نداء معماري عاجل إلى ...
وزارة الإسكان/ وزارة البيئة العراقية/ وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي/ وزارة العلوم والتكنولوجيا/ وزارة الموارد المائية/ مركز إنعاش الأهوار/ المركز الوطني لإدارة الموارد المائية/ أقسام العمارة في الجامعات العراقية.
لا تقتلوا الأهوار ... لقد أغنتكم من جوع 7000 عام
د. هاشم عبود الموسوي
سبق وأن سمعتُ قبل سنوات بأن اليابان ولا أدري إن كانت حكومة أو شركة استثمار ستتولى مسألة تطوير منطقة الأهوار... ومنذ ذلك الحين تراجع الحُلم، ولم نعد نسمع عن هذا المشروع أي شيء، وأنا لستُ بالصحفي الحاذق الذي يُسجّل ويُوثّق الأسماء والتواريخ بالشكل المضبوط.
ولكنّي سمعتُ قبل أيام ومن إحدى الفضائيات العراقية، أحد المسؤولين يُصرّح بأنّه تمت المصادقة على إنشاء 5000 وحدة سكنية في منطقة الأهوار.. بقدر ما فرحتُ لسماع الخبر بأنّه أخيراً سيتم الاهتمام بهذه البقعة المهمة تأريخياً وجغرافياً واقتصادياً من العراق.. ولكني أصابني الذعر الشديد، بأنه سيبدأ القضاء نهائياً على الطبيعة والتشكيل البيئي المتكيف والمتعايش مع حياة واجتماعية الإنسان هناك، من خلال كتل بنائية غريبة عليها.
أنا لا أُريد أن أتحدث عن الجفاف وشُحّة المياه، فهذا أمرٌ قد يُحلّ من قبل المتخصصين بمشاريع المياه أو بالطرق السياسية مع دولة المصدر تركيا (ولستُ اقتصادياً لأغوص في إمكانيات الحلول)، ولكني أرى أسهلها هو منح تركيا امتيازات شراء البترول بأسعار مُخفّضة من العراق، مثلما يجري مع الأردن، والتي لم يستفد منها العراق أي شيء طوال كل العهود، فعالم اليوم قائم على مبدأ أفدني وأُفيدك.
ولكنّي أُريد أن أتحدث عن موضوع هو من صلب اختصاصي، فالعمارة كما نفهمها هي وجهٌ واحد ضمن عدة أوجه مختلفة للحضارات تتأثر بالمعتقدات الدينية والهيكل العشائري (الأسري) وطرق العيش والكسب، وهذه العوامل الثلاثة لها تأثير على مختلف المستويات بدءاً من تكوين القرية أو التجمّع الحضري إلى التأثير على شكل البيت المُفرد.
فإذا ما اتخذ القرار ببناء وحدات سكنية تقليدية، مثلما هي تُشيّد في القرى والمُدن العراقية.. فإننا سندق إسفيناً في تابوت منطقة حضارية عاشت لأكثر من 70 قرناً من الزمان، وأثرت بتأريخها وجغرافيتها واقتصاديتها، ليس على العراق وحده، وإنما امتد تأثيرها إقليمياً وعالمياً بشكلٍ ملموس.
لاشكّ وأن مُتّخذ القرار هذا مُضطرٌّ للقيام بأي عمل تحت ضغط من إلحاح المشاكل المحلية المتراكمة، بحثاً عن حل.. الأمر الذي لا يُساعده على التريّث وانتظار الفكر المتأني للمُخطّط الواعي، كي يحوّل البديل المُختار إلى برامج تنفيذية مدروسة بحذر.
ولا أُبالغ حين أقول بأن الأهوار هي جنّة الله المفقودة على أرضه، ولقد جاءت الفرصة المؤاتية.. فأمسكوا عليها بأسنانكم، ولكن حذار من الخطيئة الكُبرى.
الفرصة مؤاتية لإعلان عالمي، ودعوة الأمم المتحدة لتقوم بدورها في وضع الدراسات البيئية والتخطيطية والعمرانية، وبتشكيل لجنة عليا من علماء العراق في علم الاجتماع والبيئة والتخطيط والعمران والفنانين الكبار (وحسب رأيي هم أهم من المعماريين الإنشائيين، ممن تجمّدت قرائحهم التصميمية، ولا يمتلكون الحس الإبداعي الاكتشافي، لعوالم متداخلة من العادات وأساليب العيش، والمهارات، والتصورات الكونية).
إنّ مثل هذا المشروع الضخم (أهوار العراق)، لا يتمّ التعامل معه بهذه السهولة (بناء 5000 وحدة سكنية).
بأي مواد؟ وما هو طابعها المعماري؟ وهل تنسجم بوحدة عضوية مع محيطها؟ وما هي الأبجدية المعمارية التي سيتم اختيارها في مكونات ومفردات هذه العمارة من عقود وفتحات وتفاصيل معمارية تحاكي الطابع المحلي للمضايف وتكون هذه الأنماط ذات مرونة، يُمكن أن تدخل على أي تصميم لأي مبنى يُشيّد هناك دون أي افتعال.. مع الأخذ في الاعتبار لفكرة استخدام الألوان الزاهية التي تنسجم وتتفاعل مع ألوان الطبيعة والمواد المحلية المستعملة لخلق مزيد من التنوّع المقبول من قبل سكان هذه المنطقة.
وإذا لم تدرس الحياة الاجتماعية لإنسان الأهوار بشكلٍ مُتمعّن، فإن التصاميم ستأتي لتُحاكي عادات وتقاليد وحياة سكان الأرياف والمُدن التي نعرفها وقد خبرناها طويلاً.
لقد فشل أشهر معماري عربي "الدكتور حسن فتحي" في توصيل رسالته، في أشهر مشروع معماري في الوطن العربي، ألا وهو قرية القرنة الجديدة، والتي حاز عليها أكبر جائزة عالمية، من خلال عدم قدرته على تقمّص شخصية الفلاح المصري الذي بنى له تلك القرية، والتي لم يسكنها أحد لحد الآن.
والغريب أن دعوة حسن فتحي لعمارة الفقراء انتهت بأنها عمارة للأغنياء، وربما أخطأ هذا المعماري الفذ باعتماده مباشرة البعد التنويري الاجتماعي للعمارة، حاول تحسين الظروف الاجتماعية للفلاحين من خلال تصاميم تحتوي كل الخدمات وتمنح كل فرد في داخل المبنى خصوصيته. فرفضها الفلاحون، لأنهم يعيشون عيشة جماعية ولا يُفضّلون الخصوصية.. ولا يُحبّذون أن تكون دورة المياه في داخل المسكن. وبهذا فإن هذا المُثقّف والمّبدع الكبير فشل في توصيل الرسالة، وهي إنسانية الإنسان، في الوقت الذي كان فيه إنسان هذه المنطقة غير واعٍ بفكرة خصوصيته كإنسان، وفي أثناء التحضير لأطروحة الماجستير في ستينات القرن الماضي في ألمانيا طلب منا الأستاذ المُشرف إعداد تقرير تحليلي عن أمثلة من المجمعات الإسكانية المهجورة في العالم، فوجدنا على سبيل المثال بأن قرى عصرية شُيّدت في أطراف مدينة "سارايفو" عاصمة البوسنة حالياً على شكل عمارات سكنية حديثة، كانت تحتوي على كل متطلبات الحياة العصرية آنذاك.. لتؤوي فلاحي هذه القرى، إلا أن الفلاحين هجروها وعادوا إلى أكواخهم، لعدم تناسبها مع نمط حياتهم وبيوتهم التي كانت تحتوي حتى على زرائب للحيوانات. وعثرنا كذلك على كتاب قيّم كانت قد كتبته صحفية أمريكية بعنوان "موت وحياة بعض المدن الأمريكية"، وقد أشارت إلى مدنٍ كاملة شُيّدت لتؤوي العاملين في المصانع الجديدة، التي انتشرت مع انتشار وتطوّر الثورة الصناعية في بداية القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية ثم أفرغت من ساكنيها، وبقيت خاوية، لعدم تلاؤم حياة هؤلاء الوافدين مع أفكار المعماريين الذين خطّطوا أو صمّموا هذه المجمعات السكنية.
أنا أرى بأننا لو استطعنا أن نجد مهندساً معمارياً (معيدي) وعاش مع الجاموس منذ طفولته، فإنّه سيكون أقدر على إيجاد الأنماط والأشكال البنائية المُحبّبة لسكان هذه المنطقة المتفردة بكل خصائصها.. وسيكون أفضل حتى من أحسن عباقرة العمارة الحديثة في الدول المتقدمة.
وإذا ما اضطررنا لإعلان مسابقة دولية لوضع الدراسات والتصاميم لهذه المنطقة.. فإنني أُشير هنا إلى التجارب الناجحة، والخبرة الجيدة التي يمتلكها مخططوا ومعماريوا دول جنوب شرق آسيا، والذين أبدعوا في دراسة واقعهم البيئي والاجتماعي وأعطوا حلولاً عمرانية ناجحة، لم يرق إلى مستواها المعماريون الأوروبيون، إضافةً إلى أنهم أقرب إلينا في العادات والبيئة والتراث والدين أحياناً.
وبالرجوع إلى متخذ القرار، وهو في المقام الأول، ولنقل بدافع النيّة السليمة، هو رجلٌ سياسي قبل أن يكون مسؤولاً فنياً أو علمياً.. وهو رجلٌ سياسي مُعيّن لتنفيذ توجيهات السلطة الفوقية، وقد يكون وسيلة لاستقصاء الفكر من القاعدة الشعبية، ثم يمزجه بالعلم المتخصص، لينقله إلى القيادة السياسية كموصّل جيد وينتظر منها القرار.
على كل الأحوال الأمر يتطلّب منا مساعدة متخذ القرار على اتخاذ القرار الصحيح.
وهذه التناقضات التي نعرضها في هذه المقالة، تُصيب كثيراً من المجتمعات النامية، التي لم تشبّ وتنضج ديمقراطياً، فاتخاذ القرار قبل كل شيء، أسلوب ديمقراطي يمزج الرغبات الشعبية بالخبرات العلمية كوسيلة لعبور الفجوة بين المخطط ومتخذ القرار.
وأخيراً أقول لكم حذار من الخطيئة الكبرى، ولا تقتلوا الأهوار بكتلٍ بنائية غريبة عنها.
لقد أغنتكم هذه المستودعات المائية على بدائيتها من جوعٍ لمدة 7000 عام فكونوا أوفياء.
وزارة الإسكان/ وزارة البيئة العراقية/ وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي/ وزارة العلوم والتكنولوجيا/ وزارة الموارد المائية/ مركز إنعاش الأهوار/ المركز الوطني لإدارة الموارد المائية/ أقسام العمارة في الجامعات العراقية.
لا تقتلوا الأهوار ... لقد أغنتكم من جوع 7000 عام
د. هاشم عبود الموسوي
سبق وأن سمعتُ قبل سنوات بأن اليابان ولا أدري إن كانت حكومة أو شركة استثمار ستتولى مسألة تطوير منطقة الأهوار... ومنذ ذلك الحين تراجع الحُلم، ولم نعد نسمع عن هذا المشروع أي شيء، وأنا لستُ بالصحفي الحاذق الذي يُسجّل ويُوثّق الأسماء والتواريخ بالشكل المضبوط.
ولكنّي سمعتُ قبل أيام ومن إحدى الفضائيات العراقية، أحد المسؤولين يُصرّح بأنّه تمت المصادقة على إنشاء 5000 وحدة سكنية في منطقة الأهوار.. بقدر ما فرحتُ لسماع الخبر بأنّه أخيراً سيتم الاهتمام بهذه البقعة المهمة تأريخياً وجغرافياً واقتصادياً من العراق.. ولكني أصابني الذعر الشديد، بأنه سيبدأ القضاء نهائياً على الطبيعة والتشكيل البيئي المتكيف والمتعايش مع حياة واجتماعية الإنسان هناك، من خلال كتل بنائية غريبة عليها.
أنا لا أُريد أن أتحدث عن الجفاف وشُحّة المياه، فهذا أمرٌ قد يُحلّ من قبل المتخصصين بمشاريع المياه أو بالطرق السياسية مع دولة المصدر تركيا (ولستُ اقتصادياً لأغوص في إمكانيات الحلول)، ولكني أرى أسهلها هو منح تركيا امتيازات شراء البترول بأسعار مُخفّضة من العراق، مثلما يجري مع الأردن، والتي لم يستفد منها العراق أي شيء طوال كل العهود، فعالم اليوم قائم على مبدأ أفدني وأُفيدك.
ولكنّي أُريد أن أتحدث عن موضوع هو من صلب اختصاصي، فالعمارة كما نفهمها هي وجهٌ واحد ضمن عدة أوجه مختلفة للحضارات تتأثر بالمعتقدات الدينية والهيكل العشائري (الأسري) وطرق العيش والكسب، وهذه العوامل الثلاثة لها تأثير على مختلف المستويات بدءاً من تكوين القرية أو التجمّع الحضري إلى التأثير على شكل البيت المُفرد.
فإذا ما اتخذ القرار ببناء وحدات سكنية تقليدية، مثلما هي تُشيّد في القرى والمُدن العراقية.. فإننا سندق إسفيناً في تابوت منطقة حضارية عاشت لأكثر من 70 قرناً من الزمان، وأثرت بتأريخها وجغرافيتها واقتصاديتها، ليس على العراق وحده، وإنما امتد تأثيرها إقليمياً وعالمياً بشكلٍ ملموس.
لاشكّ وأن مُتّخذ القرار هذا مُضطرٌّ للقيام بأي عمل تحت ضغط من إلحاح المشاكل المحلية المتراكمة، بحثاً عن حل.. الأمر الذي لا يُساعده على التريّث وانتظار الفكر المتأني للمُخطّط الواعي، كي يحوّل البديل المُختار إلى برامج تنفيذية مدروسة بحذر.
ولا أُبالغ حين أقول بأن الأهوار هي جنّة الله المفقودة على أرضه، ولقد جاءت الفرصة المؤاتية.. فأمسكوا عليها بأسنانكم، ولكن حذار من الخطيئة الكُبرى.
الفرصة مؤاتية لإعلان عالمي، ودعوة الأمم المتحدة لتقوم بدورها في وضع الدراسات البيئية والتخطيطية والعمرانية، وبتشكيل لجنة عليا من علماء العراق في علم الاجتماع والبيئة والتخطيط والعمران والفنانين الكبار (وحسب رأيي هم أهم من المعماريين الإنشائيين، ممن تجمّدت قرائحهم التصميمية، ولا يمتلكون الحس الإبداعي الاكتشافي، لعوالم متداخلة من العادات وأساليب العيش، والمهارات، والتصورات الكونية).
إنّ مثل هذا المشروع الضخم (أهوار العراق)، لا يتمّ التعامل معه بهذه السهولة (بناء 5000 وحدة سكنية).
بأي مواد؟ وما هو طابعها المعماري؟ وهل تنسجم بوحدة عضوية مع محيطها؟ وما هي الأبجدية المعمارية التي سيتم اختيارها في مكونات ومفردات هذه العمارة من عقود وفتحات وتفاصيل معمارية تحاكي الطابع المحلي للمضايف وتكون هذه الأنماط ذات مرونة، يُمكن أن تدخل على أي تصميم لأي مبنى يُشيّد هناك دون أي افتعال.. مع الأخذ في الاعتبار لفكرة استخدام الألوان الزاهية التي تنسجم وتتفاعل مع ألوان الطبيعة والمواد المحلية المستعملة لخلق مزيد من التنوّع المقبول من قبل سكان هذه المنطقة.
وإذا لم تدرس الحياة الاجتماعية لإنسان الأهوار بشكلٍ مُتمعّن، فإن التصاميم ستأتي لتُحاكي عادات وتقاليد وحياة سكان الأرياف والمُدن التي نعرفها وقد خبرناها طويلاً.
لقد فشل أشهر معماري عربي "الدكتور حسن فتحي" في توصيل رسالته، في أشهر مشروع معماري في الوطن العربي، ألا وهو قرية القرنة الجديدة، والتي حاز عليها أكبر جائزة عالمية، من خلال عدم قدرته على تقمّص شخصية الفلاح المصري الذي بنى له تلك القرية، والتي لم يسكنها أحد لحد الآن.
والغريب أن دعوة حسن فتحي لعمارة الفقراء انتهت بأنها عمارة للأغنياء، وربما أخطأ هذا المعماري الفذ باعتماده مباشرة البعد التنويري الاجتماعي للعمارة، حاول تحسين الظروف الاجتماعية للفلاحين من خلال تصاميم تحتوي كل الخدمات وتمنح كل فرد في داخل المبنى خصوصيته. فرفضها الفلاحون، لأنهم يعيشون عيشة جماعية ولا يُفضّلون الخصوصية.. ولا يُحبّذون أن تكون دورة المياه في داخل المسكن. وبهذا فإن هذا المُثقّف والمّبدع الكبير فشل في توصيل الرسالة، وهي إنسانية الإنسان، في الوقت الذي كان فيه إنسان هذه المنطقة غير واعٍ بفكرة خصوصيته كإنسان، وفي أثناء التحضير لأطروحة الماجستير في ستينات القرن الماضي في ألمانيا طلب منا الأستاذ المُشرف إعداد تقرير تحليلي عن أمثلة من المجمعات الإسكانية المهجورة في العالم، فوجدنا على سبيل المثال بأن قرى عصرية شُيّدت في أطراف مدينة "سارايفو" عاصمة البوسنة حالياً على شكل عمارات سكنية حديثة، كانت تحتوي على كل متطلبات الحياة العصرية آنذاك.. لتؤوي فلاحي هذه القرى، إلا أن الفلاحين هجروها وعادوا إلى أكواخهم، لعدم تناسبها مع نمط حياتهم وبيوتهم التي كانت تحتوي حتى على زرائب للحيوانات. وعثرنا كذلك على كتاب قيّم كانت قد كتبته صحفية أمريكية بعنوان "موت وحياة بعض المدن الأمريكية"، وقد أشارت إلى مدنٍ كاملة شُيّدت لتؤوي العاملين في المصانع الجديدة، التي انتشرت مع انتشار وتطوّر الثورة الصناعية في بداية القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية ثم أفرغت من ساكنيها، وبقيت خاوية، لعدم تلاؤم حياة هؤلاء الوافدين مع أفكار المعماريين الذين خطّطوا أو صمّموا هذه المجمعات السكنية.
أنا أرى بأننا لو استطعنا أن نجد مهندساً معمارياً (معيدي) وعاش مع الجاموس منذ طفولته، فإنّه سيكون أقدر على إيجاد الأنماط والأشكال البنائية المُحبّبة لسكان هذه المنطقة المتفردة بكل خصائصها.. وسيكون أفضل حتى من أحسن عباقرة العمارة الحديثة في الدول المتقدمة.
وإذا ما اضطررنا لإعلان مسابقة دولية لوضع الدراسات والتصاميم لهذه المنطقة.. فإنني أُشير هنا إلى التجارب الناجحة، والخبرة الجيدة التي يمتلكها مخططوا ومعماريوا دول جنوب شرق آسيا، والذين أبدعوا في دراسة واقعهم البيئي والاجتماعي وأعطوا حلولاً عمرانية ناجحة، لم يرق إلى مستواها المعماريون الأوروبيون، إضافةً إلى أنهم أقرب إلينا في العادات والبيئة والتراث والدين أحياناً.
وبالرجوع إلى متخذ القرار، وهو في المقام الأول، ولنقل بدافع النيّة السليمة، هو رجلٌ سياسي قبل أن يكون مسؤولاً فنياً أو علمياً.. وهو رجلٌ سياسي مُعيّن لتنفيذ توجيهات السلطة الفوقية، وقد يكون وسيلة لاستقصاء الفكر من القاعدة الشعبية، ثم يمزجه بالعلم المتخصص، لينقله إلى القيادة السياسية كموصّل جيد وينتظر منها القرار.
على كل الأحوال الأمر يتطلّب منا مساعدة متخذ القرار على اتخاذ القرار الصحيح.
وهذه التناقضات التي نعرضها في هذه المقالة، تُصيب كثيراً من المجتمعات النامية، التي لم تشبّ وتنضج ديمقراطياً، فاتخاذ القرار قبل كل شيء، أسلوب ديمقراطي يمزج الرغبات الشعبية بالخبرات العلمية كوسيلة لعبور الفجوة بين المخطط ومتخذ القرار.
وأخيراً أقول لكم حذار من الخطيئة الكبرى، ولا تقتلوا الأهوار بكتلٍ بنائية غريبة عنها.
لقد أغنتكم هذه المستودعات المائية على بدائيتها من جوعٍ لمدة 7000 عام فكونوا أوفياء.