عندما يصبح الماضي سلعة متداولة للحاضر
احمد صبري*
اعادنا مسلسل ساهر الليل الذي يعرض حاليا الى اجواء الثاني من اب بكل مراراته وتداعياته وما احدثه من تصدعات في مسار العلاقة بين شعبي العراق والكويت .
وتوقيت عرض المسلسل ليس في محله ويثير التساؤل لانه جاء في وقت يسعى البلدان فيه الى تجاوز اثار الماضي وطي صفحته المريرة والعمل على اعادة بناء الثقة بينهما
والانشغال بالماضي بهذه الطريقة بتكريسه كسلعة متداولة للحاضر رغم مرور اكثر من عقدين على الاجتياح العراقي للكويت لن يصب في مصلحة البلدين
فبدلا من شحن الشارع الكويتي وتعبئته بهذه الطريقة المثيرة واستفزاز الطرف الاخر كان الاجدر بالقائمين على هذا العمل ان يكرسوا ذلك العمل الى مناسبة لفتح صفحة جديدة والسمو على ا لجراح والتطلع الى المستقبل خصوصا وان ما حل بالعراق بعد اجتياحه للكويت كان كارثة بكل المقاييس مازالت متواصلة
فقد اعترف العراق بالكويت وترسيم الحدود معها واقر بمبدأ التعويضات وفرض عليه حصارا دام اكثر من عقد وصولا الى احتلاله عام 2003
ومابين الثاني من اب 1990 والتاسع من نيسان 2003 فاصلة تاريخية شهدت ارتدادات ذلك اليوم الذي تحمل العراق وحده نتائجه الكارثية خصوصا الحصار الذي حصد ارواح نحو مليون عراقي على مدى سنواته العجاف فضلا عن تدمير بنيته التحتية بكل مفاصلها خلال حرب الخليج الثانية عام 1991
ورغم ما اصاب العراق بعد احتلاله من تدمير وانهيار الدولة ومؤسساتها ومفاصلها والفوضى والعنف الطائفي الذي اعقب الاحتلال الذي حصد هو الاخر ارواح مئات الالاف من ابناءه نقول هل يكفي ماجرى للعراق وهل سيبقى يدفع الثمن من دون مراعاة لتنفيذه جميع القرارات التي ترتبت على غزوه للكويت لاسيما التعويضات التي دفع منها نحو 30 مليار دولار من اصل المبلغ الكلي المترتب عليه الذي يربو على الخمسين مليار دولار نقول هل يكفي ذلك لطمئنة اخوتنا بالكويت حتى يخرج العراق من طائلة الفصل السابع الذي بموجبه جرى تدمير العراق وقتل ابنائه وهدر امواله وفرض الحصار الجائر عليهم
ان الموقف المسؤول لمعالجة تركة الثاني من اب يتطلب الاقلاع عن سياسة الانشغال بالماضي ومراراته وتكريسه لاستذكار الام ومآسي ذلك اليوم لانه سيبقى الجرح مفتوحا ويفشل اي محاولة جادة لبناء الثقة بين الشعبين الشقيقين وطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تستند الى المصالح المشتركة وعرى الاخوة والمصير المشترك
ومن دون مراعاة اشتراطات مغادرة الماضي فستبقى اجواء وارتدادات الثاني من اب تخيم على مسار العلاقة بين القطرين الشقيقين وتمنع اي محاولة مخلصة لتضميد الجراح والخروج من دائرة القلق والخوف وعدم الثقة
ومايحيط بالبلدين من مخاطر وتحديات يستدعي منهما قرارات جريئة تخرجهما من دائرة التردد لمواجهة استحقاقات المرحلة التي يمر بها الاقليم العربي التي تستوجب مواجهة الاطماع الخارجية بالتمسك بثوابت الامن القومي العربي الذي فقد اهم عناصره وهو وحدة الموقف العربي في مواجهة التحديات والاطماع الخارجية التي استهدفت ومازالت الارادة ومصادرة قرارها المستقل.
http://www.alwaleedonline.com/NewsDetails.aspx?ID=27707