في بيت العلوجي
رباح آل جعفر
تاريخ النشر
06/11/2012 05:59 PMرباح آل جعفر
تاريخ النشر
الحرية .. كلمة
أنت لم تقرأ مكتبة العلوجي .. أنت لم تقرأ نصف الدنيا .
وكم كان سهلاً علينا أن نستعين بالمؤرخ والموسوعي الأستاذ عبد الحميد العلوجي بما نريد أن نستعين من أمور الحواشي والمذيلات في الكتب المطوية ، والذخائر والنفائس والفرائد ، وتصانيف الفقهاء والأدباء !.
كان رحمه الله أشبه بأبي عمرو بن العلاء الذي نقل عنه ياقوت الحموي ، إن دفاتره كانت ملء بيته إلى السقف !.
فعلى أيام كان ( علوجيّاً ) أخذ يبدّد رأس مال العلوة وأرباحها في شراء الكتب ، حتى تنامت لديه مكتبة هائلة بعشرات ألوف الكتب كأنها محراب من نور .
وكنّا نستعير من مكتبته عدداً من العناوين التي نرجعها بعد القراءة ، برغم أن ابن الخشّاب البغدادي كان إذا استعار من أحد كتاباً وطالبه به ، يقول : دخل بين الكتب فلا أقدر على ردّه !.
كان العلوجي مثقفاً ساخراً يتدفق لسانه بتلقائية محببة . سألته مرة عن أعز مؤلفاته الأربعين ؟.. فكان جوابه : ( مؤلفات ابن الجوزي ) .
لماذا ؟!.
لأنه سدّد عني دين الحداد الذي صنع أربعة شبابيك لإحدى غرف بيتي !. و ( الزوج المربوط ) لأنه أبكاني مع الباكين على رجولتهم !. و ( تاريخ الطب العراقي ) لأن المجمع العلمي العراقي تعامل مع هذا الكتاب كما لو أنه حذاء أبي القاسم الطنبوري في ليلة من ليالي شهرزاد !.
لم يكن العلوجي يهرب من ماضيه ، فهو متفق مع الفيلسوف اليوناني انكسارغوس بأنه ( لا يوجد شيء من العدم ) . وكان يقول إنه من أسرة لم تجتمع على مذهب فقهي واحد ، ونشأ في محلّة الجعيفر ببغداد ولم يعرف سوى المسجد والمقهى ، وتعلّم في الخامسة من عمره وكان معلمه الأول والده ( الملاّ ) عبد الكريم يتقن التركية والإنكليزية والفرنسية .. وفي مدرسة الكرخ الابتدائية كان من معلميه : المؤرخ ميخائيل عواد ، والفنان حافظ الدروبي . ثمّ لمّا أصبح طالباً في المرحلة الثانوية شاء والده برغبة قاهرة أن يمارس التجارة في ( علوة ) ومن يومها اشتهر عبد الحميد بلقب ( العلوجي ) .
وعندما بدأت الأمراض تنهش من جسده في العقد السابع من عمره ، وأخذت صحته بالتدهور، وأصيبت عيناه بالتقوّس ، ودمه بالسكر والضغط ، وكذلك أذنه بثقل في السمع ، ودبّت في أطرافه الرعشة ، وفمه بسقوط الأسنان ، فإنه ترك في عهدة ولده غسان كتاب مذكراته ( ذكريات ومطارحات ) بستمائة صفحة من الحجم المتوسط ، كتب أحداثه بصراحة توجع الأصدقاء وتغيظ الأعداء .. وكان يتمنى لو كان هناك من يرعى مشروعه الضخم ( الموسوعة القرآنية ) الذي شرع بكتابته منذ سنة 1952 بدلاً من أن يبقى محفوظاً في الصناديق المقفلة !.
يومها كان العلوجي يقول عن نفسه : إنه صار يماثل خراب البصرة بعد عدوان الزنج ، وأنه ينتظر رحلته الأبدية إلى عالم الغيب ، التي كان يرى أنها لن تكون مخيفة ، لأن ما زرعت يداه في الدنيا سيجني ثمره مثوىً كريماً عند رب غفور .
http://www.alnaspaper.com/inp/view.asp?ID=13828