الزواج من الكتابية لدى مذهب آل البيت (ع)
الفصل الثاني
الزواج من الكتابية
يقول محمد جواد مغنية: «اتفقوا على أنه لا
يجوز للمسلم ولا للمسلمة التزويج ممن لا كتاب سماوي لهم، ولا شبهة
كتاب وهم عبدة الأوثان والنيران والشمس وسائر الكواكب وما يستحسنونه
من الصور وكل زنديق لا يؤمن بالله، واتفق الأربعة على أن من لهم شبهة
كتاب كالمجوس لا يحل التزويج منهم، ومعنى شبهة كتاب هو ما قيل بأنه
كان للمجوس كتاب فتبدلوه فأصبحوا وقد رفع عنهم.
واتفق الأربعة أيضاً على أن للمسلم أن يتزوج
الكتابية وهي النصرانية واليهودية ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج
كتابياً.
أما فقهاء الإمامية فقد اتفقوا على تحريم زواج المسلمة من كتابي، كما
قالت المذاهب الأربعة، واختلفوا في زواج المسلم من كتابية، فبعضهم
قال: لا يجوز دواماً وانقطاعاً، واستدلوا بقوله تعالى: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر
"
وقوله: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن "
إذ فسروا الشرك بالكفر وعدم الإسلام، وأهل الكتاب باصطلاح القرآن غير
المشركين بدليل قوله تعالى:" لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين
"
البينة/1.
وقال آخرون: يجوز دواماً وانقطاعاً واستدلوا بقوله تعالى: " والمحصنات من المؤمنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم
"
المائدة/9 وهو ظاهر في حل نساء أهل الكتاب.
وقال ثالث: تجوز انقطاعاً ولا يجوز دواماً،
جمعاً يبن الأدلة المانعة والمبيحة فإن ما دلّ على المنع يحمل على
الزواج الدائم، وما دلّ على الإباحة يحمل على المنقطع، ومهما يكن فإن
الكثيرين من فقهاء الإمامية في هذا العصر يجيزون تزويج الكتابية
دواماً والمحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان تزوج المسلم من الكتابية
وتسجل الزواج وترتب عليه جميع الآثار».
يمكن أن يكون هذا البيان فاتحة لموضوع هذا
الفصل الذي يدور حول الزواج من الكتابية، فطالما اتفقت المذاهب
الإسلامية على تحريم زواج المسلمة من الكتابي فلا ضرورة من ذكر هذا
البحث لأنه ليس له وجود خارجي.
أما الزواج من الكتابية فهناك اختلاف بين من
يجيز وبين من لا يجيز وبين من يجيز الزواج من الكتابية في الزواج
المنقطع وليس الدائم.
فإذن هناك ثلاثة مباحث في تفصيل الموضوع:
لا شك في صحة الزواج من الكتابية عند المذاهب
الأربعة كما تقدم، لكن مع تفصيل في باب الكراهية وعدمه بحسب المذاهب:
«يحرم تزوج الكتابية إذا كانت في دار الحرب
غير خاضعة لأحكام المسلمين لأن ذلك فتحٌ لباب الفتنة، فقد ترغمه على
التخلق بأخلاقها التي يأباها الإسلام ويعرض ابنه للتدين بدين غير
دينه، ويزج بنفسه فيما لا قبل له به من ضياع سلطته التي يحفظ بها
عرضها، وغير ذلك من المفاسد، فالعقد وإن كان يصح إلا أن الإقدام عليه
مكروه تحريماً لما يترتب عليه من المفاسد، أما إذا كانت ذمية ويمكن
إخضاعها للقوانين الإسلامية، فإنه يكره نكاحها تنزيهاً».
وقد ورد هذا الحكم في المجلة الشرعية في
المادة (120) حيث نصت: يصح للمسلم أن يتزوج كتابية نصرانية كانت أو
يهودية ذمية أو غير ذمية وإن كره ويصح عقد نكاحها بمباشرة وليها
الكتابي وشهادة كتابيين ولو كانا مخالفين لدينها ولا يثبت النكاح
بشهادتها إذا جحده المسلم ويثبت بها إذا أنكرته الكتابية.
لهم رأيان في ذلك: أحدهما أن نكاح الكتابية
مكروه مطلقاً سواء كانت ذمية أو حربية ولكن الكراهة في دار الحرب
أشد، ثانيها: أنه لا يكره مطلقاً عملاً بظاهر الآية لأنها قد أباحته
مطلقاً. وقد عللوا كراهتها في دار الإسلام بأن الكتابية لا يحرم
عليها شرب الخمر ولا أكل الخنزير ولا الذهاب إلى الكنيسة وليس له من
ذلك، وهي تغذي الأولاد به فيشبون على مخالفة الدين، أما في دار الحرب
فالأمر أشد كما بينا عند الحنفية، وقد يقال إن هذه المحظورات
محرمة.
يقول مالك في الموطأ: لا يحلّ نكاح أمة يهودية ولا نصرانية، لأن الله
تبارك وتعالى يقول في كتابه: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم "
فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات ويفهم من كلامه جواز نكاح
الحرائر من اليهوديات والنصرانيات.
قالوا: يكره تزوج الكتابية إذا كانت في دار
الإسلام، وتشتد الكراهة إذا كانت في دار الحرب كما هو رأي بعض
المالكية، ولكنهم اشترطوا للكراهة شروطاً.
الأول: أن لا يرجو إسلام الكتابية.
ثانياً: أن يجد مسلمة تصلح له.
ثالثاً: إنه إذا لم يتزوج الكتابية يخشى الزنا، فإن كان لا يرجو
إسلامها فيسنّ له تزوجها، وإن لم يجد مسلمة تصلح له فكذلك يسر له
التزوج بالكتابية التي تصلح له ليعيش معها عيشة مرضية، وإذا لم يتزوج
الكتابية يخشى الزنا يسن له دفعاً لهذا ومن هذا يتضح أن المسألة
دائرة وراء المصلحة والمفسدة، فإذا ترتب على زواجها مصلحة كان الزواج
ممدوحاً، وإذا ترتب عليه مفسدة كان مكروهاً.
وفي روضة الطالبين: الكتاب ثلاثة أصناف أحدها
الكتابيون فيجوز للمسلم مناكحتهم سواء كانت الكتابية ذمية أو حرة لكن
تكره الحرة وكذا الذمية والمراد بالكتابية اليهود والنصارى.
قالوا: يحل نكاح الكتابية بلا كراهة لعموم قوله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم"
والمراد بالمحصنات الحرائر.
وذكر عمر بن الحسين الخرقي: وحرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلال
للمسلمين.
هناك تفصيل بين الحرمة وحلية زواج الذمية
والحلية المطلقة، وقد فصّل شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي في ذلك قائلاً:
المشركون على ثلاثة أضرب: أهل الكتاب ومن لا
كتاب له ولا شبهة كتاب ومن له شبهة كتاب فأهل الكتابين اليهود
والنصارى من أهل التوراة والإنجيل فهؤلاء عند المحصلين من أصحابنا لا
يحل أكل ذبائحهم ولا تزوج حرائرهم بل يقرون على أديانهم إذا بذلوا
الجزية، وفيه خلاف بين أصحابنا، وقال جميع الفقهاء يجوز أكل ذبائحهم
ونكاح حرائرهم.
فأما السامرة والصابئون فقد قيل إن السامرة
قوم من اليهود، والصابئون قوم من النصارى، فعلى هذا يحل جميع ذلك،
والصحيح في الصابي أنهم غير النصارى لأنهم يعبدون الكواكب، فعلى هذا
لا يحلّ جميع ذلك بلا خلاف فأما غير هذين الكتابين من الكتب الأخرى،
لأن الله تعالى أنزل كتباً زبر الأولين وصحف إبراهيم والزبور على
داود، فإن كان من أهل هذه الكتب فلا يحلّ نكاح حرائرهم ولا أكل
ذبائحهم.
ويشرح زين الدين بن علي العاملي بالتفصيل هذا الحكم: «اختلف الأصحاب
في جواز نكاح الكتابيات مطلقاً، أو منعه مطلقاً أو بالتفصيل، على
أقوال كثيرة منشؤها اختلاف ظاهر الآيات والروايات في ذلك، واختلاف
النظر في طريق الجمع بينها، فمن منع منه مطلقاً كالمرتضى استند
إلى قوله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن"
البقرة/221، والنهي للتحريم فإن كان النكاح حقيقة في الوطء فظاهر،
وإن كان حقيقة في العقد أو مشتركاً فغايته تحريم العقد لأجل الوطء
فيكون الوطء محرماً أيضاً، ووجه تناولها لليهود والنصارى قول النصارى
بالأقانيم الثلاثة، وقول اليهود "عزيز ابن ال"
وقوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم..."
إلى قوله تعالى: "سبحانه عما يشركون"
التوبة/30-31، وإلى قوله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"
الممتحنة/10، والزوجية عصمة فتدخل تحت النهي.
ومن الروايات في ذلك قول الباقر (عليه السلام) في رواية زرارة: «لا
ينبغي نكاح أهل الكتاب قلت: جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال: قوله "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"».
ومن أجاز نكاحهن مطلقاً استند إلى قوله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"
المائدة/5، يعني أحل لكم بدليل ثبوت ذلك في المعطوف عليه، ومن
الروايات في ذلك رواية محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال:
«سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية قال: لا بأس به، أما علمت أنه
كان تحت طلحة بن عبيد الله يهودية على عهد النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم)».
ورواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية فقال: «إذا أصاب
المسلم فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له: يكون له فيها الهوى،
فقال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أن عليه
في دينه غضاضه».
والرواية أوضح ما في الباب سنداً، لأن طريقها صحيح، وفيها إشارة إلى
كراهة التزويج المذكور، فيكون حمل النهي الوارد عنه على الكراهة
جمعاً.
والأولون أجابوا عن الآية المجوّزة بأنها منسوخة بالآية السابقة، وقد
روى النسخ زرارة بن الحسن عن الباقر (عليه السلام) قال: «سألته عن
قول الله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"
فقال هي منسوخة بقوله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر".
وعن الرواية يحملها على استدامة نكاحها إذا أسلم زوجها، أو على
التقية.
وللمجوزين أن يمنعوا من النسخ لعدم ثبوته،
وعدم المنافاة بين الآيتين، لأن الأولى دلت على النهي عن نكاح
المشركين على العموم، والثانية دلت على إباحة الكتابيات فهي خاصة،
والجمع بين الخاص والعام متعين بتخصيص العام وإبقاء حكمه في ما عدا
الخاص، فلا وجه للنسخ، وأما آية النهي عن التمسك بعصم الكوافر فليست
صريحة في إرادة النكاح، ولا في ما هم أعمّ منه وإثبات النسخ بمثل هذه
الرواية مشكل خصوصاً مع عدم صحة سندها، ثم من الجائز حمل النهي على
الكراهة فإنه جامع بين الأدلة مضافاً إلى تخصيص عموم المشركات بما
عدا الكتابيات فتجتمع دلالة الأدلة كلها على جواز نكاحهنّ على
الكراهة والمنع مما عداهن من المشركات.
والمصنف (رحمه الله) وأكثر المتأرخين:
1- العلامة في القواعد.
2- والشهيد في اللمعة .
3- والمحقق الثاني في جامع المقاصد.
جمعوا بين الادلة بحمل المنع على الدائم والإباحة على المؤجل وملك
اليمين، فظاهر قوله تعالى في الآية المجوزة "إذا آتيتموهن أجورهن"
فإن مهر المتعة قد أطلق عليه الأمر في آيتها، ولإيماء الأخبار إلى أن
نكاح الكافرة لا يكون إلا في محل الضرورة ولتصريح بعض الأخبار بذلك،
وفيه نظر، لأن الأمر أيضاً يطلق على مطلق المهر وقد ورد في القرآن
أيضاً وصحيحة معاوية بن وهب صريحة في الجواز اختياراً وتصريحاً
وتصريح بعض الأخبار بتجويز نكاحهن بالمتعة لا ينفي جواز غيره بهن وقد
أسهبوا في الخلاف والأدلة بما لا طائل تحته، والمنقّح منه ما لخصناه.
وأكثر المتأخرين أجازوا الزواج من الكتابية:
يقول صاحب اللمعة: ويجوز للمسلم التزويج متعة
واستدامته للنكاح على تقدير إسلامه كما مر بالكافرة الكتابية ومنها
المجوسية، وكان عليه أن يقيدها.
أما الأحاديث والروايات التي وردت من طريق
الشيعة الإمامية فهي لا تحبذ الزواج من الكتابية فهي بين التحريم
والتحليل وحصر الحلية بالمؤقت.
المورد الأول:
ففي التحريم ورد:
1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي
عمير عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله
أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال نكاحهما أحب إلي من
نكاح الناصبية، وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا
النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر.
فعليه عدم الزواج - كما ورد في الحديث - هي أن لا يتأثر الأولاد بدين
أمهم لعلاقتهم بها خصوصاً في السنين الأولى من عمرهم.
2- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن الحسن بن جهم قال
قال لي أبو الحسن الرضا (عليهما السلام) يا أبا محمد ما تقول في رجل
يتزوج نصرانية على مسلمة قلت جعلت فداك وما قولي بين يديك قال:
لتقولن فإن ذلك يعلم به قولي قلت لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة
ولا غير مسلمة قال ولم قلت لقول الله عز وجل: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
"
قال: فما تقول في هذه الآية: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم[
قلت فقوله " ولا تنكحوا المشركات"
نسخت هذه الآية فتبسم ثم سكت.
فلا يجوز الزواج من الكتابية كزوجة ثانية مع
وجود المسلمة وفضلاً على ذلك وحسب هذه الرواية عدم الجواز مطلقاً.
3- روى محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن
معلى بن محمد عن الحسن بن علي عن إبان عن زرارة عن أعين قال: سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن نكاح اليهودية والنصرانية قال: لا يصلح
للمسلم نكاح اليهودية والنصرانية إنما يحل منهن نكاح البله ومنها أن
يكون ذلك إباحة في حال الضرورة وعند عدم المسلمة ويجري ذلك مجرى
اباحة الميتة والدم عند الخوف على النفس.
المورد الثاني:
إما الروايات الواردة في جواز الزواج من
الكتابية فهي أيضاً كثيرة نذكر منها:
1- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب
عن زكريا بن إبراهيم قال: كنت نصرانياً فأسلمت فقلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): إن أهل بيتي على دين النصرانية فأكون معهم في بيت
واحد وآكل من آنيتهم فقال لي (عليه السلام) أيأكلون لحم الخنزير
قلت:لا قال: لا بأس.
2- وعنه عن الحسن بن محبوب عن العلا عن محمد
بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن نكاح اليهودية
والنصرانية فقال: لا باس به، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبيد الله
يهودية على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
3- وروى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن
أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد
الله (عليه السلام) في الرجل المؤمن يتزوج باليهودية والنصرانية، قال
إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية فقلت له: يكون فيها
الهوى فقال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم أن
عليه في دينه في تزويجه إياها غضاضة.
من هنا فالإباحة مشروطة بإلزام الزوجة
الكتابية بالأحكام الشرعية المؤثر في تربية الأبناء كمنعها من شرب
الخمر وأكل لحم الخنزير.
المورد الثالث:
أما ما ورد في الأحاديث في جواز الزواج من
الكتابية زواجاً منقطعاً فكثيرة هي أيضاً؛ منها:
1- روى محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد
عن محمد بن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في الرجل يتزوج البكر متعة قال يكره للعيب على أهلها ولا باس
أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية.
2- عن محمد بن سنان عن أبان بن عثمان عن زرارة
قال: سمعته يقول: لا بأس بأن يتزوج اليهودية والنصرانية متعة وعنده
امرأة.
3- روى أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان
عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية
فقال: لا بأس فقلت فمجوسية فقال: لا بأس به يعني متعة.
4- وكذلك ما رواه أحمد بن محمد بن عيش عن
الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة.
يظهر من قراءة هذه الأحاديث أنها مختلفة في
المضمون وربما متناقضة أيضاً لكن عند وضعها أمام الدارس الذي يحاول
أن يستجلي الحديث من أبعاده المختلفة، من بحث رجال السند وبحث السند
يستطيع أن يرجح الحديث الصحيح بعد تمييزه عن الحديث المرسل والمنقطع
فهذا هو عمل المجتهد الذي يفتي من خلال ما يوصله النص إلى الحكم
الشرعي.
يمكن لنا أن نستخلص مما تقدم بأن المذاهب
الإسلامية الأربعة تذهب إلى جواز زواج المسلم من الكتابية، أما فقهاء
الإمامية فانقسموا إلى ثلاث فرق: فرقة تجيز الزواج المنقطع والدائم
وفريق لا تجيز الدائم وتجيز المنقطع وفريق لا تجيز المنقطع ولا
الدائم.
وقد ذكر بعض العلماء شروطاً وذكروا آراءً كان
لابد من ذكرها قبل أن نختم البحث وننتقل إلى بحث آخر.
فالشافعية والحنابلة قالوا: يشترط في حل نكاح
الكتابية أن يكون أبواها كتابيين فلو كان أبوها كتابياً وأمها وثنية
لا تحل حتى ولو كانت بالغة واختارت دين أبيها، وصارت كتابية على
المعتمد عند الشافعية.
وهناك قول يتفرد به الزرعي في تحريم الزواج من الكتابية ذكره في
كتابه أحكام أهل الذمة: وقال صالح بن أحمد حدثني أبي حدثنا محمد بن
جعفر حدثنا سعيد بن قتادة أن حذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد الله
والجارود بن المعلى وذكروا آخر تزوجوا نساء من أهل الكتاب فقال لهم
عمر طلقوهن فطلقوا إلا حذيفة فقال عمر: طلقها فقال: تشهد أنها حرام
قال: هي جمرة طلقها، فقال: تشهد أنها حرام فقال: هي جمرة، قال حذيفة
قد علمت أنها جمرة ولكنها لي حلال فأبى أن يطلقها فلما كان بعد طلقها
فقيل له قد ألا طلقها حين التابعين عمر فقال: كرهت أن يظن الناس أني
ركبت أمراً لا ينبغي وقد تأولت الشيعة الآية فقالوا: المحصنات من
المؤمنات من كانت مسلمة في الأصل والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم من كانت كتابية ثم أسلمت وقوله "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"
وأجاب الجمهور بجوابين: أحدهما أن المراد بالمشركات الوثنيات، قالوا
وأهل الكتاب لا يدخلون في لفظ المشركين في كتاب الله تعالى.
قال تعالى: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين"
وقال تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس
والذين أشركوا"
وكذلك الكوافر المنهي عن التمسك بعصمتهن إنما هن المشركات فإن الآية
نزلت في قصة الحديبية، ولم يكن للمسلمين زوجات من أهل الكتاب إذ ذاك
وغاية ما في ذاك التخصيص ولا محذور فيه إذا دل عليه دليل.
يتبع ادناه
الفصل الثاني
الزواج من الكتابية
تمهيد:
يقول محمد جواد مغنية: «اتفقوا على أنه لا
يجوز للمسلم ولا للمسلمة التزويج ممن لا كتاب سماوي لهم، ولا شبهة
كتاب وهم عبدة الأوثان والنيران والشمس وسائر الكواكب وما يستحسنونه
من الصور وكل زنديق لا يؤمن بالله، واتفق الأربعة على أن من لهم شبهة
كتاب كالمجوس لا يحل التزويج منهم، ومعنى شبهة كتاب هو ما قيل بأنه
كان للمجوس كتاب فتبدلوه فأصبحوا وقد رفع عنهم.
واتفق الأربعة أيضاً على أن للمسلم أن يتزوج
الكتابية وهي النصرانية واليهودية ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج
كتابياً.
أما فقهاء الإمامية فقد اتفقوا على تحريم زواج المسلمة من كتابي، كما
قالت المذاهب الأربعة، واختلفوا في زواج المسلم من كتابية، فبعضهم
قال: لا يجوز دواماً وانقطاعاً، واستدلوا بقوله تعالى: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر
"
وقوله: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن "
إذ فسروا الشرك بالكفر وعدم الإسلام، وأهل الكتاب باصطلاح القرآن غير
المشركين بدليل قوله تعالى:" لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين
"
البينة/1.
وقال آخرون: يجوز دواماً وانقطاعاً واستدلوا بقوله تعالى: " والمحصنات من المؤمنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم
"
المائدة/9 وهو ظاهر في حل نساء أهل الكتاب.
وقال ثالث: تجوز انقطاعاً ولا يجوز دواماً،
جمعاً يبن الأدلة المانعة والمبيحة فإن ما دلّ على المنع يحمل على
الزواج الدائم، وما دلّ على الإباحة يحمل على المنقطع، ومهما يكن فإن
الكثيرين من فقهاء الإمامية في هذا العصر يجيزون تزويج الكتابية
دواماً والمحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان تزوج المسلم من الكتابية
وتسجل الزواج وترتب عليه جميع الآثار».
يمكن أن يكون هذا البيان فاتحة لموضوع هذا
الفصل الذي يدور حول الزواج من الكتابية، فطالما اتفقت المذاهب
الإسلامية على تحريم زواج المسلمة من الكتابي فلا ضرورة من ذكر هذا
البحث لأنه ليس له وجود خارجي.
أما الزواج من الكتابية فهناك اختلاف بين من
يجيز وبين من لا يجيز وبين من يجيز الزواج من الكتابية في الزواج
المنقطع وليس الدائم.
فإذن هناك ثلاثة مباحث في تفصيل الموضوع:
المبحث الأول | جواز الزواج من الكتابية |
لا شك في صحة الزواج من الكتابية عند المذاهب
الأربعة كما تقدم، لكن مع تفصيل في باب الكراهية وعدمه بحسب المذاهب:
فعند الحنفية:
«يحرم تزوج الكتابية إذا كانت في دار الحرب
غير خاضعة لأحكام المسلمين لأن ذلك فتحٌ لباب الفتنة، فقد ترغمه على
التخلق بأخلاقها التي يأباها الإسلام ويعرض ابنه للتدين بدين غير
دينه، ويزج بنفسه فيما لا قبل له به من ضياع سلطته التي يحفظ بها
عرضها، وغير ذلك من المفاسد، فالعقد وإن كان يصح إلا أن الإقدام عليه
مكروه تحريماً لما يترتب عليه من المفاسد، أما إذا كانت ذمية ويمكن
إخضاعها للقوانين الإسلامية، فإنه يكره نكاحها تنزيهاً».
وقد ورد هذا الحكم في المجلة الشرعية في
المادة (120) حيث نصت: يصح للمسلم أن يتزوج كتابية نصرانية كانت أو
يهودية ذمية أو غير ذمية وإن كره ويصح عقد نكاحها بمباشرة وليها
الكتابي وشهادة كتابيين ولو كانا مخالفين لدينها ولا يثبت النكاح
بشهادتها إذا جحده المسلم ويثبت بها إذا أنكرته الكتابية.
وعند المالكية:
لهم رأيان في ذلك: أحدهما أن نكاح الكتابية
مكروه مطلقاً سواء كانت ذمية أو حربية ولكن الكراهة في دار الحرب
أشد، ثانيها: أنه لا يكره مطلقاً عملاً بظاهر الآية لأنها قد أباحته
مطلقاً. وقد عللوا كراهتها في دار الإسلام بأن الكتابية لا يحرم
عليها شرب الخمر ولا أكل الخنزير ولا الذهاب إلى الكنيسة وليس له من
ذلك، وهي تغذي الأولاد به فيشبون على مخالفة الدين، أما في دار الحرب
فالأمر أشد كما بينا عند الحنفية، وقد يقال إن هذه المحظورات
محرمة.
يقول مالك في الموطأ: لا يحلّ نكاح أمة يهودية ولا نصرانية، لأن الله
تبارك وتعالى يقول في كتابه: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم "
فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات ويفهم من كلامه جواز نكاح
الحرائر من اليهوديات والنصرانيات.
وعند الشافعية:
قالوا: يكره تزوج الكتابية إذا كانت في دار
الإسلام، وتشتد الكراهة إذا كانت في دار الحرب كما هو رأي بعض
المالكية، ولكنهم اشترطوا للكراهة شروطاً.
الأول: أن لا يرجو إسلام الكتابية.
ثانياً: أن يجد مسلمة تصلح له.
ثالثاً: إنه إذا لم يتزوج الكتابية يخشى الزنا، فإن كان لا يرجو
إسلامها فيسنّ له تزوجها، وإن لم يجد مسلمة تصلح له فكذلك يسر له
التزوج بالكتابية التي تصلح له ليعيش معها عيشة مرضية، وإذا لم يتزوج
الكتابية يخشى الزنا يسن له دفعاً لهذا ومن هذا يتضح أن المسألة
دائرة وراء المصلحة والمفسدة، فإذا ترتب على زواجها مصلحة كان الزواج
ممدوحاً، وإذا ترتب عليه مفسدة كان مكروهاً.
وفي روضة الطالبين: الكتاب ثلاثة أصناف أحدها
الكتابيون فيجوز للمسلم مناكحتهم سواء كانت الكتابية ذمية أو حرة لكن
تكره الحرة وكذا الذمية والمراد بالكتابية اليهود والنصارى.
وعند الحنابلة:
قالوا: يحل نكاح الكتابية بلا كراهة لعموم قوله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم"
والمراد بالمحصنات الحرائر.
وذكر عمر بن الحسين الخرقي: وحرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلال
للمسلمين.
وعند الشيعة الإمامية:
هناك تفصيل بين الحرمة وحلية زواج الذمية
والحلية المطلقة، وقد فصّل شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي في ذلك قائلاً:
المشركون على ثلاثة أضرب: أهل الكتاب ومن لا
كتاب له ولا شبهة كتاب ومن له شبهة كتاب فأهل الكتابين اليهود
والنصارى من أهل التوراة والإنجيل فهؤلاء عند المحصلين من أصحابنا لا
يحل أكل ذبائحهم ولا تزوج حرائرهم بل يقرون على أديانهم إذا بذلوا
الجزية، وفيه خلاف بين أصحابنا، وقال جميع الفقهاء يجوز أكل ذبائحهم
ونكاح حرائرهم.
فأما السامرة والصابئون فقد قيل إن السامرة
قوم من اليهود، والصابئون قوم من النصارى، فعلى هذا يحل جميع ذلك،
والصحيح في الصابي أنهم غير النصارى لأنهم يعبدون الكواكب، فعلى هذا
لا يحلّ جميع ذلك بلا خلاف فأما غير هذين الكتابين من الكتب الأخرى،
لأن الله تعالى أنزل كتباً زبر الأولين وصحف إبراهيم والزبور على
داود، فإن كان من أهل هذه الكتب فلا يحلّ نكاح حرائرهم ولا أكل
ذبائحهم.
ويشرح زين الدين بن علي العاملي بالتفصيل هذا الحكم: «اختلف الأصحاب
في جواز نكاح الكتابيات مطلقاً، أو منعه مطلقاً أو بالتفصيل، على
أقوال كثيرة منشؤها اختلاف ظاهر الآيات والروايات في ذلك، واختلاف
النظر في طريق الجمع بينها، فمن منع منه مطلقاً كالمرتضى استند
إلى قوله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن"
البقرة/221، والنهي للتحريم فإن كان النكاح حقيقة في الوطء فظاهر،
وإن كان حقيقة في العقد أو مشتركاً فغايته تحريم العقد لأجل الوطء
فيكون الوطء محرماً أيضاً، ووجه تناولها لليهود والنصارى قول النصارى
بالأقانيم الثلاثة، وقول اليهود "عزيز ابن ال"
وقوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم..."
إلى قوله تعالى: "سبحانه عما يشركون"
التوبة/30-31، وإلى قوله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"
الممتحنة/10، والزوجية عصمة فتدخل تحت النهي.
ومن الروايات في ذلك قول الباقر (عليه السلام) في رواية زرارة: «لا
ينبغي نكاح أهل الكتاب قلت: جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال: قوله "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"».
ومن أجاز نكاحهن مطلقاً استند إلى قوله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"
المائدة/5، يعني أحل لكم بدليل ثبوت ذلك في المعطوف عليه، ومن
الروايات في ذلك رواية محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال:
«سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية قال: لا بأس به، أما علمت أنه
كان تحت طلحة بن عبيد الله يهودية على عهد النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم)».
ورواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية فقال: «إذا أصاب
المسلم فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له: يكون له فيها الهوى،
فقال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أن عليه
في دينه غضاضه».
والرواية أوضح ما في الباب سنداً، لأن طريقها صحيح، وفيها إشارة إلى
كراهة التزويج المذكور، فيكون حمل النهي الوارد عنه على الكراهة
جمعاً.
والأولون أجابوا عن الآية المجوّزة بأنها منسوخة بالآية السابقة، وقد
روى النسخ زرارة بن الحسن عن الباقر (عليه السلام) قال: «سألته عن
قول الله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"
فقال هي منسوخة بقوله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر".
وعن الرواية يحملها على استدامة نكاحها إذا أسلم زوجها، أو على
التقية.
وللمجوزين أن يمنعوا من النسخ لعدم ثبوته،
وعدم المنافاة بين الآيتين، لأن الأولى دلت على النهي عن نكاح
المشركين على العموم، والثانية دلت على إباحة الكتابيات فهي خاصة،
والجمع بين الخاص والعام متعين بتخصيص العام وإبقاء حكمه في ما عدا
الخاص، فلا وجه للنسخ، وأما آية النهي عن التمسك بعصم الكوافر فليست
صريحة في إرادة النكاح، ولا في ما هم أعمّ منه وإثبات النسخ بمثل هذه
الرواية مشكل خصوصاً مع عدم صحة سندها، ثم من الجائز حمل النهي على
الكراهة فإنه جامع بين الأدلة مضافاً إلى تخصيص عموم المشركات بما
عدا الكتابيات فتجتمع دلالة الأدلة كلها على جواز نكاحهنّ على
الكراهة والمنع مما عداهن من المشركات.
والمصنف (رحمه الله) وأكثر المتأرخين:
1- العلامة في القواعد.
2- والشهيد في اللمعة .
3- والمحقق الثاني في جامع المقاصد.
جمعوا بين الادلة بحمل المنع على الدائم والإباحة على المؤجل وملك
اليمين، فظاهر قوله تعالى في الآية المجوزة "إذا آتيتموهن أجورهن"
فإن مهر المتعة قد أطلق عليه الأمر في آيتها، ولإيماء الأخبار إلى أن
نكاح الكافرة لا يكون إلا في محل الضرورة ولتصريح بعض الأخبار بذلك،
وفيه نظر، لأن الأمر أيضاً يطلق على مطلق المهر وقد ورد في القرآن
أيضاً وصحيحة معاوية بن وهب صريحة في الجواز اختياراً وتصريحاً
وتصريح بعض الأخبار بتجويز نكاحهن بالمتعة لا ينفي جواز غيره بهن وقد
أسهبوا في الخلاف والأدلة بما لا طائل تحته، والمنقّح منه ما لخصناه.
وأكثر المتأخرين أجازوا الزواج من الكتابية:
يقول صاحب اللمعة: ويجوز للمسلم التزويج متعة
واستدامته للنكاح على تقدير إسلامه كما مر بالكافرة الكتابية ومنها
المجوسية، وكان عليه أن يقيدها.
أما الأحاديث والروايات التي وردت من طريق
الشيعة الإمامية فهي لا تحبذ الزواج من الكتابية فهي بين التحريم
والتحليل وحصر الحلية بالمؤقت.
المورد الأول:
ففي التحريم ورد:
1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي
عمير عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله
أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال نكاحهما أحب إلي من
نكاح الناصبية، وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا
النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر.
فعليه عدم الزواج - كما ورد في الحديث - هي أن لا يتأثر الأولاد بدين
أمهم لعلاقتهم بها خصوصاً في السنين الأولى من عمرهم.
2- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن الحسن بن جهم قال
قال لي أبو الحسن الرضا (عليهما السلام) يا أبا محمد ما تقول في رجل
يتزوج نصرانية على مسلمة قلت جعلت فداك وما قولي بين يديك قال:
لتقولن فإن ذلك يعلم به قولي قلت لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة
ولا غير مسلمة قال ولم قلت لقول الله عز وجل: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
"
قال: فما تقول في هذه الآية: " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم[
قلت فقوله " ولا تنكحوا المشركات"
نسخت هذه الآية فتبسم ثم سكت.
فلا يجوز الزواج من الكتابية كزوجة ثانية مع
وجود المسلمة وفضلاً على ذلك وحسب هذه الرواية عدم الجواز مطلقاً.
3- روى محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن
معلى بن محمد عن الحسن بن علي عن إبان عن زرارة عن أعين قال: سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن نكاح اليهودية والنصرانية قال: لا يصلح
للمسلم نكاح اليهودية والنصرانية إنما يحل منهن نكاح البله ومنها أن
يكون ذلك إباحة في حال الضرورة وعند عدم المسلمة ويجري ذلك مجرى
اباحة الميتة والدم عند الخوف على النفس.
المورد الثاني:
إما الروايات الواردة في جواز الزواج من
الكتابية فهي أيضاً كثيرة نذكر منها:
1- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب
عن زكريا بن إبراهيم قال: كنت نصرانياً فأسلمت فقلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): إن أهل بيتي على دين النصرانية فأكون معهم في بيت
واحد وآكل من آنيتهم فقال لي (عليه السلام) أيأكلون لحم الخنزير
قلت:لا قال: لا بأس.
2- وعنه عن الحسن بن محبوب عن العلا عن محمد
بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن نكاح اليهودية
والنصرانية فقال: لا باس به، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبيد الله
يهودية على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
3- وروى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن
أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد
الله (عليه السلام) في الرجل المؤمن يتزوج باليهودية والنصرانية، قال
إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية فقلت له: يكون فيها
الهوى فقال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم أن
عليه في دينه في تزويجه إياها غضاضة.
من هنا فالإباحة مشروطة بإلزام الزوجة
الكتابية بالأحكام الشرعية المؤثر في تربية الأبناء كمنعها من شرب
الخمر وأكل لحم الخنزير.
المورد الثالث:
أما ما ورد في الأحاديث في جواز الزواج من
الكتابية زواجاً منقطعاً فكثيرة هي أيضاً؛ منها:
1- روى محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد
عن محمد بن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في الرجل يتزوج البكر متعة قال يكره للعيب على أهلها ولا باس
أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية.
2- عن محمد بن سنان عن أبان بن عثمان عن زرارة
قال: سمعته يقول: لا بأس بأن يتزوج اليهودية والنصرانية متعة وعنده
امرأة.
3- روى أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان
عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية
فقال: لا بأس فقلت فمجوسية فقال: لا بأس به يعني متعة.
4- وكذلك ما رواه أحمد بن محمد بن عيش عن
الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة.
يظهر من قراءة هذه الأحاديث أنها مختلفة في
المضمون وربما متناقضة أيضاً لكن عند وضعها أمام الدارس الذي يحاول
أن يستجلي الحديث من أبعاده المختلفة، من بحث رجال السند وبحث السند
يستطيع أن يرجح الحديث الصحيح بعد تمييزه عن الحديث المرسل والمنقطع
فهذا هو عمل المجتهد الذي يفتي من خلال ما يوصله النص إلى الحكم
الشرعي.
حصيلة البحث في الآراء:
يمكن لنا أن نستخلص مما تقدم بأن المذاهب
الإسلامية الأربعة تذهب إلى جواز زواج المسلم من الكتابية، أما فقهاء
الإمامية فانقسموا إلى ثلاث فرق: فرقة تجيز الزواج المنقطع والدائم
وفريق لا تجيز الدائم وتجيز المنقطع وفريق لا تجيز المنقطع ولا
الدائم.
وقد ذكر بعض العلماء شروطاً وذكروا آراءً كان
لابد من ذكرها قبل أن نختم البحث وننتقل إلى بحث آخر.
فالشافعية والحنابلة قالوا: يشترط في حل نكاح
الكتابية أن يكون أبواها كتابيين فلو كان أبوها كتابياً وأمها وثنية
لا تحل حتى ولو كانت بالغة واختارت دين أبيها، وصارت كتابية على
المعتمد عند الشافعية.
وهناك قول يتفرد به الزرعي في تحريم الزواج من الكتابية ذكره في
كتابه أحكام أهل الذمة: وقال صالح بن أحمد حدثني أبي حدثنا محمد بن
جعفر حدثنا سعيد بن قتادة أن حذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد الله
والجارود بن المعلى وذكروا آخر تزوجوا نساء من أهل الكتاب فقال لهم
عمر طلقوهن فطلقوا إلا حذيفة فقال عمر: طلقها فقال: تشهد أنها حرام
قال: هي جمرة طلقها، فقال: تشهد أنها حرام فقال: هي جمرة، قال حذيفة
قد علمت أنها جمرة ولكنها لي حلال فأبى أن يطلقها فلما كان بعد طلقها
فقيل له قد ألا طلقها حين التابعين عمر فقال: كرهت أن يظن الناس أني
ركبت أمراً لا ينبغي وقد تأولت الشيعة الآية فقالوا: المحصنات من
المؤمنات من كانت مسلمة في الأصل والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم من كانت كتابية ثم أسلمت وقوله "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"
وأجاب الجمهور بجوابين: أحدهما أن المراد بالمشركات الوثنيات، قالوا
وأهل الكتاب لا يدخلون في لفظ المشركين في كتاب الله تعالى.
قال تعالى: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين"
وقال تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس
والذين أشركوا"
وكذلك الكوافر المنهي عن التمسك بعصمتهن إنما هن المشركات فإن الآية
نزلت في قصة الحديبية، ولم يكن للمسلمين زوجات من أهل الكتاب إذ ذاك
وغاية ما في ذاك التخصيص ولا محذور فيه إذا دل عليه دليل.
يتبع ادناه