نصر طه مصطفىمسلسل (عمر) والربيع العربي الأول..
نصر طه مصطفى
سيظل الفن أروع أساليب توصيل الأفكار والقيم وأجمل وسائل التعبير
عن مكارم الأخلاق وأعظم عوامل التقارب الإنساني، فهذه المعاني تبرز دوما
عند متابعة كل عمل فني على مستوى راق سواء كان عربيا أم عالميا... وأظن
أننا محظوظين في شهر رمضان الحالي بعرض المسلسل التاريخي (عمر) الذي يروي
سيرة ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ومن خلاله نطل على كل جوانب
الحياة العامة في ذلك العصر منذ ما قبل البعثة النبوية وبالتأكيد حتى
استشهاد ذلك الحاكم العادل الذي لا مثيل له في التاريخ الإنساني عامة
والتاريخ الإسلامي خاصة... ومتعة هذا العمل الدرامي التاريخي تتعزز بعدة
عوامل أولها الإنتاج الضخم والسخي الذي بذلتاه مؤسستا تلفزيون قطر و(إم بي
سي) السعودية لإخراجه بالشكل الذي يليق بأمة عظيمة وبشخصية خالدة كشخصية
عمر رضي الله عنه... وثانيها بنص أكثر من رائع لباحث وكاتب ومؤرخ وسيناريست
متميز هو الدكتور وليد سيف الذي أعطى التلفزيون العربي أجمل النصوص
التاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي والسلسلة الأندلسية صقر قريش وربيع قرطبة
وملوك الطوائف وغيرها من الروائع التي أثرت الدراما التاريخية وفتحت عيون
أجيال جديدة على تاريخها بإيجابياته وسلبياته... وثالثها بإخراج متميز
للتوأم الفني لوليد سيف وهو المخرج الفنان المرهف حاتم علي... وإذن فنحن
أمام عمل يستحق المتابعة باهتمام ليس فقط بغرض الخروج من هموم السياسة
والأحداث المؤلمة التي تحيط بنا من كل مكان وبالذات في سوريا، بل لأن عملا
بهذا المستوى نصاً وإخراجاً وإنتاجاً هو عمل ممتلئ بالحكم والعبر والدروس
التي نحتاج إليها في حياتينا الخاصة والعامة ويصعب قطفها بجهود ذاتية لغير
من هو متخصص أو مهتم فيما سنتلمسها بيسر في عمل بهذا المستوى الراقي.
وخيرا فعل كبار فقهائنا الراشدين المعتدلين المستنيرين أمثال الدكتور
يوسف القرضاوي والدكتور سلمان العودة والدكتور علي الصلابي وغيرهم
لإجازتهم أداء أدوار كبار الصحابة بما فيهم الخلفاء الراشدون الأربعة،
ففتواهم هي عين الرشد والحكمة وجوهر الفقه الصحيح القادر على معايشة العصر
ومعرفة متطلباته واللغة التي تصلح له... ولابأس من اشتراط نوعية معينة جادة
وملتزمة من الممثلين لأداء أدوار مثل تلك الشخصيات العظيمة التي ظلت مصدر
إلهام متواصل ومنبع قدوة لا ينضب للأمة منذ أربعة عشر قرنا حتى أخذت موقعا
في النفوس والقلوب أشبه بالمقدس لعظمة شخصياتها وعظمة تضحياتها وقربها
الشديد من الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن موقعها أخذ في أحيان ليست
بالقليلة قدسية تامة بسبب حملات الإساءة ضدها وبالذات شخصيات الخلفاء
الثلاثة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان من بعض الطوائف
والفرق الإسلامية وهي حملات تجاوزت كل الحدود المشروعة في النقد... إذ كما
هو معروف أنه لا قدسية لبشر في الإسلام لأن القاعدة أن البشر خطائين وخير
الخطائين التوابون، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معصوما إلا
بالوحي فما بالك بصحابته الذين كانوا يخطئون ويصيبون كأي بشر وهم بالتأكيد
ليسوا فوق النقد لكنه يجب أن يكون النقد الملتزم بالآداب والأخلاق البعيد
عن الأهواء الذي لا يطعن في صدق النوايا والذي يحرص على تغليب الحقيقة وغير
ذلك من ضوابط وقيم النقد السوي الذي يهدف لتأليف القلوب وتضييق الخلافات
وتقريب النفوس وقراءة الوقائع كما هي لا كما تريدها الأهواء السياسية
والفكرية والطائفية والعنصرية الضيقة... وسيظل التاريخ يذكر لعمر بن الخطاب
رضي الله عنه مقولته الخالدة (أصابت امرأة وأخطأ عمر) في إشارة واضحة يريد
منها تعليم الأمة أن الحاكم ليس أكثر من بشر يصيب ويخطئ وأنه ليس فوق
المساءلة وأن على أمته مراقبته وتصويبه وتخطيئه.
لذلك يصبح
منطقيا جدا وواقعيا جدا وشرعيا جدا أن تحرص الأمة اليوم على تقديم تلك
الشخصيات عبر أعمال فنية راقية (تلفزيونية وسينمائية ومسرحية) بما تستحقه
من العرض المنصف والتجسيد اللائق بما يتسق ولغة العصر اليوم... فهناك
الملايين من أجيالنا الجديدة لا تعرف عن تاريخها شيئا وإن عرف القليل منهم
ففي حدود بسيطة، وهذه الأجيال الجديدة التي يجيد معظمها التعامل مع وسائط
الاتصال الحديثة ينبغي مخاطبتها عبر هذه الوسائط حيث لا يوجد حظ كبير
للكتاب المطبوع في قاموسها بينما قد يحظى الكتاب الالكتروني - على سبيل
المثال - بحظ أوفر لديها... ولذلك أجد أن عملا دراميا تاريخيا عظيما كمسلسل
(عمر) سيكون له أعظم التأثير لدى مثل هذه الأجيال الشابة وسيقدم لها هذا
الخليفة العظيم كأفضل ما يكون التقديم وسيعرض لها جوانب شخصيته الفذة كأنبل
ما يكون العرض وسيحيي في نفوسها صورة الحاكم القدوة والقائد النموذج الذي
تحلم به... وما كان لمثل هذا المسلسل أن يترك تأثيره المرجو لو لم يجسد
شخصية عمر وباقي الصحابة رضي الله عنهم جميعا، فتجسيد الشخصية يمثل جوهر
النجاح والتأثير التي قام عليها مثل هذا العمل الفني الاستثنائي الهام وغير
المسبوق لأنه يقدم القدوة بشكل مباشر لجيل جديد كامل من أمة تبحث عن أسباب
النهوض والعزة والرفعة والكرامة في زمن ثورات الربيع العربي.
وهنا تستحضرني بعض التأملات المتعلقة بالربيع العربي المعاصر وربطه بأول
ربيع عربي عرفته الأمة مع بزوغ الدعوة المحمدية التي هي في جوهرها دعوة
للانعتاق من كل قيم الظلم والاستبداد والجور إلى قيم الحرية والمساواة
والعدل والتكافؤ وكل مكارم الأخلاق التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم
ليتممها... وكأني بالدكتور وليد سيف مؤلف مسلسل (عمر) يستحضر كل طموحات
وآمال جيل الربيع العربي المعاصر ليقدم لهم نموذجا رائعا لأول جيل عربي
أنجز ربيعه قبل أربعة عشر قرنا في مواجهة كل تلك البشاعات وصبر وناضل وجاهد
بشكل سلمي حتى أقام دولته المدنية العادلة متسلحا بالقيم والأخلاق
والمبادئ السوية التي تعطي البشر حقهم في الحياة الكريمة وترفض الذل
والخنوع للاستبداد بكافة صوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
Like ·
=100000467032691&p[]=2038385]Share · 8 hours ago
فضل الشبيبي and 126 others like this.
- 12 shares
Abdulaziz Mansoor سلمت يداك استاذ نصر فقد لامست اشياء في نفوسنا وكانك قد قرات ما فرحنا واستبشرنا به في مثل هكذا مسلسل
8 hours ago · Like
بشير علي عباس المصباحي شهر مبارك وأيامك كلها نقية مثل كتاباتك
حتى الأن أتفق معك فيما كتبته ولكني سأننتظر حتى أخر الشهر لنرى عن ما إذا
كان مبلغ مائة مليون دولار قد أنفق بالفعل لتوصيل الرسالة التي ذكرتها
بنزاهة وواقعية وبتجرد وإنحياز كامل للتأريخ ... ونتمنى أن يكون ذلك بالفعل
الدافع الوحيد لإنتاج هذا العمل الضخم.
تحياتي لك ولقلمك.
8 hours ago · Like
لميس المؤيد استاذ نصر لو كان الإنتاج ايراني او شيعي وبنفس المواصفات التي وصفتموها هل كانت نظرتكم للمسلسل ستظل كما هي
7 hours ago · Edited · Like
عادل الوليدي ياستاذ المبدعين وموهوبين والفننين والمبتكرين هم القياده الحقيقه للمجتمع بس في اليمن للاسف كل شي للسياسه
7 hours ago · Like
Jamil Alhemiary لكن هل يجز التمثيل بشخصية عمر ابن الخطاب
7 hours ago · Like
ناصر ملاح نأمل
في إنتاج فلم عالمي كفلم الرسالة ولكن بإنتاج وتمويل ضخم يقوم على إخراجه
حاتم علي ووليد سيف ومن ثم يترجم إلى عدة لغات للتعريف بالإسلام فنحن في
حاجة اليوم للتعريف بنبينا صلى الله عليه وسلم وبالإسلام والمسلمين خاصة
لدى الغرب الذين رسم غالبيتهم صورة سلبيه عن الرسول والإسلام والعرب خاصة
7 hours ago · Like
Ali Saleh
أعلنت
الإعلامية فريدة الشوباشي انها كانت مسيحية وأنها انتقلت إلى الإسلام منذ
47 عاما حيث قالت : " نشأت في بيت مسيحي الديانة وكانت والدتي حين تغضب مني
تقول بحق ده الآذان".
مؤكدة أن شخصية سيدنا "عمر" كانت أكثر تأثيرا فيها من غيره, معبرة عن ذ...See More
7 hours ago · Like · 2
Khadija Assonaidar للتذكير
فإن هذا الجو هو الذي كان سائدا في أوربا القرون الوسطى : فبعد ما كانت
أوربا منارة العالم بفضل الحرية الفكرية و الإبداعية التي اتسمت بها
الحضارة اليونانية جاء موتها على يد الإستبداد الفكري الذي فرضه رجال دين
متزمتون.
و ما كان لأوروبا أن تنطلق من جدبد إلا بعد أن تخلصت من هيمنة هؤلاء المتزمتين و ذلك بفضل شجاعة رجال دين متنورين
7 hours ago · Like · 1
Khadija Assonaidar The
TV series "Omar ibn al-Khattab” is a very nice try and highly
appreciated. It is broadcasted in a very very right timing. Personally, I
admire it and wish to see more such series and movies. I plan to buy
the whole series once it is in CDs in the market. It is worth to be in
my electronic library.
6 hours ago · Like
عصام الجند في مسلسل_عمر ..كيف شكل عمر وهو يطق على ابواب كبار القوم ويقولهم اسلمت ما انتم فاعلون.. حسسني ان الرجوله زمنها انتهى بعده
6 hours ago · Like
عصام الجند اجمل
مااستفدته من مسلسل عمر(المظاهرة) ففي #مسلسل_عمر ، الفاروق يقود أول
مظاهرة في الإسلام ويجهر بالاسلام في مكة ويغيض سادة قريش....لاكن من خلال
متابعتي ومشاهدتي للمسلسل: أتضح لي أن رسالة الفن أسرع وصولآ وأكثر إقناعآ
من الخطابات السياسية بالنسبة للشعوب العربية..
6 hours ago · Like · 1
فواز مصلح رغم
اعتراضي على تجسيد الصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين في الشاشة كونهم اكبر
من ان يجسدهم ممثل او فنان الا اني استغربت من حقد الشيعة الذي وصل الى لعن
عمر رضي الله عنه عبر الشاشات وفي نفس الوقت الشهادة لقاتله ابو لولوة
المجوسي بالايمان و الاسلام وعبر الفضائيات : https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=Zy4X_CUia5w
مقارنة شكل عمر الحقيقي مع شكله بالمسلسل www.youtube.com
مقارنه بين شكل عمر كما ورد في روايات المخالفين مع شكله في المسلسل الذي يعرض في شهر رمضان والذي يحمل أسم عمر
6 hours ago · Like
ياسر القشار اتمنى
من الاستاذ نصر في المستقبل القريب ان يستضيف د وليد سيف الى اليمن تحت اي
مسمى مناسب لنتعرف على هذا العملاق (وليد سيف) الذي ابهر الجميع بقوة النص
لدرجة ان الاخوه المصريين توقفوا عن كتابة المسلسات التاريخيه وتوجهوا الى
الى المسسلات الاخرى تحاشيا للدكتور وليد والمبدع حاتم علي الذي اعتبره
خليفة المخرج الكبير مصطفى العقاد
5 hours ago · Like · 1
Khadija Assonaidar اتفق معك يا استاذ/ عصام .. "إن رسالة الفن أسرع وصولاً وأكثر تأثيراً"..
4 hours ago · Like
حمدان الرحبي لا
يمكن اي مسلسل مهما بذل فيه اصحابه ان يصل الى الشكل الذي يليق بالفاروق
عمر او بالصحابة الكرام .. هو مجرد سرد تمثيلي لواقع تارخي عظيم لا يمكن
الاحاطة به .. لكنه جهد مشكور فنيا ...
2 hours ago · Like · 1
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=508936449131918&set=a.174711972554369.49316.100000467032691&type=1