معاهدة فرساي: تسويةٌ مُجحفةٌ في ظلّ "الأربعة الكبار"
المقالة تحت باب تاريخ
في 28/07/2011 06:00 AM
في 28/07/2011 06:00 AM
غالباً ما يقترن اسم "معاهدة فرساي" بـ "مؤتمر باريس للسّلام"، دون تفريقٍ بين المصطلحين، على الرّغم من أنّ "مؤتمر الصلح في باريس"، أو "مؤتمر باريس للسّلام" هو المؤتمر الذي عقدته الدول المنتصرة في الحرب العالميّة الأولى، وفرضت فيه على الدول المنهزمة في تلك الحرب شروطاً قاسيةً، وأوجبت عليها الإذعان لها دون نقاش؛ وكانت على شكل معاهداتٍ منفردةٍ في أطارٍ عامٍّ، ضمّها جميعاً "مؤتمر باريس"، والذي عقدته، كما سلف القول، القوى المتحالفة والمتّحدة في باريس، في الفترة الممتدّة من 18 كانون الثاني 1919م، ولغاية 20 كانون الثاني 1920م؛ وذلك للتوصّل إلى التسوية السلميّة،التي تضمّنتها معاهدات "فرساي"، و"سانت جيرمان"،و"نيولي"، و"ترينون"، و"سيفر"؛ أي أنّ "معاهدة فرساي" هي إحدى المعاهدات التي تضمنّها "مؤتمر باريس للسلام"، في الوقت الذي طغت تسمية "معاهدة فرساي" على "مؤتمر باريس"، نظراً إلى أنّ "معاهدة فرساي" كانت أهمّ هذه المعاهدات المارّ ذكرها.
وكان المؤتمر حتى شهر تموز/يوليو تحت هيمنة "الأربعة الكبار" من الرؤساء المنتصرين: ويلسون، رئيس الولايات المتّحدة الأميركيّة، وكليمنصو، رئيس فرنسا، ولويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا، وأورلاندو، رئيس وزراء إيطاليا. عرقلت أعمال المؤتمر خمسةُ عوامل رئيسة، هي:
1.التضارب في أهداف الأربعة الكبار (اختلف ويلسون مع كليمنصو حول تأسيس عصبة الأمم، واختلف ويلسون مع أورلاندو بشأن البحر الأدرياتيكي، واختلف لويد جورج مع كليمنصو بخصوص بولندا … إلخ...
2.مطالبة جماعات الضغط، كلٌّ في وطنه، بشروط سلامٍ أكثر صرامةً (مثلاً، أبرق 370 عضواً برلمانيّاً إلى لويد جورج لزيادة مبالغ التعويضات الألمانيّة، وحثّت الدوائر العسكريّة الفرنسيّة كليمنصو على فصل أراضي "الراين" عن ألمانيا.
3.الانعزاليّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، التي جعلت الكونغرس يرفض مشاريع ويلسون في النهاية.
4.الجماعات القوميّة التي نفد صبرها، والتي آمنت باستخدام السّلاح في المناطق التي كانت لا تزال تحت المداولة.
5.الشكّ بشأن الحدود الروسيّة بسبب الحرب الأهليّة في روسيا.
وقدحضر"مؤتمر باريس" رئيس الولايات المتحدة "وودرو ويلسون"، وأحد عشر رئيس وزراء، وأثنا عشر وزير خارجيّة، منهم "جورج كليمنصو" رئيس وزراء فرنسا ، "وديفيد لويد جورج" رئيس وزراء بريطانيا. ولم يُدْعَ أيّ مندوبٍ عن "الاتّحاد السوفياتي" إلى المؤتمر، كما لم تحضر المؤتمر الدول المندحرة، بل كان عليها أن توقّع على الوثائق بعد إعدادها، لأنّ السّلام فُرض فرضاً، ولم يكن نتيجة مفاوضات. أمّا آليّة إصدار القرارات، وآليّة التمثيل في المؤتمر هذا، فقد حُدّدتا في الاجتماع الرسميّ في 12/1/1919م، الذي عقدته وفود الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وقررت فيه أن يقتصر التمثيل على الدول التي أعلنت الحرب على ألمانيا، أو قطعت علاقاتها معها. وتقرّر أنْ يضمّ الاجتماع الكامل للمؤتمر جميع ممثّلي الدول، على أنْ يكون القرار النهائيّ لـ "مجلس العشرة"، الذي يضمّ مندوبين اثنين من كلٍّ من الدول الخمس الكبرى: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، اليابان.
وبالنظر لوجود الرّغبة بالإسراع في وضع معاهدة الصلح، مع الحاجة إلى السرّية، خلال فترة التوفيق بين الدول الكبرى؛ فقد تمّ تغيير تنظيم المؤتمر، إذ في 25 آذار، أعلن أنّه ستعقد مؤتمراتٌ غير رسميّةٍ للمندوبين الرئيسيين، تحلّ محلّ اجتماعات "مجلس العشرة"، ثمّ حلّ "مجلس الخمسة" محلّ "مجلس العشرة"، وصار بمثابة لجنةٍ رئيسةٍ. وأصبح "مجلس الخمسة" يدرس تقارير اللجان، ثمّ يُحيلها إلى "الأربعة الكبار"؛وكان هؤلاء الأربعة يُجرون محادثاتٍ شخصيّةٍ، وغير رسميّةٍ، ثمّ ألّفوا ما يُسمّى بـ "مجلس الأربعة"، وهم رؤساء وفود الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وهو الذي أنجز كلّ قرارات المؤتمر المهمّة المتعلّقة بمعاهدة الصلح مع ألمانيا.
فرض الحلفاء المنتصرون "معاهدة فرساي" على ألمانيا المندحرة، وأعلنوها معاهدة صلحٍ في 28/6/1919م، فأنهت حالة الحرب، التي نشبت عام 1914م، لكن سبقها إعلان الهدنة في 11/11/1918م، ثمّ أصبحت نافذة منذ 10/1/1920م. وقد تضمّنت "معاهدة فرساي" في مقدّمتها الموافقة على تأسيس "عصبةٍ للأمم"، بعد أنْ أصرّ الرئيس "ويلسون" على وجوب أن يكون ميثاق "عصبة الأمم" جزءاً لا ينفصل عن "معاهدة فرساي"، ويتعيّن على جميع الدول الموقّعة عليها تنفيذه والسير بمقتضى نصوصه، فكان له ذلك.
بنود معاهدة فرسـاي
عدا البنود الخاصّة بتأسيس "عصبة الأمم"، نذكر أهمّ ما اشتملت عليه هذه المعاهدة:
تقوم ألمانيا بتسليم ما يلي:
1. الألزاس واللورينإلى فرنسا.
2. مقاطعة يوبين ـ مالميدي إلى بلجيكا.
3. بوزين والممر البولندي إلى بولندا.
4. ميمل إلى ليتوانيا في سنة 1923م.
5. شمال شلزفيكإلى الدنمارك (في 1920 قسّمت شلزفيك بين ألمانيا والدنمارك وفقاً لاستفتاء.
6. شرق سيليزيا العليا إلى بولندا.
7. هولشتين إلى تشيكوسلوفاكيا، وتنازلت ألمانيا عن جزءٍ صغيرٍ من "سيليزيا العليا" إلى تشيكوسلوفاكيا.
8. دانتزكإلى عصبة الأمم.
9. منطقة السار إلى العصبة مع إجراء استفتاءٍ في عام 1935م.
وإلى ذلك، كانت شروطٌ تتعلّق بالشؤون السياسيّة والعسكريّة، منها:
1. عدم محاولة الاتّحاد مع النمسا، وهو ما يُعرف بـ "الأنْشْلُوس".
2. نزع السّلاح وتفكيك التّحصينات.
3ـ إلغاء التّجنيد العام، مع تكوين جيشٍ لا يزيد على 100 ألف مقاتلٍ لغرض فرض القانون والنّظام في الداخل وواجبات الحدود، على أن تكون خدمة الضبّاط لمدّة 25 سنة متواليّة، وأن تكون خدمة الجنود العاديين لمدة 12 سنة، وأنْ لا يزيد عدد الضبّاط والجنود الذين يُسرّحون عن نسبة 5 % في السنة.
1. عدم امتلاك سلاحٍ جويٍّ أو مدفعيّةٍ ثقيلةٍ أو غواصّاتٍ.
2. تخريب مصانع الذخيرة.
3. احتلال الراين لمدة 15 سنة.
4. انتداب دول الحلفاء على المستعمرات الألمانيّة وفقاً لنظام.
5. الاعتراف بجريمة الحرب.
6. القيام بدفع التعويضات اللازمة.
7. تحديد القوّة البحريّة بستّ بوارج، و30 سفينة صغيرة وعدم بناء سفن أكبر من مئة ألف طن.
8. تقليل عدد العاملين في الأركان العامّةمن 34 ألفاً إلى 4 آلاف.
التعويضـات
في 5/11/1918م، طالب الحلفاء ألمانيا بمذكّرةٍ لهم بأنْ تدفع تعويضاتٍ عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين من الحلفاء وبأموالهم، وذلك باعتداء الألمان في البحر والجوّ والبرّ.
وبافتتاح "مؤتمر السّلام"، طالب مندوبو بريطانيا وفرنسا بضرورة إدخال تكاليف الحرب ضمن التّعويضات التي على ألمانيا دفعها، وبذلك وحده يُمكن أنْ يُقال إنّ التّسوية السلميّة عادلةٌ حقّاً. أمّا الوفد الأميركي، فقد رأى أنّه يجب أن تكون التّعويضات على ألمانيا محصورةً بحدود الاتّفاقيّات التي تمّت قبل عقد الهدنة؛ ولذلك يجب أن تشمل التّعويضات الأضرار التي حدثت، لا تكاليف الحرب، فوافق الثلاثة الآخرون من "الأربعة الكبار" على هذا الرأي... ثمّ دبّ الخلاف بين "الأربعة الكبار" حول مقدار التّعويضات ومدّتها وطريقة جمعها. ثمّ اتّفق الحلفاء على أن تدفع ألمانيا في أيّار 1921م مبلغاً وقدره 5 مليارات دولار من الذهب، أو ما يُعادلها؛ أمّا ما تدفعه بعد ذلك، فقد تُرك دون تحديدٍ، على أنْ يتمّ الاتفاق عليه في حينه.... كما طُلب من ألمانيا أنْ تبني للحلفاء سُفناً، عوضاً عن السّفن التي أغرقتها، وأنْ تُقدّم إلى فرنسا كمّياتٍ هائلةٍ من الفحم الحجريّ، بدل المناجم التي دمّرتها.
وقد انتقد عددٌ كبيرٌ من الاقتصاديين طريقة الحصول على مبالغ نقديّة من البلدان المغلوبة، والتي فقدت عدداً من الأسواق، حيث تنبّأ كثيرٌ من الاقتصاديين (الإنكليز والأميركيون والإيطاليّون) بصعوبة تطبيق بنود هذه المعاهدة، وبأنّها ستُعيق انتعاش أوروبا الماليّ، وقد تأكّد صحّة ذلك.
أرسل الألمان الاحتجاجات الطويلة إلى المؤتمر، حيث قالوا إنّ هذه المعاهدة وضعت بدافع الانتقام لتدمير بلادهم، وإنّها لا تنطبق والنقاط الأربعة عشر التي أعلنها ويلسون، كما إنّ عدم تحديد مبلغ التّعويضات معناه تكبيل ألمانيا بأغلال العبوديّة الأبديّة، وإنّ المبلغ المطلوب دفعه حالاً يفوق ثمن كلّ ما في ألمانيا من ثروةٍ، وإنّهم لا يعترفون أبداً بأنّهم مسؤولون وحدهم عن الحرب، وإنّهم لا يستطيعون تنفيذ المُعاهدة، وإنّهم أرغموا على عقدها، وإنّهم وقّعوا عليها تحت تهديدات الحلفاء.
على أيّة حالٍ، وفي شهر نيسان/أبريل، من العام 1921م، ثبتت التعويضات الألمانيّة بمقدار 000.000. 600. 6 جنيه استرلينيّ، فضلاً عن فوائدها. وقد دفعت ألمانيا القسط الأوّل وقدره 50 مليون جنيه استرلينيّ فوراً؛ ولكنّ التضخّم الماليّ لعام 1922م، دفع ألمانيا إلى تعليق المدفوعات، ما سهّل السبيل أمام مفاوضاتٍ ماليّة سمحت بتخفيض المبالغ المالية بنسبة 57%، في ما عُرف لاحقاً بمشروع "يونغ"، إلّا أنّ الإنهيار المالي في العام 1929م أدّى إلى إيقاف المدفوعات كافّة.
وليد محمد الشبيـبي
http://www.husseinalsader.com/inp/view.asp?ID=3510
http://www.husseinalsader.org/inp/view_printer.asp?ID=3510&AUTHOR=