مؤتمر كوبنهاجن للبيئة : الدور المفقود للإسلام ...
بقلم: الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس الحركة الإسلامية
هنالك بعيدا من هنا وفي مدينة ( كوبنهاجن ) في الشمال الاسكندنافي ، يعقد العالم مؤتمرا دوليا ضخما يهدف إلى حماية البيئة مما تتعرض إليه من أعمال تلوث خطيرة يمكن أن تؤدي على المدى المتوسط إلى نتائج كارثية تغير وجه الأرض وتفتك بالوجود البشري بشكل غير مسبوق ...
من الواضح أن عددا هائلا من أوراق العمل والأبحاث العلمية ستناقش على مدى أيام المؤتمر ، لكني لا أدري كم منها سيعرض إلى وجهة نظر الإسلام في هذا الشأن ، وإلى حجم المساهمة التي يستطيع ديننا العظيم أن يقدمها خدمة لهذا الملف الهام والخطير . وعليه رأيت من المناسب أن نتطرق ولو بشكل مقتضب إلى ما يمكن أن نسمية بالفقه البيئي في الإسلام ، لعل القارئ الكريم يجد فيه ما يُطَمْئِنُ قلبه إلى عظمة شرعنا الحنيف وقدرته على المشاركة الفاعلة في حل مشاكل الإنسانية على الوجه الأفضل ...
ألفت الانتباه ابتداء إلى القاعدة الكلية التي بدونها لن نستطيع فهم القضية بالشكل الصحيح ، وهي مستنبطة من التطبيق العملي للآيات والأحاديث ، والتي تحدد شكل العلاقة بين الله والإنسان والبيئة بصورة تدفع بالمسلم إلى علاقة إيجابية فاعلة مع المحيط الذي يعيش في رحابه .
لا خلاف أن القرآن العظيم والسنة المشرفة والموروث العلمي الإسلامي المستند إلى المصادر المعصومة ، يشكل المنطلق لفهم القضية ، والتأصيل للنظرة الإسلامية للكون والإنسان والحياة ، ومدخلنا للدخول إلى عالمها الواسع وفضائها الشاسع ...
العنصر الأول في المعادلة هو أن الله سبحانه قد حدد الأطر الوظائفية الكفيلة بإدارة الكون قبل أن يخلق آدم عليه السلام ، وبشكل يعتبر الأسهل والأعظم ، ولكنه الأعمق ، فجعل الغاية من الخلق ( الاستخلاف ) ، في قوله تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) ، والمهمة العظمى والدور الجليل هي ( إعمار ) الكون ، في قوله سبحانه : (...هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها …) هود:61 ، بينما جعل عوامل النجاح والأدوات المساعدة عليه هي ( التسخير ) ، كما في قول الله جل جلاله : (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه …) لقمان:20.... أما العنصر البشري ، يعني آدم عليه السلام وذريته فهو الحامل لأمانة ذلك كله ، مصداقا لقول سبحانه : ( قلنا اهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) . من أجل ذلك استحق أن تسجد له الملائكة سجود احترام لا عبادة ، ومن اجل ذلك أيضا استحق أن يزوده الله بكل أسباب النجاح وعلى رأس هذه الأسباب التوجيهات الربانية والضمانات الإلهية بالسعادة بمعناها الشامل إن هو ضبط حركته في الحياة بما يتفق مع توجيهات مولاه ...
أبحاث البيئة الحديثة تتحدث في أغلبها الساحق ، إلا ما حَلَّقَ منها في فضاءات فلسفية ، عن واقع الأرض والكون ترابا وماء وهواء وفضاء ، وما طرأ عليها جميعا من تحولات شوهت وضعها المتوازن وحالتها البكر ، بفعل التطورات الصناعية والمدنية التي لم تراع سلامة البيئة ، ونسيت إلى حد الفاجعة حتمية أن تتحول هذه الطبيعة بفعل الإنسان إلى عدوته الأولى ، وهي التي سخرها الله لسعادته ورفاهيته ...
كلمة السر في هذا الصدد التي كشف عنها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا هي كلمة ( عِمَارة الأرض ) ، والتي أشرنا إليها سابقا على اعتبارها المهمة الوحيدة لخلق الإنسان لأنها العبادة بمناها الواسع ، وهي لا تعدو في معناها البسيط خدمة الكون بما فيه بما ينفع الناس وليس العكس ، والذي معناه في المصطلحات المعاصرة : حماية البيئة ، والتي هي فوق أنها آية من آيات الله البديعة الدالة على عظيم قدرته ودقيق صنعه ، فهي الحاضنة للحياة البشرية ، والسفينة التي من المفروض أن تصل به سالمة بعد طول إبحار أو قصره ( العمر ) ، إلى شاطئ الأمان ، وإلى دار المقر ، وتعود به إلى الوطن الأصلي وهو الجنة ...
الواقع المر الذي تعيشه نسبة عالية من سكان العالم جوعا وتخلفا ومرضا وفيضانات وقحطا وجفافا وارتفاعا لدرجات الحرارة ... الخ ... ، سببه الخلل الذي يفرضه واقع التقدم الصناعي غير المنضبط ورخيص التكلفة في دول ما يسمى بالشمال ( الدول المتقدمة ) ، بينما تقع ضحيته دول ما يسمى بالجنوب ( الدول الفقيرة ) وأغلبها طبعا العربية لأسباب لا تخفى على أحد ، فإما لأنها لا تملك من الإمكانيات التقنية ما تواجه به التطورات المتسارعة لتقلبات المناخ التي تسببها الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا التي تتحمل حسب الإحصاءات الأخيرة ما نسبته 40% من أسباب التلوث والانبعاث الحراري في العالم ، بينما هي ترفض أن تتحمل أكثر من 17 % من تكلفة مواجهة خطرهما ، أو لأن أولوياتها مختلة إلى درجة لا تميز معها بين ما ينفع أو يضر .
يعترف العالم اليوم بأن الإنسان / المجتمعات هي السبب المباشر في إنتاج الأخطار البيئية ، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم : (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) الروم: 41 ، حيث أجمع المفسرون على أن كلمة ( الفساد ) هي الاسم الجامع للفساد المعنوي والمادي الذي يؤدي إلى دمار البيئة وخرابها ، وبالتالي التقليل من إمكانية أن يعيش الإنسان فيها في سعادة مادية ومعنوية . من هنا جعل الإسلام الحفاظ على البيئة جزءا من العبادة ، وطريقا إلى النعيم الخالد ، والسلم الذي تعرج عليه أرواح وقلوب المؤمنين إلى الأبدية ، بينما أناملهم تداعب الكون / البيئة بتناغم وانسجام ، تحقيقا لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( استقم يُسْتَقَمْ لك ) ، وقوله عليه السلام : ( استقم يُستَقَمْ بك )
بقلم: الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس الحركة الإسلامية
هنالك بعيدا من هنا وفي مدينة ( كوبنهاجن ) في الشمال الاسكندنافي ، يعقد العالم مؤتمرا دوليا ضخما يهدف إلى حماية البيئة مما تتعرض إليه من أعمال تلوث خطيرة يمكن أن تؤدي على المدى المتوسط إلى نتائج كارثية تغير وجه الأرض وتفتك بالوجود البشري بشكل غير مسبوق ...
من الواضح أن عددا هائلا من أوراق العمل والأبحاث العلمية ستناقش على مدى أيام المؤتمر ، لكني لا أدري كم منها سيعرض إلى وجهة نظر الإسلام في هذا الشأن ، وإلى حجم المساهمة التي يستطيع ديننا العظيم أن يقدمها خدمة لهذا الملف الهام والخطير . وعليه رأيت من المناسب أن نتطرق ولو بشكل مقتضب إلى ما يمكن أن نسمية بالفقه البيئي في الإسلام ، لعل القارئ الكريم يجد فيه ما يُطَمْئِنُ قلبه إلى عظمة شرعنا الحنيف وقدرته على المشاركة الفاعلة في حل مشاكل الإنسانية على الوجه الأفضل ...
ألفت الانتباه ابتداء إلى القاعدة الكلية التي بدونها لن نستطيع فهم القضية بالشكل الصحيح ، وهي مستنبطة من التطبيق العملي للآيات والأحاديث ، والتي تحدد شكل العلاقة بين الله والإنسان والبيئة بصورة تدفع بالمسلم إلى علاقة إيجابية فاعلة مع المحيط الذي يعيش في رحابه .
لا خلاف أن القرآن العظيم والسنة المشرفة والموروث العلمي الإسلامي المستند إلى المصادر المعصومة ، يشكل المنطلق لفهم القضية ، والتأصيل للنظرة الإسلامية للكون والإنسان والحياة ، ومدخلنا للدخول إلى عالمها الواسع وفضائها الشاسع ...
العنصر الأول في المعادلة هو أن الله سبحانه قد حدد الأطر الوظائفية الكفيلة بإدارة الكون قبل أن يخلق آدم عليه السلام ، وبشكل يعتبر الأسهل والأعظم ، ولكنه الأعمق ، فجعل الغاية من الخلق ( الاستخلاف ) ، في قوله تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) ، والمهمة العظمى والدور الجليل هي ( إعمار ) الكون ، في قوله سبحانه : (...هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها …) هود:61 ، بينما جعل عوامل النجاح والأدوات المساعدة عليه هي ( التسخير ) ، كما في قول الله جل جلاله : (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه …) لقمان:20.... أما العنصر البشري ، يعني آدم عليه السلام وذريته فهو الحامل لأمانة ذلك كله ، مصداقا لقول سبحانه : ( قلنا اهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) . من أجل ذلك استحق أن تسجد له الملائكة سجود احترام لا عبادة ، ومن اجل ذلك أيضا استحق أن يزوده الله بكل أسباب النجاح وعلى رأس هذه الأسباب التوجيهات الربانية والضمانات الإلهية بالسعادة بمعناها الشامل إن هو ضبط حركته في الحياة بما يتفق مع توجيهات مولاه ...
أبحاث البيئة الحديثة تتحدث في أغلبها الساحق ، إلا ما حَلَّقَ منها في فضاءات فلسفية ، عن واقع الأرض والكون ترابا وماء وهواء وفضاء ، وما طرأ عليها جميعا من تحولات شوهت وضعها المتوازن وحالتها البكر ، بفعل التطورات الصناعية والمدنية التي لم تراع سلامة البيئة ، ونسيت إلى حد الفاجعة حتمية أن تتحول هذه الطبيعة بفعل الإنسان إلى عدوته الأولى ، وهي التي سخرها الله لسعادته ورفاهيته ...
كلمة السر في هذا الصدد التي كشف عنها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا هي كلمة ( عِمَارة الأرض ) ، والتي أشرنا إليها سابقا على اعتبارها المهمة الوحيدة لخلق الإنسان لأنها العبادة بمناها الواسع ، وهي لا تعدو في معناها البسيط خدمة الكون بما فيه بما ينفع الناس وليس العكس ، والذي معناه في المصطلحات المعاصرة : حماية البيئة ، والتي هي فوق أنها آية من آيات الله البديعة الدالة على عظيم قدرته ودقيق صنعه ، فهي الحاضنة للحياة البشرية ، والسفينة التي من المفروض أن تصل به سالمة بعد طول إبحار أو قصره ( العمر ) ، إلى شاطئ الأمان ، وإلى دار المقر ، وتعود به إلى الوطن الأصلي وهو الجنة ...
الواقع المر الذي تعيشه نسبة عالية من سكان العالم جوعا وتخلفا ومرضا وفيضانات وقحطا وجفافا وارتفاعا لدرجات الحرارة ... الخ ... ، سببه الخلل الذي يفرضه واقع التقدم الصناعي غير المنضبط ورخيص التكلفة في دول ما يسمى بالشمال ( الدول المتقدمة ) ، بينما تقع ضحيته دول ما يسمى بالجنوب ( الدول الفقيرة ) وأغلبها طبعا العربية لأسباب لا تخفى على أحد ، فإما لأنها لا تملك من الإمكانيات التقنية ما تواجه به التطورات المتسارعة لتقلبات المناخ التي تسببها الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا التي تتحمل حسب الإحصاءات الأخيرة ما نسبته 40% من أسباب التلوث والانبعاث الحراري في العالم ، بينما هي ترفض أن تتحمل أكثر من 17 % من تكلفة مواجهة خطرهما ، أو لأن أولوياتها مختلة إلى درجة لا تميز معها بين ما ينفع أو يضر .
يعترف العالم اليوم بأن الإنسان / المجتمعات هي السبب المباشر في إنتاج الأخطار البيئية ، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم : (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) الروم: 41 ، حيث أجمع المفسرون على أن كلمة ( الفساد ) هي الاسم الجامع للفساد المعنوي والمادي الذي يؤدي إلى دمار البيئة وخرابها ، وبالتالي التقليل من إمكانية أن يعيش الإنسان فيها في سعادة مادية ومعنوية . من هنا جعل الإسلام الحفاظ على البيئة جزءا من العبادة ، وطريقا إلى النعيم الخالد ، والسلم الذي تعرج عليه أرواح وقلوب المؤمنين إلى الأبدية ، بينما أناملهم تداعب الكون / البيئة بتناغم وانسجام ، تحقيقا لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( استقم يُسْتَقَمْ لك ) ، وقوله عليه السلام : ( استقم يُستَقَمْ بك )