عثرات أولمبية وشيكة الوقوع
ملامح الفشل والإخفاق في دورة الألعاب الاولمبية بلندن
ملامح الفشل والإخفاق في دورة الألعاب الاولمبية بلندن
كاظم فنجان الحمامي
كانت
صدمة كبيرة لنا جميعا, عندما خرجت فرقنا العربية من اولمبياد بكين عام
2008, مدحورة مهزومة خائبة منكسرة, ولولا الميدالية الذهبية التي أحرزها
السباح التونسي أسامة الملولي, والميدالية الذهبية الأخرى التي أحرزها
البحريني رشيد رمزي, لقلنا إننا أخفقنا كعادتنا في كل دورة, وخرجنا من
المولد بلا حمص, في حين حققت ترينداد الدولة الفقيرة الصغيرة الضعيفة من
الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية في دورة واحدة ما لم تحققه الأقطار
العربية كلها في تلك الدورة, فتألمت كثيرا على هذا الفشل الرياضي الذريع,
وحزنت حزنا شديدا لأننا لم نصل إلى منصات التتويج مثل بقية الشعوب والأمم,
ولم تُعزف أناشيدنا الوطنية في الإستاد الأولمبي ببكين إلا مرتين فقط. .
كنت
في حينها مهووسا بكتابة المقامات الأدبية الساخرة, على غرار مقامات
الهمداني والحريري, فكتبت مقامتي الأولمبية قبل أربعة أعوام, وتوقعت فيها
تكرار الفشل في اولمبياد لندن في ظل الرعاية الرياضية المفقودة, وسوء
التخطيط المحلي والإقليمي بعد أن أناطوا دفة الأمور بأناس لا شأن لهم
بالرياضة, وتردي مستوى الأداء الفردي والجماعي, والاعتماد في الترشيح على
المحاباة والاختيارات العشوائية المنحازة والعلاقات الانتهازية, واضمحلال
الروح الرياضية, وغياب المناهج المستقبلية المدروسة, وضعف الاهتمام
بالمشاركات الدولية, وانشغال اتحاداتنا الرياضية بالأمور السطحية التافهة,
فجاءت نتائجنا مخيبة للآمال, ومتوافقة تماما مع تخلفنا الرياضي.
لابد لنا من الوقوف وقفة إجلال واحترام وتقدير واعتزاز لأبطال دورة روما
1960 فنبدأ بالعراقي عبد الواحد عزيز, والمغربي راضي بن عبد السلام,
والسوري عثمان السيد, والمصري عبد المنعم الجندي, ولابد لنا من تقبيل جباه
الأبطال العرب الذين رفعوا رؤوسنا في الدورات الاولمبية اللاحقة, نذكر منهم
المصري أحمد سليم, واللبناني محمد الطرابلسي, والمغربي سعيد عويطة,
والتونسي محمد القمودي, ونوال المتوكل, وهشام الكروج, وحسنة بولمرقة, وغادة
شعاع, ونورية بنبدا, وإبراهيم مصطفى, وأشرف أمجد الصيفي, وإبراهيم بوطيب,
وخالد السكاح, وحسناء بنحسي, وبمناسبة قرب انطلاق دورة الألعاب الاولمبية,
التي ستقام في لندن في موعدها المقرر من 27 تموز (يوليو) إلى 18 آب
(أغسطس), أحببت أن استذكر معكم مقامات آخر الزمان, وعلى وجه التحديد
المقامة الأولمبية, التي كتبتها عام 2008, وقلت فيها:-
حدثنا
صابر بن حيران . قال : كنت ببكين وقت الأولمبياد قادما من بغداد. وكان
شعار التنين والنيران, مطبوعا في كل مكان, وعلى القبعات والقمصان والجدران
والحيطان. فتوزعت اللافتات من بكين إلى سور الصين. ومن قينجداو إلى
تيانجين. وغطت الساحات والميادين. ونُشرت على مبنى اللجنة الأولمبية,
والمطاعم الشعبية, والقاعات الرياضية. .
ففي
اليوم الثامن, من الشهر الثامن, من العام الثامن, في الألفية الجديدة,
بدأت الألعاب في المدينة السعيدة, فشغلت الصالات الفريدة, وبذلت الصين ما
لديها من مساعي, فأطلقت قمرها الصناعي, لنقل البث التلفزيوني والإذاعي, إلى
المشاهد الغافل والواعي, ورحت أتجول في ملعب عش الطائر, وأتقصى تلك
الزخارف والمناظر, فاندهشت من ذلك التأثيث الهندسي الفاخر, والتنظيم
الاستعراضي الباهر. وكان الملعب من تصميم الفنان (آي) , من أبناء مدينة
شنغهاي,
المشهورة بزراعة القطن والشاي. وهو بكلفة ثلاثة مليارات (يوان), وتساوي
ضعف عدد السكان. وكان من أروع ما صممه الإنسان, على مر العصور والأزمان,
وعلمت بأن أكثر من عشرة آلاف من اللاعبين واللاعبات, والمتنافسين
والمتنافسات, وفدوا من وراء البحار والقارات, ليحصدوا الأوسمة والميداليات,
التي بلغ عددها ثلاثمائة وأثنين, مصنوعة من الذهب اللجين, ومخصصة للألعاب
الفردية, والفرق الزوجية, والمباريات الجماعية. .
صابر بن حيران : وبدأت الألعاب, وبانت فتوة الشباب, فأثارت الغبار
والعباب, بين الخصوم والأحباب. بمشاركة البنين والبنات, من كل الأعمار
والفئات, وجميع الأقطار والجنسيات, وبحضور بوش ملك النكبات والمصائب, وصانع
الدمار والخرائب. واستحوذ المتنافسون على معظم الميداليات, واستحقوا
الهدايا والشارات, والرموز والعلامات, والشهادات والامتيازات. وعزفت
الأناشيد الوطنية, وتعالت الأهازيج التشجيعية, والصيحات الحماسية, وارتفعت
الأعلام الدولية. وتقهقرت الفرق العربية. وتفجرت العزيمة الجامايكية,
فحطمت الأرقام القياسية.
ولمع اسم (فيلبس) في الساحة, وبرع في ألعاب
السباحة. واستمتع بقضم التفاحة. وكسب في عمره الرياضي, ما كسبه العرب في
الحاضر والماضي, واستمر الصراع والكفاح, فتحقق الفوز والنجاح. لكل من جاهد
في المساء والصباح. أما نحن فخرجنا مهزومين كالعادة, على الرغم من مشاركة
صاحب السعادة, في مسابقة الرماية والسدادة. وكانت حصة العرب ذهبيتين, حصلت
عليها تونس والبحرين, وعادت الوفود العربية بخفي حنين. وتقدمت علينا توباغو
وترينيداد, على الرغم من كثرة نفوسنا في
التعداد, لكننا فشلنا في صناعة الأمجاد, ولم نفلح في هذا الحصاد, فبكيت من
الفرح بعد فوز الملولي أسامة, ونجاح رشيد رمزي القادم من المنامة. ونحمد
الله على السلامة, ولاذ وزراء الرياضة بالصمت المطبق, وتعللوا بالكلام
المنمق, والتحليل الملفق, والتصرف الأخرق, لتبرير تواجدهم في الصين من أجل
التسوق. ولم يخجلوا من التعثر الفاضح, والفشل الواضح. وخاب أمل الجاهل
والعاقل, والانتهازي والمناضل, في تلك الميادين والمحافل. وكان من المحتمل
أن نتجنب الهزيمة, ونحظى بالغنيمة, لو كانت الألعاب في البطالة والتسكع,
والتبذير في التبضع, والتخلف والتقوقع,
واللهو والتمتع, فنحن أبطال الفيديو كليب بلا منازع, وألعاب القمار من غير
رادع أو وازع , وأكل الهمبرغر والكوارع, والتشفيط في الشوارع, فقررت
الرحيل والفرار, والعودة إلى الديار, فوصلت المطار, ودخلت قاعة الانتظار.
وإذا رجل خليجي محتار. فرفع عقيرته, وأنشأ يقول :
لقد أســـمعت لو ناديت حيـــاً
ولكــن لا حيـــاة لمـن تنــادي
ولو ناراً نفخت بها أضـــاءت
ولــكن أنـــت تنفــخ في رمــاد
ولكــن لا حيـــاة لمـن تنــادي
ولو ناراً نفخت بها أضـــاءت
ولــكن أنـــت تنفــخ في رمــاد
قال
صابر بن حيران : وَنَظَرْتُ فإِذَا هُوَ العم أبو راشد النجدي, فقلت له:
نحن لا نملك عدّة غير الدعاء, ولا حيلة غير البكاء, ولا عصمة غير الرجاء,
فقد ضاعت علينا في بكين الفرصة, وهذه كل الحكاية والقصة, التي جلبت لنا
الحسرة والغصة. وسوف يتكرر المشهد بعد أربعة أعوام, عندما نشارك في
أولمبياد لندن مع بقية الأقوام. وسنضيع في ذلك الزحام, وذلك بسبب غياب
التخطيط والاهتمام, والعيش في قفص الأحلام . .
منقول