سوء تفاهم
ثوان معدودة تسبق اندلاع الحرب، نظر إلى الجيش المتجحفل أمامه المدجج بشتى صنوف الأسلحة ، أعداده لا يحتويها البصر.
لم يرتعد أو يتردد ولكن ما كان يزعجه حقا تعّرق كفه اليمنى الممسكة بلجام فرسه (الكميت) وثمة ذبابة مزعجة تطن بإلحاح غريب قرب إذنه اليسرى .
سكون غير عادي يسبق إشارة البدء ، لم يعكّره سوى تصاهل الخيل المتأهبة .
ما إن ارتفعت يده اليمنى للإشارة لبدء الهجوم حتى فوجئ بفارس ينطلق بسرعة نحوهم من قلب ذلك الجيش ، وفي منتصف المسافة الفاصلة بين الجيشين كمخ فرسه المطهّم بحزم وشدة وبنفس القوة والحزم صاح مخاطبا :
ـ ليخرج إلي قائدكم ! أريد التحدث معه ، أنا قائد هذا الجيش !!
لم يكن يتوقّع من هذا الفارس إلا دعوته للمناجزة الفردية بعد أن برز إليه ، ولكنه استغرب هذه الدعوة المتأخرة للتحاور وهو هنا وكيل عن قائده الذي يرقد عليلا في مؤخرة الجيش مع الخوالف ؟!!
لكز الفرس بمهمازه قفز الكميت ناهبا الأرض نهباً باتجاه ذلك القائد وما إن انقشع غبار الكميت حتى وجدا أنفسهما وجها لوجه.
ـ قبل أن تنشب هذه المعركة ، يجب أن تعلمنا بصراحة ، ما سبب مجيئكم إلى هنا ، ما سبب هذه الحرب ؟ ماذا تريدون بالضبط ، ما هي مطالبكم ؟ أنت تعلم إن اللجوء للحرب لا يتم إلا بعد استنفاد كافة السبل ! ولتعلموا إننا لا نستجدي السلم منكم ولكن دماء جنودي غالية ولن اهرق منها قطرة دم واحدة قبل أن أطلعهم على سبب هذه الحرب ! ولكن لو اضطررنا لخوض هذه الحرب فتأكد إن أرضنا هذه ستكون مقبرة لكم ومقصد لكل غربان هذه البلاد .
ـــ أنصت إلي جيدا ، انـتم تعلمون ما سيحل بكم لو وقعت هذه الحرب وما جرى لغيركم قبل ذلك خير شاهد ودليل . ولكن لست مخولاً الآن إلا بالحرب ، لذا ابق هنا ريثما أعود بالرد .
شد لجام فرسه عائدا بسرعة إلى مؤخرة الجيش وما أن قفز من جواده حتى دخل خيمة قائده لاهثاً :
ـــ سيدي ، انهم يطلبون معرفة سبب شن هذه الحرب عليهم ؟ بماذا أجيب قائدهم ؟!!
ـــ ماذا ! ! مـا ســـ ـ ـبـــب هـــذ ه الحــــ ـــ ـــ ـرب ؟! أنـهــا .. أنـهــا ..... !!! مــا هــذا الســــؤال التافــه ! ليس لدينا وقت للرد على مثل هذه الترهات ..... أيهــا الجنــدي .. آمـــرك الآن بان تهجم عليهم حالا وتبيدهم عن بكرة ابيهم ... هيــــــــا انطـــــلـــــــــــــــــــق !!
لم ينبس ببنت شفة ، لوى لجام الكميت الذي لم تكن سرعته كافية لان تضيع على تلك الذبابة مكانها المفضّل قبل أن تحرمها منه تلك الخوذة الفولاذية الثقيلة ؟
.................................................. .............
.................................................. .............
.................................................. .............
.................................................. .............
.................................................. .............
الآن ، ما عادت وحدها تطن ؟!!!
وليد محمد الشبيبي