الإمام الحسن (عليه السلام).. ريحانة رسول الله
المقدمة
المؤمن من كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إليه من نفسه وأهله، ومن دواعي الحب المشاركة الوجدانية والقلبية في الأفراح والأتراح، وقد قرّت عينا المصطفى (صلى الله عليه وآله) في النصف من شهر رمضان المبارك
سنة ثلاث للهجرة النبوية المباركة بالوليد الطاهر الحسن المجتبى (عليه
السلم)، لذا يتجدد الفرح كل عام في هذه المناسبة العطرة، وتستثمر في التعرف
على البيت النبوي الزكي.
إنبعاث النور
يقول شمس الدين بن طولون مؤرخ دمشق في كتابه (الأئمة الإثنا عشر): الحسن بن علي بن أبي طالب، القرشي الهاشمي المدني، أبو محمّد، سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته وابن فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء العالمين (رضي الله عنها وعنه)، ولد في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكان (رضي الله عنه) شبيها بالنبي (صلى الله عليه وآله)، سمّاه النبي وعق عنه يوم سابعه، وهو خامس أهل الكساء.
وروى المحبّ الطبري في ذخائر العقبى، قال: عن أسماء بنت عميس قالت: أقبلت فاطمة (عليها السلام) بالحسن (عليه السلام)، فجاء النبي (صلى الله عليه وآله)،
فقال: يا أسماء، هلمي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فألقاها عنه
قائلا: ألم أعهد إليكن أن لا تلفوا مولوداً بخرقة صفراء؟! فلففته بخرقة
بيضاء، فأخذه النبي وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثم قال لعلي (عليه السلام):
أي شيء سميت ابني؟ قال: ما كنت لأسبقك بذلك، قال: ولا انأ بسابق ربي، فهبط
جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: علي
منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك، فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون،
فقال: وما كان اسم ابن هارون يا جبرائيل؟ قال: شبر، فقال (صلى الله عليه
وآله): إن لساني عربي، فقال: سمه الحسن، ففعل.
وفي أسد الغابة لابن الأثير في ترجمة الحسن بن علي، قال: قال أبو احمد العسكري: سمّاه النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن، ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية، وروى ابن الإعرابي عن المفضل قال: إن الله حجب اسم الحسن والحسين (عليهما السلام) حتى سمى بهما النبي (صلى الله عليه وآله) ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام).
مهجة المصطفى
مع إن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان أطيب الناس وأشفقهم، يكفي في ذلك قول الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من
أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة/ 128]،
إلا انه لم يكن يحابي أحداً لهوى أو تعصب ـ حاشاه ـ، فإذا أثنى على احد
فإنما يعرب عن الحق ويفصح عن الحقيقة، وقد كان له مع سبطه الحسن حنان خاص،
لأنه نظر إليه من خلال البصيرة النبوية، فرآه خليفته بعد أبيه علي (عليه السلام)، وقد أودع الله (تعالى) فيه من أسراره الشريفة ما أهّله للإمامة المقدسة.
فكانت علاقة المصطفى (صلى الله عليه وآله) تعطي صوراً ثلاثا، هي:
الأولى: تعلق النبي (صلى الله عليه وآله) به تعلق الأب بولده، إذ شاء الله (تعالى) أن يمتد نسل نبيه الخاتم من ابنته فاطمة (عليها السلام) عن طريق الإمام علي (عليه السلام) [قادتنا: 5 / 179].
فالحسن (عليه السلام) ولده النسبي إذ هو سبطه، وولده الروحي إذ هو خليفته، وبه وهب الله (تعالى) حبيبه المصطفى كوثره الأقدس.
والآن لننظر في صورة محبة النبي (صلى الله عليه وآله) لسبطه
في (حلية الأولياء) لأبي نعيم،
عن ابن عمر: كل واحد منا كنا جلوساً عند رسول الله إذ مر به الحسن والحسين
وهما صبيان، فقال: هات ابني أعوذهما بما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل
وإسحاق، فقال: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل عين لامة، ومن كل شيطان
وهامة.
وعن انس قال: دعي النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صلاة والحسن متعلق به، فوضعه وصلى،
فلما سجد أطال، فلما سلم قال له القوم: يا رسول الله، لقد سجدت في صلاتك
هذه سجدة ما كنت تسجدها، كأنما يوحى إليك، فقال: لم يوح إلي، ولكن ابني كان
على كتفي فكرهت أن أعجله حتى نزل.
الصورة الثانية: حبّ النبي (صلى الله عليه وآله) لمن يحب الحسن (عليه السلام)، وما ظنّنا بمن يحبه المصطفى (صلى الله عليه وآله) أو يرضى عنه؟ أليس ذلك هو الرحمة الإلهية التي من شانها إذا حفت بأحد غمرته بالسعادة، وأخذت بيده إلى جنة الأمان والرضوان؟!
في كشف الغمة للاربلي، عن نعيم قال: قال أبو هريرة: أتى الحسن يوما يشتد حتى قعد في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه، ويقول: اللهم إني أحبه، وأحب من يحبه، ويقولها ثلاث مرات.
الصورة الثالثة: هي أن محبة المؤمن للحسن (عليه السلام) بالضرورة كاشفة عن صدق محبته لرسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فالمرء عادة إذا أحب الله أحب من يحبه الله، وأحب الخلق إلى الله هو المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله)، ومن محبة المؤمن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحب من أحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي لا يحب إلا ما أحبه الله (سبحانه وتعالى)، وقد اتضح لنا ما اخذ الحسنان من مكانة في روح النبي (صلى الله عليه وآله)،
حتى قال يوماً لعمران بن الحصين: يا عمران بن الحصين، إن لكل شيء موقعا من
القلب، وما وقع موقع هذين الغلامين (أي الحسن والحسين) من قلبي شيء قط،
قال عمران: فقلت: كل هذا يا رسول الله! قال: يا عمران! وما خفي عليك أكثر،
إن الله يأمرني بحبهما.
وروى انس بن مالك: جئت أمطي الحسن والحسين عن رسول الله، فقال: ويحك يا انس! دع ابني فؤادي، فان من آذى هذا فقد أذاني، ومن آذاني فقد آذى الله [كنز العمال للهندي: 6 / 222، أخرجه الطبري]. فما السر في أن يؤكد رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله) إن حبه متعلق بحب الحسنين وأبويهما في أحاديث جمة؟
يروي ابن حنبل في الفضائل المسند عن أبي هريرة، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في الحسن (رضي الله عنه): اللهم إني أحبه، فأحبه، وأحب من يحبه، وانه (صلى الله عليه وآله) قال في الحسن والحسين (عليهما السلام): من أحبهما فقد أحبني، ومن ابغضهما فقد ابغضني [المسند: 2 / 440].
ما
هذا التلازم بين الحبين؟ أليس هو التلازم السماوي الذي أمر الله (تعالى)
به لأنه يتصل بشان الرسالة، أو لنقل بشكل أوضح بان ذلك التلازم كان متعلقا
بتلازم النبوة والإمامة، والرسول والخليفة، والنبي والوصي..
ثم من يداني الحسن (عليه السلام) بعد أبيه في الفضائل ما يؤهله لخلافة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟ وقد قال الله (سبحانه) فيه آيات شريفات:
(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)
[آل عمران/ 61]، أخرج الترمذي ومسلم ـ كما في مستدرك الصحيحين للحاكم ج 3 ص
150 ـ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال: هؤلاء أهلي، فبنص الآية يكون الحسن ابنه ومن اقرب الناس وأحبهم إليه.
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [الأحزاب: 33]، روى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: أنزلت هذه الآية في علي والحسن والحسين وفاطمة، وفي مستدرك الصحيحين ـ ج 3 ص 146 ـ قالت أم سلمة (رضوان الله عليها): في بيتي نزلت الآية، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: هؤلاء أهل بيتي.
(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) [الشورى: 23]، في ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي الحنفي ص 106، والصواعق المحرقة لابن حجر ص101، وتفسير الثعلبي وفرائد السمطين والمعجم الكبير للطبراني وغيرها: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: لما نزلت الآية قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين.
ومن دواعي المودة التي هي أجر تبليغ الرسالة متابعة الإمام الحسن (عليه السلام) في أخلاقه وسيرته، واتباعه في إرشاده ووصاياه، وفي وراثته للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في إمامته، وقد قال (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة [صحيح الترمذي: 2 / 306، الإصابة: 1 / 226، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 1 / 140، كنوز الحقائق للمناوي: 81، كنز العمال: 6 / 221، وغيرها كثير عديد].
مما سجله التاريخ
وأخيرا، نترك للتاريخ ينقل شيئا يسيرا ـ مما أثبته المشهورون ـ في شخصية الإمام الحسن (عليه السلام)، مقرين بجملة من فضائله الشامخة:
قال عثمان بن عفان في الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر (عليهم السلام): فطموا العلم فطما، وحازوا الخير والحكمة [الخصال للصدوق: 136].
وقال أنس بن مالك: لم يكن فيهم احد أشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الحسن [الاستيعاب لابن عبد البر، بهامش الإصابة: 1 / 376].
وقال معاوية بن أبي فسيان الذي كان قد دس إليه السم على يد جعدة بنت الأشعث، وإلى بعض أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، ويتشدق قائلا: إن لله جنودا من عسل، قال: قد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمص لسانه (أي لسان الحسن) وشفتيه، ولن يعذب الله لسانا أو شفتين يمصهما رسول الله [الحسن بن علي لكامل سليمان: 175].
وقد روى المسعودي ـ في مروج الذهب ج 3 ص 8 ـ أنه لما بلغ معاوية وفاة الحسن (عليه السلام)، كبر في الخضراء ـ قصره الفخم ـ فكبر أهل الخضراء ثم كبر أهل المسجد، فخرجت فاختة بنت قرظة فقالت: سرك الله! ما هذا الذي بلغك فسررت به؟ قال معاوية: موت الحسن بن علي، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم بكت وقالت: مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إنه كان كذلك أهلا أن تبكي عليه.
وقال الأستاذ عبد القادر أحمد اليوسف في كتابه (الحسن بن علي: 42): ولكن للقارئ مبدئية على أن الحسن بن علي وابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن تلاه من الأئمة المعصومين، يعتبرون أنفسهم أحق من غيرهم، لا بل هم المكلفون بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) بنشر الإسلام، والمحافظة على السنن والشرائع المحمدية، لما لهم من وشائج القربى، ونقاوة النفس، وتفهم التنزيل.
http://qadatona.org/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/78
المقدمة
المؤمن من كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إليه من نفسه وأهله، ومن دواعي الحب المشاركة الوجدانية والقلبية في الأفراح والأتراح، وقد قرّت عينا المصطفى (صلى الله عليه وآله) في النصف من شهر رمضان المبارك
سنة ثلاث للهجرة النبوية المباركة بالوليد الطاهر الحسن المجتبى (عليه
السلم)، لذا يتجدد الفرح كل عام في هذه المناسبة العطرة، وتستثمر في التعرف
على البيت النبوي الزكي.
إنبعاث النور
يقول شمس الدين بن طولون مؤرخ دمشق في كتابه (الأئمة الإثنا عشر): الحسن بن علي بن أبي طالب، القرشي الهاشمي المدني، أبو محمّد، سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته وابن فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء العالمين (رضي الله عنها وعنه)، ولد في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكان (رضي الله عنه) شبيها بالنبي (صلى الله عليه وآله)، سمّاه النبي وعق عنه يوم سابعه، وهو خامس أهل الكساء.
وروى المحبّ الطبري في ذخائر العقبى، قال: عن أسماء بنت عميس قالت: أقبلت فاطمة (عليها السلام) بالحسن (عليه السلام)، فجاء النبي (صلى الله عليه وآله)،
فقال: يا أسماء، هلمي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فألقاها عنه
قائلا: ألم أعهد إليكن أن لا تلفوا مولوداً بخرقة صفراء؟! فلففته بخرقة
بيضاء، فأخذه النبي وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثم قال لعلي (عليه السلام):
أي شيء سميت ابني؟ قال: ما كنت لأسبقك بذلك، قال: ولا انأ بسابق ربي، فهبط
جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: علي
منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك، فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون،
فقال: وما كان اسم ابن هارون يا جبرائيل؟ قال: شبر، فقال (صلى الله عليه
وآله): إن لساني عربي، فقال: سمه الحسن، ففعل.
وفي أسد الغابة لابن الأثير في ترجمة الحسن بن علي، قال: قال أبو احمد العسكري: سمّاه النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن، ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية، وروى ابن الإعرابي عن المفضل قال: إن الله حجب اسم الحسن والحسين (عليهما السلام) حتى سمى بهما النبي (صلى الله عليه وآله) ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام).
مهجة المصطفى
مع إن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان أطيب الناس وأشفقهم، يكفي في ذلك قول الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من
أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة/ 128]،
إلا انه لم يكن يحابي أحداً لهوى أو تعصب ـ حاشاه ـ، فإذا أثنى على احد
فإنما يعرب عن الحق ويفصح عن الحقيقة، وقد كان له مع سبطه الحسن حنان خاص،
لأنه نظر إليه من خلال البصيرة النبوية، فرآه خليفته بعد أبيه علي (عليه السلام)، وقد أودع الله (تعالى) فيه من أسراره الشريفة ما أهّله للإمامة المقدسة.
فكانت علاقة المصطفى (صلى الله عليه وآله) تعطي صوراً ثلاثا، هي:
الأولى: تعلق النبي (صلى الله عليه وآله) به تعلق الأب بولده، إذ شاء الله (تعالى) أن يمتد نسل نبيه الخاتم من ابنته فاطمة (عليها السلام) عن طريق الإمام علي (عليه السلام) [قادتنا: 5 / 179].
فالحسن (عليه السلام) ولده النسبي إذ هو سبطه، وولده الروحي إذ هو خليفته، وبه وهب الله (تعالى) حبيبه المصطفى كوثره الأقدس.
والآن لننظر في صورة محبة النبي (صلى الله عليه وآله) لسبطه
في (حلية الأولياء) لأبي نعيم،
عن ابن عمر: كل واحد منا كنا جلوساً عند رسول الله إذ مر به الحسن والحسين
وهما صبيان، فقال: هات ابني أعوذهما بما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل
وإسحاق، فقال: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل عين لامة، ومن كل شيطان
وهامة.
وعن انس قال: دعي النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صلاة والحسن متعلق به، فوضعه وصلى،
فلما سجد أطال، فلما سلم قال له القوم: يا رسول الله، لقد سجدت في صلاتك
هذه سجدة ما كنت تسجدها، كأنما يوحى إليك، فقال: لم يوح إلي، ولكن ابني كان
على كتفي فكرهت أن أعجله حتى نزل.
الصورة الثانية: حبّ النبي (صلى الله عليه وآله) لمن يحب الحسن (عليه السلام)، وما ظنّنا بمن يحبه المصطفى (صلى الله عليه وآله) أو يرضى عنه؟ أليس ذلك هو الرحمة الإلهية التي من شانها إذا حفت بأحد غمرته بالسعادة، وأخذت بيده إلى جنة الأمان والرضوان؟!
في كشف الغمة للاربلي، عن نعيم قال: قال أبو هريرة: أتى الحسن يوما يشتد حتى قعد في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه، ويقول: اللهم إني أحبه، وأحب من يحبه، ويقولها ثلاث مرات.
الصورة الثالثة: هي أن محبة المؤمن للحسن (عليه السلام) بالضرورة كاشفة عن صدق محبته لرسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فالمرء عادة إذا أحب الله أحب من يحبه الله، وأحب الخلق إلى الله هو المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله)، ومن محبة المؤمن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحب من أحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي لا يحب إلا ما أحبه الله (سبحانه وتعالى)، وقد اتضح لنا ما اخذ الحسنان من مكانة في روح النبي (صلى الله عليه وآله)،
حتى قال يوماً لعمران بن الحصين: يا عمران بن الحصين، إن لكل شيء موقعا من
القلب، وما وقع موقع هذين الغلامين (أي الحسن والحسين) من قلبي شيء قط،
قال عمران: فقلت: كل هذا يا رسول الله! قال: يا عمران! وما خفي عليك أكثر،
إن الله يأمرني بحبهما.
وروى انس بن مالك: جئت أمطي الحسن والحسين عن رسول الله، فقال: ويحك يا انس! دع ابني فؤادي، فان من آذى هذا فقد أذاني، ومن آذاني فقد آذى الله [كنز العمال للهندي: 6 / 222، أخرجه الطبري]. فما السر في أن يؤكد رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله) إن حبه متعلق بحب الحسنين وأبويهما في أحاديث جمة؟
يروي ابن حنبل في الفضائل المسند عن أبي هريرة، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في الحسن (رضي الله عنه): اللهم إني أحبه، فأحبه، وأحب من يحبه، وانه (صلى الله عليه وآله) قال في الحسن والحسين (عليهما السلام): من أحبهما فقد أحبني، ومن ابغضهما فقد ابغضني [المسند: 2 / 440].
ما
هذا التلازم بين الحبين؟ أليس هو التلازم السماوي الذي أمر الله (تعالى)
به لأنه يتصل بشان الرسالة، أو لنقل بشكل أوضح بان ذلك التلازم كان متعلقا
بتلازم النبوة والإمامة، والرسول والخليفة، والنبي والوصي..
ثم من يداني الحسن (عليه السلام) بعد أبيه في الفضائل ما يؤهله لخلافة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟ وقد قال الله (سبحانه) فيه آيات شريفات:
(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)
[آل عمران/ 61]، أخرج الترمذي ومسلم ـ كما في مستدرك الصحيحين للحاكم ج 3 ص
150 ـ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال: هؤلاء أهلي، فبنص الآية يكون الحسن ابنه ومن اقرب الناس وأحبهم إليه.
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [الأحزاب: 33]، روى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: أنزلت هذه الآية في علي والحسن والحسين وفاطمة، وفي مستدرك الصحيحين ـ ج 3 ص 146 ـ قالت أم سلمة (رضوان الله عليها): في بيتي نزلت الآية، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: هؤلاء أهل بيتي.
(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) [الشورى: 23]، في ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي الحنفي ص 106، والصواعق المحرقة لابن حجر ص101، وتفسير الثعلبي وفرائد السمطين والمعجم الكبير للطبراني وغيرها: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: لما نزلت الآية قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين.
ومن دواعي المودة التي هي أجر تبليغ الرسالة متابعة الإمام الحسن (عليه السلام) في أخلاقه وسيرته، واتباعه في إرشاده ووصاياه، وفي وراثته للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في إمامته، وقد قال (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة [صحيح الترمذي: 2 / 306، الإصابة: 1 / 226، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 1 / 140، كنوز الحقائق للمناوي: 81، كنز العمال: 6 / 221، وغيرها كثير عديد].
مما سجله التاريخ
وأخيرا، نترك للتاريخ ينقل شيئا يسيرا ـ مما أثبته المشهورون ـ في شخصية الإمام الحسن (عليه السلام)، مقرين بجملة من فضائله الشامخة:
قال عثمان بن عفان في الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر (عليهم السلام): فطموا العلم فطما، وحازوا الخير والحكمة [الخصال للصدوق: 136].
وقال أنس بن مالك: لم يكن فيهم احد أشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الحسن [الاستيعاب لابن عبد البر، بهامش الإصابة: 1 / 376].
وقال معاوية بن أبي فسيان الذي كان قد دس إليه السم على يد جعدة بنت الأشعث، وإلى بعض أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، ويتشدق قائلا: إن لله جنودا من عسل، قال: قد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمص لسانه (أي لسان الحسن) وشفتيه، ولن يعذب الله لسانا أو شفتين يمصهما رسول الله [الحسن بن علي لكامل سليمان: 175].
وقد روى المسعودي ـ في مروج الذهب ج 3 ص 8 ـ أنه لما بلغ معاوية وفاة الحسن (عليه السلام)، كبر في الخضراء ـ قصره الفخم ـ فكبر أهل الخضراء ثم كبر أهل المسجد، فخرجت فاختة بنت قرظة فقالت: سرك الله! ما هذا الذي بلغك فسررت به؟ قال معاوية: موت الحسن بن علي، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم بكت وقالت: مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إنه كان كذلك أهلا أن تبكي عليه.
وقال الأستاذ عبد القادر أحمد اليوسف في كتابه (الحسن بن علي: 42): ولكن للقارئ مبدئية على أن الحسن بن علي وابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن تلاه من الأئمة المعصومين، يعتبرون أنفسهم أحق من غيرهم، لا بل هم المكلفون بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) بنشر الإسلام، والمحافظة على السنن والشرائع المحمدية، لما لهم من وشائج القربى، ونقاوة النفس، وتفهم التنزيل.
http://qadatona.org/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/78