ليس بوسع أحد قطعاً إدراك الحكمة الإلهية في جملة واسعة من الوقائع والشواهد المختلفة، بل وحتى التساؤلات والاستفسارات المتعددة، رغم أن، بعض الأمور من البديهيات الواضحة والجلية التي لا خلاف فيها، ولكن - ورغم كل ذلك - فإنه يمكن للمرء أن يرتب ويتأمل ويستنتج جملة واسعة من الأسباب الموضوعية المبينة على الاستقراء الرصين والعقلاني الذي ينبغي أن يكون هو المحك والمحور الأساسي في ذلك الفهم وفي ذلك التصور.
ولعل من تلك الوقائع هو عدم ذكر اسم علي (عليه السلام) في القرآن الكريم حيث دفع ذلك كثيرين للبحث والنقاش والتأمل لما للإمام علي (عليه السلام) من المكانة العالية، والمنزلة السامية في شرف الرسالة الإسلامية المباركة.
ورغم أن الأمر لله من قبل ومن بعد وهو ما يسلم به المتسائلون إلا أنهم يرجعون ذلك لحكمة سماوية دقيقة لعل مزيداً من التأمل والتدبر في الظروف التي تحيط بها، والتي ترتبط ارتباطاً متماسكاً بها، يقود لمعرفة بعض خيوطها وأسبابها.
ولنحاول أن نتجاوز الخوض في هذا المضمار الواسع والكبير ملقين تبعة ذلك على ما سنفهمه من وقائع محاورة علمية جرت بين بعض من علماء السنة والشيعة، وفي جو ودي تسوده المحبة، ويحكمه التفاهم وحسن النية، بعيداً عن التعصب والتحزب.
فقد شرعت المناظرة بين الطرفين بتساؤل بعض علماء السنة عن تفسير الشيعة لعلة عدم ورود اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم، لاسيما وهم يقولون (أي الشيعة) إن الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الإمام علي (عليه السلام) نصاً وعقلاً، إذ لو ورد اسمه في القرآن لما نشأت مشكلة الخلاف والتعارض والتضارب بين فرق المسلمين.
فأجابه أحد علماء الشيعة بأن اسم أي رجل من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يرد في القرآن الكريم، عدا زيد بن حارثة لارتباطه بزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بزينب زوجته السابقة (أي ما جاء في سورة الأحزاب) (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها).
فرد عليه العالم السني بأنه إذا كان اسم زيد قد ورد في القرآن الكريم لتوضيح حكم فرعي، فالأولى أن يرد اسم علي (عليه السلام) لتعلقه بحكم أصلي مهم وهو الإمامة.
فرد عليه العالم الشيعي بأن هذا الأمر يرده التأمل البسيط في مجمل مجريات الأمور والظواهر الكبرى التي كانت واضحة المعالم، بيّنة الأبعاد في المجتمع الإسلامي الفتي آنذاك.
لقد كان أعداء علي (عليه السلام) كثر، ومبغضيه أكثر، وحاسديه أكثر وأكثر، وحيث كانوا لا يتوانون عن فعل أي شيء لقتله أو إقصائه عن الساحة الإسلامية وواجهتها الكبرى ولما كانت نسخ القرآن الكريم المتداولة بين أيدي الناس معدودة، وحُفاظه متفرقون في الأقطار والأمصار، فلم يكن بعسير على بعض أولئك اللجوء إلى تحريف القرآن، وحذف ما يجدونه من ذكر لعلي (عليه السلام)، وهنا يعود الضرر على كتاب الله تبارك وتعالى، ويضيع بين ظهراني الأمة، وتبقى كالإبل السائبة الحائرة والتائهة.
ثم إن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يأل جهداً في تعريف الأمة بالوصي من بعده في أكثر من مناسبة ومكان، بل وتراه (صلى الله عليه وآله) قد تعرّض إلى توضيح الكليات والعموميات التي كان يتحدث أو يشير فيها القرآن الكريم إلى الإمام علي (عليه السلام) ووصايته وخلافته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهنا تساءل العالم السني عن المواضع التي وردت في القرآن الكريم، والمتحدثة أو المشيرة إلى وصف علي (عليه السلام).
فأجابه العالم الشيعي بأن هناك العشرات - إذا لم تكن المئات كما في بعض التفاسير المختلفة - ومن الآيات القرآنية المشيرة إلى هذا الأمر، مثل:
الآية 55 من سورة المائدة وهي آية الولاية، الآية 59 من سورة النساء وهي آية الطاعة، الآية 61 من سورة آل عمران وهي آية المباهلة، الآية 33 من سورة الأحزاب وهي آية التطهير، الآية 67 من سورة المائدة وهي آية الإبلاغ، الآية 214 من سورة الشعراء وهي آية الإنذار، الآية 23 من سورة الشورى وهي آية المودة، الآية 3 من سورة المائدة وهي آية الإكمال.
وغير ذلك مما لا يعسر إدراكه ومعرفته.
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة وغيرها، وكما أوضحته كتب التفاسير المختلفة والمتعددة، والأحاديث الموضحة لسبب نزولها وعلة ذلك وما يراد بها، والمنقولة في كتب الفريقين، ومن خلال طرقهما الخاصة، كل ذلك يُظهر بوضوح جلي أن المراد بذلك القول القاطع بالخلافة المباشرة لعلي (عليه السلام) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله).
ثم ألم يرد في القرآن الكريم قول الله عز وجل (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوه) [سورة الحشر: الآية 7].
إذن فإن ما يرد به أمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن على الأمة أن تأخذ به، وتمتثل له، لأن في رده وعدم طاعته معصية لله عز وجل، ومخالفة صريحة لأوامره، لأن ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو من الله تبارك وتعالى كما هو واضح وبيّن.
وفي حديث الثقلين الذي نتناقله نحن وأنتم أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمرين على الأمة الالتزام بهما والانقياد إليهما، لأنهما يمثلان الحبل الممدود من الأرض إلى السماء، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليه (صلى الله عليه وآله) الحوض، كما هو مشهور ومعروف وهما:
1 - القرآن الكريم.
2 - عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ثم إنا وجدنا جملة من محدثيكم ينقلون هذا الحديث باختلاف فيه معنا، وهم يحددون الاثنين بالقرآن والسنة، والسنة على ما هو معروف عندكم هي قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك يلزمكم بوجوب طاعة أقواله (صلى الله عليه وآله) والانقياد لها.
ولقد ثبت للجميع ورود الكثير من الأقوال الصريحة الصحيحة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) والقائلة بخلافة علي (عليه السلام) له، بل وإن جملة ما ذكرناه من الآيات الكريمة المتقدمة وغيرها باعتماد ما ثبت من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نزلت في شأن علي (عليه السلام)، وخلافته له (صلى الله عليه وآله).
ومن هنا فإن القول الصريح واضح بإمامة علي (عليه السلام) وأن المصالح الربانية اقتضت عدم ورود اسمه (عليه السلام) في كتاب الله العزيز.
ثم هل تأملت في القرآن الكريم وآياته المباركة الكثيرة والمتعددة، وكيف أن اسم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد ورد فقط لأربعة مرات باسم (محمد) ومرة واحدة باسم (أحمد) إلا أن الإشارة إليه (صلى الله عليه وآله) ووصفه والحديث عنه في القرآن الكريم وآياته المباركة ورد لمئات المرات باتفاق الجميع وتسليمهم، مما يضير إذن أنه لم يرد اسم علي (عليه السلام) مع تعدد ورود وضعه باعتماد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته، وهوما يتفق عليه الفريقان؟ إن ذلك أمر واضح لا يتطلب مزيداً من الشرح والزيادة والاستدلال وكثرة الوصف والتبيين... (انتهت المحاورة). ومن هنا فإن ما يتبين من هذه المحاورة اللطيفة، بل وما يظهر بوضوح جلي أن المشيئة الإلهية بعدم ورود اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم لا تعد بأي حال من الأحوال نقطة ضعف وتشكيك في مسألة إمامته (عليه السلام) ووصايته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ثم لابد لنا من أن نعرّج إلى جانب ما أشارت إليها الروايات المنقولة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) في توضيح هذا الأمر، وتوجيه النظر إليه، وذلك من خلال الأبعاد المختلفة المتصلة به.
فمن ذلك ما قد روي عن أبي بصير من أنه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [سورة النساء: الآية 59].
نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام).
فقال: إن الناس يقولون: فما له لم يسمّ علي وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله عز وجل؟ فقال (عليه السلام) قولوا لهم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله تعالى لهم ثلاثاً ولا أربعا، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليهم الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزل الحج ولم يقل لهم: طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت هذه الآية في علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): من كنت مولاه فعلي مولاه، وقال (صلى الله عليه وآله): أوصيكم بكتاب الله عز وجل وأهل بيتي، فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك (أصول الكافي: ج1 ص 364).
فقد تطرق مسامع المرء - أو لعلها هواجسه - في بعض الأحيان جملة من التساؤلات التي تبتغي لها في ذهن البعض أجوبة مقنعة، وردود شافية، رغم أن التأمل المتدبر في جوانب كثيرة من المرتكزات الفكرية، والمعطيات العقائدية، بل وفي مطاوي العديد من المؤلفات الجمة التي تغص بها المكتبة الإسلامية العامرة يظهر بوضوح وجلاء الرد المنطقي والواضح لهذه التساؤلات وهذه التوقفات.
ولا أقول بأن جملة هذه التساؤلات لا مبرر عقلاني ومنطقي لها قطعاً، بل هي حالة تمليها وقائع تقف شاخصة أمام ناظري الجميع وأفكارهم، ولكن ما أقوله أن ما يجد فيه المتسائل من حيرة واستغراب سلف للكثير من علماء الطائفة ومفكريها أن تناولوا أبعادها بالمناقشة، وأشبعوه بحثاً واستدلالاً، مضافاً إلى ما يفضي عليه الاستقراء المتأني في المرتكزات العقلية التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية الخالدة، والتي لا تقبل التأويل والتحريف.. فإن الأساس العلمي الذي ينبغي أن تستند عليه جملة هذه التساؤلات هو الإدراك العقائدي للعقل الإنساني، بما ينبغي أن يكون عليه حال خلفاء الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والذين هم بلا أدنى شك امتداده الطبيعي الذي يشكل المعين الصافي للفيض الإلهي، والعطاء السماوي.
ولا غرو في ذلك، فإذا أدركنا بوضوح أن التمثيل المتكامل يجب أن يكون حقيقياً وواقعياً مجسداً للطرف الأول، وكما كان في حالة النبي الأمين (صلى الله عليه وآله)، باعتباره الرسول الممثل لله تبارك وتعالى، وما يعني بالتالي من قيام بديهية رياضية ثابتة من وجوب تكامل الرسول تناسباً مع المرسل، وانعكاساً بالتالي على الرسالة، فإن ذلك يفضي بلا ريب إلى القول ببديهية كون النائب لهذا الرسول (صلى الله عليه وآله) متكاملاً، أي معصوماً منزها عن الخطأ والخطيئة استرسالاً مع الدور الذي لابد منه ولا محيص من قيامه.. نسأل الله تعالى أن يُديمنا على محبة أهل البيت (عليهم السلام) وولايتهم والله الموفق.
ولعل من تلك الوقائع هو عدم ذكر اسم علي (عليه السلام) في القرآن الكريم حيث دفع ذلك كثيرين للبحث والنقاش والتأمل لما للإمام علي (عليه السلام) من المكانة العالية، والمنزلة السامية في شرف الرسالة الإسلامية المباركة.
ورغم أن الأمر لله من قبل ومن بعد وهو ما يسلم به المتسائلون إلا أنهم يرجعون ذلك لحكمة سماوية دقيقة لعل مزيداً من التأمل والتدبر في الظروف التي تحيط بها، والتي ترتبط ارتباطاً متماسكاً بها، يقود لمعرفة بعض خيوطها وأسبابها.
ولنحاول أن نتجاوز الخوض في هذا المضمار الواسع والكبير ملقين تبعة ذلك على ما سنفهمه من وقائع محاورة علمية جرت بين بعض من علماء السنة والشيعة، وفي جو ودي تسوده المحبة، ويحكمه التفاهم وحسن النية، بعيداً عن التعصب والتحزب.
فقد شرعت المناظرة بين الطرفين بتساؤل بعض علماء السنة عن تفسير الشيعة لعلة عدم ورود اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم، لاسيما وهم يقولون (أي الشيعة) إن الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الإمام علي (عليه السلام) نصاً وعقلاً، إذ لو ورد اسمه في القرآن لما نشأت مشكلة الخلاف والتعارض والتضارب بين فرق المسلمين.
فأجابه أحد علماء الشيعة بأن اسم أي رجل من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يرد في القرآن الكريم، عدا زيد بن حارثة لارتباطه بزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بزينب زوجته السابقة (أي ما جاء في سورة الأحزاب) (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها).
فرد عليه العالم السني بأنه إذا كان اسم زيد قد ورد في القرآن الكريم لتوضيح حكم فرعي، فالأولى أن يرد اسم علي (عليه السلام) لتعلقه بحكم أصلي مهم وهو الإمامة.
فرد عليه العالم الشيعي بأن هذا الأمر يرده التأمل البسيط في مجمل مجريات الأمور والظواهر الكبرى التي كانت واضحة المعالم، بيّنة الأبعاد في المجتمع الإسلامي الفتي آنذاك.
لقد كان أعداء علي (عليه السلام) كثر، ومبغضيه أكثر، وحاسديه أكثر وأكثر، وحيث كانوا لا يتوانون عن فعل أي شيء لقتله أو إقصائه عن الساحة الإسلامية وواجهتها الكبرى ولما كانت نسخ القرآن الكريم المتداولة بين أيدي الناس معدودة، وحُفاظه متفرقون في الأقطار والأمصار، فلم يكن بعسير على بعض أولئك اللجوء إلى تحريف القرآن، وحذف ما يجدونه من ذكر لعلي (عليه السلام)، وهنا يعود الضرر على كتاب الله تبارك وتعالى، ويضيع بين ظهراني الأمة، وتبقى كالإبل السائبة الحائرة والتائهة.
ثم إن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يأل جهداً في تعريف الأمة بالوصي من بعده في أكثر من مناسبة ومكان، بل وتراه (صلى الله عليه وآله) قد تعرّض إلى توضيح الكليات والعموميات التي كان يتحدث أو يشير فيها القرآن الكريم إلى الإمام علي (عليه السلام) ووصايته وخلافته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهنا تساءل العالم السني عن المواضع التي وردت في القرآن الكريم، والمتحدثة أو المشيرة إلى وصف علي (عليه السلام).
فأجابه العالم الشيعي بأن هناك العشرات - إذا لم تكن المئات كما في بعض التفاسير المختلفة - ومن الآيات القرآنية المشيرة إلى هذا الأمر، مثل:
الآية 55 من سورة المائدة وهي آية الولاية، الآية 59 من سورة النساء وهي آية الطاعة، الآية 61 من سورة آل عمران وهي آية المباهلة، الآية 33 من سورة الأحزاب وهي آية التطهير، الآية 67 من سورة المائدة وهي آية الإبلاغ، الآية 214 من سورة الشعراء وهي آية الإنذار، الآية 23 من سورة الشورى وهي آية المودة، الآية 3 من سورة المائدة وهي آية الإكمال.
وغير ذلك مما لا يعسر إدراكه ومعرفته.
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة وغيرها، وكما أوضحته كتب التفاسير المختلفة والمتعددة، والأحاديث الموضحة لسبب نزولها وعلة ذلك وما يراد بها، والمنقولة في كتب الفريقين، ومن خلال طرقهما الخاصة، كل ذلك يُظهر بوضوح جلي أن المراد بذلك القول القاطع بالخلافة المباشرة لعلي (عليه السلام) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله).
ثم ألم يرد في القرآن الكريم قول الله عز وجل (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوه) [سورة الحشر: الآية 7].
إذن فإن ما يرد به أمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن على الأمة أن تأخذ به، وتمتثل له، لأن في رده وعدم طاعته معصية لله عز وجل، ومخالفة صريحة لأوامره، لأن ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو من الله تبارك وتعالى كما هو واضح وبيّن.
وفي حديث الثقلين الذي نتناقله نحن وأنتم أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمرين على الأمة الالتزام بهما والانقياد إليهما، لأنهما يمثلان الحبل الممدود من الأرض إلى السماء، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليه (صلى الله عليه وآله) الحوض، كما هو مشهور ومعروف وهما:
1 - القرآن الكريم.
2 - عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ثم إنا وجدنا جملة من محدثيكم ينقلون هذا الحديث باختلاف فيه معنا، وهم يحددون الاثنين بالقرآن والسنة، والسنة على ما هو معروف عندكم هي قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك يلزمكم بوجوب طاعة أقواله (صلى الله عليه وآله) والانقياد لها.
ولقد ثبت للجميع ورود الكثير من الأقوال الصريحة الصحيحة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) والقائلة بخلافة علي (عليه السلام) له، بل وإن جملة ما ذكرناه من الآيات الكريمة المتقدمة وغيرها باعتماد ما ثبت من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نزلت في شأن علي (عليه السلام)، وخلافته له (صلى الله عليه وآله).
ومن هنا فإن القول الصريح واضح بإمامة علي (عليه السلام) وأن المصالح الربانية اقتضت عدم ورود اسمه (عليه السلام) في كتاب الله العزيز.
ثم هل تأملت في القرآن الكريم وآياته المباركة الكثيرة والمتعددة، وكيف أن اسم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد ورد فقط لأربعة مرات باسم (محمد) ومرة واحدة باسم (أحمد) إلا أن الإشارة إليه (صلى الله عليه وآله) ووصفه والحديث عنه في القرآن الكريم وآياته المباركة ورد لمئات المرات باتفاق الجميع وتسليمهم، مما يضير إذن أنه لم يرد اسم علي (عليه السلام) مع تعدد ورود وضعه باعتماد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته، وهوما يتفق عليه الفريقان؟ إن ذلك أمر واضح لا يتطلب مزيداً من الشرح والزيادة والاستدلال وكثرة الوصف والتبيين... (انتهت المحاورة). ومن هنا فإن ما يتبين من هذه المحاورة اللطيفة، بل وما يظهر بوضوح جلي أن المشيئة الإلهية بعدم ورود اسم الإمام علي (عليه السلام) في القرآن الكريم لا تعد بأي حال من الأحوال نقطة ضعف وتشكيك في مسألة إمامته (عليه السلام) ووصايته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ثم لابد لنا من أن نعرّج إلى جانب ما أشارت إليها الروايات المنقولة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) في توضيح هذا الأمر، وتوجيه النظر إليه، وذلك من خلال الأبعاد المختلفة المتصلة به.
فمن ذلك ما قد روي عن أبي بصير من أنه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [سورة النساء: الآية 59].
نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام).
فقال: إن الناس يقولون: فما له لم يسمّ علي وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله عز وجل؟ فقال (عليه السلام) قولوا لهم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله تعالى لهم ثلاثاً ولا أربعا، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليهم الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزل الحج ولم يقل لهم: طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت هذه الآية في علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): من كنت مولاه فعلي مولاه، وقال (صلى الله عليه وآله): أوصيكم بكتاب الله عز وجل وأهل بيتي، فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك (أصول الكافي: ج1 ص 364).
فقد تطرق مسامع المرء - أو لعلها هواجسه - في بعض الأحيان جملة من التساؤلات التي تبتغي لها في ذهن البعض أجوبة مقنعة، وردود شافية، رغم أن التأمل المتدبر في جوانب كثيرة من المرتكزات الفكرية، والمعطيات العقائدية، بل وفي مطاوي العديد من المؤلفات الجمة التي تغص بها المكتبة الإسلامية العامرة يظهر بوضوح وجلاء الرد المنطقي والواضح لهذه التساؤلات وهذه التوقفات.
ولا أقول بأن جملة هذه التساؤلات لا مبرر عقلاني ومنطقي لها قطعاً، بل هي حالة تمليها وقائع تقف شاخصة أمام ناظري الجميع وأفكارهم، ولكن ما أقوله أن ما يجد فيه المتسائل من حيرة واستغراب سلف للكثير من علماء الطائفة ومفكريها أن تناولوا أبعادها بالمناقشة، وأشبعوه بحثاً واستدلالاً، مضافاً إلى ما يفضي عليه الاستقراء المتأني في المرتكزات العقلية التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية الخالدة، والتي لا تقبل التأويل والتحريف.. فإن الأساس العلمي الذي ينبغي أن تستند عليه جملة هذه التساؤلات هو الإدراك العقائدي للعقل الإنساني، بما ينبغي أن يكون عليه حال خلفاء الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والذين هم بلا أدنى شك امتداده الطبيعي الذي يشكل المعين الصافي للفيض الإلهي، والعطاء السماوي.
ولا غرو في ذلك، فإذا أدركنا بوضوح أن التمثيل المتكامل يجب أن يكون حقيقياً وواقعياً مجسداً للطرف الأول، وكما كان في حالة النبي الأمين (صلى الله عليه وآله)، باعتباره الرسول الممثل لله تبارك وتعالى، وما يعني بالتالي من قيام بديهية رياضية ثابتة من وجوب تكامل الرسول تناسباً مع المرسل، وانعكاساً بالتالي على الرسالة، فإن ذلك يفضي بلا ريب إلى القول ببديهية كون النائب لهذا الرسول (صلى الله عليه وآله) متكاملاً، أي معصوماً منزها عن الخطأ والخطيئة استرسالاً مع الدور الذي لابد منه ولا محيص من قيامه.. نسأل الله تعالى أن يُديمنا على محبة أهل البيت (عليهم السلام) وولايتهم والله الموفق.