دير مار متي للسريان الأرثوذكس
من معالم التاريخ المسيحي في الموصل
تقرير وصور
من معالم التاريخ المسيحي في الموصل
تقرير وصور
أ.د متي ناصر عبدالرحيم المقادس
يقع دير مار متى على مسافة 35 كم شمالي شرقي مدينة الموصل. وهو من الأماكن الأثارية التاريخية في ربوع العراق. ومن المزارات الدينية المقدّسة العائدة للسريان الأرثوذكس. ومن محاسن شمال العراق جمالاً ومناخاً وموقعاً. ومن أشهر أديرة المسيحية صيتاً ومكانة.
ـ تأسيسه:
أسسه القديس مار متى الناسك السرياني في غضون القرن الرابع الميلادي. وتعين أول رئيس عليه. وإنضوى إليه بضعة آلاف من الرهبان والمتوحّدين من كورة نينوى وغيرها من بلاد العراق وفارس. لا نعلم التصميم الأول لهذا الدير. وب سبب الغزوات والكوارث التي ألمّت به إنعدمت فيه الآثار الفنية وإندرست النقوش والزخارف. والباقي إلى يومنا هذا من أجزائه الجميلة والأصيلة (1) المذبح وبيت القديسين (وهما جزء من الكنيسة) قلاية القديس مار متى (3) الصهاريج (4) بعض الكهوف والصوامع.
ـ القديس مار متى مؤسس الدير:
ولد في ديار بكر - تركيا في الربع الأول من القرن الرابع. ترهّب في صومعة . وتنسّك. ولما أثار يوليانس الجاحد قيصر رومية إضطهاده للكنيسة المسيحية عام 361م، غادر مار متى ديار بكر مسقط رأسه إلى المشرق يرافقه أكثر من عشرين راهباً أشهرهم مار زكاي، مار إبراهيم،مار دانيال. إنفرد مار متى أولاً في صومعة صخرية في جبل مقلوب لا تزال مائلة إلى اليوم. ثم ترأس الدير الذي شيده بعدئذ كما مر. وإشتهر بتقواه وقداسته، وممارسة أعمال التقشف. شرّفه الله بصنع الكرامات والأشفية. توفي في أواخر القرن الرابع أو أوائل القرن الخامس وهو شيخ طاعن في السن.
ـ الدير في مختلف العهود وعبر التاريخ:
بعد مرور مائة عام تقريباً من تأسيس الدير،أصيب بحريق هائل عام 480م. وعلى إثر ذلك قضي عليه،وبادت معالمه- وترك قاعاً صفصفا. وفي نهاية القرن الخامس عاد إليه بعض الرهبان وإستأنفوا الحياة النسكية ورمموا الدير المحترق حتى برز إسمه م8 6 جديد في عام 544 فواصل مسيرته التاريخية بصورة منتظمة سيما في العهود العربية التي عقبت العهد الساساني. وفي عام 1171م هجر بسبب إعتداءات الدخلاء المجاورين. وظل مهجوراً حتى عام 1187 ثم أستؤنفت فيه النشاطات الكنسية في شتى المجالات. ولما جاء ياقوت الحموي الجغرافي العربي الشهير لزيارة الموصل في مطلع القرن الثالث عشر حيث كانت قد إشتهرت بمدارسها وعلمائها وعمرانها على عهد بدر الدين لؤلؤ. زار ا دير وقال فيه (دير مار متى بشرقي الموصل على جبل شامخ يقال له جبل متى. من إستشرفه نظر إلى رستاق نينوى والمرج.وهو حسن البناء وأكثر بيوته منقورة في الصخر. وفيه نحو مائة راهب. لا يأكلون الطعام إلا جميعاً في بيت الشتاء أو بيت الصيف وهما منقوران في صخرة. كل بيت منهما يسع جميع الرهبان، وفي كل بيت عشرون مائدة منقورة من الصخر. وفي ظهر كل واحدة منهن قبالة برفوف وباب يغلق عليها. وفي كل قبالة آ8 4ة المائدة التي تقابلها من غضارة وطوفرية وسقرجة،لا تختلط آلة هذه بآلة هذه.ولرأس ديرهم مائدة لطيفة على دكان لطيف في صدر البيت يجلس عليها وحده. وجميعها حجر ملصق بالأرض وهذا عجيب أن يكون بيت واحد يسع مئة رجل،وهو وموائده حجر واحد. وإذا جلس رجل في صحن هذا الدير نظر إلى مدينة الموصل وبينهما سبعة فراسخ. ووجد على حائط دهليزه مكتوباً:
يا دير متى سقت أطلالك الديم ....... وانهّل فيك على سكانك الدهم
فما شفى غلتي ماء على ظمأ ...... كما شفى حرّ قلبي ماؤك الشبم
بيد أن معالم هذين البيتين إختفت. ولا يعرف مكانها بالضبط. وبعد عام 1260 عانى الدير ك ثيراً من غارات المغول والتتر. ومر بظروف قاسية جداً، وصبر على إعتداءات الأعداء والعصابات طويلاً. وفي العقد الأخير من المئة الرابعة عشرة ظهر تيمورلنك الطاغية. فتضعضعت أحوال الدAر في عهده وإنتهى به الأمر إلى أن أمسى مأوى لبعض المجرمين الذين إستوطنوه مدة من الزمن. ونتيجة لذلك تشرّد الرهبان وظل الدير مهجوراً منسياً مدة تنيف على المائة وخمسين سنة. ثم أخذ يلمع ذكره مرة أخرى بشكل خافت ضئيل في نهاية القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر،ثم يتوهج بعد عام 1660 أي في العهد العثماني الثاني.
فتتسلسل أخباره من ثمّ حتى يومنا هذا ويسير سيراً طبيعياً خلال الفترة الواقعة بين عام 1833-1846 إذ تولاه الخراب على إثر غارة محمد باشا (ميراكور) وخلا من السكان إثنتي عشرة سنة. وفي عام 1970- 1973 تجدد الدير تجدداً متيناً بكامل أجزائه. وأنعمت عليه الحكومة العراقية بإيصال القوة الكهربائية وتبليط الطريق المؤدي إليه من مفرق عقرة والبالغ 10كم، كما بلّط طريق آخر يربط الدير بالطريق العام. وهو اليوم يعتبر منطقة،دينية،آثارية.
ـ شهرة الدير:
عاش الدير عهوداً سياسية مختلفة- فارسية ساسانية، عربية، مغولية، تيمورلنك، عثمانية وأخيراً عربية. ولدى دراسة تاريخه بتمعن وتمحص نرى أن شهرته تنحصر في العهود العربية فقط وهي الفترة التاريخية الطويلة الواقعة ما بين أوائل القرن السابع الميلادي وسقوط الدولة العباسية عام 1258م. وتتلخص شهرة الدير في ثلاث نقاط رئيسية:
ـ روحياً:
أ- نشر الإنجيل: عني القديس مار متى وبعض خلفائه بنشر الإنجيل بين الشعوب الوثنية واليهودية ما بين عام 380- 550م من جملة ذلك تنصير مار بهنام وأخته سارة ورفقائه ثم والديه سنحاريب وزوجته وعدد كثير من ولاية آثور.
ب- الرهبنة: يعتبر القديس مار متى من أبطال النسك والتقشف في المشرق. جمع إليه عدداً كبيراً من الرهبان ونظم حياتهم. قيل أ6 عدد الرهبان في عصور الدير الذهبية بلغ سبعة آلاف. وذكر ياقوت الحموي أنه كان في الدير عند زيارته إياه في القرن الثالث عشر مائة راهب... ثم تضعضعت أحوال الرهبنة فيه بعد القرن الرابع عشر،فأخذ عدد الرهبان بالهبوط. فلم يسكن فيه منذ القرن السابع عشر وإلى هذا اليوم أكثر من ستة أو سبعة منهم وقد ينقص عددهم إلى إثنين أو ثلاثة.
ج- مزار: أمست الأديرة المسيحية،بفضل قداسة الرهبان وتقواهم مواطن مقدسة (مزارات) يؤمها المؤمنون إلتماساً للشفاء. وتبرّكاً،وسماعاً لصوت كلمة الله. ودير مار متي أضحى مزاراً منذ القرن الرابع الميلادي وحتى يومنا هذا لإحتوائه رفات القديس مار متى وأرفتة رفقائه وبعض القديسين. ثم وجود ضريح العلامة الذائع الصيت المفريان غريغوريوس إبن العبري 1286+.
ـ كنسياً:
أ- صيرورته كرسياً أسقفياً ثم مطرانياً في الربع الأخير من المئة الخامسة. وقد إحتل مطرانه مقاماً رفيعاً في كنيسة المشرق إذ أصبح فيها صاحب النفوذ الأول. وإستمر كذلك حتى القرن التاسع الميلادي.
ب- جعله مقراً لإقامة بعض مفارنة المشرق منذ القرن الثاني عشر وما بعده منهم العلامة إبن العبري الذي أقام فيه سبع سنين.
ج- إتخاذه مكان اً لعقد بضعة مجامع كنسية هامة.
د- نشأ فيه ثلاثة بطاركة،وسبعة مفارنة،وعدد كبير من المطارنة