مبدأ استقلال السلطة القضائية و إهدار حق التقاضي في العراق
By
Dr. Munther Al-Fadhal
Professor of civil law
Legal adviser and barrister at law
Stockholm – Sweden
Research presented to the conference of INC which settled in London
Dated on 22 – 23 mars 2001 – UK
Dr. Munther Al-Fadhal
Professor of civil law
Legal adviser and barrister at law
Stockholm – Sweden
Research presented to the conference of INC which settled in London
Dated on 22 – 23 mars 2001 – UK
مقدمة
Introduction
Introduction
يعتبر مبدأ استقلال السلطة القضائية من المبادئ المهمة والحيوية التي تتعلق بحقوق الإنسان ومنها حقه في التقاضي و حقه في ضمان المحاكمة العلنية العادلة وحقه في التعويض وحقه في توكيل محام وحقه في طلب العفو وغيرها من الحقوق الأساسية التي تكفلها الدساتير و القوانين , و هو يتعلق كذلك بنزاهة القاضي في تحقيق العدل والعدالة .لآن السلطة المختصة في تطبيق القانون هي السلطة القضائية ممثلة في المحاكم حيث أن وظيفة المحاكم هي تطبيق القانون وتحقيق العدالة إذ لا يكفي تطبيق القانون وحدة دون الوصول إلى الغرض الأساس منه وهو العدل والعدالة . و مما يتعلق بذلك ضرورة تنفيذ القانون والأحكام القضائية من السلطات المختصة بصورة سليمة.
وقد عرف هذا المبدأ منذ القدم , أي منذ الشرائع العراقية القديمة وفي العصر الفرعوني و فيالحضارة اليونانية القديمة و اهتم به القانون الروماني وكذلك في الشريعة الإسلامية , حيث تدل الوقائع العديدة في الإسلام على دور القاضي العادل في تأدية وظيفته بصورة مستقلة وعلى تطبيق القانون بالتساوي بين البشر , لا فرق بين قوي وضعيف , غني وفقير , حاكم أو محكوم , لاعتبارات شرعية ودينية وأخلاقية .بل أن العديد من الناس كانوا يرفضون تولي منصب القضاء لخطورة هذا المنصب وأهميته في المجتمع لأيمانهم بوجود جزاء أخروي ودنيوي شديدين على من يخل بواجبات هذه الوظيفة ونذكر مثلا أن المنصور قام بتعذيب الأمام الفقيه أبو حنيفة وحبسه وجلدة ثم دس السم له لأنه رفض تولى منصب القضاء وهو العالم الورع الزاهد والعفيف الذي شكل مدرسة فقهية كبيرة معروفة .
و يشترط في القاضي شروطا عديدة يجب توفرها والتحقق منها وهي شروط ليست سهلة لضمان استقلال القضاء وعدم التدخل في شؤونه و إحقاق الحق بين الناس . وهذه الشروط منصوص عليها في كتب الفقه وفي القوانين الوضعية .ولا نعتقد بصواب الرأي القائل عدم جواز تولي المرأة للقضاء ونعتقد أن للمرأة الحق الكامل في العمل وبصورة متساوية مع الرجل وفي تولي الوظائف والمناصب دون تمييز بين الجنسين وفقا للشريعة الإسلامية و للمواثيق الدولية والدستور والقوانين الوطنية.ولغرض بيان بعض مظاهر مبدأ استقلال السلطة القضائية بوجهه عام والإشارة إلى جانب من الانتهاكات الخطيرة من النظام في العراق ضد السلطة القضائية سنوزع البحث على قسمين :
خطة البحث
القسم الأول – مبدأ استقلال السلطة القضائية
القسم القاني – إهدار حق التقاضي في العراق
القسم القاني – إهدار حق التقاضي في العراق
القسم الأولPart one
مبدأ استقلال السلطة القضائية
Principle of the independence of judicial authorities
أولا - مبدأ استقلال السلطة القضائية في المجتمع المدني ( دولة المؤسسات الدستورية )
مبدأ استقلال السلطة القضائية
Principle of the independence of judicial authorities
أولا - مبدأ استقلال السلطة القضائية في المجتمع المدني ( دولة المؤسسات الدستورية )
لاشك أن فكرة المجتمع المدني ترتبط بقوة بنظام الدولة السياسي وأسلوب الحكم , وهذا المجتمع يقوم على المشاركة الواسعة الاختيارية في الحكم و على التعددية السياسية والقومية والدينية والمذهبية والديمقراطية وكذلك تحريم الطرق غير القانونية في المشاركة السياسية .ومن مظاهر هذا المجتمع احترام حقوق الإنسان وتسخير الثروات لخدمته و التكافؤ في فرص العمل والتعليم وتحريم التمييز بين الجنسين ومنع التمييز العرقي أو الديني أو في المعتقد وتفعيل دور القانون وتطبيقه بالتساوي بين البشر وكذلك منع كل أشكال الاستبداد في السلطة على أساس أنها وسيلة لخدمة الإنسان وليس لاضطهاده.ولذلك تكفل التشريعات في المجتمع المدني كل الحقوق والحريات للإنسان ضمن الضوابط القانونية المشروعة. ففي ظل المجتمع المدني تخضع الدولة و الحكام والمحكومين للقانون تنفيذا لمبدأ المساواة وتتحدد أدوار ومهام مؤسسات الدولة والمجتمع وفقا للنظام القانوني.
أي أن مؤسسات المجتمع المذكور تتضمن مؤسسات تطوعية سياسية و اقتصادية واجتماعية وثقافية تظهر وتنظم إبداعات الأفراد وتطورها دون أي إجبار أو إكراه على أحد ودون تدخل من الدولة. بل أن واجب الدولة هو في حماية وتطوير ودعم فاعلية هذه المؤسسات و لهذا لا يوجد أحد فوق القانون. و يتم تداول السلطة سلميا ومن خلال الانتخابات الحرة طبقا لعلاقة ثابتة بين مؤسسات الحكم ومؤسسات المجتمع الحرة سالفة الذكر .والغاية من القانون تنظيم الدولة والمجتمع وتنظيم قواعد السلوك ووضع الجزاء على من يخالفه .
و من الطبيعي أن الجزاء القانوني يتمثل في أشكاله المعروفة وهي الجزاء المدني والجزاء العقابي والجزاء التأديبي. وفي المجتمع المدني لابد من وجود الفصل بين السلطات ( السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية ) إلى جانب وجود محكمة دستورية عليا تتحدد مهامها بقانون.وفي المجتمع المدني يجري توظيف القضاء لخدمة الإنسان إذ أن لكل شخص حق ثابت في التقاضي ولا قيمة للقانون إذا لم يحقق العدل والعدالة في المجتمع.
ثانيا - مبدأ استقلال السلطة القضائية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يلي ( ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء أخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم …..), وهذا يعني أهمية مراعاة حقوق البشر وبخلاف ذلك فان الإنسان يتمرد بقوة غير محسوبة النتائج ضد الظلم والطغيان .وخير ضمان للحصول على الحقوق عند حصول النزاع من القضاء ووفقا للقانون.
ولما كان مبدأ استقلال القضاء من المبادئ المهمة والحيوية في الدولة والمجتمع فان الدليل على هذه الأهمية هو أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقواعد الدولية الأخرى وكذلك الدساتير الوطنية التي نصت عليه وعلى حصانة القاضي الدستورية والقانونية , و على ضمانات التقاضي والمساواة أمام القضاء والحق في المعاملة الحسنه وقواعد أخرى مهمة متعلقة بهذا الأمر مثل مبدأ الفصل بين السلطات … فكيف يمكن لشخص أن يستعيد حقه بدون قضاء عادل يتمتع بالحصانة ومستقل في حكمة يساوي بين القوي والضعيف وبين القريب والبعيد لا يخضع لأي تأثير من أي مسؤول أو طرف ؟
ونستطيع القول أن هيبة القضاء وقوته من هيبة الدولة وقوتها, فإذا ضعف القضاء ضعفت الدولة لأنها ستقوم على الباطل والظلم و يبرز عندئذ طغيان الفرد ويلحق المجتمع الشلل من الحكم المطلق ويصاب المجتمع بخلل كبير , كما أن هيبة الدولة وقوتها من هيبة وقوة القضاء و حريته في تطبيق القانون واحترام قواعده من الحكام والمحكومين .
لذلك فأن مبدأ استقلال القضاء له صلة وطيدة بالحقوق المدنية للإنسان الثابتة في العهود الدولية التي التزمت بها الدول الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى الاتفاقيات الأخرى .
كما لابد من الإشارة إلى بعض القواعد الأساسية التي ننطلق منها في رسم ما هو المقصود بهذا المبدأ الدولي و الوطني , أي المحدد في العهود الدولية والدساتير الوطنية للدول .
فقد نصت المادة الثامنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على انه ( لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لأنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون ) . ولا شك أن هذه الحقوق الأساسية معروفة مثل حق الإنسان في حياته والدفاع عنها وحقه في سلامة بدنه وكيانه الاعتباري وحقه في المحافظة على أمواله وحقه في إثبات براءته من التهمة المنسوبة له وغيرها .. كما نصت المادة التاسعة على انه ( لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا ).كما نصت المادة العاشرة على مبدأ المساواة إذ جاء مايلي ( لكل إنسان الحق , على قدم المساواة التامة مع الآخرين , في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وآيه تهمة جنائية توجه إليه).
وجاء أيضا في المادة 14 من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية و السياسية ما يلي
(( 1 - جميع الأشخاص متساوين أمام القضاء .ولكل فرد الحق , عند النظر في أية تهمة جنائية ضده أو في حقوقه والتزاماته في إحدى القضايا القانونية , في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استنادا إلى القانون ………
2 - لكل فرد متهم بتهم جنائية الحق في أن يعتبر بريئا ما لم تثبت إدانته طبقا للقانون . ))
ثم أضافت المادة فقرات أخرى تخص ضمانات المتهم في الحصول على محاكمة عادلة من مرحلة القبض على الشخص والتحقيق معه إلى مرحلة إصدار الحكم وإذا حصلت الإدانة وجب أن تنفذ العقوبة علية بما يتناسب والقيمة العليا للبشر فللحبس أو للسجن قواعد و أسس ومعايير دولية لا يجوز الإخلال بها ولآن فلسفة العقاب في الأنظمة التي تحترم القانون وتلتزم بالمعايير الدولية ليست تدمير الإنسان و إنما إصلاحه لأنه قيمة عليا.
وفي نطاق المبادئ الدولية العليا في هذا الميدان يذكر عادة جملة نذكر منها هي :
1- أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته
2- وان للمتهم الحق في توكيل محام
3- وان للمواطن الحق في الحصول على مساعدة الدولة
4- و أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق
5- عدم جواز القبض على أي شخص أو توقيفه إلا بمقتضى القانون
6- عدم جواز منع المواطن من التقاضي ومراجعة المحاكم أو إجباره على مراجعة محكمة غير مختصة
وفيما يخص مبدأ استقلال القضاء فان الدساتير كذلك تنص على أن :
- القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون , ولا يجوز لآية سلطة التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة. وهذا يشير إلى أن نظام الحكم يجب أن لا يتدخل في شؤون القضاء أو تطبيق القانون من المحاكم , وبعبارة أخرى أن السلطتين التشريعية والتنفيذية أو غيرهما من الأجهزة - كالحزب - لا يحق لهما التدخل في مراحل العملية القضائية وتترك القضاء في ممارسة وظيفته لتطبيق القانون بحرية واستقلالية وبعيدا عن أي تأثير أو تدخلات خارجية أو ضغوط للتأثير على مجرى العدالة والانحراف نحو الظلم وعدم المساواة في تطبيق القانون ..
2 - أن القضاة غير قابلين للعزل إلا وفقا للقانون .
3 - القضاة مستقلون في إجراء وظيفتهم .
4- المحاكم مستقلة كل الاستقلال , تجاه جميع السلطات , في تحقيق الدعاوى والحكم فيها
وهذه القواعد العامة الأساسية موجودة حتى في دساتير الدول التي تقوم على حكم الفرد التي يغيب فيها حكم المؤسسات الدستورية أي الدول التي لا تقييم وزنا و احتراما للقانون الذي شرعته .ذلك لآن العبرة ليس في النص عليها و إنما في الاحترام الطوعي لها وفي خضوع الحكام والمحكومين لها .
كما يراد بمبدأ استقلال القضاء أن القاضي يحكم بما تمليه علية القواعد الموضوعية للقانون لتحقيق العدل والعدالة ويساوي بين القوي والضعيف , الغني والفقير , وعلى القاضي - طبقا للقانون - أن يتنحى عن منصة القضاء إذا وجد انه سوف لن يتمكن من ذلك في القضية المعروضة علية .. ونشير هنا إلى أن مما يتعلق بذلك هو ضرورة وجود الضمانات القانونية والمعايير العادلة والاستقلالية في اتخاذ الإجراءاتالقانونية في جميع المراحل أي منذ لحظة الاشتباه و الاتهام والتحقيق و المحاكمة وإصدار الحكم حتى مرحلة تنفيذ ه .وبالتالي لا يجوز لوزير العدل أو لآي مسؤول في الحزب والدولة أو لآي طرف من السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية التدخل في هذه المراحل من اجل ضمان تطبيق القانون بصورة سليمة و إيصال الحقوق إلى أصحابها بصورة صحيحة ولكي يؤدي المسؤول في الشرطة والمحقق والقاضي وغيرهم أدوارهم بحرية ونزاهة في تحقيق العدل أي (( المساواة )) و العدالة أي (( الإنصاف )).
ثالثا - مبدأ استقلال القضاء في الدستور العراقي لسنه 1925 ( القانون الأساسي )
صدر القانون الأساسي العراقي في 21 آذار من عام 1925وقد عدل مرتين أولهما في 92 تموز 1925 وثانيهما في 27 تشرين الأول 1943 وقد تضمن القانون المذكور مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث , وفيما يخص السلطة القضائية فقد نصت عليه أحكام الباب الخامس منه , فالمادة 58 نصت على أن ( الحاكم ) ويراد به القاضي يعين بإرادة ملكية ولا يجوز عزلة إلا في الأحوال المصرحة في القانون المخصص ( ويراد به قانون السلطة القضائية ).والمحاكم على أصناف وهي المحاكم المدنية والمحاكم الدينية والمحاكم الخصوصية.وجاء في المادة 71 منه مايلي ( المحاكم مصونة من التدخل في شؤونها ) وفي المادة 72 ( يجب أن تجري جميع المحاكمات علنا , إلا إذا وجد سبب من الأسباب المبينة قانونا في جواز عقد جلسات المجلس سرا ويجوز نشر أحكام المحاكم والمرافعات , إلا ما يعود منها إلى الجلسات السرية وتصدر كافة الأحكام بأسم الملك ).
كما تضمن القانون جملة من المبادئ العليا التي تضمن استقلال وهيبته القضاء في العراق ونذكر منها مثلا ما نص علية من انشأ محكمة عليا للبت بالأمور المتعلقة بتفسير القوانين وموافقتها للقانون الأساسي , إضافة إلى محاكمة الوزراء وأعضاء مجلس الأمة المتهمين بجرائم سياسية أو بجرائم تتعلق بوظائفهم. وقد عكس القانون الأساسي صورة واضحة لدولة المؤسسات القانونية آنذاك بما يكشف عن ضمان حق التقاضي واحترام السلطة القضائية.
رابعا - مبدأ استقلال السلطة القضائية في دستور عام 1990
على اثر انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988 , برزت دعوات في العراق للاستفادة من تجربة الحروب المدمرة والسعي إلى تأسيس قواعد المجتمع المدني ودولة القانون وإصدار دستور دائم للبلاد . وفعلا جرت ندوات متعددة لمناقشة واعداد الدراسات حول الدستور المؤقت لعام 1970 لغرض تجاوز الصيغة المؤقتة وإصدار الدستور الدائم الذي يفعل المؤسسات والقانون .
وكان كاتب هذه السطور ممن وقع عليهم الاختيار لبيان ملاحظاته حول التصورات القانونية لعراق ما بعد كارثة الحرب من اجل بناء عراق تعددي وديمقراطي قائم على احترام حقوق الإنسان والمؤسسات الدستورية في ندوة عقدت في كلية الحقوق بجامعة بغداد عام 1988 , غير أن هذه المناقشات كانت عبارة عن غطاء أخفى النظام وراءه جريمة احتلال دولة الكويت في 2 أب من عام 1990 واستعاض النظام عن الدستور الدائم برفع كلمة ( المؤقت ) من دستور عام 1970.
ولو رجعنا إلى الدستور المذكور لوجدنا أن المادة 60 تنص على استقلال السلطة القضائية وان الحق في التقاضي مضمون لجميع المواطنين وان تنفيذ القانون يكون من السلطة العامة للدولة وان المواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات وغيرها من الأسس. ولكن – كما هو معلوم – ليس العبرة في وجود النصوص المذكورة و إنما في تطبيقها , حيث أن من المعلوم للجميع أن هناك انتهاكات خطيرة للمبادئ الدولية والدستورية في هذا الميدان بصورة لم يسبق لها نظير في تاريخ العراق و لا في تاريخ المنطقة ويمكن القول أن النظام القضائي في العراق في ظل عهد الرئيس صدام هو نظام بلا عدالة ولا عدل .
يتبع