أنفلونزا الفساد في بغداد
بقلم:احمد البديري
يبدوا أن ملف الفساد الذي ضرب بأطنابه فيافي البلاد لا زال يراوح بمكانه بالرغم من جملة الوعود المعسولة والتصريحات الرنانة لمسؤولي السلطة العراقية والتي كانت ولا زالت عبارة عن مانشيتات إعلامية استهلاكية ولم تتحول إلى برنامج عمل وتطبيق فعلي
ودون أن يلمس المواطن العراقي أي تطور في هذا الملف الخطير والذي صنف على انه لا يقل خطورة عن باقي أعداء العراق الآخران ( الإرهاب ، والاحتلال) ، وكان آخر ما صعق به أبناء العراق الذين يئنون من ضيم الإرهاب والفساد والاحتلال هو رسالة زعيم دولة القانون ورئيس وزراء العراق إلى رئيس مجلس النواب بخصوص استجواب الوزير المدلل ( وزير النفط) والتي رفض رئيس الوزراء مسألة استجوابه لأن ذلك يعطي انطباعا غير مشرق عن لدى مافيا النفط العالمية والمتمثلة بشركات النفط المتلهفة لسرقة نفط العراق والسيطرة على مقدراته .
ومن خلال مراجعة لمجريات الأحداث على الساحة العراقية يمكننا الاستنتاج بأن السلطة التنفيذية تفتقد الى المصداقية والجدية في معالجة ملف الفساد واستئصال رؤوسه القذرة ، بل ان الواقع هو خلاف ذلك تماما بعد ان تكفلت الحكومة بالوقوف في طريق أي محاولة لاستجواب الوزراء والمسؤولين الكبار في وزارات الدولة من خلال إصدار الكتب والتوجيهات التي ترفض مثول الوزراء أمام نواب البرلمان بالإضافة الى تشكيل لجنة من المستشارين لعرقلة الاستجوابات وبذلك يكون الطريق مسدود لمسألة المتورطين والمقصرين في سرقة خيرات العراق وثرواته والمتسترين على اللصوص والفاسدين ، بل وان أي استجواب للمحسوبين على الائتلاف الحاكم سوف يكون خطا احمر غير قابل للنقاش .
ولعل مثل هذه الدكتاتورية السلطوية كانت السبب الرئيسي في اهتزاز ثقة المواطن العراقي بالقيادات السياسية الحاكمة وجعلته يعض إصبع الندم على دعمه السابق لقوائمها الانتخابية واستوجبت إعادة حساباته وتصوراته وبالتالي خياراته خصوصا بعد فضيحة وزير التجارة المستقيل الهارب وملابساتها وما رافق من أحداث وتصرفات حكومية مشبوهة في التغطية على الوزير وتسهيل هروبه ومن ثم عرقلة عملية التحقيق وإخراجه من التوقيف لإتاحة الفرصة لإخراجه وإبعاده عن سلطة القضاء العراقي .
وفي هذا السياق نشرت صحف بغداد في يوم الثلاثاء 21/10/2009 خبر وصول وزير التجارة السابق الهارب المتورط في قضايا فساد مالي وأداري إلى عاصمة انكلترا ( لندن) معززا مكرما وبلا شك فأن راتبه التقاعدي الشهري سيصله أول كل شهر كاملا غير منقوص أيضاً ، إن هذا الاستهتار الكبير من لدن المسؤولين الحكوميين في حماية سارقي الشعب وقاتليه بالأغذية الفاسدة والتالفة يشكل منعطفا خطيرا في مسيرة بناء الدولة العراقية الجديدة والتي لا زالت عوراء وعرجاء بسبب تلك الممارسات والنكبات التي يتفنن فيها مسؤولي السلطة .
أن مثل هذه الحادثة المخزية والتي تكررت لأكثر من مرة تؤكد صحة ادعاءات رئيس لجنة النزاهة صباح الساعدي في تعرضه لحملة شرسة لثنيه عن مواصلة عمله في البحث والتنقيب عن رؤوس الفساد والتي وصلت إلى تهديده بالتصفية وقد تعرض فعلا لعدد من محاولات الاغتيال الفاشلة وهذا نموذج بسيط لما يلاقيه العاملون المخلصون في العراق والذين وصفهم المرجع محمد اليعقوبي بأنهم (كالسائرين على حقول الألغام) ، فكيف يكون حال من يريد اجتثاث الفاسدين وسط هذه الفوضى الرهيبة التي تحكم الساحة العراقية ؟
لقد كان على السلطة التنفيذية والأمنية الإدراك بأن تهريب الوزراء الفاسدين بهذه الطريقة المهينة للسلطة القانون والتي تشكل تحديا لمشاعر العراقيين واستفزازا لمشاعرهم وأحوالهم المعيشية والأمنية البائسة وانه عبارة عن نكسة جديدة في تطلعات العراقيين لبناء دولتهم المنهكة من تسلط البعث وعبث الاحتلال وازدواجية الساسة الجدد ، بل قد تذهب بالمواطن العراقي بأن يعيش في دوامة يأس وإحباط من جدوى المشاركة في صنع القرار والذهاب إلى صناديق الاقتراع ما دامت سياسة الغاب هي التي تسود الساحة العراقية .
ولقد كان إعلان الجانب الأمريكي الأخير خلال زيارة رئيس الحكومة العراقية واشنطن بأن الولايات المتحدة مستعدة لتسليم المسؤولين الهاربين إليها إلى السلطات العراقية لتقديمهم إلى القضاء العراقي في حال طلب الحكومة العراقية لذلك بمثابة المنعطف الذي سوف يشكل امتحانا للسلطة في جديتها بمحاربة ومحاسبة الفساد والمفسدين ، ولأن الموقف الأمريكي المعلن يعتبر بمثابة اعتراف بالتورط في تهريب أولئك المسؤولين فأننا لا نستعجل بالحكم على مصداقية الجانب الأمريكي إلا بعد التحرك الحكومي الفعلي للمطالبة بالمسؤولين الفاسدين الهاربين كوزير الكهرباء السابق ووزير الدفاع ووزير النقل في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي ، إلا أن الموقف الأمريكي الأخير وتوقيتاته المتزامنة مع وصول الوزير السوداني إلى عاصمة الضباب لندن يشكل بكل تأكيد إحراجا للحكومة وموقفها المتخاذل في محاسبة المسؤولين الحكوميين الفاسدين ويمس بقوة مصداقيتها ونزاهتها ومهنيتها في التعامل مع ملف الفساد الخطير .
الحكومة مطالبة أيضا بأن لا تصبح حجر عثرة إمام استجواب الوزراء في مجلس النواب وأن موضوع براءتهم من التهم وعدمها محكوم بتفاصيل جلسة الاستجواب التي يجب أن يشاهد تفاصيلها العراقيين ليكونوا على بينة من أمرهم دون أن يكون للتصريحات المعاكسة دورا في حجب الرؤيا وضياع الحقيقة على ناظريهم , كما يجب المبادرة لتفعيل تقديم ملفات الفساد إلى المحاكم العراقية دون استثناءات وبعيدا عن المحسوبية والمنسوبية الحزبية وتصفية الحسابات مع الخصوم والمنافسين في العملية السياسية .
ويبدوا أن العراقيين لن يستعيدوا الثقة بساستهم إلا بعد أن يروا بأم أعينهم الوزراء الهاربين كأيهم السامرائي وعبد الفلاح السوداني وحازم الشعلان جنبا إلى جنب خلف قضبان العدالة العراقية وتحت أسوار محاكمها الجنائية لينالوا قصاصهم العادل لتكون الكلمة الفصل في هذا الموضوع والملف الخطير .
أن وظيفة مكافحة الفساد المستشري بالبلاد وخصوصا مؤسسات الدولة الحكومية والذي بلغ حدا لا يمكن السكوت عليه بعد أن أوصل العراق إلى صدارة الدول الأكثر فسادا في التصنيف الذي تعده منظمة الشفافية العالمية مناط بجميع المخلصين من أبناء هذا البلد لأن الأمر يتعلق بثرواتهم وحقوقهم ومستقبل أبنائهم ، أما حكومتنا الموقرة فيجب أن تدرك بأن مكافحة الفساد لا تكون بالشعارات والخطابات الرنانة والمنمقة وأما بالشروع الحقيقي والعمل التطبيقي لتحقق وسائل الحد من الفساد والفاسدين ومن ثم القضاء عليه عبر اجتثاث أركانه ورؤوسه ومعالجة أسبابه وإيجاد الوسائل الكفيلة بإعاقة نموه والسبل التي تمنع حصوله بالإضافة إلى التعامل بمهنية وحيادية مع ملفاته الساخنة ..
ahmedalbudayry@yahoo.com
بقلم:احمد البديري
يبدوا أن ملف الفساد الذي ضرب بأطنابه فيافي البلاد لا زال يراوح بمكانه بالرغم من جملة الوعود المعسولة والتصريحات الرنانة لمسؤولي السلطة العراقية والتي كانت ولا زالت عبارة عن مانشيتات إعلامية استهلاكية ولم تتحول إلى برنامج عمل وتطبيق فعلي
ودون أن يلمس المواطن العراقي أي تطور في هذا الملف الخطير والذي صنف على انه لا يقل خطورة عن باقي أعداء العراق الآخران ( الإرهاب ، والاحتلال) ، وكان آخر ما صعق به أبناء العراق الذين يئنون من ضيم الإرهاب والفساد والاحتلال هو رسالة زعيم دولة القانون ورئيس وزراء العراق إلى رئيس مجلس النواب بخصوص استجواب الوزير المدلل ( وزير النفط) والتي رفض رئيس الوزراء مسألة استجوابه لأن ذلك يعطي انطباعا غير مشرق عن لدى مافيا النفط العالمية والمتمثلة بشركات النفط المتلهفة لسرقة نفط العراق والسيطرة على مقدراته .
ومن خلال مراجعة لمجريات الأحداث على الساحة العراقية يمكننا الاستنتاج بأن السلطة التنفيذية تفتقد الى المصداقية والجدية في معالجة ملف الفساد واستئصال رؤوسه القذرة ، بل ان الواقع هو خلاف ذلك تماما بعد ان تكفلت الحكومة بالوقوف في طريق أي محاولة لاستجواب الوزراء والمسؤولين الكبار في وزارات الدولة من خلال إصدار الكتب والتوجيهات التي ترفض مثول الوزراء أمام نواب البرلمان بالإضافة الى تشكيل لجنة من المستشارين لعرقلة الاستجوابات وبذلك يكون الطريق مسدود لمسألة المتورطين والمقصرين في سرقة خيرات العراق وثرواته والمتسترين على اللصوص والفاسدين ، بل وان أي استجواب للمحسوبين على الائتلاف الحاكم سوف يكون خطا احمر غير قابل للنقاش .
ولعل مثل هذه الدكتاتورية السلطوية كانت السبب الرئيسي في اهتزاز ثقة المواطن العراقي بالقيادات السياسية الحاكمة وجعلته يعض إصبع الندم على دعمه السابق لقوائمها الانتخابية واستوجبت إعادة حساباته وتصوراته وبالتالي خياراته خصوصا بعد فضيحة وزير التجارة المستقيل الهارب وملابساتها وما رافق من أحداث وتصرفات حكومية مشبوهة في التغطية على الوزير وتسهيل هروبه ومن ثم عرقلة عملية التحقيق وإخراجه من التوقيف لإتاحة الفرصة لإخراجه وإبعاده عن سلطة القضاء العراقي .
وفي هذا السياق نشرت صحف بغداد في يوم الثلاثاء 21/10/2009 خبر وصول وزير التجارة السابق الهارب المتورط في قضايا فساد مالي وأداري إلى عاصمة انكلترا ( لندن) معززا مكرما وبلا شك فأن راتبه التقاعدي الشهري سيصله أول كل شهر كاملا غير منقوص أيضاً ، إن هذا الاستهتار الكبير من لدن المسؤولين الحكوميين في حماية سارقي الشعب وقاتليه بالأغذية الفاسدة والتالفة يشكل منعطفا خطيرا في مسيرة بناء الدولة العراقية الجديدة والتي لا زالت عوراء وعرجاء بسبب تلك الممارسات والنكبات التي يتفنن فيها مسؤولي السلطة .
أن مثل هذه الحادثة المخزية والتي تكررت لأكثر من مرة تؤكد صحة ادعاءات رئيس لجنة النزاهة صباح الساعدي في تعرضه لحملة شرسة لثنيه عن مواصلة عمله في البحث والتنقيب عن رؤوس الفساد والتي وصلت إلى تهديده بالتصفية وقد تعرض فعلا لعدد من محاولات الاغتيال الفاشلة وهذا نموذج بسيط لما يلاقيه العاملون المخلصون في العراق والذين وصفهم المرجع محمد اليعقوبي بأنهم (كالسائرين على حقول الألغام) ، فكيف يكون حال من يريد اجتثاث الفاسدين وسط هذه الفوضى الرهيبة التي تحكم الساحة العراقية ؟
لقد كان على السلطة التنفيذية والأمنية الإدراك بأن تهريب الوزراء الفاسدين بهذه الطريقة المهينة للسلطة القانون والتي تشكل تحديا لمشاعر العراقيين واستفزازا لمشاعرهم وأحوالهم المعيشية والأمنية البائسة وانه عبارة عن نكسة جديدة في تطلعات العراقيين لبناء دولتهم المنهكة من تسلط البعث وعبث الاحتلال وازدواجية الساسة الجدد ، بل قد تذهب بالمواطن العراقي بأن يعيش في دوامة يأس وإحباط من جدوى المشاركة في صنع القرار والذهاب إلى صناديق الاقتراع ما دامت سياسة الغاب هي التي تسود الساحة العراقية .
ولقد كان إعلان الجانب الأمريكي الأخير خلال زيارة رئيس الحكومة العراقية واشنطن بأن الولايات المتحدة مستعدة لتسليم المسؤولين الهاربين إليها إلى السلطات العراقية لتقديمهم إلى القضاء العراقي في حال طلب الحكومة العراقية لذلك بمثابة المنعطف الذي سوف يشكل امتحانا للسلطة في جديتها بمحاربة ومحاسبة الفساد والمفسدين ، ولأن الموقف الأمريكي المعلن يعتبر بمثابة اعتراف بالتورط في تهريب أولئك المسؤولين فأننا لا نستعجل بالحكم على مصداقية الجانب الأمريكي إلا بعد التحرك الحكومي الفعلي للمطالبة بالمسؤولين الفاسدين الهاربين كوزير الكهرباء السابق ووزير الدفاع ووزير النقل في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي ، إلا أن الموقف الأمريكي الأخير وتوقيتاته المتزامنة مع وصول الوزير السوداني إلى عاصمة الضباب لندن يشكل بكل تأكيد إحراجا للحكومة وموقفها المتخاذل في محاسبة المسؤولين الحكوميين الفاسدين ويمس بقوة مصداقيتها ونزاهتها ومهنيتها في التعامل مع ملف الفساد الخطير .
الحكومة مطالبة أيضا بأن لا تصبح حجر عثرة إمام استجواب الوزراء في مجلس النواب وأن موضوع براءتهم من التهم وعدمها محكوم بتفاصيل جلسة الاستجواب التي يجب أن يشاهد تفاصيلها العراقيين ليكونوا على بينة من أمرهم دون أن يكون للتصريحات المعاكسة دورا في حجب الرؤيا وضياع الحقيقة على ناظريهم , كما يجب المبادرة لتفعيل تقديم ملفات الفساد إلى المحاكم العراقية دون استثناءات وبعيدا عن المحسوبية والمنسوبية الحزبية وتصفية الحسابات مع الخصوم والمنافسين في العملية السياسية .
ويبدوا أن العراقيين لن يستعيدوا الثقة بساستهم إلا بعد أن يروا بأم أعينهم الوزراء الهاربين كأيهم السامرائي وعبد الفلاح السوداني وحازم الشعلان جنبا إلى جنب خلف قضبان العدالة العراقية وتحت أسوار محاكمها الجنائية لينالوا قصاصهم العادل لتكون الكلمة الفصل في هذا الموضوع والملف الخطير .
أن وظيفة مكافحة الفساد المستشري بالبلاد وخصوصا مؤسسات الدولة الحكومية والذي بلغ حدا لا يمكن السكوت عليه بعد أن أوصل العراق إلى صدارة الدول الأكثر فسادا في التصنيف الذي تعده منظمة الشفافية العالمية مناط بجميع المخلصين من أبناء هذا البلد لأن الأمر يتعلق بثرواتهم وحقوقهم ومستقبل أبنائهم ، أما حكومتنا الموقرة فيجب أن تدرك بأن مكافحة الفساد لا تكون بالشعارات والخطابات الرنانة والمنمقة وأما بالشروع الحقيقي والعمل التطبيقي لتحقق وسائل الحد من الفساد والفاسدين ومن ثم القضاء عليه عبر اجتثاث أركانه ورؤوسه ومعالجة أسبابه وإيجاد الوسائل الكفيلة بإعاقة نموه والسبل التي تمنع حصوله بالإضافة إلى التعامل بمهنية وحيادية مع ملفاته الساخنة ..
ahmedalbudayry@yahoo.com