ازدواجية الفرد العربي
غفار عفراوي
من المعلوم ان كل إنسان يحمل في داخله صفات الخير والشر،الفرح والحزن، الألم والصبر، الكسل والهمة، الانهزام والتحدي، الحقد والحب، الصدق والكذب، وغيرها الكثير من الصفات التي تتصارع داخل النفس الإنسانية كحالة اعتيادية وسلوك سيكولوجي ليس له اي دخل فيه لأنها الخلقة الربانية ولا دخل لأحد فيها.
إلا ان السلبي والمستهجن هنا ان يوظف الفرد تلك المتناقضات إراديا ويتحكم بها حسب حاجاته الدنيوية ومآربه الرخيصة وشهواته الحيوانية الدنيئة فتراه يتقلب ويتلون وليس له قرار فهو يظهر الصدق والعفاف والبراءة أمام الناس ليحترموه ويصدقوا كلامه رغم انه مليء بالكذب ولا يعرف قول الحق أبدا إلا أن الفائدة المرجوة من إظهار ذلك تحتم عليه ذلك اللبوس، وفي موضع آخر تراه يبتعد "أمام الناس فقط" عن النظر إلى شاشات التلفاز لان فيها محرمات أو انه يبتعد عن الاختلاط بالنساء لأنها مدعاة للحرام فتسمع منه كل الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تنهى عن ذلك، أما لو اختلى بشياطينه تراه وقد فارقت عيناه النوم حتى الصباح بحثا عن "أي مقطع اباحي" في إحدى القنوات الفضائية المنتشرة في الجهاز الصغير حتى انه ينسى صلاة الفجر بسبب ذلك!
أما لو تطرقنا إلى السياسيين ورجال الحكومة فتراهم أمام وسائل الإعلام وكأن لا احد يعدل وطنيتهم ولا احد يصل إلى حبهم لشعبهم فالشعارات التي يرفعوها ليلا نهارا قد ضجر منها الناس وملها لأنها شعارات فارغة ولا تمت إلى الحقيقة بأية صلة فهم بطبيعة الحال نفعيون لا يبحثون إلا عن مصالحهم الشخصية وجوازاتهم الدبلوماسية ورواتبهم وامتيازاتهم الخرافية.وهناك الكثير من الأمثلة التي توهمك بالبياض وهي سوداء حتى العظم ولو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا.
إن الجيش الذي حارب الإمام الحسين عليه السلام يعتبر مصداقا واضحا وجليا عن التناقض والازدواجية الإنسانية حيث وصفوا بان قلوبهم مع الحسين وسيوفهم عليه فقد كانوا يرون الحق ولا يعملون به ويدركون الباطل ولا يتناهون عنه. هذا المجتمع الذي تنهار لديه جميع قيم الخير والعدل والفضيلة، وتتغلب عليه غريزة الشر والمصالح الشخصية، هو مجتمع حيواني قد تخلى عن أفضل ما وهب الله للبشر وهو العقل الذي يخاطبه الرب ويقول بك أعاقب وبك أثيب.
ان السبب الرئيس والجوهري في ازدواجية المجتمعات العربية، هو ان القيم الإنسانية التي جاءت بها الرسالة المحمدية السمحاء لم تتركز في اغلب القلوب ولم تدركها معظم العقول لأنها دخلت الإسلام مكرهة عن طريق السيف وبعد فقدان مصالحها أيام الوثنية الجاهلية والدليل ان الإسلام الحقيقي بدء غريبا وسيكون غريبا كما جاء في الروايات. وفي الآية القرآنية الكريمة" ثلة من الأولين وقليل من الآخرين" التي تؤكد ان الحالتين لم يكن فيها عدد كبير من المسلمين الفاهمين المدركين للإسلام وقيمه وتشريعاته وكذلك شروطه.
ولو أردنا الإشارة إلى أصحاب النفوس الضعيفة والمصالح الضيقة والمواقف الازدواجية منذ بدء الرسالة ولحد الان فلا تكفينا مجلدات ومؤلفات لهذا الغرض، أما من عانق قلبه الإسلام وأدرك عقله مطالب الرحمن فان بعض الصفحات الورقية ستكون جدا كافية لسرد الأسماء من الأولياء والأوصياء والخيرين الاصلاء الذين علمونا ولازالوا أصول الحق والعدل والمساواة والمحبة والإخلاص.
أضف إلى ذلك فان هناك أسبابا للسلوك المضطرب لدى المواطن العربي في العصر الحديث، منها بعض الممارسات الخاطئة للدول والحكومات الدكتاتورية المتعاقبة مثل قيام القوات الأمنية غير المدربة بالاحتجاز التعسفي لبعض المتهمين والمتهم بريء حتى تثبت إدانته كما معلوم فسيكون التأثير النفسي على الفرد البريء سلبيا وغير محمود إضافة إلى أنواع التعذيب التي يتلقاها المتهم لانتزاع الاعتراف قسريا، كذلك المعاملة المهينة للمواطن في بعض الدوائر الحكومية وأيضا هناك أسباب أخرى كالحرمان من محاكمة علنية عادلة، الإعدام خارج القانون وبأساليب كيفية ومزاجية وفي بعض الأحيان أسباب طائفية وحزبية وقومية ، كما ان إفلات بعض المجرمين من العقاب بسبب فساد الأجهزة الأمنية سيولد حالة من الريبة والشك لدى المواطن بنزاهة القضاء، أضف إلى ذلك فان اقتحام البيوت وانتهاك الحرمات من قبل الأجهزة الأمنية سينشئ جيلا حاقدا على الدولة والحكومة ويميت المواطنة لدى الفرد مستقبلا.
أسباب أخرى أيضا تلعب دورا في تغيير نفسية المواطن مثل الحد من حرية التجمعات وحرية التعبير والقيود على الصحافة، التمييز ضد المرأة اجتماعيا وسياسيا الأمر الذي خلق أجيالا من النساء الخاملات والناقمات على المجتمع والبلد، كذلك فان الأعداد الهائلة من المشردين داخليا واللاجئين خارج الوطن، تخلق أجيالا من النفوس المزدوجة وغيرها الكثير من أسباب الكبت النفسي الذي أصاب ولازال يصيب المجتمعات العربية وخصوصا الدول التي تكثر فيها الحروب وينعدم فيها الاستقرار وخير مثال ما نراه في المجتمع العراقي الذي يعجب من حاله كل من لا يدرس ظروفه وما مر ويمر به من محن وعذابات لعقود طويلة ليس لها حلول على المدى المنظور وللأسف الشديد.
كاتب وإعلامي
iafrawi@yahoo.com
ذي قار
غفار عفراوي
من المعلوم ان كل إنسان يحمل في داخله صفات الخير والشر،الفرح والحزن، الألم والصبر، الكسل والهمة، الانهزام والتحدي، الحقد والحب، الصدق والكذب، وغيرها الكثير من الصفات التي تتصارع داخل النفس الإنسانية كحالة اعتيادية وسلوك سيكولوجي ليس له اي دخل فيه لأنها الخلقة الربانية ولا دخل لأحد فيها.
إلا ان السلبي والمستهجن هنا ان يوظف الفرد تلك المتناقضات إراديا ويتحكم بها حسب حاجاته الدنيوية ومآربه الرخيصة وشهواته الحيوانية الدنيئة فتراه يتقلب ويتلون وليس له قرار فهو يظهر الصدق والعفاف والبراءة أمام الناس ليحترموه ويصدقوا كلامه رغم انه مليء بالكذب ولا يعرف قول الحق أبدا إلا أن الفائدة المرجوة من إظهار ذلك تحتم عليه ذلك اللبوس، وفي موضع آخر تراه يبتعد "أمام الناس فقط" عن النظر إلى شاشات التلفاز لان فيها محرمات أو انه يبتعد عن الاختلاط بالنساء لأنها مدعاة للحرام فتسمع منه كل الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تنهى عن ذلك، أما لو اختلى بشياطينه تراه وقد فارقت عيناه النوم حتى الصباح بحثا عن "أي مقطع اباحي" في إحدى القنوات الفضائية المنتشرة في الجهاز الصغير حتى انه ينسى صلاة الفجر بسبب ذلك!
أما لو تطرقنا إلى السياسيين ورجال الحكومة فتراهم أمام وسائل الإعلام وكأن لا احد يعدل وطنيتهم ولا احد يصل إلى حبهم لشعبهم فالشعارات التي يرفعوها ليلا نهارا قد ضجر منها الناس وملها لأنها شعارات فارغة ولا تمت إلى الحقيقة بأية صلة فهم بطبيعة الحال نفعيون لا يبحثون إلا عن مصالحهم الشخصية وجوازاتهم الدبلوماسية ورواتبهم وامتيازاتهم الخرافية.وهناك الكثير من الأمثلة التي توهمك بالبياض وهي سوداء حتى العظم ولو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا.
إن الجيش الذي حارب الإمام الحسين عليه السلام يعتبر مصداقا واضحا وجليا عن التناقض والازدواجية الإنسانية حيث وصفوا بان قلوبهم مع الحسين وسيوفهم عليه فقد كانوا يرون الحق ولا يعملون به ويدركون الباطل ولا يتناهون عنه. هذا المجتمع الذي تنهار لديه جميع قيم الخير والعدل والفضيلة، وتتغلب عليه غريزة الشر والمصالح الشخصية، هو مجتمع حيواني قد تخلى عن أفضل ما وهب الله للبشر وهو العقل الذي يخاطبه الرب ويقول بك أعاقب وبك أثيب.
ان السبب الرئيس والجوهري في ازدواجية المجتمعات العربية، هو ان القيم الإنسانية التي جاءت بها الرسالة المحمدية السمحاء لم تتركز في اغلب القلوب ولم تدركها معظم العقول لأنها دخلت الإسلام مكرهة عن طريق السيف وبعد فقدان مصالحها أيام الوثنية الجاهلية والدليل ان الإسلام الحقيقي بدء غريبا وسيكون غريبا كما جاء في الروايات. وفي الآية القرآنية الكريمة" ثلة من الأولين وقليل من الآخرين" التي تؤكد ان الحالتين لم يكن فيها عدد كبير من المسلمين الفاهمين المدركين للإسلام وقيمه وتشريعاته وكذلك شروطه.
ولو أردنا الإشارة إلى أصحاب النفوس الضعيفة والمصالح الضيقة والمواقف الازدواجية منذ بدء الرسالة ولحد الان فلا تكفينا مجلدات ومؤلفات لهذا الغرض، أما من عانق قلبه الإسلام وأدرك عقله مطالب الرحمن فان بعض الصفحات الورقية ستكون جدا كافية لسرد الأسماء من الأولياء والأوصياء والخيرين الاصلاء الذين علمونا ولازالوا أصول الحق والعدل والمساواة والمحبة والإخلاص.
أضف إلى ذلك فان هناك أسبابا للسلوك المضطرب لدى المواطن العربي في العصر الحديث، منها بعض الممارسات الخاطئة للدول والحكومات الدكتاتورية المتعاقبة مثل قيام القوات الأمنية غير المدربة بالاحتجاز التعسفي لبعض المتهمين والمتهم بريء حتى تثبت إدانته كما معلوم فسيكون التأثير النفسي على الفرد البريء سلبيا وغير محمود إضافة إلى أنواع التعذيب التي يتلقاها المتهم لانتزاع الاعتراف قسريا، كذلك المعاملة المهينة للمواطن في بعض الدوائر الحكومية وأيضا هناك أسباب أخرى كالحرمان من محاكمة علنية عادلة، الإعدام خارج القانون وبأساليب كيفية ومزاجية وفي بعض الأحيان أسباب طائفية وحزبية وقومية ، كما ان إفلات بعض المجرمين من العقاب بسبب فساد الأجهزة الأمنية سيولد حالة من الريبة والشك لدى المواطن بنزاهة القضاء، أضف إلى ذلك فان اقتحام البيوت وانتهاك الحرمات من قبل الأجهزة الأمنية سينشئ جيلا حاقدا على الدولة والحكومة ويميت المواطنة لدى الفرد مستقبلا.
أسباب أخرى أيضا تلعب دورا في تغيير نفسية المواطن مثل الحد من حرية التجمعات وحرية التعبير والقيود على الصحافة، التمييز ضد المرأة اجتماعيا وسياسيا الأمر الذي خلق أجيالا من النساء الخاملات والناقمات على المجتمع والبلد، كذلك فان الأعداد الهائلة من المشردين داخليا واللاجئين خارج الوطن، تخلق أجيالا من النفوس المزدوجة وغيرها الكثير من أسباب الكبت النفسي الذي أصاب ولازال يصيب المجتمعات العربية وخصوصا الدول التي تكثر فيها الحروب وينعدم فيها الاستقرار وخير مثال ما نراه في المجتمع العراقي الذي يعجب من حاله كل من لا يدرس ظروفه وما مر ويمر به من محن وعذابات لعقود طويلة ليس لها حلول على المدى المنظور وللأسف الشديد.
كاتب وإعلامي
iafrawi@yahoo.com
ذي قار