فضيلة اعلان الصدقة الواجبة
الصدقة الواجبة، اعني الزكاة، اعلانها افضل من اسرارها-ان كان في اظهارها ترغيب للناس في الاقتداء، و امن من تطرق الرياء، و لم يكن الفقير بحيثيستحيي من اخذها علانية. قال الصادق عليه السلام: «كلما فرض الله عليك فاعلانه افضل من اسراره، و كلما كان تطوعا فاسراره افضل من اعلانه، و لو ان رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه علانية كان ذلك حسنا جميلا» . و قال في قوله تعالى:
«و ان تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم» (98) :
«هي ما سوى الزكاة علانية غير سر» . فلو دخل في نفسه الرياء مع الاظهار، او كان الفقير يستحيى من اخذها علانية، كان الاسرار بها افضل: اما الاول: فظاهر، و اما الثاني: فلما روى: «انه قيل لابي جعفر الباقر عليه السلام: الرجل من اصحابنا يستحي من ان ياخذ من الزكاة، فاعطيه من الزكاة و لا اسمى له انها من الزكاة. فقال:
اعطه و لا تسم له، و لا تذل المؤمن» .
و بالجملة: الاعلان كما يتصور فيه فائدة الترغيب، يتطرق اليه محذور الرياء و المن و الاذى، و ذلك يختلف بالاحوال و الاشخاص. فبالنظر الى بعض الاحوال و الاشخاص، يكون الاعلان افضل، و بالنظر الى بعض آخر، يكون الاسرار افضل. فلا بد لكل منفق ان يلاحظ حاله و وقته و يقابل الفائدة بالمحذور، و يختار ما هو الافضل. و من عرف الفوائد و الغوائل و لم ينظر بعين الشهوة، اتضح له ما هو الاولى و الاليق،
فصل
ذم المن و الاذى فى الصدقة
ينبغي للمتصدق ان يجتنب عن المن و الاذى. قال الله سبحانه:
«لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذى» (99) . و قال: «قولمعروف و مغفرة خير من صدقة يتبعها اذى» (100) .
و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «ان الله تبارك و تعالى كره لي ستخصال، و كرهتهن للاوصياء من ولدى و اتباعهم من بعدى:
العبث في الصلاة، و الرفث في الصوم، و المن بعد الصدقة، و اتيان المساجد جنبا، و التطلع في الوفد، و الضحك بين القبور» .
و (المن) : ان يرى نفسه محسنا. و من ثمراتها الظاهرة: الاظهار بالانفاق، و التحدث به، و طلب المكافاة منه، بالشكر و الخدمة و التعظيم و المتابعة في الامور. و (الاذى) : التعبير، و التوبيخ، و الاستخفاف و الاستخدام، و القول السيء، و تقطيب الوجه، و هتك الستر. ثم معرفة الاذى ظاهرة، و كذا معرفة الثمرات الظاهرة للمن. و اما المن الباطني، اى رؤية نفسه محسنا، فيعرف بان يكون استبعاده من خيانة القابض بعد العطاء اكثر من استبعاده منه قبله.
و علاج المن: ان يعرف ان المحسن هو الفقير القابض لا يصاله الثواب و الانجاء من العذاب، و كونه نائبا عن الله تعالى، و كون ما يعطيه حقا من الله سبحانه، احال عليه الفقير انجازا لما وعده من الرزق. و علاج الاذى: ان يعرف ان سببه استكثار العطاء و كراهية انفاق المال و التكبر على الفقير القابض برؤية نفسه خيرا منه، لغنائه و احتياجه، و جميع ذلك جهل و حماقة. اما استكثاره العطاء، فلان ما اعطاه بالنظر الى ما يطلبه لاجله من رضا الله و ثواب الآخرة في غاية القلة و الخسة، و كيف يستعظم العاقل بذل خسيس فان اذا اخذ في مقابله خطيرا باقيا. و اما استحقاره الفقير، فلما تقدم من فضل الفقير على الغنى، فكيف يرى نفسه خيرا منه؟ و كفى للفقير فضلا: ان الله سبحانه جعل الغنى مسخرا له، بان يكتسب المال بالجهد و التعب، و يسعى في حفظه، و يسلمه الى الفقير بقدر حاجته، و يكف عنه الفاضل الذي يضره لو سلمه اليه. فالغني يخدم الفقير في طلب المال، مع كون ما يحمد منه للفقير، و كون ما يذم منه من تحمل المشاق و تقلد المظالم و حراسة الفضلات الى ان يموت فتاكله الاعداء، على الغني.
و بالجملة: العاقل، بعد التامل، يعلم ان ما يعطيه قليل في مقابلة ما ياخذه، و ان الفقير محسن اليه. قال امير المؤمنين (ع) : «و من علم ان ما صنع انما صنع الى نفسه، لم يستبطئ الناس في شكرهم، و لم يستزدهم فى مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما اتيت الى نفسك و وقيتبه عرضك، و اعلم ان الطالب اليك لحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك، فاكرم وجهك عن رده» (101) . و ينبغي للمحترز عن المن و الاذى ان يتواضع و يتخضع للفقير عند اعطائه، بان يضع الصدقة لديه و يمثل قائما بين يديه، او يبسط كفه لياخذ الفقير، و تكون يد الفقير هي العليا.
صدقة التطوع
و فضلها عظيم، و فوائدها الدنيوية و الاخروية كثيرة. قال رسول الله -صلى الله عليه و آله-: «تصدقوا و لو بتمرة، فانها تسد من الجائع و تطفئ الخطيئة، كما يطفىء الماء النار» . و قال-صلى الله عليه و آله-:
«اتقوا النار و لو بشق تمرة، فان لم تجدوا فبكلمة طيبة» و قال صلى الله عليه و آله: «ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب، و لا يقبل الله الا طيبا، الا كان الله آخذها بيمينه، فيربيها له كما يربى احدكم فصيله، حتى تبلغ التمرة مثل احد» . و قال-صلى الله عليه و آله-:
«ما احسن عبد الصدقة الا احسن الله عز و جل الخلافة على تركته» .
و قال-صلى الله عليه و آله-: «كل امرىء في ظل صدقته، حتى يقضي بين الناس» و قال صلى الله عليه و آله: «ارض القيامة نار، ما خلا ظل المؤمن، فان صدقته تظله» . و قال صلى الله عليه و آله: «ان الله لا اله الا هو، ليدفع بالصدقة الداء و الدبيلة، و الحرق و الغرق، و الهدم و الجنون . . . » و عد سبعين بابا من الشر. و قال-صلى الله عليه و آله-: «صدقة السر تطفىء غضب الرب عز و جل» (126) . و قال-صلى الله عليه و آله-:
«اذا اطرقكم سائل ذكر بالليل فلا تردوه» .
و فائدة التخصيص بالذكر و الليل: ان من يسالك ليلا في صورة الانسان، يحتمل ان يكون ملكا اتاك للامتحان، كما روى: «انه سبحانه اوحى الى موسى بن عمران عليه السلام، و قال: يا موسى، اكرم السائل ببذل يسير او يرد جميل، انه ياتيك من ليس بانس و لا جان، بل ملائكة من ملائكة الرحمن، يبلونك فيما خولتك، و يسالونك فيما نولتك، فانظر كيف انت صانع يا ابن عمران» . و لذلك حث رسول الله-صلى الله عليه و آله-على عدم رد السائل، و قال: «اعط السائل و لو على ظهر فرس» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «لا تقطعوا على السائل مسالته فلو لا ان المساكين يكذبون ما افلح من ردهم» و قال الباقر-عليه السلام- «البر و الصدقة ينفيان الفقر، و يزيدان في العمر، و يدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء» و قال الصادق-عليه السلام-: «داووا مرضاكم بالصدقة و ادفعوا البلاء بالدعاء، و استنزلوا الرزق بالصدقة، فانها تفك من بين لحى سبعمائة شيطان، و ليس شيء اثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن و هي تقع في يد الرب تعالى قبل ان تقع في يد العبد» و قال-عليه السلام- «الصدقة باليد تقي ميتة السوء، و تدفع سبعين نوعا من البلاء، و تفك عن لحى سبعين شيطانا كلهم يامره الا يفعل» . و قال-عليه السلام- «يستحب للمريض ان يعطى السائل بيده، و يامره ان يدعو له» . و قال عليه السلام: «باكروا بالصدقة، فان البلاء لا يتخطاها، و من تصدق بصدقة اول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فان تصدق اول الليل دفع الله شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة» . و كان -عليه السلام-اذا اعتم-اى صلى العتمة-و ذهب من الليل شطره، اخذ جرابا فيه خبز و لحم و دراهم، فحمله على عنقه، ثم ذهب به الى اهل الحاجة من اهل المدينة، فقسمه فيهم و لا يعرفونه، فلما مضى ابو عبد الله عليه السلام، فقدوا ذلك، فعلموا انه كان ابا عبد الله-عليه و سئل عليه السلام عن السائل يسال و لا يدرى ما هو، فقال: «اعط من اوقع في قلبك الرحمة» . و قال-عليه السلام-في السؤال: «اطعموا ثلاثة، و ان شئتم ان تزدادوا فازدادوا، و الا فقد اديتم حق يومكم» و قال-عليه السلام-في الرجل يعطى غيره الدراهم يقسمها، قال: «يجري له من الاجر مثل ما يجرى للمعطى، و لا ينقص من اجره شيئا. و لو ان المعروف جرى على سبعين يد، لاوجروا كلهم من غير ان ينقص من اجر صاحبه شيء» . و قد وردت اخبار كثيرة في فضل تصدق الماء و ثوابه، قال امير المؤمنين-عليه السلام-: «اول ما يبدا به في الآخرة صدقة الماء يعنى في الاجر» . و قال ابو جعفر-عليه السلام-: «ان الله تعالى يحب ايراد الكبد الحراء، و من سقى الماء كبدا حراء، من بهيمة و غيرها اظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله» . و قال الصادق-عليه السلام- «من سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء، كان كمن اعتق رقبة، و من سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء، كان كمن احيى نفسا، و من احيى نفسا فكانما احيى الناس جميعا» .
(تنبيه) : سئل رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «اى الصدقة افضل؟ قال: ان تتصدق و انت صحيح، تامل البقاء و تخشى الفاقة، و لا تمهل حتى اذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا و لفلان كذا» .
عدل سابقا من قبل شمس الشموس في الإثنين 18 يناير 2010, 3:02 pm عدل 1 مرات (السبب : حجم الخط)