه يوم القيامة، و يكون ذلك بمشية الله، فلعله اذا علم الصدق من قلب عبده، و وجد ذله و انكساره، ترحم عليه و ارضى خصماءه من خزانة فضله، فلا ينبغي لاحد ان يياس من روح الله.
و ما كان في (العرض) : بان شتمه، او قذفه، او بهته، او اغتابه، فحقه ان يكذب نفسه عند من قال ذلك لديه، و يستحل من صاحبه مع الامكان، ان لم يخف تهديده و زيادة غيظه و هيجان فتنته من اظهاره، فان خاف ذلك، فليكثر الاستغفار له، و يبتهل الى الله ان يرضيه عنه يوم القيامة. و ما كان في (الحرمة) : بان خان مسلما في اهله و ولده او نحوهما، فلا وجه للاستحلال، اذ اظهار ذلك يورث الغيظ و الفتنة، لان من له شوب الرجولية لا يمكن ان يحل من خان في حرمته و وطا زوجته، كيف و لو احله و رضى بذلك كان فيه عرق من الدياثة، فاللازم لمثله ان يكثر التضرع و الابتهال الى الله المتعال، و يواظب على الطاعات و الخيرات الكثيرة لمن خانه في مقابلة خيانته، و ان كان حيا فليفرحه بالاحسان و الانعام و بذل الاموال، و يكرمه بالخدمة و قضاء الحوائج، و يسعى في مهماته و اغراضه، و يتلطف به، و يظهر من حبه و الشفقة عليه ما يستميل به قلبه، فاذا طاب قلبه بكثرة تودده و تلطفه، فربما سمحت نفسه في القيامة بالاحلال، فان ابى ان يكون انعامه و تلطفه من جملة حسناته التي يمكن ان يجبر بها في القيامة خيانته، فان كل ظلم و ايذاء و حق من حقوق العباد اذا لم يحل صاحبه يوم القيامة يقتص من الظالم فى يوم القيامة بالحكم العدل القهري باخذ العوض، سواء رضى الظالم ام لا، و سواء امتنع صاحب الحق عن القبول و الابراء ام لا، كما انه يحكم في الدنيا على من اتلف مال غيره باعطاء المثل، و يقهر على ذلك، و يحكم على هذا الغير بقبوله، و يجبر عليه ان امتنع عن الابراء و عن القبول، فكذلك يحكم احكم الحاكمين و اعدل العادلين في محكمة القيامة، فيقتص من كل ظالم موذ باخذ حسناته و وضعها في موازين ارباب المظالم، فان لم تف بها حسناته، حمل من سيئات ارباب المظالم، فيهلك المسكين بسيئات غيره. و بذلك يعلم: انه لا خلاص لاحد في القيامة الا برجحان ميزان الحسنات على ميزان السيئات، و مع الرجحان-و لو بقدر مثقال-تحصل النجاة، فيجب على كل معتقد بيوم الحساب ان يسعى في تكثير الحسنات و تقليل السيئات، حتى لا ترجح سيئاته يوم القيامة على حسناته و لو بمثقال فيكون من الهالكين، و على كل حال لا يغفل عن التضرع و الابتهال في الليل و النهار الى الله-سبحانه-، لعله بعميم لطفه لا يفضحه يوم تبلى السرائر، و يرضى خصمه بخفى الطافه.
و ما كان فى (الدين) : بان نسب مسلما الى الكفر او الضلالة او البدعة. فليكذب نفسه بين يدي من قال ذلك عنده، و يستحل من صاحبه مع الامكان، و بدونه فليستغفر له و يكثر الابتهال الى الله ليرضيه عنه يوم القيامة.
و مجمل ما يلزم في التوبة عن حقوق الناس: ارضاء الخصوم مع الامكان، و بدونه التصدق و تكثير الحسنات و الاستغفار، و الرجوع الى الله بالتضرع و الابتهال، و ليرضيهم عنه يوم القيامة، و يكون ذلك بمشية الله، فلعله اذا علم الصدق من قلب عبده، و وجد ذله و انكساره، ترحم عليه و ارضى خصماءه من خزانة فضله، فلا ينبغي لاحد ان يياس من روح الله.
تكفير الصغائر و معنى الكبائر) اعلم ان صاحب الشرع قسم الذنوب الى كبيرة و صغيرة، و حكم بان اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، و ان الصلوات الخمس لا تكفر الكبائر و تكفر الصغائر، قال الله-تعالى-:
«ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم». و قال: «الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الا اللمم» (
«ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم». و قال: «الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الا اللمم» (
. و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «الصلوات الخمس و الجمعة تكفر ما بينهن ان اجتنبت الكبائر» و اجتناب الكبيرة انما يكفر الصغيرة اذا اجتنبها مع القدرة و الارادة،
فان كان امتناعه لعجز او خوف او نحو ذلك، فلا يصلح للتكفير، فكذلك من لا يشتهي الخمر بطبعه و لو ابيح له لما شربه. فاجتنابه لا يكفر عن الصغائر التي هي من مقدماته كسماع الملاهي و الاوتار و مثله.
ثم الكبيرة من حيث اللفظ مبهم ليس له موضوع خاص في اللغة و لا في الشرع و العرف، لان الكبير و الصغير من المصافات، و ما من ذنب الا و هو كبير بالاضافة الى ما دونه، و صغير بالاضافة الى ما فوقه. و قد اختلف العلماء فى تعيين الكبائر اختلافا لا يكاد يرجى زواله، و اختلفت الروايات فيها ايضا.
فان كان امتناعه لعجز او خوف او نحو ذلك، فلا يصلح للتكفير، فكذلك من لا يشتهي الخمر بطبعه و لو ابيح له لما شربه. فاجتنابه لا يكفر عن الصغائر التي هي من مقدماته كسماع الملاهي و الاوتار و مثله.
ثم الكبيرة من حيث اللفظ مبهم ليس له موضوع خاص في اللغة و لا في الشرع و العرف، لان الكبير و الصغير من المصافات، و ما من ذنب الا و هو كبير بالاضافة الى ما دونه، و صغير بالاضافة الى ما فوقه. و قد اختلف العلماء فى تعيين الكبائر اختلافا لا يكاد يرجى زواله، و اختلفت الروايات فيها ايضا.
الصغائر قد تكون كبائر) اعلم ان الصغيرة قد تكبر باسباب:
احدها-الاصرار و المواظبة، و لذلك قال الصادق-عليه السلام-:
«لا صغيرة مع الاصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار» . و السر فيه: ان الصغيرة لقلة تاثيرها لا تؤثر في القلب باظلامه مرة او مرتين، و لكن اذا تكررت و تراكمت آثارها الضعيفة صارت قوية و اثرت على التدريج في القلب، و ذلك كما ان قطرات من الماء تقع على الحجر على توال فتؤثر فيه، و ذلك القدر من الماء لو صب عليه دفعة لم يؤثر، و لذلك قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «خير الاعمال ادومها، و ان قل» . و اذا كان النافع هو الطاعة الدائمة و ان قلت، فكذلك الضار هو السيئة الدائمة و ان قلت. ثم معرفة الاصرار موكول الى العرف، قال الباقر-ع-في قوله-تعالى-:
«و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون» (:
«الاصرار: ان يذنب الذنب، فلا يستغفر و لا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الاصرار» . و ثانيها-استصغار الذنب، فان العبد كلما استعظمه من نفسه صغر عند الله، و كلما استصغره كبر عند الله، لان استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه و كراهته له، و ذلك النفور يمنع من شدة تاثره به، و استصغاره يصدر عن الالف به، و ذلك يوجب شدة الاثر في القلب، و القلب هو المطلوب تنويره بالطاعات و المحذور تسويده بالسيئات، و لذلك لا يؤاخذ بما يجري عليه في الغفلة، لعدم تاثره به. و لذلك ورد في الخبر: «ان المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف ان يقع عليه، و المنافق يرى ذنبه كذباب مر على انفه فاطاره» . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «اتقوا المحقرات من الذنوب، فانها لا تغفر» ، قيل: و ما المحقرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب، فيقول طوبى لي لو لم يكن غير ذلك» . و روى: «انه-صلى الله عليه و آله-نزل بارض قرعاء، فقال لاصحابه: ائتونا بالحطب، فقالوا:
يا رسول الله! نحن بارض قرعاء ما بها من حطب، قال: فليات كل انسان بما قدر عليه. فجاؤا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال-صلى الله عليه و آله-: هكذا تجتمع الذنوب، اياك و المحقرات من الذنوب فان لكل شيء طالبا، الا و ان طالبها يكتب ما قدموا و آثارهم و كل شيء احصيناه في امام مبين» . و قال امير المؤمنين-عليه السلام-: «لا تصغر ما ينفع يوم القيامة، و لا تصغر ما يضر يوم القيامة، فكونوا فيما اخبركم الله كمن عاين» . و قال الباقر-عليه السلام-: «اتقوا المحقرات من الذنوب فان لها طالبا، يقول احدكم: اذنب و استغفر الله. ان الله-تعالى-يقول:
«و نكتب ما قدموا و آثارهم و كل شيء احصيناه فى امام مبين» (32) . و قال-عز و جل-: «انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات او فى الارض يات بها الله ان الله لطيف خبير» . و قال الصادق-عليه السلام-: «ان الله يحب العبد ان يطلب اليه في الجرم العظيم، و يبغض العبد ان يستخف بالجرم اليسير» . و قال الكاظم -عليه السلام-: «لا تستكثروا كثير الخير و لا تستقلوا قليل الذنوب، فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا، و خافوا الله في السر حتى تعطوا من انفسكم النصف». و السر في عظم الذنب في قلب المؤمن: كونه عالما بجلال الله و كبريائه، فاذا نظر الى عظم من عصى به راى الصغير كبيرا، و قد اوحى الله الى بعض انبيائه: «لا تنظر الى قلة الهدية و انظر الى عظم مهديها، و لا تنظر الى صغر الخطيئة و انظر الى كبرياء من واجهته بها» .
و لذلك قال بعض الصحابة للتابعين: «انكم تعملون اعمالا هي ادق في اعينكم من الشعر، و كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات» ، اذ كانت معرفة الصحابة بجلال الله اتم، فكانت الصغائر عنهم بالاضافة الى جلال الله كبائر.
و ثالثها-ان ياتى بالصغائر و لا يبالى بفعلها، اغترارا بستر الله عليه، و حلمه عنه، و امهاله اياه، و لا يعلم انه انما يمهل مقتا ليزداد بالامهال اثما، فتزهق انفسهم و هم كافرون، فمن ظن آن تمكنه من المعاصى عناية من الله به، فهو جاهل بمكامن الغرور، و آمن من مكر الله الذي لا يامن منه الا الكافرون.
و رابعها-السرور بالصغيرة و اعتداد التمكن من ذلك نعمة، و الغفلة عن كونها نقمة و سبب الشقاوة، فكلما غلبتحلاوة الصغيرة عند العبد كبرت و عظم اثرها في تسويد قلبه، فمن مزق عرض مسلم و فضحه و خجله، او غبنه في ماله في المعاملة، ثم فرح به، و يقول: اما رايتني كيف مزقت عرضه؟
و كيف فضحته؟ و كيف روجت عليه الزيف؟ كانت معصيته اشد مما اذا لم يفرح بذلك و تاسف عليه، اذ الذنوب مهلكات، و اذا ابتلى بها العبد فينبغى ان يتاسف من حيث ان العدو-اعني الشيطان-ظفر به و غلب عليه، لا ان يفرح بغلبة العدو عليه، فالمريض الذي يفرح بانكسار انائه الذي فيه واؤه لتخلصه من الم شربه، لا يرجى شفاؤه.
و خامسها-ان يذنب و يظهر ذنبه بان يذكره بعد اتيانه، او ياتي به في مشهد غيره، فان ذلك خيانة منه على الله الذي اسدله عليه، و تحريك الرغبة و الشر فيمن اسمعه ذنبه او اشهده فعله، فهما خيانتان انضمتا الى خيانته فتغلظتبه، فان انضاف الى ذلك الترغيب للغير فيه و الحمل عليه و تهيئة الاسباب له صارت خيانته رابعة، و تفاحش الامر. و هذا لان من صفات الله انه يظهر الجميل و يستر القبيح و لا يهتك الستر، فلاظهار كفر ان لهذه النعمة، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة، و المذيع بالسيئة مخذول، و المستتر بها مغفور له» . و قال الصادق-عليه السلام-: «من جاءنا يلتمس الفقه و القرآن و تفسيره فدعوه و من جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه» .
و سادسها-ان يكون الآتي بالصغيرة عالما يقتدي به الناس، فاذا فعله بحضرة الناس او بحيث اطلعوا عليه، كبر ذنبه، و ذلك كلبه الذهب و الابريسم، و اخذه مال الشبهة، و اطلاقه اللسان في اعراض الناس، و نحو ذلك. فهذه ذنوب يقتدى العالم فيها و يتبع عليها، فيموت و يبقى شره مستطيرا في العالم، فطوبى لمن اذا مات ماتت معه ذنوبه، و في الخبر: «من سن سنة سيئة فعليه و زرها و وزر من عمل بها لا ينقص من اوزارهم شيء» قال الله-تعالى- «و نكتب ما قدموا و آثارهم» (35)
و الآثار: ما يلحق الاعمال بعد انقضاء العمل. فعلى العالم وظيفتان:
-احدهما-ترك الذنب، و الاخرى-اخفاؤه، و كما تتضاعف اوزار العالم على السيئات اذا اتبع فيها، فكذلك يتضاعف ثوابه على الحسنات اذا اتبع.
احدها-الاصرار و المواظبة، و لذلك قال الصادق-عليه السلام-:
«لا صغيرة مع الاصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار» . و السر فيه: ان الصغيرة لقلة تاثيرها لا تؤثر في القلب باظلامه مرة او مرتين، و لكن اذا تكررت و تراكمت آثارها الضعيفة صارت قوية و اثرت على التدريج في القلب، و ذلك كما ان قطرات من الماء تقع على الحجر على توال فتؤثر فيه، و ذلك القدر من الماء لو صب عليه دفعة لم يؤثر، و لذلك قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «خير الاعمال ادومها، و ان قل» . و اذا كان النافع هو الطاعة الدائمة و ان قلت، فكذلك الضار هو السيئة الدائمة و ان قلت. ثم معرفة الاصرار موكول الى العرف، قال الباقر-ع-في قوله-تعالى-:
«و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون» (:
«الاصرار: ان يذنب الذنب، فلا يستغفر و لا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الاصرار» . و ثانيها-استصغار الذنب، فان العبد كلما استعظمه من نفسه صغر عند الله، و كلما استصغره كبر عند الله، لان استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه و كراهته له، و ذلك النفور يمنع من شدة تاثره به، و استصغاره يصدر عن الالف به، و ذلك يوجب شدة الاثر في القلب، و القلب هو المطلوب تنويره بالطاعات و المحذور تسويده بالسيئات، و لذلك لا يؤاخذ بما يجري عليه في الغفلة، لعدم تاثره به. و لذلك ورد في الخبر: «ان المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف ان يقع عليه، و المنافق يرى ذنبه كذباب مر على انفه فاطاره» . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «اتقوا المحقرات من الذنوب، فانها لا تغفر» ، قيل: و ما المحقرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب، فيقول طوبى لي لو لم يكن غير ذلك» . و روى: «انه-صلى الله عليه و آله-نزل بارض قرعاء، فقال لاصحابه: ائتونا بالحطب، فقالوا:
يا رسول الله! نحن بارض قرعاء ما بها من حطب، قال: فليات كل انسان بما قدر عليه. فجاؤا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال-صلى الله عليه و آله-: هكذا تجتمع الذنوب، اياك و المحقرات من الذنوب فان لكل شيء طالبا، الا و ان طالبها يكتب ما قدموا و آثارهم و كل شيء احصيناه في امام مبين» . و قال امير المؤمنين-عليه السلام-: «لا تصغر ما ينفع يوم القيامة، و لا تصغر ما يضر يوم القيامة، فكونوا فيما اخبركم الله كمن عاين» . و قال الباقر-عليه السلام-: «اتقوا المحقرات من الذنوب فان لها طالبا، يقول احدكم: اذنب و استغفر الله. ان الله-تعالى-يقول:
«و نكتب ما قدموا و آثارهم و كل شيء احصيناه فى امام مبين» (32) . و قال-عز و جل-: «انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات او فى الارض يات بها الله ان الله لطيف خبير» . و قال الصادق-عليه السلام-: «ان الله يحب العبد ان يطلب اليه في الجرم العظيم، و يبغض العبد ان يستخف بالجرم اليسير» . و قال الكاظم -عليه السلام-: «لا تستكثروا كثير الخير و لا تستقلوا قليل الذنوب، فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا، و خافوا الله في السر حتى تعطوا من انفسكم النصف». و السر في عظم الذنب في قلب المؤمن: كونه عالما بجلال الله و كبريائه، فاذا نظر الى عظم من عصى به راى الصغير كبيرا، و قد اوحى الله الى بعض انبيائه: «لا تنظر الى قلة الهدية و انظر الى عظم مهديها، و لا تنظر الى صغر الخطيئة و انظر الى كبرياء من واجهته بها» .
و لذلك قال بعض الصحابة للتابعين: «انكم تعملون اعمالا هي ادق في اعينكم من الشعر، و كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات» ، اذ كانت معرفة الصحابة بجلال الله اتم، فكانت الصغائر عنهم بالاضافة الى جلال الله كبائر.
و ثالثها-ان ياتى بالصغائر و لا يبالى بفعلها، اغترارا بستر الله عليه، و حلمه عنه، و امهاله اياه، و لا يعلم انه انما يمهل مقتا ليزداد بالامهال اثما، فتزهق انفسهم و هم كافرون، فمن ظن آن تمكنه من المعاصى عناية من الله به، فهو جاهل بمكامن الغرور، و آمن من مكر الله الذي لا يامن منه الا الكافرون.
و رابعها-السرور بالصغيرة و اعتداد التمكن من ذلك نعمة، و الغفلة عن كونها نقمة و سبب الشقاوة، فكلما غلبتحلاوة الصغيرة عند العبد كبرت و عظم اثرها في تسويد قلبه، فمن مزق عرض مسلم و فضحه و خجله، او غبنه في ماله في المعاملة، ثم فرح به، و يقول: اما رايتني كيف مزقت عرضه؟
و كيف فضحته؟ و كيف روجت عليه الزيف؟ كانت معصيته اشد مما اذا لم يفرح بذلك و تاسف عليه، اذ الذنوب مهلكات، و اذا ابتلى بها العبد فينبغى ان يتاسف من حيث ان العدو-اعني الشيطان-ظفر به و غلب عليه، لا ان يفرح بغلبة العدو عليه، فالمريض الذي يفرح بانكسار انائه الذي فيه واؤه لتخلصه من الم شربه، لا يرجى شفاؤه.
و خامسها-ان يذنب و يظهر ذنبه بان يذكره بعد اتيانه، او ياتي به في مشهد غيره، فان ذلك خيانة منه على الله الذي اسدله عليه، و تحريك الرغبة و الشر فيمن اسمعه ذنبه او اشهده فعله، فهما خيانتان انضمتا الى خيانته فتغلظتبه، فان انضاف الى ذلك الترغيب للغير فيه و الحمل عليه و تهيئة الاسباب له صارت خيانته رابعة، و تفاحش الامر. و هذا لان من صفات الله انه يظهر الجميل و يستر القبيح و لا يهتك الستر، فلاظهار كفر ان لهذه النعمة، قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة، و المذيع بالسيئة مخذول، و المستتر بها مغفور له» . و قال الصادق-عليه السلام-: «من جاءنا يلتمس الفقه و القرآن و تفسيره فدعوه و من جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه» .
و سادسها-ان يكون الآتي بالصغيرة عالما يقتدي به الناس، فاذا فعله بحضرة الناس او بحيث اطلعوا عليه، كبر ذنبه، و ذلك كلبه الذهب و الابريسم، و اخذه مال الشبهة، و اطلاقه اللسان في اعراض الناس، و نحو ذلك. فهذه ذنوب يقتدى العالم فيها و يتبع عليها، فيموت و يبقى شره مستطيرا في العالم، فطوبى لمن اذا مات ماتت معه ذنوبه، و في الخبر: «من سن سنة سيئة فعليه و زرها و وزر من عمل بها لا ينقص من اوزارهم شيء» قال الله-تعالى- «و نكتب ما قدموا و آثارهم» (35)
و الآثار: ما يلحق الاعمال بعد انقضاء العمل. فعلى العالم وظيفتان:
-احدهما-ترك الذنب، و الاخرى-اخفاؤه، و كما تتضاعف اوزار العالم على السيئات اذا اتبع فيها، فكذلك يتضاعف ثوابه على الحسنات اذا اتبع.
نقلاً عن كتاب جامع السعادات
تأليف: الشيخ الجليل محمد مهدي النراقي (قدس سره)