انفجار المعرفة الهائل الذي يحياه عالمنا المعاصر يترك أثره المدهش على حال الانسان وتوازنه النفسي واستقراره العاطفي .. والذين يريدون الاستفادة من هذا الكم المعرفي المتزايد كي يستوعبوه ويتفاعلوا معه ليصب في صالح نهضة امتهم واوطانهم، يصابون باعياء شديد، وهم يلهثون وراء مطالعة مقال في صحيفة هنا، او دراسة في موقع على الشبكة هناك، او قراءة كتاب اصدره احد الناشرين في موقع ثالث. والحيرة التي تنتاب المرء تأتي من اشكالية لها جناحان:
الاول: تقاصر الاوقات والازمنة في زحمة الحياة وتنوع مطالباتها.
والثاني: حجم الانفجار المعرفي الهائل الذي نحياه.
ولعلاج هذه المعضلة الشاقة (قصر الاوقات وكثرة المعارف المطلوب الاطلاع عليها) كان لا بد من اعادة النظر في طريقة واسلوب وشكل المكتوب والمدون من المعارف والعلوم والنصوص، اعادة نظر تستهدف تبسيط طرق التدوين وتقنينها لتكون طرق الاطلاع عليها ايسر واكثر نفعا، وهذه ملاحظات ثمانية لدعم هذه الفكرة:
1 - الملاحظة الاولى: اختيار عناوين للمقالات والابحاث مناسبة ومنسجمة مع موضوعها: واضحة وصريحة، تحمل من المفاجأة والاثارة مقدار ما تحمل من الموضوعية والوضوح والغائية، فكلما كان الكاتب والباحث صادقا في نفع امته، تخلى عن الاعتبارات التجارية والترويجية المحضة، فحاول في كتابته ابتداء بعنوان مقاله او بحثه او كتابه، أن يعين القارئ على فهم ما يريد حتى لو كان الموضوع تذكيرا بما هو معلوم من امور الدين والدنيا، او اعادة لافكار سبق لاخرين الحديث عنها.
إن وضع عناوين صادقة واضحة تعين على معرفة مضمون البحث او الرسالة، هي من اولى وسائل زيادة الاتنفاع والفائدة، ومن اهم طرق علاج المعضلة الشاقة.
2 - الملاحظة الثانية: الاجتهاد في تقديم الجديد والمبتكر: إن حرية النشر والتأليف والكتابة، يجب ان تكون مصونة للجميع لا يستثنى منها احد، بل يجب تشجيع الناس على ذلك، ولكن هذه الحرية يجب ان تعضد بقاعدة بسيطة وهي ضرورة ان تكون الكتابة موضوعية قدر الطاقة والوسع، يلتزم بذلك الكاتب والناشر على حد سواء، اذ ليس صحيحا ان تسمح دور النشر لنفسها ان توزع ما لا يلتزم بالحد الأدنى من معايير الموضوعية، كما انه ليس مطلوبا من الصحف ان تطبع صفحات اكثر ما دامت لا تجد موادا تقدم نفعا وفائدة لقارئ، سوى المكافأة لكاتب المقال! واستهلاك مزيد من موارد وخامات الارض ورقا وحبرا و..!، كما انه ليس من حق ادارات مواقع الشبكة العنكبوتية حشو مواقعها لمجرد زيادة عدد الروابط واظهار عضلات المبرمجين والمديريين ..
انها دعوة لمزيد من حرية النشر مع التزام اهل النشر والتوزيع بحماية مستهلكيهم من هدر اموالهم - اوقاتهم بلا طائل .. ان جمعيات حماية المستهلك في بلاد العالم لا تقف عند حدود محاسبة مصنع لا يلتزم بانتاج مواد تحافظ على البيئة وتحقق مواصفات السلامة، بل يجب ان تتجاوز ذلك لتشمل دور النشر والتوزيع المختلفة فيما تبث بين ايدي الناس وامام أعينهم وعلى شاشاتهم، ويوم تتقاصر ادوار تلك الجمعيات فان نقابات المجتمع المدني وهيئاته قادرة على ردع المتاجرين بأوقات الناس وأموالهم عبر فضح ممارساتهم في الصحافة الحرة المتاحة للجميع.
3 - الملاحظة الثالثة: التزام أصول الكتابة: وللاعانة على حل معضلة قصر الاوقات - كثرة المعارف، لا بد ان يجتهد الكاتب في التزام الاصول والقواعد العامة في كتابة البحوث والمقالات والتي يمكن ان يتحقق الحد الادنى منها من خلال الترتيب العام الاساسي للمقدمة فالهدف ثم الاستعراض واخيرا الخلاصة والخاتمة مع ملحق المراجع ان وجدت، سواء كان البحث وصفيا او تحليليا او انشائيا.
4 - الملاحظة الرابعة: تفقير البحث: من خلال صياغة الموضوع على شكل فقرات محدودة الطول، تطرح كل فقرة فكرة او فكرتين بدون اطالة وبدون اشتباك، وان يكون للفقرة عنوان يحدد قدر الامكان روح الفقرة وخلاصتها.
5 - الملاحظة الخامسة: زيادة اعداد الفقرات المتسلسلة والمرقمة: اذ ان كثرة فقرات التعداد، ومحاولة الربط قدر الامكان بين اجزاء الموضوع واطرافه عبر المسلسلات، يساعد على سهولة القراءة وسرعة تمثل الافكار، ولعل المرء ليعجب ايما عجب وهو يقرأ مقالاً من عدة صفحات دون أي عنوان فرعي او تعداد لعوامل ونقاط توضح تواصل الافكار وارتباطها.
6 - الملاحظة السادسة: استخدام وسائل الايضاح الطباعية: كلما أكثر الكاتب – الطابع من وسائل الايضاح كلما افسح للقارئ سرعة القراءة وحسن الاختيار لما يريد ان يقرأه، ولعل من اهم وسائل الايضاح استخدام الكلمات المفتاحية، حيث تظهر تلك المفردات او الافكار ضمن المقال على شكل حرف غامق، او تحته خط، او بمقاس اكبر نسبيا ليتسنى للقارئ ان يلتقط ما يريد بسهولة اكثر.
7 - الملاحظة السابعة: استخدام المختصرات الجانبية: وهي فكرة تظهر اهميتها عند طباعة الكتب والمجلات حيث يبذل الناشر جهدا اضافيا ليدون على الطرف الايمن او الايسر للصفحة مختصرا للفكرة على طريقة الحواشي والمتون القديمة.
8 - الملاحظة الثامنة: استخدام الخطوط المناسبة: حيث يساعد استخدام الخط الواضح مقاسا وشكلا القارئ المتلهف على سرعة الانجاز والاطلاع، الامر الذي اصبح اسهل كثيرا في عصر برامج الكمبيوتر المناسبة.
خاتمة: هذه الملاحظات الثمانية تهدف إلى تطوير طرق الكتابة ونشر المقالات والابحاث والكتب حتى تسهل الاستفادة منها فتزداد معارفنا وتتصالح اوقاتنا مع هممنا القاصرة واعبائنا المتطاولة، فهل من مستجيب؟
منقول
حسين الفيلي