انتشار ظاهرة زواج المتعة بين طلبة الجامعات العراقية
مطلقة لـ«الشرق الأوسط»: لجأت لهذا الزواج لأحمي نفسي وطفلي من قسوة الظروف
بغداد: رحمة السالم
الزواج السري أو زواج المتعة أو (المنقطع).. تعددت التسميات والحالة واحدة، أفرزتها ظروف اجتماعية وأخرى اقتصادية، حيث شهدت هذه الزيجات زيادة في العراق في السنوات الاخيرة لاسيما في الجامعات، ولم يعد يسبب حرجا لبعض الفتيات، بل يتباهين بأنهن تزوجن زواج المتعة.
ورغم الجدل الذي يثيره زواج المتعة أو ما يعرف لدى البعض بالزواج المؤقت من اختلاف بين السنة والشيعة لأسباب تتعلق بشروطه وطريقته وصيغته، فان هذه الظاهرة الجديدة ـ القديمة في المجتمع العراقي يشجعها انعدام الأمن والوضع الاقتصادي الذي يعيشه الفرد العراقي. الطالبة سرور خالد، 22 عاماً، قسم اللغة الفرنسية كلية اللغات، تقول لـ «الشرق الاوسط» «أرى الكثير من الطالبات يلجأن الى هذا الزواج حتى باتت ظاهرة تستشري بالجو العام في الكلية، فما ان ترى طالبا وطالبة معا حتى ينتهي بك التفكير بأن الأمر سيأخذ منحى آخر». وتتابع «أغلب هذه الزيجات لا تدوم لأنها تقوم على أسس واهية وليس فيها رابط قوي، سيما واننا نبقى متيقنين بأن البنت الملتزمة غير مجبرة على الدخول في هكذا اتفاقات، وعليه ستكون العواقب السلبية على البنت أكثر من الولد».
من جهتها، ترى (ل. ج)، 30 عاماً، (مطلقة)، وهي طالبة في كلية الإعلام، ان «الشرع حلل لنا نحن المطلقات والأرامل هذا الزواج، وخصوصاً ان الواحدة منا لا تستطيع إعالة نفسها في هذا الوقت الصعب، ليزيد الأمر صعوبة اذا كان مع المرأة المطلقة طفل تخاف ان تفقده اذا تزوجت زواجاً عادياً». وتتابع «لجأت الى هذا الزواج الشرعي ولا اخفيكم اني أطلب مهراً، لاسيما وان يكون اختياري هو للشخص الملتزم الذي يستطيع تحمل تبعات هذا الزواج وأحكامه، وقد ساعدني هذا الأمر على أن أعيل نفسي وطفلي في نفس الوقت».
اما زينة عزيز، طالبة الدراسات العليا (شريعة اسلامية) فقالت لـ «الشرق الاوسط» إن «مسألة الزواج السري او المتعة مجرد فساد مقنع، وهي منتشرة بكثرة في الجامعات والكليات الاهلية والحكومية». وتتابع «أغلب هذه الزيجات لا تتوفر فيها شروط وأحكام زواج المتعة؛ مثل المدة او المهر المقدم للبنت، لاسيما وان هناك بعض الشباب يستغلون الفتيات والطالبات». وتضيف «هذا الزواج أجيز للأرامل والمطلقات، وان يكون عذر الرجل بسفر لمدة طويلة او طريق طويل يتطلب منه الزواج، فيحل له وللمرأة ان يتزوجا بهذه الطريقة وفق الاحكام الشرعية لها». وعن حقوق المراة المكتسبة من وراء هذا الزواج ذكرت «هذا الزواج برأيي يذل المرأة ويحرمها من حقوقها ويعرضها لنظرة قاسية برفض المجتمع لها، ليزيد الأمر سوءاً متى ما حملت من هذا الزواج، وبالتالي ستلجأ الى طرق كثيرة للتخلص من الجنين وهنا الكارثة».
وتقول عواطف طه، طالبة في كلية اهلية، إن «بعض هذه الزيجات يتم عن طريق المراهنات بين الشباب، كأن يراهن شاب بأن الفتاة الفلانية سوف يتزوج بها اليوم متعة، وما ان يصطحب الطالب الفتاة حتى تعرف الكلية بأجمعها بأمر الرهان». وتتابع «لا تقتصر هذه الظاهرة على طلبة الجامعات، وانما تتعداها الى الدوائر الحكومية وأغلبهن من المطلقات والأرامل».
وعن رأي الشرع، يقول عصام الراوي، عضو هيئة علماء المسلمين، إن «الزواج في الاسلام من الامور التعبدية المعلنة، حالها كحال الصلاة، وهناك بعض العبادات المخفية كالزكاة، ومن شروط الزواج وكما هو مشروط بالسنة النبوية بان يعلن على الملأ وتأكيده (الزواج) بوجود وليمة وشيوع الفرح والسرور في بيت العروسين لإعلام الناس بهذا الزواج والذي أساسه الإشهار». وتابع «لا يوجد زواج سري إلا اذا كانت حالات قصوى، كأن تكون البنت ملتزمة والأب سكيرا ويجبرها على الزواج من شخص غير ملتزم او الزيجات التي تتم بطرق عشائرية كزواج (الكصة بالكصة) او إجبار البنت على الزواج بمن لا ترغب الزواج به، فتجيز بعض المذاهب بأن تلجا البنت الى القاضي في مدينتها أو ولي الأمر، وهنا اقصد (ولي الامر مثل المحافظ او حاكم المنطقة) ان يأمر بشخص له أهلية قضائية وشرعية، بعقد قران البنت من الرجل الذي ترغب». وعن شرط هذا الزواج قال «يجب ان يكون الطرفان بمكان عام وليس في مكان سري، وان يكون هناك شهود عدول ووجود رجل دين شرعي له علم بأمور العقود الرسمية بالزواج، ويشترط وجود الولي والذي ذكرناه سابقاً، كأن يكون القاضي او الحاكم او صاحب دولة في المدينة».
ويزيد الراوي «هنا أحب أن أشير الى ان كل هذه الامور لا تنطبق على الزواج السري الذي يعتمد إتيان الزواج بدون علم الأهل ولا ولي الأمر منهم». ويتابع «يجب ان تكون هناك أدلة استشهادية وقاطعة على الزواج السري بأن يكون هناك ولي يقهرها إذا تزوجت ممن ترغب، فلها (البنت) ان تعقد بدون علم أهلها، ولكن ليس بدون علم المجتمع وولي الأمر الذي يمثل الدولة، لاسيما وان الزواج يجب ان يعلن بأي حال من الاحوال». وعن الحقوق المترتبة على زواج السر، قال «لا توجد أي حقوق من وراء هذا الزواج، وهذه ظواهر تهدم المجتمع، خصوصاً وان الحق لا يخفى، فقط الخطيئة هي التي تخفى وهذا شرع الله وعليه لا يجوز بالشرع هكذا أنماط من الزيجات لأنها بالأساس تضر بسمعة البنت وتعطي مؤشرا غير طبيعي عنها، لأنها ستفقد حقوقا لا يضمنها الزواج السري».
من جهته، قال علي الجبوري، العضو في التيار الخالصي، إن «هناك حالة من الزواج أقرها الشرع الاسلامي، الا وهي زواج المتعة او (المنقطع)، ولهذا الزواج شروطه الخاصة وثوابته وحدوده في الفقه والشرع، لاسيما وانها وضعت (الشروط) بممارسته بصورة شرعية ليؤسس زواجا مستقرا فيما بعد». وتابع «إلا ان هناك في الآونة الاخيرة انتهاكا لهذا المشروع ينحصر بسؤال هل هذا الشاب يمارس هذا الزواج بورع وتقوى؟ وهل ان الفتاة بلغت سن الرشد، وهنا يرى بعض المراجع أن الزواج الذي يكون قائما على هتك المذهب او الدين يجب أن يترك». وعن حصر الزواج بمدة معينة، قال الجبوري «أيهما أحسن أن يزني الانسان أم ان يمارس حقه الشرعي بما تقتضيه الحالة، لاسيما وان عقد الزواج قائم على قبول من المرأة وإيجاب من الرجل على مهر معلوم ترضى به المرأة، وأكرر ان ما يمارس تحت بند انتهاك حرمة الدين هذا غير محلل كزواج». وعن الحقوق المترتبة على هذا الزواج في حالة انجاب طفل، أكد الجبوري «الحقوق هي نفسها بالزواج العادي؛ ينسب الطفل الى الاب ويعتبر ولدا شرعيا، وله كافة الحقوق الشرعية من حضانة وغيرها، وهنا لا توجد أية مظلومية للمرأة لأنها سوف يضمن لها أحكام هذا الزواج حقها الشرعي باعتراف الأب بطفلها». وهل يشترط وجود ولي أمر في الزواج السري او المتعة، قال «في الزواج المنقطع او المتعة اذا كانت البنت بكراً يجب موافقة ولي الامر، أما إذا كانت متزوجة أو أرملة فلا يشترط وجود ولي الأمر».
أما رأي الاخصائيين الاجتماعيين في ظاهرة الزواج السري او المتعة، فيرى الدكتور كريم محمد حمزة، استاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد، ان انتشار ظاهرة هذا الزواج تعود الى وجود «انحلال في القيم الأسرية العراقية لأسباب عديدة؛ منها اقتصادية وعملية الهجرة من الريف الى المدينة لتضاف اليها الضغوط السياسية، مما أدى بالتالي الى عدم توفير العائلة الاطمئنان لأبنائها، مما ولد هروباً خارج اطار البيت والأسرة للبحث عن حالات الامن والاطمئنان». وأضاف «نرى ان المجتمع العراقي يمر بأزمة أخلاقية وهي أزمة كبيرة». وعن دور الدولة في معالجة هذه الظواهر قال حمزة إن «للسياسيين مشاريع سياسية تتعلق بالدولة وليس بالمجتمع، وعليه أصبحت الهوة كبيرة بين المجتمع والدولة، وهنا يجب ألا نلوم الشباب، بل نلوم أنفسنا كباحثين واخصائيين بعلم الاجتماع، يجب ان نجد خارطة طريق يستطيع عن طريقها الشباب ان يتجه الى الوجهة الصحيحة، لاسيما وان هناك ظواهر تفرزها الحروب المتكررة والنزاعات، وسوف يتخلص منها المجتمع العراقي لأنها حالات آنية وطارئة، ما ان يستتب الامن والنظام سيعود المجتمع العراقي كسابق عهده صحيا قوامه المشاركة والتآخي».