رئيس البلدية اختفى والغاضبون ضربوا مسؤولي الحزب والمنطقة ورموا ممثل الطالباني بالحجارة
حقائق انتفاضة (بيره مكرون) الشعبية في السليمانية وأسباب اندلاعها وقمعها..و(من وراءها)؟!
أثارت الانتفاضة الشعبية الغاضبة في مدينة "بيره مكرون" في محافظة السيلمانية، والتي يهدد سكان المدينة بالاستمرار فيها بعد أن واجهتها القوات الأمنية الكردية باستخدام "العنف المفرط" حيث قتل صبي، واعتقل اثنان من المحتجين، وجرح عدد آخر منهم. أثارت موجة من التساؤلات في أوساط المحللين والمراقبين عمّن يكون وراء هذه الانتفاضة؟. ثمة من يقول إن "حزب التغيير" الناشئ في كردستان هو الذي أشعلها. لكن سكان المدينة ينفون ذلك، ويقولون إن الذي أشعلها هو استمرار الفساد وسوء الخدمات. لقد ثار المحتجون بحثاً عن رئيس بلدية "بيره مكرون" ليقتلوه لكنه اختفى، بعد أن اتهمهم بأنهم "عمي لا يرون إنجازاته العظيمة في المدينة"، ثم اعتذر عن شتائمه لهم، لكن 700 من المواطنين أصروا على الزحف على مكتبه وتحطيمه، ثم تدخلت قوات حزبية وحكومية أمنية، فضرب الغاضبون مسوؤلي الحزب والمنطقة ورموا ممثل الرئيس الطالباني بالحجارة!.
ويقول تشارلس مكديرمد وتياري راث المحللان في معهد الحرب والسلام IWPR بواشنطن إن المئات خرجوا الى الشوارع محدثين اضطرابات اكتسحت بلدة كردية في احتجاج عنيف ضد الخدمات الحكومية السيئة. وفي مقابل ذلك اقتحمت مئات مماثلة من رجال الجيش والشرطة الكردية مدينة "بيره مكرون" 30 كم شمال السليمانية في الثالث والعشرين من الشهر الحالي بعد يوم من الاضطرابات التي تركت العشرات من المصابين، فيما كانت السنة النيران تلتهم عربات الشرطة. وهو أشد يوم عنف شهدته شوارع مدينة في كردستان منذ سنة 2006.
وأوضح تقرير المعهد أن المحتجين خرجوا في وقت مبكر من الصباح، ليعبّروا عن غضبهم على الخدمات السيئة، وما صفوه بـ "الفساد المستشري" بين المسؤولين المحليين. واستعملوا الصخور لوضع الموانع في الطرق، وهاجموا مسؤولي البلدية. وقد اندلعت أعمال العنف في ليلة سابقة كان رئيس البلدية أوات توفيق قد قال فيها إن هناك سكان "عمي" عن رؤية التطور الذي يحدث في المدينة.
وأكد التقرير أن اضطرابات المواطنين قهرت الشرطة المحلية، فيما هاجم المحتجون أحد كبار مسؤولي المنطقة، سلام عمر، عندما وصل الى مشهد الاضطرابات ليدعو الى الهدوء. ثم استدعيت الشرطة من مدينة قريبة في السليمانية، وحاولت قمع الاضطرابات بإطلاق النار في الهواء، لكنها إجبرت على التراجع. واستولى المتظاهرون على اثنتين من المدرعات حاملات الجنود، وأحرقوها.
وكان شاب بعمر 27 سنة، وهو عضو سابق في قوات البيشمركه –أخفى اسمه بسبب قلقه على أمنه الشخصي- قد أعطى مراسلاً لمعهد الحرب والسلام معلومات عما جرى في تلك المدينة. يقول: “لقد ضربنا الرئيس المحلي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني –يتزعمه جلال الطالباني- وعندما جاء رئيس المنطقة ليطلب منا التراجع، ضربناه أيضا. ولقد رمينا ممثل الرئيس جلال الطالباني بعد وصوله بالحجر. لقد كنا نبحث عن رئيس البلدية لكنه اختفى”.
ثم رأى شهود العيان حشداً من شرطة مكافحة الشغب، وقوات عسكرية تحمل الأسلحة الرشاشة، وسيارات تحمل رشاشات آلية، تدخل المدينة عند الغسق، وقامت بالرمي في رؤوس المحتجين الهاربين. وبعد حلول الظلام، فإن المدينة التي يسكنها نحو 24,000 مواطن كردي، بقيت قلقلة جداً من عمليات تحرّ متوقعة من بيت الى بيت تقوم بها القوات التي سيطرت على المدينة.
ويقول أحد شهود العيان، بكر غوران، 25 سنة، والذي تحدث هاتفياً مع مراسل لمعهد الحرب والسلام من داخل المدينة: “السكون يعم المدينة، وكل مواطن فيها خائف. القوات أحادث ببنايات الحكومة وببيوت المسؤولين. نحن خائفون جداً، فهم قد يفتشون بيوتنا ويلقون القبض على الكثيرين. أنا لن أستطيع النوم في بيتي؛ أنا ماض الى الاختفاء”.
وحسب المعلومات التي حصل عليها مراسل المعهد من حكيم قادر، رئيس الدائرة الأمنية في محافظة السليمانية، فإن 17 من أفراد الشرطة نقلوا الى المستشفى. كما جرح عدد من المحتجين، وحسب مصادر طبية وعدد من المتظاهرين، فإن أحد الجرحى كان مصاباً بطلق ناري.
وأدان حكيم قادر العنف. وقال لا أحد اعتقل حتى الآن، لكنهم حذروا من أن أي مخترق للقانون سيُحتجز. وأوضح قوله: “الحالة الآن تحت السيطرة”. وبرأيه: “أن الاضطرابات لم يكن لها موجب، وأن سكان المدينة كان بإمكانهم إرسال وفد الى الحكومة الإقليمية”.
ويدعي المواطنون أن رئيس البلدية "توفيق" 38 سنة، المعين من قبل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قد أهمل مدينتهم وسكانها. وتحدث عدد كبير من المحتجين عن نقص الكهرباء، وسوء أنظمة المجاري، ومياه الشرب.
وقال ساركاوت محمد أمين، وهو يمدّ ذراعه باتجاه قمة جبل شاهق مغطاة بالثلوج الذي سمّيت المدينة باسمه: “هل ترى ذلك الجبل. من أسفله حتى قمته هو حجم كرهنا لرئيس البلدية”. أما "توفيق" الذي يعمل رئيساً لبلدية المدينة منذ أربع سنوات فقد أنكر سوء إدارته لها. وفي صباح الاحتجاجات أصدر اعتذراً لاتهام السكان بأنهم "عمي"!. لكنّ محاولته أخفقت في استرضاء نحو 700 من المحتجين الذين زحفوا باتجاه مكتب مدير البلدية المهجور من موظفيه في الساعة الرابعة بعد الظهر، محطمين نوافذه بالحجر، وخربوا حديقته المزينة بعناية. لكنهم اختفوا عندما أطلق مسلحون من مقرات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني النار فوق رؤوسهم.
وفيما كان المحتجون يفرون من أمام الرصاص المنهمر فوق رؤوسهم، أصيب العديد منهم بأعقاب البنادق، كما سحب العديد منهم في الشارع. وكان مراسل للمعهد قد رأي ذلك بأم عينيه. وبُني مجمع بيره مكرون سنة 1988 كمخيم لللاجئين المرحلين من قبل الرئيس السابق صدام حسين في حملة الأنفال ضد الأكراد.
وفي هذه الأيام، تعرف المدينة بأنها معقل "حزب التغيير" الجديد. وأخبرت القوات الأمنية مراسل معهد الحرب والسلام إنهم يلقون اللوم في هذه الفوضى والاضطرابات على الحركة المعارضة "التغيير"، وهي التهمة التي ينكرها السكان المحليون.
ويؤكد ستار خضر، 50 سنة، موظف قديم، أنه لم يشارك في الاحتجاج، لأنه يخشى أن يفقد وظيفته. وأضاف: “ليس هناك من أحد وراء هذا الاحتجاج. وليست هناك يد خارجية”. واتفق سكان آخرون على أن الفساد، تركهم بلا خدمات عامة”. ويقول مصطفى أحمد، 70 سنة: “ليس هناك سياسة في هذا الذي حدث، وكل شيء يتعلق بوعود الخدمات غير المنفذة. ليس عندنا كهرباء، ولا ماء، ولا مجاري، هذا هو سبب احتجاجنا”. وأضاف: “وسوف نعود غدا، وحتى لو أطقلوا علينا الرصاص، لن نتوقف”.
ومصطفى أحمد، عاش في المدينة منذ أن أسست، وأشار الى أن هناك في الأقل 1,000 عائلة موجودة في المجمع لها أقرباء قتلوا في حملات الأنفال. وأكد أن سكان المدينة سمعوا من "الكلام" ما يكفي، والمسؤولون لم يلتزموا بكل وعودهم!. وقال: “أنا طردت من بيتي، وجلبت للعيش هنا قبل 20 سنة. ولم تعطني الحكومة الكردية بقدر عقب سيكارة. لا نستطيع أن نعيش من دون خدمات، ونحن اليوم نفعل شيئاً من أجل ذلك”.
والاضطرابات بحسب تقرير معهد الحرب والسلام، هي الأكبر من نوعها منذ أن خرج سكان حلبجة الى الشوارع سنة 2006، ووصفت الاحتجاجات بأنها الأعنف في كردستان ضد الفساد وسوء الخدمات، برغم حالة الاستقرار التي تتمتع فيها المنطقة.
واتهمت قوات الأمن الكردية باستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين المدنيين. أحد الأولاد المراهقين قتل برصاصهم، وجرح مواطنون آخرون. وكانت قوات الأمن الكردية قد استخدمت مثل هذا المستوى من العنف ضد مظاهرات احتاج جرت بين سنتي 2005 و2006. ويشار الى أن حكومة كردستان كونت بعد اضطرابات حلبجة السابقة "قوات شرطة الشغب" التي تستخدم العصي الغليظة، وبنادق التخدير الكهربائية.
واعترف راوان صابر، ممثل مكتب رئيس الوزراء برهم صالح في السليمانية الذي وصل الى المدينة بعد فترة قصيرة من إطلاق النار فيها، أن الناس يعتقدون أنهم لا يتمتعون بـ"خدمات كافية". زعم أن الحكومة المحلية في كردستان بدأت بمشاريع الطرق وخدمات الماء في المدينة قبل شهور قليلة، لكنها لم تكتمل حتى الآن. وقال إنه سينقل مشاكلهم وأسباب ماحدث لرئيس الوزراء في كردستان.
وكان جلال كريم نائب وزير الداخلية في كردستان قد اجتمع مع المسؤول الأمني "قادر" الذي فرّقت قواته المحتجين. لكن المواطنين هددوا بالاستمرار في الاحتجاج الى أن يُطلق سراح إثنين من المحتجين الذين اعتقلتهم الحكومة والى أن يُستجاب الى طلبات الخدمات التي احتجوا من أجلها.
ويقول ساركوت خالد، 27 سنة، أحد المشاركين في الانتفاضة الشعبية العارمة: “نحن متخلفون بمقدار عشر سنوات عما حدث في المنطقة التي تحيط بنا. معظم المدن والبلدت عبدت طرقها. وبالنسبة لنا عندما تمطر السماء نضطر للبس الجزم كي نخوض في الأوحال والطين”.
وثمة شرطي يعيش في المدينة –لم يشأ التعريف بنفسه- قال إن نصف البلدة ليس فيها إمدادات مياه بلدية، بينما الجزء الآخر يستلم الماء ساعة واحدة كل ثلاثة أيام. وقال إنه يعيش في المدينة منذ 13 سنة وأنه لم يشارك في الاحتجاج خوفاً من أن يفقد وظيفته.
وباشوا خسرو، طالب كلية، يقول إنه سمع بالاحتجاجات من أصدقائه، وأكد أنه انضم اليها بعد أن أدى امتحانه في الكلية. وقال: “بالتأكيد الناس ستبقى تحتاج وبشكل أكبر الى أن نقترب من الانتخابات. الناس فتحت أعينها، ولن تقبل بالفساد. الى متى سيبقى الناس يعانون من الوعود الفارغة؟”.
منقووول