على ضفاف شط العرب
كأس حنا الشيخ
كاظم فنجان الحمامي
دخل (حنا الشيخ) إلى المجتمع البصري من البوابة المينائية المفتوحة دوما بوجه شركات خطوط الشحن البحري, فبعد أن سجل نجاحا كبيرا في تسيير (الجنائب) و(البانطونات) بين بغداد والبصرة عبر الممر الملاحي الداخلي لنهر دجلة المتدفق بالخير والعطاء, انتقل من مدينته (العمارة), حيث كان يدير شركته هناك, ورحل إلى البصرة التي اختارها منطلقا لتوسيع نشاطاته التجارية مع الموانئ العالمية.
عُرفَ هذا الرجل النبيل بصدقه وأمانته, وعلاقاته الاجتماعية الطيبة التي شملت جميع شرائح المجتمع, فأحبه الناس لبساطته ودماثة أخلاقه, ومشاركاته لهم في أفراحهم وأتراحهم.
صورة لفتاة جميلة من أسرة حنا الشيخ,
واسمها (فضيلة) التقطت لها في العمارة
عام 1917, وتظهر في الصورة أمها التي
تقف خلفها وترتدي الملابس التقليدية
المحتشمة التي تعكس طراز الأزياء النسائية
السائدة في تلك الفترة, وتعبر عن تمسك
العوائل العراقية الأصيلة بالعادات العربية الموروثة
واسمها (فضيلة) التقطت لها في العمارة
عام 1917, وتظهر في الصورة أمها التي
تقف خلفها وترتدي الملابس التقليدية
المحتشمة التي تعكس طراز الأزياء النسائية
السائدة في تلك الفترة, وتعبر عن تمسك
العوائل العراقية الأصيلة بالعادات العربية الموروثة
حدثني اللاعب الدولي الأسبق (كريم علاوي) قبل بضعة أيام عن الدور الكبير الذي نهض به (حنا الشيخ) حينما شمل برعايته الوطنية الصادقة النشاطات الرياضية المحلية, ووفر لها الأجواء التشجيعية المطلوبة لخوض السباقات الرياضية, وفتح باب التنافس بين الفرق والنوادي البصرية, التي اكتسبت مهارات عالية في فنون لعبة كرة القدم, نتيجة لاحتكاكها بالجاليات الأجنبية العاملة على السفن الوافدة إلى البصرة.
كان (حنا الشيخ), قبيل منتصف القرن الماضي, حريصا على إقامة دوري كرة القدم في موعده السنوي المقرر, واستطاع بفطنته, وعلى الرغم من مشاغله التجارية, أن يعطي للرياضة الرعاية التي تحتاجها وتستحقها, فنجح في توسيع دائرة الاهتمام بالفرق والنوادي الرياضية, ورسّخ علاقته الطيبة بها, فمنحها وقته وجهده, وكان التنافس الرياضي بين تلك الفرق يجري كل عام على ساحة ثانوية العشار.
كانت الفرق المتنافسة لا تزيد على أصابع اليد, هي نادي الاتحاد الرياضي الملكي, ورئيسه آنذاك توفيق العينه جي, وفريق شركة نفط البصرة, ورئيسه تومي توماس, ونادي الميناء, ورئيسه عبد الأمير رحمة الله, وفريق ثانوية البصرة, ورئيسه سامي الهلالي, وفريق الجبيلة, ورئيسه رجل يدعى فدعم, ونادي الاتحاد فرع البصرة القديمة, ورئيسه عبد الوهاب ناجي.
صورة نادرة التقطت عام 1951 ويظهر فيها
اثنان من أبناء حنا الشيخ يحملان الكأس
ويسلماه إلى اللاعب الدولي الأسبق كريم علاوي
كابتن فريق الميناء, وهو الفريق الفائز
بكأس حنا الشيخ لموسم 50 – 1951 ويظهر
في الصورة أيضا الأستاذ سامي الهلالي
رئيس نادي الاتحاد الملكي
اثنان من أبناء حنا الشيخ يحملان الكأس
ويسلماه إلى اللاعب الدولي الأسبق كريم علاوي
كابتن فريق الميناء, وهو الفريق الفائز
بكأس حنا الشيخ لموسم 50 – 1951 ويظهر
في الصورة أيضا الأستاذ سامي الهلالي
رئيس نادي الاتحاد الملكي
ومازال اللاعب الأسبق (كريم علاوي) يحتفظ في صناديقه المقفلة على الصور التذكارية التي تحكي قصة الانتصارات الرياضية المتوالية, التي حققها فريقه مع رواد كرة القدم البصرية في منافسات (كأس حنا الشيخ). صور تعكس مدى الاهتمامات الوطنية للرجل الذي استطاع أن يؤسس أشهر مكاتب الخطوط الملاحية على ضفاف شط العرب, وتفوق بعقله على الوكالات البحرية الأجنبية التي كانت هي المسيطرة في بداية القرن الماضي, من أمثال (كري ماكنزي), و(بيت لنج), و(بي اند آي), و(سترك لاين).
كانت هذه المكاتب لا تُدحر, وتتمتع بنفوذ تجاري وسياسي واسع, لكنها تراجعت أمام ذكاء (حنا الشيخ), الذي كان يستمد قوته من الدعم الشعبي الوطني المشحون بالحب والوفاء. وهكذا كانت الرياضة كريمة معه, فمنحته النجاح والتفوق بقدر ما منحها الاهتمام والرعاية.
هذه صورة مشرقة من صور الماضي الجميل, وأبطاله الذين حفروا أسمائهم في سجلات المجد, من خلال ما قدموه من اهتمام وتضحيات لهذه المدينة المينائية الرائعة.
رحل (حنا الشيخ) قبل عقود من الزمن, وترك وراءه أرثا بحريا كبيرا لا ينسى, وتاريخا تجاريا حافلا بالنشاط, وأسواقا جميلة تتمركز في قلب البصرة الزاهرة بأهلها, وكأسا رياضية مازالت تتلألأ في خلايا الذاكرة التي كاد يطويها النسيان, وسفنا حديثة تجوب البحار والمحيطات, وترسو على مرافئ القارات البعيدة, وتعمل سواحل الجزر النائية, لكن أبنائه اطلوا علينا عام 1993 من خلال شركتهم (إنماء الخليج) حاملين معهم مخططات مشروعهم الوطني المستقبلي الرامي إلى إنشاء ميناء العراق الكبير, وكانوا أول من فكر بهذا المشروع وتعمقوا بدراسته, وعادوا بعدها إلى الظهور, قبل خمسة أعوام, قرب موانئنا النفطية ليقدموا الدعم والإسناد الفوري لشركة نفط الجنوب, فأرسلوا أقوى السفن الخدمية التابعة لشركتهم الثانية (عملاق الخليج), ثم اختفوا مرة أخرى في البحر متنقلين بين المنامة ورأس الخيمة, فهل سيعودون إلى أهلهم ووطنهم ؟. ومن ذا الذي سيعيدهم إلينا ؟. انه مجرد سؤال لا أكثر.
منقول