دعوة للحياة فى ظلال القران
تلك الدعوة إنما هى تجربة سطرها واقع الحياة فى احدى القلوب المسلمة ، أدركت أهمية العيش بروح مسلمة تهيم فى جو الاطمئنان الى كلام الكريم الرحمن ، بعد أن تاهت روحها بالعديد من مراحل الحياة ، وتقاذفتها تجاربها المريرة
ان لتلك الحياة مذاق مختلف ، لا يدركه الا من افتقده بحياته يوم من الأيام ثم عاودته تلك النفس اللوامة الى الصراط المستقيم بعد أن حاد عنه
مذاق تهيم معه فى عالم من النور الفياض الذى سينير لك جميع دروب الحياة ودون سعى منك
مذاق تدركه فقط من شعرت التيه وتجرعت مرارة الذل والعبودية للحياة بدونه
لذا كان لابد من دعوة نطلقها حتى تبلغ عنان السماء ، دعوة نور ، ومشعل هداية الى الحياة فى ظلال القران الكريم على نهج الله المستقيم
دعوة الى من يبحثون عن الحياة – والحياة – بحق ... حياة الدارين الممتدة بوصال الى نبع فياض من السمو والكمال
************
فالقران الكريم هو كتاب هذه الأمة الحى ورائدها الناصح ، وأنه هو مدرستها ، التى تتلقى فيها دروس حياتها ، وان الله هو المربى .ولقد أراد الله سبحانه أن يكون هذا القران هو الرائد الحى الباقى بعد وفاة الرسول (ص) ، لقيادة أجيال هذه الامة ، وتربيتها واعدادها لدور القيادة الراشدة ، الذى وعدها به كلما اهتدت بهديه ، واستمسكت بعهدها معه ، واستمدت منهج حياتها كله من هذا القران ، واستعزت به ، واستعلت على جميع المناهج الأرضية الجاهلية
ان هذا القران ليس مجرد كلام يتلى ولكنه دستور شامل .. دستور للتربية ، كما ـأنه دستور للحياة العملية .. وقد تضمن بصفة خاصة تجارب الدعوة الايمانية من لدن ادم عليه السلام ..، وقدمها زادا للأمة المسلمة فى جميع أجيالها . تجاربها فى الأنفس ، وتجاربها فى واقع الحياة ، كى تكون الأمة المسلمة على بينة من طريقها ، وهى تتزود لها بهذا الزاد الضخم ، وذلك الرصيد المتنوع
ان هذا القران ينبغى أن يقرأ ، وأن يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعى .، وينبغى أن يتدبر على أنه توجيهات حية تتنزل اليوم لتعالج مسائل اليوم ، ولتنير الطريق الى المستقبل ، لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل ، أو على أنه سجل تحقيقه مضى ولن يعود ...ولن ننتفع بهذا القران حتى نقرأه ، لنتلمس عنده توجيهات حياتنا الواقعة ، فى يومنا وفى غدنا ، كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تتلقاه لتلتمس عنده التوجيه الحاضر فى شؤون حياتها الواقعة
ففى هذا القران نشهد صورة موحية من رعاية الله للجماعة المسلمة ، وهو يصنعها على عينيه ، ويربيها بمنهجه ، ويشعرها برعايته ، ويبنى فى الضمير الشعور الحى بوجوده سبحانه معها فى أخص خصائصها ، وأصغر شؤونها ، وأخفى طواياها ، وحراسته لها من كيد أعدائها خفية وظاهرة ، وأخذها فى حماه وكنفه وضمها الى لوائه وظله وتربية أخلاقها وعاداتها تربية تليق بالجماعة التى تنضوى الى كنف الله ، وتنتسب اليه .. وتؤلف حزبه فى الأرض وترفع لواءه لتعرف به فى الأرض جميعا
************
ان هذا القران أتى بتوجيهاته وأسسه لكى ينشأ الجماعة المسلمة الأولى ، وهذه التوجيهات والأسس هى ، هى ما تزال ضرورية لقيام الجماعة المسلمة فى كل زمان ومكان . وان المعركة التى خاضها القران ، هى المعركة ذاتها التى يمكن أن يخوضها فى كل زمان ومكان . لا بل ان اعداءها التقليدين الذين كانوا يواجههم القران ، ويواجه دسائسهم وكيدهم ومكرهم .. هم هم .. ووسائلهم هى هى ، تتغير أشكالها بتغير الملابسات ، وتبقى حقيقتها وطبيعتها
وتحتاج الامة المسلمة فى كفاحها وتوقيها الى توجيهات هذا القران ، حاجة الجماعة المسلمة الأولى ، كما تحتاج فى بناء تصورها الصحيح ، وادراك موقفها من الكون والناس الى ذات النصوص والتوجيهات ، وتجد فيها معالم طريقها واضحة ، ويظل القران كتاب هذه الأمة العامل فى حياتها ، وقائدها الحقيقى فى طريقها الواقعى .، ودستورها الشامل الكامل الذى تستمد منه منهج الحياة ، ونظام المجتمع وقواعد التعامل فى كل شىء ... وما يزال هذا المنهج الذى خرج ذلك الجيل وتلك القيادة على استعداد لتخريج أجيال وقيادات على مدار الزمان ، لو رجعت الأمة المسلمة الى هذا المعين ، ولو امنت حقا بهذا القران ، وجعلته منهجا للحياة ، لا كلمات تتلى باللسان لتطرب الاذان
ولقد سلك القران شتى السبل ، واتبع شتى الأساليب ليواجه شكوك القلب البشرى وانحرافاته وافاته ، ويأخذ عليها المسالك ، ويعالجها بكل أسلوب . وفى أساليب القران المتنوعة زاد للدعوة وللدعاة الى هذا الدين ، ويجب على الداعيةأن يرجع الى القران دائما ، فيشعر ان ربه يؤويه الى كنفه ، ويمسح على الامه ، ومتاعبه ، ويهدهده ، ويسرى عنه ويهون عليه مشقة ما يلقى من عنت الجاهلية ووئها وتطاولها ... فيفيض الله عليه بالثقة والطمأنينة ، وينسم عليه من أنسام الرعاية و اللطف والمودة
************
فالقران هو المدرسة الالهية ... انه من صانع القلوب ، وخالق كل شىء بقدر .، من هذه المدرسة الالهية يتخرج الدعاة المستجابون الموفقون ... تخلص نفوسهم لدعوة الله فلا تضن عليها بشىء ... ولا تحتجز دونها شىء ، لا الأرواح ولا الأموال ، ولا خلجات القلوب ، ولا ذوات الصدور .، وهى الحقيقة التى تستحيل بها النفوس ربانية بينما تعيش على الأرض ... موازينها هى موازين الله ، والقيم التى تعتز بها وتسابق اليها هى القيم التى تثق فى هذه الموازين
ان هذا القران يبنى عقيدة المسلم وتصوره وأخلاقه ومشاعره وأوضاعه ، الى جانب تعليم الجماعة المسلمة كل شىء عن طبيعة أعدائها ووسائلهم ، ويحذر من كيدهم ومكرهم ، ويوجههم الى المعركة معهم بقلوب مطمئنة وعيون مفتوحة ، وارادات محشودة ، ومعرفة بطبيعة المعركة وطبيعة الأعداء
لقد كان فى القران كل شىء .. وهو ما زال فيه كل شىء ، يخوض المعركة بالجماعة المسلمة فى كل جبهة ... يخوضها فى الضمائر والمشاعر ، حيث ينشأ فيها عقيدة جديدة ومعرفة بربها جديدة ، وتصورا للوجود جديدا ، ويقيم فيها موازين جديدة ، وينشىء اليها قيما جديدة ، ويستنقذ فطرتها من ركام الجاهلية .. ويمحو ملامح الجاهلية فى النفس والمجتمع ، وينشىء ويبث ملامح الاسلام الوضيئة الجديدة ... ثم يقودها فى المعركة مع أعدائها المتربصين بها فى الداخل والخارج . وهى على أتم استعداد للقائهم والتفوق عليهم بمتانة بنائها الداخلى الجديد : الاعتقادى والأخلاقى والاجتماعى والتنظيمى سواء
************
لقد ربى الله هذه الأمة بمنهج القران حتى وصلت الى المستوى الذى تؤمن فيه على دين الله . لا فى نفوسها وضمائرها فحسب ، ولكن فى حياتها ومعاشها فى هذه الأرض ، بكل ما يضطرب فى هذه الحياة من رغبات ومطامع ، وأهواء ومشارب ، وتصادم بين المصالح ، وجعلها كلها حزمة واحدة تؤدى دورا واحدا فى النهاية ، هو اعداد هذه الأمة بعقيدتها وتصوراتها وبمشاعرها واستجاباتها وبسلوكها وأخلاقها وبشريعتها ونظامها ، لأن تقوم على دين الله فى الأرض ولأن تتولى القوامة على البشر
وحقق الله ما يريد بهذه الأمة والله غالب على أمره ، وقامت فى واقع الحياة الأرضية تلك الصورة الوضيئة من دين الله فى واقع ، وتملك البشرية أن تترسمه فى كل وقت حين تجاهد لبلوغه فيعينها الله
لذلك يجب أن نعيش فى جو القران ، وان الحياة فى جو القران ، لا تعنى مجرد دراسته وقراءته ، والاطلاع على علومه ... ان هذا ليس جو القران ، ان الحياة فى جو القران ، هو أن يعيش الانسان فى جو وفى ظروف وفى حركة وفى معاناة وفى صراع وفى اهتمامات ... كالتى كان يتنزل فيها هذا القران .. أن يعيش الانسان ، فى مواجهة هذه الجاهلية ، التى تعم وجه الأرض اليوم ، وفى قلبه ، وفى همه وفى حركته ، ان ينشىء الاسلام فى نفسه وفى نفوس الناس ، وفى حياته ، وفى حياة الناس ، والذين لا يعيشون فى مثل هذا الجو معزولون عن القران ، مهما استغرقوا فى مدارسته وقراءته والاطلاع على علومه
************
ولكن ستظل هنالك فجوة عميقة بيننا وبين القران ما لم نتمثل فى حسنا ، ونستحضر فى تصورنا أن هذا القران خوطبت به أمة حية ، ذات وجود حقيقى ،، ووجهت به أحداث واقعية فى حياة هذه الأمة ،، ووجهت به حياة انسانية حقيقية فى هذه الأرض ؛ وأديرت به معركة ضخمة فى داخل النفس البشرية وفى رقعة من الأرض كذلك .. معركة تموج بالتطورات والانفعالات والاستجابات
وسيظل هنالك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القران ، طالما نحن نتلوه أو نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة ، لا علاقة لها بواقعيات الحياة البشرية اليومية التى تواجه هذا الخلق المسمى بالانسان ، والتى تواجه هذه الأمة المسماة بالمسلمين ! بينما هذه الايات نزلت لتواجه نفوسا ووقائع وأحداث حية ، ذات كينونة واقعية حية ؛ ووجهت بالفعل تلك النفوس والوقائع والأحداث توجيها واقعيا حيا ، نشأ عنه وجود ، ذو خصائص فى حياة الانسان بصفة عامة ، وفى حياة الأمة المسلمة بوجه خاص
************
فلنعد الى هذا القران الذى يصفه الله لنا
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم
ما أحوجنا نحن الان أن ندرك هذه الحقيقة والجاهلية من حولنا ومن بيننا تذيق البشرية الويلات .. من كل ألوان الحرب فى الضمائر والمجتمعات قرونا بعد قرون ... ما أحوجنا نحن الذين عشنا فى هذا السلام فى فترة من تاريخنا ثم خرجنا من السلام الى الحرب التى تحطم أرواحنا وقلوبنا ، وتحطم أخلاقنا وسلوكنا ، وتحطم مجتمعاتنا وشعوبنا ... بينما نملك الدخول فى السلم الذى منحه الله لنا فى ظل القران حين نتبع رضوانه ونرضى لأنفسنا ما رضيه الله لنا
وأخيرا ان الحياة فى ظلال القران نعمة ، نعمة لا يعرفها الا من ذاقها ، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه ، أما ان لنا أن تدرك تلك النعمة نفوسنا وتنعم بها حياتنا
************
تلك الدعوة إنما هى تجربة سطرها واقع الحياة فى احدى القلوب المسلمة ، أدركت أهمية العيش بروح مسلمة تهيم فى جو الاطمئنان الى كلام الكريم الرحمن ، بعد أن تاهت روحها بالعديد من مراحل الحياة ، وتقاذفتها تجاربها المريرة
ان لتلك الحياة مذاق مختلف ، لا يدركه الا من افتقده بحياته يوم من الأيام ثم عاودته تلك النفس اللوامة الى الصراط المستقيم بعد أن حاد عنه
مذاق تهيم معه فى عالم من النور الفياض الذى سينير لك جميع دروب الحياة ودون سعى منك
مذاق تدركه فقط من شعرت التيه وتجرعت مرارة الذل والعبودية للحياة بدونه
لذا كان لابد من دعوة نطلقها حتى تبلغ عنان السماء ، دعوة نور ، ومشعل هداية الى الحياة فى ظلال القران الكريم على نهج الله المستقيم
دعوة الى من يبحثون عن الحياة – والحياة – بحق ... حياة الدارين الممتدة بوصال الى نبع فياض من السمو والكمال
************
فالقران الكريم هو كتاب هذه الأمة الحى ورائدها الناصح ، وأنه هو مدرستها ، التى تتلقى فيها دروس حياتها ، وان الله هو المربى .ولقد أراد الله سبحانه أن يكون هذا القران هو الرائد الحى الباقى بعد وفاة الرسول (ص) ، لقيادة أجيال هذه الامة ، وتربيتها واعدادها لدور القيادة الراشدة ، الذى وعدها به كلما اهتدت بهديه ، واستمسكت بعهدها معه ، واستمدت منهج حياتها كله من هذا القران ، واستعزت به ، واستعلت على جميع المناهج الأرضية الجاهلية
ان هذا القران ليس مجرد كلام يتلى ولكنه دستور شامل .. دستور للتربية ، كما ـأنه دستور للحياة العملية .. وقد تضمن بصفة خاصة تجارب الدعوة الايمانية من لدن ادم عليه السلام ..، وقدمها زادا للأمة المسلمة فى جميع أجيالها . تجاربها فى الأنفس ، وتجاربها فى واقع الحياة ، كى تكون الأمة المسلمة على بينة من طريقها ، وهى تتزود لها بهذا الزاد الضخم ، وذلك الرصيد المتنوع
ان هذا القران ينبغى أن يقرأ ، وأن يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعى .، وينبغى أن يتدبر على أنه توجيهات حية تتنزل اليوم لتعالج مسائل اليوم ، ولتنير الطريق الى المستقبل ، لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل ، أو على أنه سجل تحقيقه مضى ولن يعود ...ولن ننتفع بهذا القران حتى نقرأه ، لنتلمس عنده توجيهات حياتنا الواقعة ، فى يومنا وفى غدنا ، كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تتلقاه لتلتمس عنده التوجيه الحاضر فى شؤون حياتها الواقعة
ففى هذا القران نشهد صورة موحية من رعاية الله للجماعة المسلمة ، وهو يصنعها على عينيه ، ويربيها بمنهجه ، ويشعرها برعايته ، ويبنى فى الضمير الشعور الحى بوجوده سبحانه معها فى أخص خصائصها ، وأصغر شؤونها ، وأخفى طواياها ، وحراسته لها من كيد أعدائها خفية وظاهرة ، وأخذها فى حماه وكنفه وضمها الى لوائه وظله وتربية أخلاقها وعاداتها تربية تليق بالجماعة التى تنضوى الى كنف الله ، وتنتسب اليه .. وتؤلف حزبه فى الأرض وترفع لواءه لتعرف به فى الأرض جميعا
************
ان هذا القران أتى بتوجيهاته وأسسه لكى ينشأ الجماعة المسلمة الأولى ، وهذه التوجيهات والأسس هى ، هى ما تزال ضرورية لقيام الجماعة المسلمة فى كل زمان ومكان . وان المعركة التى خاضها القران ، هى المعركة ذاتها التى يمكن أن يخوضها فى كل زمان ومكان . لا بل ان اعداءها التقليدين الذين كانوا يواجههم القران ، ويواجه دسائسهم وكيدهم ومكرهم .. هم هم .. ووسائلهم هى هى ، تتغير أشكالها بتغير الملابسات ، وتبقى حقيقتها وطبيعتها
وتحتاج الامة المسلمة فى كفاحها وتوقيها الى توجيهات هذا القران ، حاجة الجماعة المسلمة الأولى ، كما تحتاج فى بناء تصورها الصحيح ، وادراك موقفها من الكون والناس الى ذات النصوص والتوجيهات ، وتجد فيها معالم طريقها واضحة ، ويظل القران كتاب هذه الأمة العامل فى حياتها ، وقائدها الحقيقى فى طريقها الواقعى .، ودستورها الشامل الكامل الذى تستمد منه منهج الحياة ، ونظام المجتمع وقواعد التعامل فى كل شىء ... وما يزال هذا المنهج الذى خرج ذلك الجيل وتلك القيادة على استعداد لتخريج أجيال وقيادات على مدار الزمان ، لو رجعت الأمة المسلمة الى هذا المعين ، ولو امنت حقا بهذا القران ، وجعلته منهجا للحياة ، لا كلمات تتلى باللسان لتطرب الاذان
ولقد سلك القران شتى السبل ، واتبع شتى الأساليب ليواجه شكوك القلب البشرى وانحرافاته وافاته ، ويأخذ عليها المسالك ، ويعالجها بكل أسلوب . وفى أساليب القران المتنوعة زاد للدعوة وللدعاة الى هذا الدين ، ويجب على الداعيةأن يرجع الى القران دائما ، فيشعر ان ربه يؤويه الى كنفه ، ويمسح على الامه ، ومتاعبه ، ويهدهده ، ويسرى عنه ويهون عليه مشقة ما يلقى من عنت الجاهلية ووئها وتطاولها ... فيفيض الله عليه بالثقة والطمأنينة ، وينسم عليه من أنسام الرعاية و اللطف والمودة
************
فالقران هو المدرسة الالهية ... انه من صانع القلوب ، وخالق كل شىء بقدر .، من هذه المدرسة الالهية يتخرج الدعاة المستجابون الموفقون ... تخلص نفوسهم لدعوة الله فلا تضن عليها بشىء ... ولا تحتجز دونها شىء ، لا الأرواح ولا الأموال ، ولا خلجات القلوب ، ولا ذوات الصدور .، وهى الحقيقة التى تستحيل بها النفوس ربانية بينما تعيش على الأرض ... موازينها هى موازين الله ، والقيم التى تعتز بها وتسابق اليها هى القيم التى تثق فى هذه الموازين
ان هذا القران يبنى عقيدة المسلم وتصوره وأخلاقه ومشاعره وأوضاعه ، الى جانب تعليم الجماعة المسلمة كل شىء عن طبيعة أعدائها ووسائلهم ، ويحذر من كيدهم ومكرهم ، ويوجههم الى المعركة معهم بقلوب مطمئنة وعيون مفتوحة ، وارادات محشودة ، ومعرفة بطبيعة المعركة وطبيعة الأعداء
لقد كان فى القران كل شىء .. وهو ما زال فيه كل شىء ، يخوض المعركة بالجماعة المسلمة فى كل جبهة ... يخوضها فى الضمائر والمشاعر ، حيث ينشأ فيها عقيدة جديدة ومعرفة بربها جديدة ، وتصورا للوجود جديدا ، ويقيم فيها موازين جديدة ، وينشىء اليها قيما جديدة ، ويستنقذ فطرتها من ركام الجاهلية .. ويمحو ملامح الجاهلية فى النفس والمجتمع ، وينشىء ويبث ملامح الاسلام الوضيئة الجديدة ... ثم يقودها فى المعركة مع أعدائها المتربصين بها فى الداخل والخارج . وهى على أتم استعداد للقائهم والتفوق عليهم بمتانة بنائها الداخلى الجديد : الاعتقادى والأخلاقى والاجتماعى والتنظيمى سواء
************
لقد ربى الله هذه الأمة بمنهج القران حتى وصلت الى المستوى الذى تؤمن فيه على دين الله . لا فى نفوسها وضمائرها فحسب ، ولكن فى حياتها ومعاشها فى هذه الأرض ، بكل ما يضطرب فى هذه الحياة من رغبات ومطامع ، وأهواء ومشارب ، وتصادم بين المصالح ، وجعلها كلها حزمة واحدة تؤدى دورا واحدا فى النهاية ، هو اعداد هذه الأمة بعقيدتها وتصوراتها وبمشاعرها واستجاباتها وبسلوكها وأخلاقها وبشريعتها ونظامها ، لأن تقوم على دين الله فى الأرض ولأن تتولى القوامة على البشر
وحقق الله ما يريد بهذه الأمة والله غالب على أمره ، وقامت فى واقع الحياة الأرضية تلك الصورة الوضيئة من دين الله فى واقع ، وتملك البشرية أن تترسمه فى كل وقت حين تجاهد لبلوغه فيعينها الله
لذلك يجب أن نعيش فى جو القران ، وان الحياة فى جو القران ، لا تعنى مجرد دراسته وقراءته ، والاطلاع على علومه ... ان هذا ليس جو القران ، ان الحياة فى جو القران ، هو أن يعيش الانسان فى جو وفى ظروف وفى حركة وفى معاناة وفى صراع وفى اهتمامات ... كالتى كان يتنزل فيها هذا القران .. أن يعيش الانسان ، فى مواجهة هذه الجاهلية ، التى تعم وجه الأرض اليوم ، وفى قلبه ، وفى همه وفى حركته ، ان ينشىء الاسلام فى نفسه وفى نفوس الناس ، وفى حياته ، وفى حياة الناس ، والذين لا يعيشون فى مثل هذا الجو معزولون عن القران ، مهما استغرقوا فى مدارسته وقراءته والاطلاع على علومه
************
ولكن ستظل هنالك فجوة عميقة بيننا وبين القران ما لم نتمثل فى حسنا ، ونستحضر فى تصورنا أن هذا القران خوطبت به أمة حية ، ذات وجود حقيقى ،، ووجهت به أحداث واقعية فى حياة هذه الأمة ،، ووجهت به حياة انسانية حقيقية فى هذه الأرض ؛ وأديرت به معركة ضخمة فى داخل النفس البشرية وفى رقعة من الأرض كذلك .. معركة تموج بالتطورات والانفعالات والاستجابات
وسيظل هنالك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القران ، طالما نحن نتلوه أو نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة ، لا علاقة لها بواقعيات الحياة البشرية اليومية التى تواجه هذا الخلق المسمى بالانسان ، والتى تواجه هذه الأمة المسماة بالمسلمين ! بينما هذه الايات نزلت لتواجه نفوسا ووقائع وأحداث حية ، ذات كينونة واقعية حية ؛ ووجهت بالفعل تلك النفوس والوقائع والأحداث توجيها واقعيا حيا ، نشأ عنه وجود ، ذو خصائص فى حياة الانسان بصفة عامة ، وفى حياة الأمة المسلمة بوجه خاص
************
فلنعد الى هذا القران الذى يصفه الله لنا
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم
ما أحوجنا نحن الان أن ندرك هذه الحقيقة والجاهلية من حولنا ومن بيننا تذيق البشرية الويلات .. من كل ألوان الحرب فى الضمائر والمجتمعات قرونا بعد قرون ... ما أحوجنا نحن الذين عشنا فى هذا السلام فى فترة من تاريخنا ثم خرجنا من السلام الى الحرب التى تحطم أرواحنا وقلوبنا ، وتحطم أخلاقنا وسلوكنا ، وتحطم مجتمعاتنا وشعوبنا ... بينما نملك الدخول فى السلم الذى منحه الله لنا فى ظل القران حين نتبع رضوانه ونرضى لأنفسنا ما رضيه الله لنا
وأخيرا ان الحياة فى ظلال القران نعمة ، نعمة لا يعرفها الا من ذاقها ، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه ، أما ان لنا أن تدرك تلك النعمة نفوسنا وتنعم بها حياتنا
************