-(الأمام العباس ع) أنشودة الأحرار في كلّ زمان ومكان.-
عايدة الربيعي
السلام عليك يا أبا الفضل العباس
((لا أرهب الموت إذا الموت رقـا حتى أوارى في المصاليت لِقا
نفسي لنفس المصطفى الطهرِ وِقا إني أنا العباس أغدو بالســقا
ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى ))
نفسي لنفس المصطفى الطهرِ وِقا إني أنا العباس أغدو بالســقا
ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى ))
....
هل يكفي أن نفتح ملف خاص بأبي الفضل العباس ع؟
هل يكفي أن نمتد حبا له في كل المواسم؟
هل تكفي خلجاتنا وشاح لرسالة نائمة كجرح مغلق منذ آلاف السنين؟
هل يستيقظ الحبيب بين أجنحة الاحتضان ليغتال الاشتياق وبعض من الحنين بعد مضي خمسة أيام من رحلة اللقاء
وهل ينهض التاريخ كله بناره حين يسمع بمقتله وكما يرويه عبد الزهرة الكعبي انه العباس ع يتجدد الحزن على أرصفة الحزن الحسيني بذكراه؟
حين أعانق اسمه تتدحرج كل أمسياتي وليلي وصورتي لأغرق في نزيف روحي يتعبني، يريحني، نزيف من البكاء الذي التذ بألمه لأعانق الجرح العاشوري الذي لم يغلق أو يلتئم؛ لأنه يذكرني كيف يعيش الأحرار استشهادا وكيف يستشهدون بكبرياء
تلك تجعلني أنام مستوطنة حبهم لتثير مخيلتي آلاف القصائد الحرة التي لااجرؤ على كتابتها!
أن اكتب الشعر نثرا بدمائهم و كيف أغفو كجفني طفل ؛ هو انتمائي لنبوءة الحب في طقوس غربتهم تحت بوابة الشمس التي خلد نورها لأجلهم ولأجلهم فقط تحيا الشمس والقمر والأرض ووو .
حين أصغي لحضارة ذلك الحب تنساب روحي لتسترخي على منبر الحكمة كي احفظ وأحافظ عليه في قرارة نفسي التي طالما أحياها ذكرهم لتطمأن في غفوة الحنان والأمان من كل شئ بقربهم وبشفاعة لاترد ، تلوح لي تزداد التصاقا فأبقى عالقة في عطر كما جن عابس بحب الحسين،
أنا امرأة حبلى بحبهم تسير تحت ظل حبهم تحيا بعطر حضرتهم تشتاق إلى ورقة وقلم يتعمد وجود الحياة ، تتعلم كيف تكون الأبجدية حين تعرف الوجع الذي تتركه الكلمات حين اكتبها ، اسمعها أو ارددها حبا لله بهم
وقت الصلاة ووقت النظر إلى تلك القباب والمآذن في زيارات انويها قربة في محبتهم لأجمع بين كل تلك الأصوات أتفجر انسانة من جيش دقيق في الاختيار مهيب خالص فطري فطرة الفرات
أكبر يكبر حبهم،طردي ذلك الحب نما كطفلي في أحشائي وقصيدتي التي لم تنضج بعد، يحط عند قافيتها الجمال كله مع تقدم سني لألوذ في سيرة عظيمة تكون شامخة كل الحروف وقتئذ بذكر العباس ع
فيكون نزف روحي ونجوم ليلي ووقت سحر التضرع إلى الله بذكرهم
أمضي تحرضني السنون وعاشورات تتوالد من حبر الأقلام في ضمير الورقة المعنونة في رائحة المسير لأدون ما تراه الأهداب من شهادة الدموع
في همة.. تنهض الشوارع بإقدامنا مراسيم تقام في مسيرات الحب المليونية الراجلة في اكبر معارضة على الطغيان فوق الأرض، تتجلى فيها جميع الفنون الحسية والادراكية للتعبير عن الإخلاص في شفافية العلاقة بين العاشق والمعشوق كانت وستبقى جسورا تربطنا بالواقعة بسلالم الحق، نتسلقها نعانق بجرعات كبيرة دروس وعبر بفهم القضية والترفع عن الذلة
كم عتيقة تلك الصلة بين ليلة العاشر وليليتي الآن، ويوم الأربعين!
قبل أيام كنت أسير مع الجموع لأرى اكبر لوحة فنية بلون الحب بين( العاشق والمعشوق)
مسير سيمفوني نلمسه ونسمعه فتشتبك أوتاره بأراوحنا وحناجرنا الناطقة( لبيكم سادتي) وحين تتردد بين الجموع، تتيقنها ألذات، إن حبهم يهذب الحجر فكيف بمن يحب ؟.
.....
العباس ع قصيدة الحرية والوفاء في جسد كربلاء على هذا الكوكب.
مرت على شهادته آلاف السنين ولكن
لازال يغط بأجنحته ضوء القمر ليواري نزيف كفوفه الطاهرة
سيدي يارجل العصر و الوفاء الذي يسمع أنين الانكسار عند نادبيك
ها آنت تسابق الشمس تمتد، تسكن ذاك الأنين بثراء يديك الكريمتين .
العباس بن علي هو.. العباس ويقصد به الأسد الذي تفر منه الأسود. كما يعني كثير التهجم والعبوس شجاعاً لا يخشى في الله لومة لائم. فدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه, فأبدله الله عز وجل بهما بجناحين
وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلةً يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة) نافذ البصيرة, صلب الأيمان, جاهد مع أبي عبد الله فأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيدا
أن الحسين عليه السلام وقف عليه ساعة استشهاده وقال:
(الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي)
كان ابو الفضل رمز الأخوة والفداء وكان (عليه السلام) يستحق أن يكون ذلك القائد الميداني، حيث أعطاه الحسين (عليه السلام) رايته.
ليس في دنيا الأنساب نسب أسمى، ولا أرفع من نسب أبي الفضل فهو من صميم الأسرة العلوية، التي هي من أجلّ وأشرف الأسر التي عرفتها الإنسانية في جميع أدوارها، تلك الأسرة العريقة في الشرف والمجد، والتي أمدّت العالم العربي والإسلامي بعناصر الفضيلة، والتضحية في سبيل الخير، وما ينفع الناس، وأضاءت الحياة العامة بروح التقوى، والإيمان، أمه الجليلة المكرّمة السيدة الزكية (فاطمة بنت حزام بن خالد) وأبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب..
فحين أراد الإمام علي (ع) أن يتزوج ندب أخاه عقيلاً، وكان عالماً بأنساب العرب أن يخطب له إمرأة قد ولدتها الفحول ليتزوّجها ولتلد غلاماً زكياً شجاعاً لينصر ولده أبا الشهداء في ميدان كربلاء فأشار عليه عقيل بالسيّدة أمّ البنين الكلابية فإنّه ليس في العرب من هو أشجع من أهلها، ولا أفرس من قومها لم يعرف العرب مثلهم في الشجاعة، فرأى فيها العقل الراجح، والإيمان الوثيق وسموّ الآداب، ومحاسن الصفات...
فكان أوّل مولود زكيّ للسيّدة أمّ البنين هو سيّدنا المعظّم أبو الفضل العباس (ع)، وقد أزدهرت يثرب، وأشرقت الدنيا بولادته وسرت موجات من الفرح والسرور بين أفراد الأسرة العلوية، فقد ولد قمرهم المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره، كان صورة بارعة من صور الجمال، وقد لقّب بقمر بني هاشم لروعة بهائه، وجمال طلعته، وكان متكامل الجسم قد بدت عليه آثار البطولة والشجاعة، ووصفه الرواة بأنه كان وسيماً جميلاً، يركب الفرس (ألمطهم) ورجلاه تخطان في الأرض.
وأضاف إلى الهاشميين مجداً خالداً وذكراً ندياً عاطراً، وحينما بشّر الإمام (ع) بهذا المولود المبارك سارع إلى الدار فتناوله، وأوسعه تقبيلاً، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى،
أفاد بعض المحقّقين أنه ولد سنة (26 هـ) في اليوم الرابع من شهر شعبان.
-(عبــست وجـوه القوم خوف الموت والعـــبّاس فــــيهم ضــاحك متبسّم ) -
عبوساً في وجه المنكر والباطل، ومنطلق البسمات في وجه الخير، وكان كما تنبّأ عبوساً في ميادين الحروب، فقد دمّر كتائبها وجندل أبطالها، وخيّم الموت على جميع قطاعات الجيش في يوم كربلاء،
(أبو الفضل..)
كنّي بذلك لأنّ له ولداً اسمه الفضل، ويقول في ذلك بعض من رثاه:
(أبا الفضل يا مـــن أسّس الفضل والإبا أبى الفـــضل إلا أن تــــكون لــه أبا)
ومصدر الفضل الفياض فقد أفاض في حياته ببرّه وعطائه على القاصدين لنبله وجوده، وبعد شهادته كان موئلاً وملجأً لكل ملهوف، فما إستجار به قربة إلى الله أحد بنيّة صادقة إلا كشف الله ما ألمّ به من المحن والبلوى.
له عدّة ألقاب رفيعة تنمّ عن نزعاته النفسية الطيبة، وما اتصف به من مكارم الأخلاق وهي
) قمر بني هاشم)
لروعة بهائه، وجميل صورته فكان آية من آيات الجمال، ولذلك لقّب بقمر بني هاشم، وكما كان قمراً لأسرته العلوية الكريمة، فقد كان قمراً في دنيا الإسلام، فقد أضاء طريق الشهادة، وأنار مقاصدها لجميع المسلمين
(بطل العلقمي)
أمّا العلقمي فهو اسم للنهر الذي إستشهد على ضفافه أبو الفضل العباس (ع)، وكان محاطاً بقوى مكثّفة من قبل ابن مرجانة لمنع ريحانة رسول الله (ص) وسيّد شباب أهل الجنّة، ومن كان معه من نساء وأطفال من شرب الماء، وقد استطاع أبو الفضل بعزمه الجبّار، وبطولته النادرة أن يجندل الأبطال، ويهزم أقزام ذلك الجيش المنحطّ، ويحتلّ ذلك النهر، وقد قام بذلك عدّة مرّات، وفي المرّة الأخيرة استشهد على ضفافه ومن ثمّ لقّب ببطل العلقمي.
(السقّاء)
وهذا اللقب من أجلّ ألقابه، وأحبّها إليه، أما السبب في إمضاء هذا اللقب الكريم عليه فهو لقيامه بسقاية عطاشى أهل البيت ع
(حامل اللواء)
ومن ألقابه المشهورة وهو أشرف لواء، إنّه لواء أبي الأحرار الإمام الحسين (ع)، وقد خصّه به دون أهل بيته وأصحابه (ع)، لما تتوفر فيه من القابليات العسكرية، ويعتبر منح اللواء في ذلك العصر من أهمّ المناصب الحسّاسة في الجيش وقد كان اللواء الذي تقلّده أبو الفضل يرفرف على رأس الإمام (ع) منذ أن خرج من يثرب حتّى إنتهى إلى كربلاء، وقد قبضه بيد من حديد، فلم يسقط منه حتى قطعت يداه، وهوى صريعاً بجنب العلقمي.
(كبش الكتيبة)
وهو من الألقاب الكريمة التي تمنح إلى القائد الأعلى في الجيش، الذي يقوم بحماية كتائب جيشه بحسن تدبير، وقوّة بأس، وقد أضفي هذا الوسام الرفيع عليه،وذلك لما أبداه يوم الطفّ من الشجاعة والبسالة في الذبّ والدفاع عن معسكر الإمام الحسين ع، فقد كان قوّة ضاربة في معسكر أخيه، وصاعقة مرعبة ومدمّرة لجيوش الباطل
(العميد)
وهو من الألقاب الجليلة في الجيش التي تمنح لأبرز الأعضاء في القيادة العسكرية، وقد قلّد (ع) بهذا الوسام لأنّه كان عميد الجيش وقائد قوّاته المسلّحة في يوم الطفّ.
(حامي الضعينة)
وهو من الألقاب المشهورة لأبي الفضل ع
أضفي عليه هذا اللقب الكريم لقيامه بدور مشرّف في رعاية مخدرات النبوة وعقائل الوحي، فقد بذل قصارى جهوده في حمايتهنّ وحراستهنّ وخدمتهنّ، فكان هو الذي يقوم بترحيلهنّ، وأنزالهنّ من المحامل طيلة إنتقالهنّ من يثرب إلى كربلاء.
(باب الحوائج)
وهذا من أكثر ألقابه شيوعاً، وإنتشاراً بين الناس، فقد آمنوا وأيقنوا أنه ما قصده ذو حاجة بنية خالصة قربة إلى الله إلا قضى الله حاجته، وما قصده مكروب إلا كشف الله ما ألمّ به من محن الأيام، وكوارث الزمان، فهو نفحة من رحمات الله، وباب من أبوابه، ووسيلة من وسائله، وله عنده الجاه العظيم، وذلك لجهاده المقدّس في نصرة الإسلام، والذبّ عن أهدافه ومبادئه، وقيامه بنصرة ريحانة رسول الله (ص) حتى إستشهد في سبيل الله، هذه بعض ألقابه، وهي تحكي بعض معالم شخصيته العظيمة وما انطوت عليه من محاسن الصفات ومكارم الأخلاق.
كان الإمام أمير المؤمنين (ع) يرعى ولده أبا الفضل في طفولته، ويعنى به كأشدّ ما تكون العناية فأفاض عليه مكوّنات نفسه العظيمة العامرة بالإيمان والمثل العليا، وقد توسّم فيه أنه سيكون بطلاً من أبطال الإسلام، وسيسجّل للمسلمين صفحات مشرقة من العزّة والكرامة.
كان الإمام أمير المؤمنين (ع) يوسع العباس تقبيلاً، وقد إحتلّ عواطفه وقلبه، ويقول المؤرّخون:
( إنّه أجلسه في حجره فشمّر العبّاس عن ساعديه، فجعل الإمام يقبّلهما، وهو غارق في البكاء، فبهرت أمّ البنين، وراحت تقول للإمام:
(ما يبكيك؟) فأجابها الإمام بصوت خافت حزين النبرات نظرت إلى هذين الكفّين، وتذكّرت ما يجري عليهما..) وسارعت أمّ البنين بلهفة قائلة:
(ماذا يجري عليهما؟) .. فأجابها الإمام بنبرات مليئة بالأسى والحزن قائلاً:
)إنّهما يقطعان من الزند..) وكانت هذه الكلمات كصاعقة على أمّ البنين، فقد ذاب قلبها، وسارعت وهي مذهولة قائلة: ( لماذا يقطعان؟).. وأخبرها الإمام (ع) بأنّهما إنّما يقطعان في نصرة الإسلام والذبّ عن أخيه حامي شريعة الله ريحانة رسول الله (ص)، فأجهشت أمّ البنين في البكاء، وشاركتها من كانت معها من النساء لوعتها وحزنها.
وخلدت أمّ البنين إلى الصبر، وحمدت الله تعالى
نشأ (ع) نشأةً صالحة كريمة، قلّما يظفر بها إنسان فقد نشأ في ظلال أبيه رائد العدالة الإجتماعية في الأرض، فغذّاه بعلومه وتقواه، وأشاع في نفسه النزعات الشريفة، والعادات الطيّبة ليكون مثالاً عنه، وأنموذجاً لمثله، كما غرست أمّه السيّدة فاطمة في نفسه، جميع صفات الفضيلة والكمال، وغذّته بحبّ الخالق العظيم فجعلته في أيّام طفولته يتطلّع إلى مرضاته وطاعته، وظلّ ذلك ملازماً له طوال حياته.
ولازم أبو الفضل أخويه السبطين ريحانتي رسول الله (ص) الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة فكان يتلقّى منهما قواعد الفضيلة، وأسس الآداب الرفيعة، وقد لازم بصورة خاصة أخاه أبا الشهداء الإمام الحسين (ع) فكان لا يفارقه في حله وترحاله، وقد تأثّر بسلوكه، وإنطبعت في قرارة نفسه مثله الكريمة وسجاياه الحميدة حتى صار صورة صادقة عنه يحكيه في مثله وإتجاهاته، وقد أخلص له الإمام الحسين كأعظم ما يكون الإخلاص وقدّمه على جميع أهل بيته لما رأى منه من الودّ الصادق له حتى فداه بنفسه.
السلام عليك يا ساقي عطاشى كربلاء
عايدة.
عايدة.
منقول