الأربعاء، تشرين الأول 31، 2007
كركوك في إحصاء 1957 كان ثلثها فقط من الأكراد
د. إبراهيم علوش
الوثائق
القديمة أكثر من مخزن للذاكرة الجمعية للأمم والشعوب. فهي معلم أثري وقيمة
جمالية لمن يقدرون الكتب والوثائق. وهي مصدرٌ لا غنى عنه للباحث والمؤرخ
ولمن يدرسون الحدث المنصرم وأشخاصاً مضوا أو دولاً بائدة. وهي أنواع: بعضها
مألوف ومعروف مثل كتب التراث العربي العريقة التي وضع كثيرٌ منها في بغداد
والبصرة. وبعضها طواه الزمن أو أغرقه المغول والتتر في دجلة والفرات.
وبعضها قديم قدم اختراع الحرف مثل ملحمة جلجامش. وبعضها سرق من متحف بغداد
مع مجيء المغول الجدد. وبعضها أقرب إلينا بالزمن. تذكره ألسنٌ كثيرة ولم
يسبق لأصحابها أن أمسكتها أيديهم مثل "المجموعة الإحصائية لتسجيل عام 1957"
للعراق.
والمجلد الإحصائي المذكور الصادر عن وزارة الداخلية
لجمهورية العراق في بداية الستينيات بات وثيقة من الوثائق التي تعتمد عليها
إدعاءات معاصرة كثيرة. أهمها إدعاء البعض أن مدينة كركوك مثلاً كانت
تسكنها أغلبية من الأكراد في ذلك العام. وهو ما يستخدم ذريعة لضم كركوك
لإقليم كردستان العراق. لتصبح عاصمة له. بكل ما تحتويه من نفط وموارد. بعد
إجراء استفتاء حسب المادة 140 من الدستور العراقي في ظل الاحتلال الموضوع
من قبل اليهودي نوح فلدمان.
للوثائق أهمية معاصرة في الكثير من
الحالات. وفي مثل حالة إحصاء.1957 فإن للوثائق أهمية سياسية حاسمة خاصة
بالنسبة لمدينة عربية أصيلة مثل كركوك. فالوثائق ليست آثاراً فحسب. وليست
حكراً على هواة جمع الكتب القديمة. بل هي جزءٌ من واقعنا الراهن. كما
الماضي جزءٌ من الحاضر.
ولذلك قام أخي محمد أبو نصر الذي يعد تقرير
المقاومة العراقية بالإنجليزية يومياً منذ سنوات ببذل جهود مضنية للحصول
على نسخة أصيلة من إحصاء 1957 للعراق وتجدون صورة الغلاف مرفقة. كما تجدون
مرفقاً تصوير الصفحة 243 من المجلد الإحصائي. وهي تتضمن الجدول الخاص
بالتوزيع الديموغرافي لمدينة ولواء كركوك عام.1957 وقد قمت بنقل الجداول
أدناه وبحساب النسب المئوية لسكان مدينة ولواء كركوك حسب ذلك المسح السكاني
بناء على الانتماء العرقي. ووجدت بناءً عليه أن كل المزاعم المنشورة
والمكررة عن أغلبية كردية في مدينة كركوك عام 1957 لا أساس لها من الصحة.
وأن نسبة الأكراد من مجموع السكان في مدينة كركوك عام 1957 كانت الثلث فقط.
والثلث ليس أغلبية وأن تلك النسبة لم تكن حتى أغلبية نسبية!
ونرى
من الجدول أدناه أن مجموع سكان مدينة كركوك عام 1957 كان حوالي مئة وعشرين
ألف نسمة. منهم أربعون ألف شخصاً قالوا ان لغتهم الأم هي اللغة الكردية.
وهذه النسبة تمثل الثلث. ونجد بالمقابل أن حوالي خمساً وأربعين ألفاً قالوا
أن لغتهم الأم هي التركية. أي حوالي 37 أو ثماني وثلاثين بالمئة من
المجموع. وهذه أغلبية نسبية. ولكنها لا تعني على الإطلاق أن كركوك تركية
وليست عربية مثلاً. ناهيك عن كونها كردية!
أما إذا أخذنا لواء كركوك
ككل. أي في المدينة والريف. فإن نسبة الأكراد من المجموع كانت أقل من
النصف. وكانت الأغلبية للعرب والتركمان. فحتى لو أخذنا بمنطق الأغلبية
النسبية هنا. تبقى كركوك المدينة غير كردية. مع العلم ان طريقة تقسيم كركوك
اللواء إدارياً كانت تضم قرىً كردية إلى الشمال من كركوك وقتها. ولم
يمكننا التأكد بالضبط. محمد أبو نصر وأنا. كيف اختلفت طريقة تقسيم اللواء
بين عامي 1957 و.2007
الجدول الإحصائي للتوزيع العرقي لسكان كركوك المدينة وكركوك اللواء عام 1957:
على
كل حال، الإحصاءات ليست كل شيء والأهم منها هو التاريخ. فاليهود لهم
أغلبية مطلقة في فلسطين اليوم. مع الفارق بين اليهود الغزاة وإخواننا
الأكراد طبعاً. ولا يعني ذلك أبداً أن فلسطين يهودية.
والتاريخ يدل
بأن منطقتي كركوك والسليمانية بالتحديد كانتا تاريخياً منطقتين عربيتين
أصيلتين يسكنهما العرب. ولكن الأكراد دخلوهما تدريجياً. بترحيب من العرب.
واستقروا فيهما. هرباً من الاضطهاد الذي كانوا يعانونه في تركيا وإيران.
فأكراد شمال العراق أغلبهم أتى من تركيا وإيران، وآباؤهم وأجدادهم حديثو
العهد بالعراق. ولكن عرب العراق. كغيرهم من العرب الذين لم تكن بينهم وبين
الأكراد مشكلة يوماً. وما زالوا يعتزون بالناصر صلاح الدين الأيوبي وكل
رموز الأخوة العربية-الكردية. تعاملوا مع الأكراد تاريخياً بكل أريحية
فأصبحت مناطق شمال العراق مناطق تزاوج وتجاور ودي عبر العصور حتى جاءت
زعامات كردية بدأت تتعاون مع اليهود ومع شاه إيران للتآمر على العراق وعلى
مشروعه القومي من أجل تفكيك العراق وسورية وبقية الأمة العربية.
وكذلك
الوجود التركي في شمال العراق جاء خلال القرون الوسطى بعدما تقهقر سلطان
العرب وحكم الأتراك الخلافة. وكادت عروبة شمال العراق تتعرض للشطب. حتى
جاءت موجات من الجزيرة العربية في القرن الخامس عشر لتعيد للمنطقة عروبتها
الأصيلة. ولكن التواجد التركماني في شمال العراق بات في العصر الحديث
مكوناً أصيلاً من مكونات العراق التي تغنيه وتميزه من دون أن تتناقض مع
عروبته. فكل دول العالم. من الولايات المتحدة إلى الصين توجد فيها أقليات
من دون أن يعني ذلك نكران هويتها القومية. أو نكران حقوق الأقليات ما دامت
تعتبر نفسها جزءاً من نسيج الوطن لا عوناً للأجنبي عليه.
والحقيقة
أن مزاعم انتماء كركوك لكردستان غير صحيحة إحصائياً أو تاريخياً. وما يتم
الآن في كركوك وشمال العراق من تطهير عرقي للعرب والتركمان والأشوريين
والكلدان جزء لا يتجزأ أيضاً من نسيج العراق سوف يزرع أحقاداً تاريخية لا
يتحمل وزرها إلى بعض الزعامات الكردية المتعاونة مع الاحتلال.
العرب اليوم 29/10/2007
http://arab-nationalist.blogspot.com/2007_10_01_archive.html
كركوك في إحصاء 1957 كان ثلثها فقط من الأكراد
د. إبراهيم علوش
الوثائق
القديمة أكثر من مخزن للذاكرة الجمعية للأمم والشعوب. فهي معلم أثري وقيمة
جمالية لمن يقدرون الكتب والوثائق. وهي مصدرٌ لا غنى عنه للباحث والمؤرخ
ولمن يدرسون الحدث المنصرم وأشخاصاً مضوا أو دولاً بائدة. وهي أنواع: بعضها
مألوف ومعروف مثل كتب التراث العربي العريقة التي وضع كثيرٌ منها في بغداد
والبصرة. وبعضها طواه الزمن أو أغرقه المغول والتتر في دجلة والفرات.
وبعضها قديم قدم اختراع الحرف مثل ملحمة جلجامش. وبعضها سرق من متحف بغداد
مع مجيء المغول الجدد. وبعضها أقرب إلينا بالزمن. تذكره ألسنٌ كثيرة ولم
يسبق لأصحابها أن أمسكتها أيديهم مثل "المجموعة الإحصائية لتسجيل عام 1957"
للعراق.
والمجلد الإحصائي المذكور الصادر عن وزارة الداخلية
لجمهورية العراق في بداية الستينيات بات وثيقة من الوثائق التي تعتمد عليها
إدعاءات معاصرة كثيرة. أهمها إدعاء البعض أن مدينة كركوك مثلاً كانت
تسكنها أغلبية من الأكراد في ذلك العام. وهو ما يستخدم ذريعة لضم كركوك
لإقليم كردستان العراق. لتصبح عاصمة له. بكل ما تحتويه من نفط وموارد. بعد
إجراء استفتاء حسب المادة 140 من الدستور العراقي في ظل الاحتلال الموضوع
من قبل اليهودي نوح فلدمان.
للوثائق أهمية معاصرة في الكثير من
الحالات. وفي مثل حالة إحصاء.1957 فإن للوثائق أهمية سياسية حاسمة خاصة
بالنسبة لمدينة عربية أصيلة مثل كركوك. فالوثائق ليست آثاراً فحسب. وليست
حكراً على هواة جمع الكتب القديمة. بل هي جزءٌ من واقعنا الراهن. كما
الماضي جزءٌ من الحاضر.
ولذلك قام أخي محمد أبو نصر الذي يعد تقرير
المقاومة العراقية بالإنجليزية يومياً منذ سنوات ببذل جهود مضنية للحصول
على نسخة أصيلة من إحصاء 1957 للعراق وتجدون صورة الغلاف مرفقة. كما تجدون
مرفقاً تصوير الصفحة 243 من المجلد الإحصائي. وهي تتضمن الجدول الخاص
بالتوزيع الديموغرافي لمدينة ولواء كركوك عام.1957 وقد قمت بنقل الجداول
أدناه وبحساب النسب المئوية لسكان مدينة ولواء كركوك حسب ذلك المسح السكاني
بناء على الانتماء العرقي. ووجدت بناءً عليه أن كل المزاعم المنشورة
والمكررة عن أغلبية كردية في مدينة كركوك عام 1957 لا أساس لها من الصحة.
وأن نسبة الأكراد من مجموع السكان في مدينة كركوك عام 1957 كانت الثلث فقط.
والثلث ليس أغلبية وأن تلك النسبة لم تكن حتى أغلبية نسبية!
ونرى
من الجدول أدناه أن مجموع سكان مدينة كركوك عام 1957 كان حوالي مئة وعشرين
ألف نسمة. منهم أربعون ألف شخصاً قالوا ان لغتهم الأم هي اللغة الكردية.
وهذه النسبة تمثل الثلث. ونجد بالمقابل أن حوالي خمساً وأربعين ألفاً قالوا
أن لغتهم الأم هي التركية. أي حوالي 37 أو ثماني وثلاثين بالمئة من
المجموع. وهذه أغلبية نسبية. ولكنها لا تعني على الإطلاق أن كركوك تركية
وليست عربية مثلاً. ناهيك عن كونها كردية!
أما إذا أخذنا لواء كركوك
ككل. أي في المدينة والريف. فإن نسبة الأكراد من المجموع كانت أقل من
النصف. وكانت الأغلبية للعرب والتركمان. فحتى لو أخذنا بمنطق الأغلبية
النسبية هنا. تبقى كركوك المدينة غير كردية. مع العلم ان طريقة تقسيم كركوك
اللواء إدارياً كانت تضم قرىً كردية إلى الشمال من كركوك وقتها. ولم
يمكننا التأكد بالضبط. محمد أبو نصر وأنا. كيف اختلفت طريقة تقسيم اللواء
بين عامي 1957 و.2007
الجدول الإحصائي للتوزيع العرقي لسكان كركوك المدينة وكركوك اللواء عام 1957:
على
كل حال، الإحصاءات ليست كل شيء والأهم منها هو التاريخ. فاليهود لهم
أغلبية مطلقة في فلسطين اليوم. مع الفارق بين اليهود الغزاة وإخواننا
الأكراد طبعاً. ولا يعني ذلك أبداً أن فلسطين يهودية.
والتاريخ يدل
بأن منطقتي كركوك والسليمانية بالتحديد كانتا تاريخياً منطقتين عربيتين
أصيلتين يسكنهما العرب. ولكن الأكراد دخلوهما تدريجياً. بترحيب من العرب.
واستقروا فيهما. هرباً من الاضطهاد الذي كانوا يعانونه في تركيا وإيران.
فأكراد شمال العراق أغلبهم أتى من تركيا وإيران، وآباؤهم وأجدادهم حديثو
العهد بالعراق. ولكن عرب العراق. كغيرهم من العرب الذين لم تكن بينهم وبين
الأكراد مشكلة يوماً. وما زالوا يعتزون بالناصر صلاح الدين الأيوبي وكل
رموز الأخوة العربية-الكردية. تعاملوا مع الأكراد تاريخياً بكل أريحية
فأصبحت مناطق شمال العراق مناطق تزاوج وتجاور ودي عبر العصور حتى جاءت
زعامات كردية بدأت تتعاون مع اليهود ومع شاه إيران للتآمر على العراق وعلى
مشروعه القومي من أجل تفكيك العراق وسورية وبقية الأمة العربية.
وكذلك
الوجود التركي في شمال العراق جاء خلال القرون الوسطى بعدما تقهقر سلطان
العرب وحكم الأتراك الخلافة. وكادت عروبة شمال العراق تتعرض للشطب. حتى
جاءت موجات من الجزيرة العربية في القرن الخامس عشر لتعيد للمنطقة عروبتها
الأصيلة. ولكن التواجد التركماني في شمال العراق بات في العصر الحديث
مكوناً أصيلاً من مكونات العراق التي تغنيه وتميزه من دون أن تتناقض مع
عروبته. فكل دول العالم. من الولايات المتحدة إلى الصين توجد فيها أقليات
من دون أن يعني ذلك نكران هويتها القومية. أو نكران حقوق الأقليات ما دامت
تعتبر نفسها جزءاً من نسيج الوطن لا عوناً للأجنبي عليه.
والحقيقة
أن مزاعم انتماء كركوك لكردستان غير صحيحة إحصائياً أو تاريخياً. وما يتم
الآن في كركوك وشمال العراق من تطهير عرقي للعرب والتركمان والأشوريين
والكلدان جزء لا يتجزأ أيضاً من نسيج العراق سوف يزرع أحقاداً تاريخية لا
يتحمل وزرها إلى بعض الزعامات الكردية المتعاونة مع الاحتلال.
العرب اليوم 29/10/2007
http://arab-nationalist.blogspot.com/2007_10_01_archive.html