مذكرات جورج دبليو بوش:
كم تُرتَكب مجازر باسمكِ أيتها الديموقراطية
كم تُرتَكب مجازر باسمكِ أيتها الديموقراطية
في كتاب "مذكرات جورج دبليو بوش: قرارات مصيرية" الصادر عن "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر"، يقدم رئيس الولايات المتحدة الاميركية السابق مذكرات تختلط فيها السيرة الشخصية بالسيرة السياسية، يمر فيها على السنوات الثماني التي أمضاها في البيت الابيض، وشهدت اصعب المراحل في حياة الجمهورية منذ الحرب العالمية الثانية.
يصعب تصديق مذكرات لرئيس بلد مثل الولايات المتحدة، تتسم بالموضوعية والحياد. ولأن الكتاب يضم مواضيع شتى فقد جرى اختيار ثلاثة عناوين، شكلت مفاصل حاسمة في رئاسة بوش، هي: هجمات ايلول 2001، الحرب على افغانستان، الحرب على العراق.
"كان دمي يغلي. كنا سنكتشف من فعل هذا ونهزمه"، تلك كانت اولى كلمات بوش لدى اعلامه بالهجوم. يقدم رواية تتسم بالشجاعة في مواجهة الهجوم، عبر اتصاله بأركان ادارته، وتصميمه على العودة الى واشنطن، لكن القيادة العسكرية رفضت هذه العودة خوفا على حياته. في اكثر من عشرين صفحة يقدم بوش صورة عن رئيس يتحمل المسؤولية ويعاني من العذاب لما اصاب بلاده. لكن العودة الى وقائع تلك الفترة تشير الى الارتباك الذي اصابه واختفائه لفترة زمنية بحيث تساءل كثيرون عنه، ولماذا تأخر في مخاطبة الشعب الاميركي، كما روت بعض وسائل الاعلام الاميركية عن تأنيب والدته له على هذا الاختفاء. يعترف بوش بأن تكنولوجيا الاتصالات على طائرته كانت تعيسة، وانه كان يتلقى معلومات متناقضة وخاطئة احيانا. يقول: "في الحادي عشر من ايلول، كان واضحا ان اجهزة الاستخبارات قد فاتتها مسألة كبيرة. ازعجني الخطأ، وكنت اتوقع الحصول على تفسير، ولكني لم أعتقد انه من المناسب الاشارة الى مذنبين او القاء اللوم في وسط الازمة. كان قلقي المباشر يتعلق باحتمال وجود اعضاء آخرين من تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة".
ترتب على هجمات ايلول بروز نظرية لدى بوش وادارته تقول بالحرب الوقائية، القائمة على شن حرب استباقية على بلاد ترى الادارة الاميركية انها تشكل لاحقا تهديدا لأمن الولايات المتحدة: "وضعت ثلاثة اهداف في الايام التي تلت الهجمات. اولا، منع الارهابيين من الهجوم مرة اخرى. ثانيا، التوضيح للبلاد والعالم اننا نواجه نوعا جديدا من الحرب. وثالثا، مساعدة المناطق المصابة على التعافي والتأكد من ان الارهابيين لن ينجحوا في شل اقتصادنا او تقسيم مجتمعنا". استنادا الى هذه الاهداف، قرر بوش اسقاط نظام "طالبان" في افغانستان عبر احتلالها، واسقاط صدام حسين عبر احتلال العراق. لكن قبل تنفيذ هاتين المهمتين، اتخذ قرارات تمس الحريات الديموقراطية وتحد منها في الولايات المتحدة نفسها بحجة حماية الامن القومي.
اجتمع اركان الادارة الاميركية وفريق الامن القومي بعد ايام من هجمات ايلول واتخذوا قرارا بغزو افغانستان وانهاء حكم "طالبان" الذي كان الموئل الاساسي لتنظيم "القاعدة" ورئيسه اسامة بن لادن. تمكّن بوش من حشد تأييد دولي لخطوته ومشاركة عسكرية من بريطانيا واوستراليا، ودعم لوجستي من دول اخرى. اما المحور الاكثر اهمية فكانت تمثله باكستان التي كانت مؤيدة لـ"طالبان" و"القاعدة"، فأمكن تعديل مواقفها لصالح الحملة الاميركية على افغانستان. في لحظات اتخاذ القرار، خاطب العالم: "ان ردنا يشمل اكثر بكثير من لحظة انتقام وضربات معزولة. يجب على الاميركيين الاّ يتوقعوا معركة واحدة بل حملة طويلة خلافا لاي شيء شهدناه في اي وقت مضى. قد تشمل غارات دراماتيكية مرئية على شاشة التلفزيون، وعمليات سرية حتى بالنسبة لنجاحها. كل امة، في كل منطقة، عليها ان تتخذ قرارها الان. إما ان تكونوا معنا وإما ان تكونوا مع الارهابيين". كان بوش يرى ان ضرب "القاعدة" و"طالبان" وتحرير شعب افغانستان، امر ضروري وعادل، كان هناك خوف من امكان انهيار نظام باكستان، او من حدوث انتفاضات للمسلمين في العالم، او هجوم انتقامي على الارض الاميركية. لكن مخاوفه لم تتحقق، فقد انهار نظام "طالبان" بسرعة، وقام على انقاضه نظام جديد وتشكلت حكومة في رعاية الاحتلال الاميركي الدولي.
عندما يصل بوش الى الحديث عن اسباب احتلال العراق، يمكن استشفاف النفاق من اقواله، ومن الادعاءات التي ساقها للغزو، خصوصا تهمة امتلاك بغداد أسلحة الدمار الشامل. لم يولد التخطيط لغزو العراق بعد ضربة 11/9، بل في منتصف التسعينات حيث وضعت المراكز الاستراتيجية خططا لاحتلال اهم بلد يملك احتياطيا نفطيا. بعد 11/9 اصبح لدى بوش خطة يدعي انها تطال تدمير انظمة الطغيان: "ركزت سياستي في الاشهر الثمانية الاولى لي في منصبي على تشديد فرض العقوبات او ابقاء صدام في قوقعته. بعد ذلك جاءت ضربة 11/9 وكان علينا تجديد نظرتنا لكل تهديد في العالم. كانت هناك حكومات راعية للارهاب. وكان هناك اعداء ألدّاء لاميركا، وحكومات تتسم بالعداء وتهدد جيرانها. وكان هناك دول تنتهك المتطلبات الدولية وطغاة يقمعون شعوبهم.
وكان هناك انظمة تسعى الى الحصول على اسلحة الدمار الشامل. اجتمعت هذه التهديدات بكليتها في العراق". على رغم تبيان زيف ادعاءات وجود اسلحة دمار شامل قبل الغزو وبعده، ظل بوش مصرا على اقتناعاته بضرورة الغزو. كان الهدف الاساسي للغزو الهيمنة الاميركية على نفط العراق وتأمين عمل للشركات الاميركية، بعد ان يدمر الغزو البنى التحتية، وينهي موقع العراق في وصفه قوة اقليمية في المنطقة، وهي امور حقق الغزو منها الكثير.
المصدر - النهار اللبنانية
http://www.alwaleedonline.com/NewsDetails.aspx?ID=28095