الحسد ... بواعثة ...علاجه نقلاً عن كتاب جامع السعادات للشيخ الجليل محمد النراقي (قدس الله سره)
و هو تمنى زوال نعم الله تعالى عن اخيك المسلم مما له فيه صلاح، فان لم ترد زوالها عنه و لكن تريد لنفسك مثلها فهو (غبطة) و منافسة، فان لم يكن له فيها صلاح و اردت زوالها عنه فهو (غيرة) . ثم ان كان باعثحسدك مجرد الحرص على وصول النعمة الى نفسك، فهو من رداءة القوة الشهوية، و ان كان باعثه محض وصول المكروه الى المحسود فهو من رذائل القوة الغضبية، و يكون من نتائج الحقد الذى هو من نتائج الغضب، و ان كان باعثه مركبا منهما، فهو من رداءة القوتين. و ضده (النصيحة) ، و هي ارادة بقاء نعمة الله على اخيك المسلم مما له فيه صلاح.
و لا ريب في انه لا يمكن الحكم على القطع بكون هذه النعمة صلاحا او فسادا. فربما كانت و بالا على صاحبه و فسادا له، مع كونها نعمة و صلاحا في بادى النظر. فالمناط في ذلك غلبة الظن، فما ظن كونه صلاحا فارادة زواله حسد و ارادة بقائه نصيحة، و ما ظن كونه فاسدا فارادة زواله غيرة. ثم ان اشتبه عليك الصلاح و الفساد، فلا ترد زال نعمة اخيك و لا بقاءها الا مقيدا بالتفويض و شرط الصلاح، لتخلص من حكم الحسد و يحصل لك حكم النصيحة. و المعيار في كونك ناصحا: ان تريد لاخيك ما تريد لنفسك، و تكره له ما تكره لنفسك. و في كونك حاسدا:
ان تريد له ما تكره لنفسك، و تكره له ما تريد لنفسك.
و لا ريب في انه لا يمكن الحكم على القطع بكون هذه النعمة صلاحا او فسادا. فربما كانت و بالا على صاحبه و فسادا له، مع كونها نعمة و صلاحا في بادى النظر. فالمناط في ذلك غلبة الظن، فما ظن كونه صلاحا فارادة زواله حسد و ارادة بقائه نصيحة، و ما ظن كونه فاسدا فارادة زواله غيرة. ثم ان اشتبه عليك الصلاح و الفساد، فلا ترد زال نعمة اخيك و لا بقاءها الا مقيدا بالتفويض و شرط الصلاح، لتخلص من حكم الحسد و يحصل لك حكم النصيحة. و المعيار في كونك ناصحا: ان تريد لاخيك ما تريد لنفسك، و تكره له ما تكره لنفسك. و في كونك حاسدا:
ان تريد له ما تكره لنفسك، و تكره له ما تريد لنفسك.
بواعث الحسد
بواعث الحسد سبعة:
الاول-خبث النفس و شحها بالخير لعباد الله. فانك تجد في زوايا العالم من يسر و يرتاح بابتلاء العباد بالبلايا و المحن، و يحزن من حسن حالهم وسعة عيشهم. فمثله اذا وصف له اضطراب امور الناس و ادبارهم، و فوات مقاصدهم و تنغص عيشهم، يجد من طبعه الخبيث فرحا و انبساطا و ان لم يكن بينه و بينهم عداوة و لا رابطة، و لم يوجب ذلك تفاوتا في حاله من وصوله الى جاه او مال او غير ذلك. و اذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله و انتظام اموره، شق ذلك عليه، و ان لم يوجب ذلك نقصا في شيء مما له. فهو يبخل بنعمة الله على عباده من دون قصد و غرض، و لا تصور انتقال النعمة اليه، فيكون ناشئا عن خبث نفسه و رذالة طبعه. و لذا يعسر علاجه، لكونه مقتضى خباثة الجبلة، و ما يقتضيه الطبع و الجبلة تعسر ازالته، بخلاف ما يحدث من الاسباب العارضة.
الثاني-العداوة و البغضاء. و هي اشد اسبابه، اذ كل احد-الا اوحدي من المجاهدين-اذا اصابت عدوه بلية فرح بذلك، اما لظنها مكافاة من الله لاجله، او لحبه طبعا ضعفه و هلاكه. و مهما اصابته نعمة ساءه ذلك، لانه ضد مراده، و ربما تصور لاجله انه لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم من عدوه و انعم عليه، فيحزن لذلك.
الثالث-حب الرئاسة و طلب المال و الجاه. فان من غلب عليه حب التفرد و الثناء، و استقره الفرح بما يمدح به من انه وحيد الدهر و فريد العصر في فنه، من شجاعة او علم او عبادة او صناعة او جمال او غير ذلك، لو سمع بنظير له في اقصى العالم ساءه ذلك، و ارتاح بموته او زوال النعمة التي يشاركه فيها، ليكون فائقا على الكل في فنه، و متفردا بالمدح و الثناء في صفته.
الرابع-الخوف من فوت المقاصد. و ذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد، فان كل واحد، منهما يحسد صاحبه في وصوله هذا المقصود طلبا للتفرد به، كتحاسد الضرات في مقاصد الزوجية. و الاخوة في نيل المنزلة في قلب الابوين توصلا الى مالهما، و التلامذة لاستاذ واحد في نيل المنزلة في قلبه، و ندماء الملك و خواصه في نيل المنزلة و الكرامة عنده، و الوعاظ و الفقهاء المتزاحمين على اهل بلدة واحدة في نيل القبول و المال عندهم، اذا كان غرضهم ذلك.
الخامس-التعزز: و هو ان يثقل عليه ان يترفع عليه بعض اقرانه و يعلم انه لو اصاب بعض النعم يستكبر عليه و يستصغره، و هو لا يطيق ذلك لعزة نفسه، فيحسده لو اصاب تلك النعمة تعززا لنفسه. فليس غرضه ان يتكبر، لانه قد رضى بمساواته، بل غرضه ان يدفع كبره.
السادس-التكبر: و هو ان يكون في طبعه الترفع على بعض الناس و يتوقع منه الانقياد و المتابعة في مقاصده، فاذا نال بعض النعم خاف الا يحتمل تكبره و يترفع عن خدمته، و ربما اراد مساواته او التفوق عليه، فيعود مخدوما بعد ان كان خادما، فيحسده في وصول النعمة لاجل ذلك و قد كان حسد اكثر الكفار لرسول الله-صلى الله عليه و آله-من هذا القبيل، حيث قالوا: كيف يتقدم علينا غلام فقير يتيم؟
«لو لا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم» (9) .
السابع-التعجب: و هو ان يكون المحسود في نظر الحاسد حقيرا و النعمة عظيمة، فيعجب من فوز مثله بمثلها، فيحسده و يحب زوالها عنه و من هذا القبيل حسد الامم لانبيائهم، حيث قالوا:
«ما انتم الا بشر مثلنا» (10) . «فقالوا: انؤمن لبشرين مثلنا» (11) . «و لئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون» (12) .
فتعجبوا من فوز من هو مثلهم برتبة الوحي و الرسالة، و حسدوه بمجرد ذلك، من دون قصد تكبر او رئاسة او عداوة او غيرها من اسباب الحسد.
و قد تجتمع هذه الاسباب او اكثرها في شخص واحد، فيعظم لذلك حسده، و تقوى قوة لا يقدر معها على المجاملة، فتظهر العداوة بالمكاشفة.
و ربما قوى الحسد بحيثيتمنى صاحبه ان يزول عن كل احد ما يراه له من النعمة، و ينتقل اليه. و مثله لا ينفك عن الجهل و الحرص، اذ هو يتمنى استجماع جميع النعم و الخيرات الحاصلة لجميع الناس له، و لا ريب في استحالة ذلك، و لو قدر امكانه لا يمكنه الاستمتاع بها، فلو لم يكن حريصا لم يتمن ذلك اصلا، و لو كان عالما لدفع هذا التمنى بقوته العاقلة.
(تنبيه) بعض الاسباب المذكورة، كما يقتضي ان يتمنى زوال النعمة و السرور به كذلك يقتضي تمنى حدوث البلية و الارتياح منه. الا ان المعدود من الحسد هو الاول، و الثاني معدود من العداوة. فالعداوة اعم منه، اذ هي تمنى وقوع مطلق الضرر بالعدو، سواء كان زوال نعمة او حدوث بلية. و الحسد تمنى زوال مجرد النعمة.
الاول-خبث النفس و شحها بالخير لعباد الله. فانك تجد في زوايا العالم من يسر و يرتاح بابتلاء العباد بالبلايا و المحن، و يحزن من حسن حالهم وسعة عيشهم. فمثله اذا وصف له اضطراب امور الناس و ادبارهم، و فوات مقاصدهم و تنغص عيشهم، يجد من طبعه الخبيث فرحا و انبساطا و ان لم يكن بينه و بينهم عداوة و لا رابطة، و لم يوجب ذلك تفاوتا في حاله من وصوله الى جاه او مال او غير ذلك. و اذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله و انتظام اموره، شق ذلك عليه، و ان لم يوجب ذلك نقصا في شيء مما له. فهو يبخل بنعمة الله على عباده من دون قصد و غرض، و لا تصور انتقال النعمة اليه، فيكون ناشئا عن خبث نفسه و رذالة طبعه. و لذا يعسر علاجه، لكونه مقتضى خباثة الجبلة، و ما يقتضيه الطبع و الجبلة تعسر ازالته، بخلاف ما يحدث من الاسباب العارضة.
الثاني-العداوة و البغضاء. و هي اشد اسبابه، اذ كل احد-الا اوحدي من المجاهدين-اذا اصابت عدوه بلية فرح بذلك، اما لظنها مكافاة من الله لاجله، او لحبه طبعا ضعفه و هلاكه. و مهما اصابته نعمة ساءه ذلك، لانه ضد مراده، و ربما تصور لاجله انه لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم من عدوه و انعم عليه، فيحزن لذلك.
الثالث-حب الرئاسة و طلب المال و الجاه. فان من غلب عليه حب التفرد و الثناء، و استقره الفرح بما يمدح به من انه وحيد الدهر و فريد العصر في فنه، من شجاعة او علم او عبادة او صناعة او جمال او غير ذلك، لو سمع بنظير له في اقصى العالم ساءه ذلك، و ارتاح بموته او زوال النعمة التي يشاركه فيها، ليكون فائقا على الكل في فنه، و متفردا بالمدح و الثناء في صفته.
الرابع-الخوف من فوت المقاصد. و ذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد، فان كل واحد، منهما يحسد صاحبه في وصوله هذا المقصود طلبا للتفرد به، كتحاسد الضرات في مقاصد الزوجية. و الاخوة في نيل المنزلة في قلب الابوين توصلا الى مالهما، و التلامذة لاستاذ واحد في نيل المنزلة في قلبه، و ندماء الملك و خواصه في نيل المنزلة و الكرامة عنده، و الوعاظ و الفقهاء المتزاحمين على اهل بلدة واحدة في نيل القبول و المال عندهم، اذا كان غرضهم ذلك.
الخامس-التعزز: و هو ان يثقل عليه ان يترفع عليه بعض اقرانه و يعلم انه لو اصاب بعض النعم يستكبر عليه و يستصغره، و هو لا يطيق ذلك لعزة نفسه، فيحسده لو اصاب تلك النعمة تعززا لنفسه. فليس غرضه ان يتكبر، لانه قد رضى بمساواته، بل غرضه ان يدفع كبره.
السادس-التكبر: و هو ان يكون في طبعه الترفع على بعض الناس و يتوقع منه الانقياد و المتابعة في مقاصده، فاذا نال بعض النعم خاف الا يحتمل تكبره و يترفع عن خدمته، و ربما اراد مساواته او التفوق عليه، فيعود مخدوما بعد ان كان خادما، فيحسده في وصول النعمة لاجل ذلك و قد كان حسد اكثر الكفار لرسول الله-صلى الله عليه و آله-من هذا القبيل، حيث قالوا: كيف يتقدم علينا غلام فقير يتيم؟
«لو لا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم» (9) .
السابع-التعجب: و هو ان يكون المحسود في نظر الحاسد حقيرا و النعمة عظيمة، فيعجب من فوز مثله بمثلها، فيحسده و يحب زوالها عنه و من هذا القبيل حسد الامم لانبيائهم، حيث قالوا:
«ما انتم الا بشر مثلنا» (10) . «فقالوا: انؤمن لبشرين مثلنا» (11) . «و لئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون» (12) .
فتعجبوا من فوز من هو مثلهم برتبة الوحي و الرسالة، و حسدوه بمجرد ذلك، من دون قصد تكبر او رئاسة او عداوة او غيرها من اسباب الحسد.
و قد تجتمع هذه الاسباب او اكثرها في شخص واحد، فيعظم لذلك حسده، و تقوى قوة لا يقدر معها على المجاملة، فتظهر العداوة بالمكاشفة.
و ربما قوى الحسد بحيثيتمنى صاحبه ان يزول عن كل احد ما يراه له من النعمة، و ينتقل اليه. و مثله لا ينفك عن الجهل و الحرص، اذ هو يتمنى استجماع جميع النعم و الخيرات الحاصلة لجميع الناس له، و لا ريب في استحالة ذلك، و لو قدر امكانه لا يمكنه الاستمتاع بها، فلو لم يكن حريصا لم يتمن ذلك اصلا، و لو كان عالما لدفع هذا التمنى بقوته العاقلة.
(تنبيه) بعض الاسباب المذكورة، كما يقتضي ان يتمنى زوال النعمة و السرور به كذلك يقتضي تمنى حدوث البلية و الارتياح منه. الا ان المعدود من الحسد هو الاول، و الثاني معدود من العداوة. فالعداوة اعم منه، اذ هي تمنى وقوع مطلق الضرر بالعدو، سواء كان زوال نعمة او حدوث بلية. و الحسد تمنى زوال مجرد النعمة.
علاج الحسد
لما علم ان الحسد من الامراض المهلكة للنفوس، فاعلم ان امراض النفوس لا تداوى الا بالعلم و العمل. و العلم النافع لمرض الحسد ان تعرف انه يضرك في الدين و الدنيا، و لا يضر محسودك فيهما، بل ينتفع به فيهما.
و مهما عرفت ذلك عن بصيرة و تحقيق، و لم تكن عدو نفسك لا صديق عدوك، فارقت الحسد.
و اما انه يضر بدينك و يؤدى بك الى عذاب الابد و عقاب السرمد فلما علمت من الآيات و الاخبار الواردة في ذمه و عقوبة صاحبه، و لما عرفت من كون الحاسد ساخطا لقضاء الله تعالى، و كارها لنعمه التي قسمها لعباده، و منكرا لعدله الذى اجراه في ملكه. و مثل هذا السخط و الانكار لايجابه الضدية و العناد لخالق العباد، كاد ان يزيل اصل التوحيد و الايمان فضلا عن الاضرار بهما. على ان الحسد يوجب الغش و العداوة بالمؤمن، و ترك نصيحته و موالاته و تعظيمه و مراعاته و مفارقة انبياء الله و اوليائه في حبهم الخير و النعمة له، و مشاركة الشيطان و احزابه في فرحهم بوقوع المصائب و البلايا عليه، و زوال النعم عنه. و هذه خبائث في النفس، تاكل الحسنات كما تاكل النار الحطب.
و اما انه يضرك في الدنيا، لانك تتالم و تتعذب به، و لا تزال في تعب و غم و كد و هم، اذ نعم الله لا تنقطع عن عباده و لا عن اعدائك، فانت تتعذب بكل نعمة تراها لهم، و تتالم بكل بلية تنصرف عنهم، فتبقى دائما مغموما محزونا، ضيق النفس منشعب القلب، فانتباختيارك تجر الى نفسك ما تريد لاعدائك و يريد اعداؤك لك. و ما اعجب من العاقل ان يتعرض لسخط الله و مقته في الآجل، و دوام الضرر و الالم في العاجل فيهلك دينه و دنياه من غير جدوى و فائدة.
و اما انه لا يضر المحسود في دينه و دنياه فظاهر، لان النعمة لا تزول عنه بحسدك. اذ ما قدره الله من النعم على عباده لا بد ان يستمر الى وقته و لا ينفع التدبير و الحيلة في دفعه، لا مانع لما اعطاه و لا راد لما قضاه:
«لكل اجل كتاب» . «و كل شيء عنده بمقدار» (1) .
و لو كانت النعم تزول بالحسد، لم تبق عليك و على كافة الخلق نعمة، لعدم خلوك و خلوهم عن الحسد، بل لم تبق نعمة الايمان على المؤمنين، اذ الكفار يحسدونهم، كما قال الله سبحانه:
«ودت طائفة من اهل الكتاب لو يضلونكم و ما يضلون الا انفسهم و ما يشعرون» (2) .
و لو تصورت زوال النعمة عن محسودك بحسدك، و عدم زوالها عنك بحسد حاسدك، لكنت اجهل الناس و اشدهم غباوة. نعم، ربما صار حسدك منشا لانتشار فضل المحسود، كما قيل:
و اذا اراد الله نشر فضيلة×طويت، اتاح لها لسان حسود فاذا لم تزل نعمته بحسدك، لم يضره في الدنيا، و لا يكون عليه اثم في الاخرة.
و اما انه ينفعه في الدين، فلذلك ظاهر من حيث كونه مظلوما من جهتك، (لا) سيما اذا اخرجك الحسد الى ما لا ينبغي من القول و الفعل كالغيبة، و البهتان، و هتك ستره، و افشاء سره، و القدح فيه، و ذكر مساويه. فتحتمل بهذه الهدايا التي تهديها اليه بعضا من اوزاره و عصيانه و تنقل شطرا من حسناتك الى ديوانه، فيلقاك يوم القيامه مفلسا محروما عن الرحمة، كما كنت تلقاه في الدنيا محروما عن النعمة. فاضفت له نعمة الى نعمة، و لنفسك نقمة الى نقمة.
و اما انه ينفعه في الدنيا، فهو ان اهم اغراض الناس مساءة الاعداء و سوء حالهم، و كونهم متالمين معذبين. و لا عذاب اشد مما انت فيه من الم الحسد. فقد فعلتبنفسك ما هو غاية مراد حسادك في الدنيا. و اذا تاملت هذا، عرفت ان كل حاسد عدو نفسه، و صديق عدوه. فمن تامل في ذلك، و تذكر ما ياتي من فوائد النصيحة و حب الخير و النعمة للمسلمين، و لم يكن عدو نفسه، فارق الحسد البتة.
و اما العمل النافع فيه، فهو ان يواظب على آثار النصيحة التي هي ضده، بان يصمم على ان يكلف نفسه بنقيض ما يقتضيه الحسد من قول و فعل، فان بعثه الحسد على التكبر عليه، الزم نفسه التواضع له، و ان بعثه على غيبته و القدح فيه، كلف لسانه المدح و الثناء عليه، و ان بعثه على الغش و الخرق بالنسبة اليه، كلف نفسه بحسن البشر و اللين معه، و ان بعثه على كف الانعام عنه، الزم نفسه زيادته. و مهما فعل ذلك عن تكلف و كرره و داوم عليه، انقطعت عنه مادة الحسد على التدريج. على ان المحسود اذا عرف منه ذلك طاب قلبه و احبه، و اذا ظهر حبه للحاسد زال حسده و احبه ايضا، فتتولد بينهما الموافقة، و ترتفع عنهما مادة المحاسدة و هذا هو المعالجة الكلية لمطلق مرض الحسد. و العلاج النافع لكل نوع منه، ان يقمع سببه، من خبث النفس و حب الرئاسة و الكبر و عزة النفس و شدة الحرص و غير ذلك مما ذكر، و علاج كل واحد من هذه الاسباب ياتي في محله.
و مهما عرفت ذلك عن بصيرة و تحقيق، و لم تكن عدو نفسك لا صديق عدوك، فارقت الحسد.
و اما انه يضر بدينك و يؤدى بك الى عذاب الابد و عقاب السرمد فلما علمت من الآيات و الاخبار الواردة في ذمه و عقوبة صاحبه، و لما عرفت من كون الحاسد ساخطا لقضاء الله تعالى، و كارها لنعمه التي قسمها لعباده، و منكرا لعدله الذى اجراه في ملكه. و مثل هذا السخط و الانكار لايجابه الضدية و العناد لخالق العباد، كاد ان يزيل اصل التوحيد و الايمان فضلا عن الاضرار بهما. على ان الحسد يوجب الغش و العداوة بالمؤمن، و ترك نصيحته و موالاته و تعظيمه و مراعاته و مفارقة انبياء الله و اوليائه في حبهم الخير و النعمة له، و مشاركة الشيطان و احزابه في فرحهم بوقوع المصائب و البلايا عليه، و زوال النعم عنه. و هذه خبائث في النفس، تاكل الحسنات كما تاكل النار الحطب.
و اما انه يضرك في الدنيا، لانك تتالم و تتعذب به، و لا تزال في تعب و غم و كد و هم، اذ نعم الله لا تنقطع عن عباده و لا عن اعدائك، فانت تتعذب بكل نعمة تراها لهم، و تتالم بكل بلية تنصرف عنهم، فتبقى دائما مغموما محزونا، ضيق النفس منشعب القلب، فانتباختيارك تجر الى نفسك ما تريد لاعدائك و يريد اعداؤك لك. و ما اعجب من العاقل ان يتعرض لسخط الله و مقته في الآجل، و دوام الضرر و الالم في العاجل فيهلك دينه و دنياه من غير جدوى و فائدة.
و اما انه لا يضر المحسود في دينه و دنياه فظاهر، لان النعمة لا تزول عنه بحسدك. اذ ما قدره الله من النعم على عباده لا بد ان يستمر الى وقته و لا ينفع التدبير و الحيلة في دفعه، لا مانع لما اعطاه و لا راد لما قضاه:
«لكل اجل كتاب» . «و كل شيء عنده بمقدار» (1) .
و لو كانت النعم تزول بالحسد، لم تبق عليك و على كافة الخلق نعمة، لعدم خلوك و خلوهم عن الحسد، بل لم تبق نعمة الايمان على المؤمنين، اذ الكفار يحسدونهم، كما قال الله سبحانه:
«ودت طائفة من اهل الكتاب لو يضلونكم و ما يضلون الا انفسهم و ما يشعرون» (2) .
و لو تصورت زوال النعمة عن محسودك بحسدك، و عدم زوالها عنك بحسد حاسدك، لكنت اجهل الناس و اشدهم غباوة. نعم، ربما صار حسدك منشا لانتشار فضل المحسود، كما قيل:
و اذا اراد الله نشر فضيلة×طويت، اتاح لها لسان حسود فاذا لم تزل نعمته بحسدك، لم يضره في الدنيا، و لا يكون عليه اثم في الاخرة.
و اما انه ينفعه في الدين، فلذلك ظاهر من حيث كونه مظلوما من جهتك، (لا) سيما اذا اخرجك الحسد الى ما لا ينبغي من القول و الفعل كالغيبة، و البهتان، و هتك ستره، و افشاء سره، و القدح فيه، و ذكر مساويه. فتحتمل بهذه الهدايا التي تهديها اليه بعضا من اوزاره و عصيانه و تنقل شطرا من حسناتك الى ديوانه، فيلقاك يوم القيامه مفلسا محروما عن الرحمة، كما كنت تلقاه في الدنيا محروما عن النعمة. فاضفت له نعمة الى نعمة، و لنفسك نقمة الى نقمة.
و اما انه ينفعه في الدنيا، فهو ان اهم اغراض الناس مساءة الاعداء و سوء حالهم، و كونهم متالمين معذبين. و لا عذاب اشد مما انت فيه من الم الحسد. فقد فعلتبنفسك ما هو غاية مراد حسادك في الدنيا. و اذا تاملت هذا، عرفت ان كل حاسد عدو نفسه، و صديق عدوه. فمن تامل في ذلك، و تذكر ما ياتي من فوائد النصيحة و حب الخير و النعمة للمسلمين، و لم يكن عدو نفسه، فارق الحسد البتة.
و اما العمل النافع فيه، فهو ان يواظب على آثار النصيحة التي هي ضده، بان يصمم على ان يكلف نفسه بنقيض ما يقتضيه الحسد من قول و فعل، فان بعثه الحسد على التكبر عليه، الزم نفسه التواضع له، و ان بعثه على غيبته و القدح فيه، كلف لسانه المدح و الثناء عليه، و ان بعثه على الغش و الخرق بالنسبة اليه، كلف نفسه بحسن البشر و اللين معه، و ان بعثه على كف الانعام عنه، الزم نفسه زيادته. و مهما فعل ذلك عن تكلف و كرره و داوم عليه، انقطعت عنه مادة الحسد على التدريج. على ان المحسود اذا عرف منه ذلك طاب قلبه و احبه، و اذا ظهر حبه للحاسد زال حسده و احبه ايضا، فتتولد بينهما الموافقة، و ترتفع عنهما مادة المحاسدة و هذا هو المعالجة الكلية لمطلق مرض الحسد. و العلاج النافع لكل نوع منه، ان يقمع سببه، من خبث النفس و حب الرئاسة و الكبر و عزة النفس و شدة الحرص و غير ذلك مما ذكر، و علاج كل واحد من هذه الاسباب ياتي في محله.