جاي هاللين : هل تستطيع بغداد التعلم من روما
ترجمها عن الانكليزية وعلق عليها
نشر جاي هاللين Jay Hallen مقاله الموسوم هل تستطيع بغداد التعلم من روما في الموقع الالكتروني ناشينال ريفيو اون لاين بتاريخ 16 مايس 2011 ، ولاهمية وجهة نظره ومقارنته بين الوضع الحالي في بغداد والعراق والوضع في روما وايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية مبينا اوجه التشابه بين المدينيتين والتشرذم الذي اصابهما وانقسام الاحزاب السياسية والمكونات الاثنية وتكالبها على المصالح والفساد الذي عم المجتمع وانتشار الرشوة والمحسوبية وتسلق الوظائف دون كفاءة ، وكيفية معالجة الاقتصاد الذي تطور ونما نموا جيدا في ايطاليا فازال الكثير من السلبيات التي رافقت مسيرة البلد من التخلف الى التقدم والحداثة .
رغم اهمية الكثير مما جاء في دراسة – مقالة – الكاتب جاي هاللين وصحة تحليله واستنتاجاته الا ان نظرته الى المجتمع العراقي وجذور الاشكالات الطائفية والاثنية القائمة بحاجة الى معرفة اكثر من الوسائل التي اتيحت له خلال العام الذي شغل فيه منصب ادارة البورصة رغم انه ليس من خبراء المال خلال السنوات الاولى لتحرير العراق من نظام صدام حسين ، ولكن اللافت للنظر دقة تشخيصه للمشكلات الصعبة التي يعاني منها العراق ومقابلتها مع مشكلات ايطاليا بما اصابها من ارهاب ايضا اعوام الثمانينات . ننشر ترجمة لمقالته والتي نعدها دراسة ناجحة فيما يتعلق بالعراق نامل ان تتيح هذه الدراسة المزيد من النقاش في الاوساط السياسية العراقية وخاصة مجلس النواب والاحزاب السياسية التي تقود البلاد عسى ان تغتني بافكار جديدة تستطيع بواسطتها قيادة سفينة البلاد الى بر الامان.
فيما يلي ننشر ترجمة وافية لمقالته .
الحلقة الاولى
ان تاريخ ايطاليا ما قبل الحرب يقدم مثالا جيدا لبلد - مثل العراق - نادرا ما ترد منه انباء سارة ، صورة - ايطاليا – البلد الذي ينهض من سنوات حرب امتدت ست سنوات – الحرب العالمية الثانية - ، اقتصاده خراب ، والقوات الاجنبية تحتل ارضه ، سكانه فقراء معظمهم من الريف ، اسرى لعادات وتقاليد وصناعات لم تتغير منذ قرون ، مع هوية مرتبطة بقوة للمدينة او للمنطقة ، مع قلة وعيهم للوحدة الوطنية ، وعدم وجود مؤسسات عامة قوية .
اقر الناس في اعقاب الحرب العالمية الثانية في ايطاليا دستورا جديدا للبلاد بعد عقود من الدكتاتورية. فكانت الحكومة المنتخبة الديمقراطية وعاء للفساد والرشوة حيثما توجد اموال ووظائف او مقاولات .
ان الامر يبدو محزنا في مشابهته لواقع العراق اليوم ، ولكنه يمثل حقيقة ايطاليا في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة .
لقد خبر الايطاليون تجربة امتدت في الماضي لاكثر من 65 عاما ، تميزت بالركود الاقتصادي ، حكومة لم تتغير طوال تلك العقود ، مع سطوة عصابات المافيا .
المهم ان ايطاليا اليوم بلد غني ومستقر ، وان وضعها وحالتها قبل الحرب العالمية الثانية تشابه حال العراق اليوم.
ان المصالح السياسية كانت في حالة ايطاليا عاملا مساعدا على المحافظة على السلام من عام 1946 لغاية حدوث المعجزة الاقتصادية في ستينات القرن الماضي. لذا على الحكومة العراقية استلهام التجربة الايطالية والايمان بان الفرصة الايجابية مازالت قائمة وبامكان العراق بلوغها .
من المعروف ان العراق يضم مكونات السنة والشيعة والكورد الذين مع استثناءات كثيرة يقتسمون الوسط والجنوب والشمال على التوالي وان العديد من الوزارات والمؤسسات تقع تحت سيطرة الاحزاب التابعة لاحد المكونات المذكورة.
كما لم تبلغ الحرب الطائفية في ايطاليا المقسمة عام 1946 من عنف ما بلغته في العراق الاعوام 07 - 2005 .
كان الانقسام الايطالي مفيدا ، شمال ايطاليا كانت له تجربة تختلف عن تجربة جنوبها ، فالقوات الامريكية والبريطانية احتلت الجنوب المسالم الفقير ، حيث هرب الملك فكتور ايمانؤيل الثالث.
وبالمقابل احتلت القوات النازية الشمال الصناعي ومدنه ، بواسطة ( حكومة الدمية ) الجمهورية الاشتراكية الديمقراطية.
سكان الشمال الايطالي اتجهوا لجيرانهم ، انقسموا بين الجمهوريين والفاشيين ، وبكلمة اوضح : مقاومون ومتعاونون.
وبالارتباط مع تلك الظروف كان الايطاليون نادرا ما يستخدمون اللغة الايطالية الرسمية ، بل كانت كل مجموعة تستخدم لهجتها المحلية . واستمرت تلك الحال حتى الستينات حين اشتدت الهجرة من الجنوب الى الشمال الصناعي ، فاصبحت اللغة الايطالية الرسمية هي السائدة.
في كلا البلدين - ايطاليا والعراق - امتد الانقسام الطائفي الى صناديق الاقتراع .
فبعد عام واحد من اعدام موسوليني صوت الايطاليون من اجل تشكيل الحكومة عام 1946 في حالة مشابهة كالمرآة للتصويت على الدستور في العراق عام 2005.
انقسمت ايطاليا الى شمال وجنوب ، صوت الشمال لصالح الجمهوريين والجنوب لصالح الملكيين .
ان مثل هذا الاستقطاب المتطرف يهدد كيان ووحدة اي دولة ، وهو ما حدث في العراق ايضا في انتخابات آذار 2010، اذ ذهبت الاصوات وفق التقسيم الطائفي والجغرافي ، فانتخب الشيعة في الجنوب الائتلاف الشيعي ، والسنة في الوسط انتخبوا القائمة العراقية ، والكورد في الشمال انتخبوا قائمة التحالف الكوردستاني .
وبسبب الاتهامات في تزوير الانتخابات تأخر تشكيل الحكومة عدة اشهر .
ان السياسة الواقعية الايطالية قادت الى تطور ديمقراطي يستطيع العراق الاخذ به ايضا . اراد الايطاليون من الحكومة المنتخبة معالجة اثار دمار الحرب العالمية الثانية ، فاخذت عدة مؤسسات على عاتقها السيطرة على القطاع الصناعي ، سيطر معهد اعادة التصنيع – تاسس عام 1933 – على انتاج الحديد والصلب وصناعة السفن ، وشركات اخرى مثل الفا روميو واليتاليا.
اما شركة النفط والغاز فقد تأسست من قبل الحكومة عام 1953 ، وتم تأميم شركة الكهرباء عام 1960. واصبحت قطاعات اخرى مثل القطاع الهندسي والكيمياوي والاتصالات والاعلام والبنوك والانتاج الغذائي تحت سيطرة الدولة ايضا .
لقد عضدت الدولة اقتصادها من خلال انشاء صندوق النقد الجنوبي ، فخصصت الملايين لتطوير الصناعة والبنية التحتية في ريف الجنوب الايطالي من عام 1950 لغاية عام 1984.
ان تركيز قوة حكومية كبيرة في يد الحكومة يولد عمليا الفساد المالي ، وايطاليا ليست استثناء لكي تقاوم هذا الاغراء.
في تلك الانتخابات لم يحصل اي حزب ايطالي على الاغلبية المطلقة لذلك حرصت الاحزاب على منح الامتيازات لكسب الانصار ، الحزب المسيحي الديمقراطي الذي سيطر على الحكومة من عام 1950 حتى تسعينات القرن الماضي ( بمساعدة من CIA الامريكية خلال الحرب الباردة ) وهو يمثل بشكل كبير مناطق الجنوب الايطالي .
الشيوعيون كانوا يشكلون الكتلة المعارضة الكبرى ،وهم يمثلون عمال المدن والمناطق الحضرية في الوسط في مقاطعات توسكاني وامبريا وايميليا – رومانا .
الاشتراكيون يسيطرون على البلديات والحكومات المحلية شمال ايطاليا .
كل حزب من تلك الاحزاب كان يسيطر في مناطق نفوذه على الاعمال والاعلام والحكومة المحلية والاتحادات والخدمات الاجتماعية ... حتى على بعض الشبكات الاجرامية التي كانت تساندهم .
في المراحل الاولى من الجمهورية الايطالية كان بعض الوزراء يصرفون 80 % من ميزانيتهم على الرواتب والخدمات الادارية ، واصبحت السياسة مرادفة للابتزاز والفساد .
غدا الحلقة الثانية
منقول
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=259787