رداً على قرار البرلمان العراقي بمقاضاة جريدة المدى يعود الزميل وارد بدر السالم بعد يومين فقط من الرد على البرلمان بهذا المقال القصير
شرطي برناردشو( تسقط حكومة النفايات )
وارد بدر السالم
يذكر برناردشو أن احدهم كان يصيح في الشارع وبشكل متكرر: (تسقط حكومة النفايات) وعندما أمسك به شرطيٌّ كان يمرّ بقربه ردّ الرجل ببراءة قائلاً:"إنني لا أقصد حكومتكم أيها الشرطي، بل أقصد حكومة النفايات" وربما مرت الحادثة بسلام فالشرطي البرناردشوي يعرف أن هذا الوصف لا ينطبق على حكومته من وجهة نظره، أما حكومة النفايات فهو لا يعرفها، لذا ترك الرجل وشأنه.
حادثة بسيطة ومعقدة في آن واحد. وجهتا نظر تقاطعتا في لحظة عابرة من عمر وطن لا نعرفه في سياق إيراد هذه الحدوتة الضخمة! لكن يمكن استشفاف بيّنة مهمة في تفكيك الحدوتة، فبين الرجل الغاضب وشرطي الدولة مسافة ضوئية من الوعي. الأول ينتمي الى الوطن والثاني ينتمي الى الحكومة.وواضح أن هناك فصلاً قسرياً بين الحكومة والوطن بحسب برناردشو. الصوت الأول هو صوت جماعي شعبي. والصوت الثاني هو صوت فردي سلطوي. وهنا تكمن المشكلة العميقة بين الصوتين. كثير من السياسيين العراقيين ممن يشغلون مناصب حكومية أو برلمانية يقتربون من شرطي برناردشو، فلا هم قادرون على أن يمثلوا صوت الناس ويختلطوا بالحياة البائسة ويفهموا طرائق التحضر التي وصلتها الشعوب والدول، ولا هم قادرون على أن يسكتوا ويبلعوا ما وهبه الله لهم من عطايا وأعطيات سخية لم يبلغها حتى قارون في زمانه!
ترى ما سبب ذلك؟
هي مجموعة أسباب اختلطت ببعضها وامتزجت فظهرت في صورة سبب واحد هو أن الكثيرين من هؤلاء يتمثلون الوهم على أنه حقيقة.كما قلنا في مقال سابق؛ وهذه علّة من العلل الأساسية التي تجعلنا نجيّش ما نستطيع تجييشه من أقلام حرّة ترى صورة وطن واحد لا غير، وترى وجهاً واحداً له، لا عدة وجوه.. فالحقيقة هي غير الوهم.وأصابع اليد لا يمكن أن تكون للقدم. إذ لا تسمح قوانين الجسد وفيزيائيته بهذا الإستبدال غير المنطقي. ومن يتصور أنه يلوي ذراع الوهم ليكون الحقيقة فهو على وهم أكيد.والا كيف نفسّر شرطي برناردشو بردّة فعله حينما أراد أن يعتقل رجلاً عابراً يهتف بسقوط حكومة النفايات؟ هؤلاء الواثقون من الوهم والمتعاملون معه كحقيقة راسخة هم سبب من أسباب الفشل اليومي الذي يحيط بالعراقيين في أوجهه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالوهم الـ"برناردشوي" هو نفسه وهم "الصخل" العراقي الذي نضرب به الأمثال عادةً عندما نقترب من حقائق الأمور ونشخصها بشكل واضح وسليم، فالسياسة العراقية الحالية، والتي يمثلها البعض؛ التي خرجت من معطف الاحتلال وتوابعه المعروفة وقعت في هذه الإشكالية عندما عدَّت الوهم حقيقة وتعاملت معه على أساس الأمر الواقع وهو ما ينبغي أن نتوقف عنده عادةُ ونحن نرصد مسارات السياسة العراقية بأوجهها البرلمانية والحكومية بأمل تشخيص الكثير مما يجب تشخيصه في توثيق العملية السياسية بكل تجاذباتها وانحرافاتها الطائفية والعشائرية والمذهبية والكتلوية. شرطي برناردشو المسكين وقع في ذات الخطأ عندما تصوّر إن كل صيحة تهدد حكومته بالسقوط وهو الذي لا ناقة له ولا جمل فيها فتصرَّف وكأنه الحكومة، أما حكومة النفايات التي قصدها عابر السبيل، فهي الحكومة التي يراها من زاويته لا كما يراها هذا الشرطي ولا كما يراها المثل العراقي، عندما (معمع) في قاعة الاجتماعات ذات يوم قريب حينما صاح احد العابرين باستبدال ما أورده برناردشو في أول الكلام:"تسقط نفايات الحكومة"
منقوول
شرطي برناردشو( تسقط حكومة النفايات )
وارد بدر السالم
يذكر برناردشو أن احدهم كان يصيح في الشارع وبشكل متكرر: (تسقط حكومة النفايات) وعندما أمسك به شرطيٌّ كان يمرّ بقربه ردّ الرجل ببراءة قائلاً:"إنني لا أقصد حكومتكم أيها الشرطي، بل أقصد حكومة النفايات" وربما مرت الحادثة بسلام فالشرطي البرناردشوي يعرف أن هذا الوصف لا ينطبق على حكومته من وجهة نظره، أما حكومة النفايات فهو لا يعرفها، لذا ترك الرجل وشأنه.
حادثة بسيطة ومعقدة في آن واحد. وجهتا نظر تقاطعتا في لحظة عابرة من عمر وطن لا نعرفه في سياق إيراد هذه الحدوتة الضخمة! لكن يمكن استشفاف بيّنة مهمة في تفكيك الحدوتة، فبين الرجل الغاضب وشرطي الدولة مسافة ضوئية من الوعي. الأول ينتمي الى الوطن والثاني ينتمي الى الحكومة.وواضح أن هناك فصلاً قسرياً بين الحكومة والوطن بحسب برناردشو. الصوت الأول هو صوت جماعي شعبي. والصوت الثاني هو صوت فردي سلطوي. وهنا تكمن المشكلة العميقة بين الصوتين. كثير من السياسيين العراقيين ممن يشغلون مناصب حكومية أو برلمانية يقتربون من شرطي برناردشو، فلا هم قادرون على أن يمثلوا صوت الناس ويختلطوا بالحياة البائسة ويفهموا طرائق التحضر التي وصلتها الشعوب والدول، ولا هم قادرون على أن يسكتوا ويبلعوا ما وهبه الله لهم من عطايا وأعطيات سخية لم يبلغها حتى قارون في زمانه!
ترى ما سبب ذلك؟
هي مجموعة أسباب اختلطت ببعضها وامتزجت فظهرت في صورة سبب واحد هو أن الكثيرين من هؤلاء يتمثلون الوهم على أنه حقيقة.كما قلنا في مقال سابق؛ وهذه علّة من العلل الأساسية التي تجعلنا نجيّش ما نستطيع تجييشه من أقلام حرّة ترى صورة وطن واحد لا غير، وترى وجهاً واحداً له، لا عدة وجوه.. فالحقيقة هي غير الوهم.وأصابع اليد لا يمكن أن تكون للقدم. إذ لا تسمح قوانين الجسد وفيزيائيته بهذا الإستبدال غير المنطقي. ومن يتصور أنه يلوي ذراع الوهم ليكون الحقيقة فهو على وهم أكيد.والا كيف نفسّر شرطي برناردشو بردّة فعله حينما أراد أن يعتقل رجلاً عابراً يهتف بسقوط حكومة النفايات؟ هؤلاء الواثقون من الوهم والمتعاملون معه كحقيقة راسخة هم سبب من أسباب الفشل اليومي الذي يحيط بالعراقيين في أوجهه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالوهم الـ"برناردشوي" هو نفسه وهم "الصخل" العراقي الذي نضرب به الأمثال عادةً عندما نقترب من حقائق الأمور ونشخصها بشكل واضح وسليم، فالسياسة العراقية الحالية، والتي يمثلها البعض؛ التي خرجت من معطف الاحتلال وتوابعه المعروفة وقعت في هذه الإشكالية عندما عدَّت الوهم حقيقة وتعاملت معه على أساس الأمر الواقع وهو ما ينبغي أن نتوقف عنده عادةُ ونحن نرصد مسارات السياسة العراقية بأوجهها البرلمانية والحكومية بأمل تشخيص الكثير مما يجب تشخيصه في توثيق العملية السياسية بكل تجاذباتها وانحرافاتها الطائفية والعشائرية والمذهبية والكتلوية. شرطي برناردشو المسكين وقع في ذات الخطأ عندما تصوّر إن كل صيحة تهدد حكومته بالسقوط وهو الذي لا ناقة له ولا جمل فيها فتصرَّف وكأنه الحكومة، أما حكومة النفايات التي قصدها عابر السبيل، فهي الحكومة التي يراها من زاويته لا كما يراها هذا الشرطي ولا كما يراها المثل العراقي، عندما (معمع) في قاعة الاجتماعات ذات يوم قريب حينما صاح احد العابرين باستبدال ما أورده برناردشو في أول الكلام:"تسقط نفايات الحكومة"
منقوول