10.01.2013
17:44
المتغير العراقي
بشار النعيمي
لا أعرف ما الذي يدعو كثيرين للاستغراب من الحراك القائم في
العراق الآن، و كأن العراق قد خرج من حقبة الاحتلال الأمريكي الإيراني،
وانتهى من الشحن الطائفي وتهميش جزء مهم من الشعب العراقي لصالح التهديد
بتقسيم البلاد وبيع جزء منها الى دول الجوار، وقضى على الفساد المستشري في
كافة مرافق الدولة بدءا بمشاريع الإعمار و البنى التحتية وصولا الى محطات
الكهرباء و المياه النظيفة و الطرقات و غيرها من أبسط الخدمات العامة تلك
التي حُرم منها العراقيون و استبدلوها بوعود حكومة قطعت على نفسها عهدا
بالمشاركة السياسية لتتحول فيما يصفه البعض الى حكومة استبداد طائفي تفوق
خطورته على العراق أرضا و شعبا ذلك الاستبداد الذي وُصِف على زمان صدام
حسين.
بالأمس وخلال حديثي مع اثنين من الإعلاميين العراقيين فوجئت أن
أحدهم بدأ دعوة الى تقسيم العراق بين شمال وجنوب تصبح فيه بغداد منطقة
متنازعا عليها، و كأن بغداد لا تملك هُوية دينية او تاريخا حدد ملامحها
وأقام قانون التعامل مع الآخر على مدار قرون، لم تتغير هذه الملامح حتى
دخول الاحتلال الأمريكي بشعار الديمقراطية لنجد العراق بعد سنوات طويلة
مليئة بالدماء قد أنهى تحوله بديمقراطية طائفية و محاصصة عرقية طائفية،
الآن و بعد خروج الأمريكيين تلعب إيران الدور الأهم في تكريس الهوية
الجديدة خاصة و أن الثورة السورية قد دخلت مرحلة يبدو فيها أن إيران ستخسر
أحد أهم الحلفاء ليبقى العراق قبلة وحيدة لآيات الله.
رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي يصف الحراك العراقي بالخروج على القانون ويطلق الوعود
بالقضاء على هذا الحراك، و كأن الدستور العراقي لم يكفل للعراقي حق
التظاهر السلمي، أما عن الشعارات و الأعلام التي رفعت في كل من الأنبار
وصلاح الدين وديالى و نينوى و الرمادي، فهي أتت بالتوازي مع الأعلام
الايرانية و شعارات ثورتها ورموزها و تدخلاتها في الشأن العراقي و هذا
موضوع وصفه السيد عامر عبد الجبار وزير النقل العراقي الأسبق في أحد
لقاءاته التلفزيونية، وأصبح الجميع -في العراق على الأقل- يعلم أسباب خروج
الرجل من الحكومة.
يستمر المالكي و أنصاره بإطلاق اتهاماتهم للمتظاهرين
على أنهم عملاء ينفذون أجندات خارجية، عملاء لمن ؟ للأمريكيين أم
للإيرانيين؟ لو كانوا كذلك لكانوا في صف المالكي و من والاه، أما اتهامهم
بأنهم بعثيون فأعتقد أنه من الخطأ ربط الطائفة السنية العراقية او اي تحرك
تقوم به بالبعث البائد، و من المعروف أن غالبية البعثيين و هم بالملايين قد
خرجوا من العراق و لم يعودوا، ويرفضون العودة طالما أن العراق تقوده بحسب
رأيهم حكومة احتلال طائفية لم تحاول ايجاد حل لكل هؤلاء العراقيين اللاجئين
في دول الجوار و في اوروبا و امريكا، وهم في النهاية لايملكون إلا مصير
العودة ولو على حساب ثورة أخرى، و هذا ما تخافه الفئة العراقية الحاكمة
اليوم.
تدرك الحكومة العراقية الآن أن ما يحدث ليس بفقاعة "وهذا وصف
المالكي للحراك"، لهذا فإن الآلة الإيرانية الإعلامية – بالمناسبة ايران
تمتلك في العراق اكثر من خمس و عشرين مؤسسة اعلامية كلها ناطقة بالعربية-
بدأت بالحديث عن خطر تقسيم العراق مستقبلا وهو أمر لا يصب إلا في مصلحة
الثورة الإيرانية بتفتيت العراق الى الأبد و إغراقه في بحر من الاقتتال
الطائفي على ما يرى كثيرون ممن يعارضون السياسات الإيرانية في العراق تلك
التي ورثوها عن "الشيطان الاكبر".
لم يطالب المتظاهرون في المدن
العراقية بأكثر من إلغاء التمييز الطائفي و هي قضية تستطيع أن تشم رائحتها
عن بعد في العراق، لكن الخطير أنهم رفعوا علم الثورة السورية وهو أمر يؤكد
أن الأمريكيين و الإيرانيين لم يستطيعوا و لن يستطيعوا إخراج العراق بكافة
طوائفه من محيطه الإقليمي العربي و البعد الاستراتيجي الذي يربط بغداد
بدمشق و الرياض، لكن الأمر المرعب بالنسبة لأصحاب الحراك في العراق على
مايقولون يكمن في أن الجيش العراقي الآن أصبح يمتلك عددا من الكتائب ذات
الصبغة الطائفية الواحدة وهذا أمر يقود مباشرة الى دمشق و ما نشاهده يوميا
على شاشات الفضائيات من مجازر، ما يعني أن جبهة النصرة و أمثالها كثيرون
سريعوا الانتقال من مدينة الى اخرى ولديهم من التقنيات ما يمكِّنهم من دخول
العراق بعد انجاز مهمتهم في سورية وهذا ما يعيد بغداد و دمشق الى خانة
التوأم.
من الواضح أن اللعب على الوتر الطائفي في العراق قد وصل الى
درجة من الخطورة أصبح معه الحديث عن حرب أهلية طائفية أمرا لا يتمنى حدوثه
أحد لكنه ممكن، وعليه فإن مقولة العراق ليس سوريا او سوريا ليست مصر او
ليبيا ليست تونس لن يكون لها اي معني اذا ما خرج و استمر خروج العراقيين
الى الشارع للمطالبة لا بأبسط الحقوق فقط بل ربما يرفعوا سقف مطالبهم
ليبدأوا بالهدير الشعب يريد إسقاط النظام.
بشار النعيمي
المواضيع المنشورة في منتدى روسيا اليوم لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارتي موقع وقناة "روسيا اليوم".
المزيد من مقالات بشار النعيمي على مدونة روسيا اليوم
http://arabic.rt.com/news_all_news/news/604612/
17:44
المتغير العراقي
بشار النعيمي
لا أعرف ما الذي يدعو كثيرين للاستغراب من الحراك القائم في
العراق الآن، و كأن العراق قد خرج من حقبة الاحتلال الأمريكي الإيراني،
وانتهى من الشحن الطائفي وتهميش جزء مهم من الشعب العراقي لصالح التهديد
بتقسيم البلاد وبيع جزء منها الى دول الجوار، وقضى على الفساد المستشري في
كافة مرافق الدولة بدءا بمشاريع الإعمار و البنى التحتية وصولا الى محطات
الكهرباء و المياه النظيفة و الطرقات و غيرها من أبسط الخدمات العامة تلك
التي حُرم منها العراقيون و استبدلوها بوعود حكومة قطعت على نفسها عهدا
بالمشاركة السياسية لتتحول فيما يصفه البعض الى حكومة استبداد طائفي تفوق
خطورته على العراق أرضا و شعبا ذلك الاستبداد الذي وُصِف على زمان صدام
حسين.
بالأمس وخلال حديثي مع اثنين من الإعلاميين العراقيين فوجئت أن
أحدهم بدأ دعوة الى تقسيم العراق بين شمال وجنوب تصبح فيه بغداد منطقة
متنازعا عليها، و كأن بغداد لا تملك هُوية دينية او تاريخا حدد ملامحها
وأقام قانون التعامل مع الآخر على مدار قرون، لم تتغير هذه الملامح حتى
دخول الاحتلال الأمريكي بشعار الديمقراطية لنجد العراق بعد سنوات طويلة
مليئة بالدماء قد أنهى تحوله بديمقراطية طائفية و محاصصة عرقية طائفية،
الآن و بعد خروج الأمريكيين تلعب إيران الدور الأهم في تكريس الهوية
الجديدة خاصة و أن الثورة السورية قد دخلت مرحلة يبدو فيها أن إيران ستخسر
أحد أهم الحلفاء ليبقى العراق قبلة وحيدة لآيات الله.
رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي يصف الحراك العراقي بالخروج على القانون ويطلق الوعود
بالقضاء على هذا الحراك، و كأن الدستور العراقي لم يكفل للعراقي حق
التظاهر السلمي، أما عن الشعارات و الأعلام التي رفعت في كل من الأنبار
وصلاح الدين وديالى و نينوى و الرمادي، فهي أتت بالتوازي مع الأعلام
الايرانية و شعارات ثورتها ورموزها و تدخلاتها في الشأن العراقي و هذا
موضوع وصفه السيد عامر عبد الجبار وزير النقل العراقي الأسبق في أحد
لقاءاته التلفزيونية، وأصبح الجميع -في العراق على الأقل- يعلم أسباب خروج
الرجل من الحكومة.
يستمر المالكي و أنصاره بإطلاق اتهاماتهم للمتظاهرين
على أنهم عملاء ينفذون أجندات خارجية، عملاء لمن ؟ للأمريكيين أم
للإيرانيين؟ لو كانوا كذلك لكانوا في صف المالكي و من والاه، أما اتهامهم
بأنهم بعثيون فأعتقد أنه من الخطأ ربط الطائفة السنية العراقية او اي تحرك
تقوم به بالبعث البائد، و من المعروف أن غالبية البعثيين و هم بالملايين قد
خرجوا من العراق و لم يعودوا، ويرفضون العودة طالما أن العراق تقوده بحسب
رأيهم حكومة احتلال طائفية لم تحاول ايجاد حل لكل هؤلاء العراقيين اللاجئين
في دول الجوار و في اوروبا و امريكا، وهم في النهاية لايملكون إلا مصير
العودة ولو على حساب ثورة أخرى، و هذا ما تخافه الفئة العراقية الحاكمة
اليوم.
تدرك الحكومة العراقية الآن أن ما يحدث ليس بفقاعة "وهذا وصف
المالكي للحراك"، لهذا فإن الآلة الإيرانية الإعلامية – بالمناسبة ايران
تمتلك في العراق اكثر من خمس و عشرين مؤسسة اعلامية كلها ناطقة بالعربية-
بدأت بالحديث عن خطر تقسيم العراق مستقبلا وهو أمر لا يصب إلا في مصلحة
الثورة الإيرانية بتفتيت العراق الى الأبد و إغراقه في بحر من الاقتتال
الطائفي على ما يرى كثيرون ممن يعارضون السياسات الإيرانية في العراق تلك
التي ورثوها عن "الشيطان الاكبر".
لم يطالب المتظاهرون في المدن
العراقية بأكثر من إلغاء التمييز الطائفي و هي قضية تستطيع أن تشم رائحتها
عن بعد في العراق، لكن الخطير أنهم رفعوا علم الثورة السورية وهو أمر يؤكد
أن الأمريكيين و الإيرانيين لم يستطيعوا و لن يستطيعوا إخراج العراق بكافة
طوائفه من محيطه الإقليمي العربي و البعد الاستراتيجي الذي يربط بغداد
بدمشق و الرياض، لكن الأمر المرعب بالنسبة لأصحاب الحراك في العراق على
مايقولون يكمن في أن الجيش العراقي الآن أصبح يمتلك عددا من الكتائب ذات
الصبغة الطائفية الواحدة وهذا أمر يقود مباشرة الى دمشق و ما نشاهده يوميا
على شاشات الفضائيات من مجازر، ما يعني أن جبهة النصرة و أمثالها كثيرون
سريعوا الانتقال من مدينة الى اخرى ولديهم من التقنيات ما يمكِّنهم من دخول
العراق بعد انجاز مهمتهم في سورية وهذا ما يعيد بغداد و دمشق الى خانة
التوأم.
من الواضح أن اللعب على الوتر الطائفي في العراق قد وصل الى
درجة من الخطورة أصبح معه الحديث عن حرب أهلية طائفية أمرا لا يتمنى حدوثه
أحد لكنه ممكن، وعليه فإن مقولة العراق ليس سوريا او سوريا ليست مصر او
ليبيا ليست تونس لن يكون لها اي معني اذا ما خرج و استمر خروج العراقيين
الى الشارع للمطالبة لا بأبسط الحقوق فقط بل ربما يرفعوا سقف مطالبهم
ليبدأوا بالهدير الشعب يريد إسقاط النظام.
بشار النعيمي
المواضيع المنشورة في منتدى روسيا اليوم لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارتي موقع وقناة "روسيا اليوم".
المزيد من مقالات بشار النعيمي على مدونة روسيا اليوم
http://arabic.rt.com/news_all_news/news/604612/