19.10.2009 آخر تحديث [14:09]
معركة كورسك نقطة انعطاف هامة في الحرب الوطنية العظمى(1941-1945)
تحتل معركة كورسك مكانة خاصة في تاريخ الحرب الوطنية العظمى(1941-1945)، اذ انها توصف كنقطة انعطاف هامة في سير الحرب السوفياتية- الالمانية واحدى المعارك البرية الهامة في الحرب العالمية الثانية. ولم تتمكن ألمانيا بعد ان منيت بالهزيمة في معركة كورسك عام 1943 من تحقيق استعادة المبادرة الاستراتيجية في الحرب . وكانت معركة كورسك ثالث عملية بعد الهجوم السوفيتي المضاد في ضواحي موسكو وموقعة ستالينغراد غيرت نهائيا موازين القوى لصالح الاتحاد السوفيتي في مواجهته الرايخ الالماني الثالث. كما انها تعتبر من اسطع الصفحات في سجل الفن الحربي العالمي بصفتها عملية دفاعية منظمة بشكل نموذجي و كبرى معارك الدبابات في الحرب العالمية الثانية. ويرى المؤرخون ان القوات السوفيتية استطاعت خوض عمليتين دفاعيتين ناجحتين، وهما معركة كورسك ومعركة بالاتون في المجر. لكن الالمان لم يعدوا يشكلون في معركة بالاتون التي وقعت في فبراير/شباط عام 1945 ،اي قبل هزيمة الالمان في الحرب بثلاثة اشهر ، قوة رهيبة مثلما شكلتها القوات الالمانية في ربيع عام 1943 حين عول هتلر على الانتقام من ستالين على هزيمته في ستالينغراد واراد استعادة المبادرة الاستراتيجة في الجبهة الالمانية السوفيتية.
استقر الوضع في الجبهة الالمانية السوفيتية بحلول ربيع عام 1943 حين خططت القيادة الالمانية لاجراء عملية اطلقت عليها تسمية "القلعة" . وكان الالمان ينوون بداية الانتقال الى الدفاع الاستراتيجي. لكن الجنرالات الالمان تخلوا سريعا عن هذه الفكرة، علما ان تنظيم الدفاع في قطاع او بضعة قطاعات من الجبهة اعتبر امرا مستحيلا في الحرب العالمية الثانية التي اتصفت بقدرة القوات الفائقة على المناورة خلافا للحرب العالمية الاولى. وحتى لو نجحت القوات الالمانية في تنظيم الدفاع في جبهة او جبهتين لاستطاع خصمها حشد قوة كبيرة في جبهة اخرى وتوجيه ضربة مفاجئة و محاصرة القوات الالمانية المدافعة. لذلك قرر هتلر الانتقال الى الهجوم الاستراتيجي ليس على طول الجبهة السوفيتية الالمانية كلها كما هو الامر في سنتي 1941 و1942 بل في جبهة واحدة تمر بمدينة كورسك حيث توغلت القوات السوفيتية الى عمق الدفاعات الالمانية مشكلة ما يشبه قوسا موجها نحو الجبهة الالمانية. وكان من الطبيعي ان يقص الجيش الالماني هذا القوس في قاعدتيه ومحاصرة الجيوش السوفيتية المدافعة عن مدينة كورسك مثلما حاصرت القوات السوفيتية الالمان في ستالينغراد.
وراهن هتلر في هذه المعركة على آلياته الحربية الحديثة وبالدرجة الاولى دبابات "تايغر" التي اتصفت بدروعها التي لا مثيل لها. وعول هتلر على ان زج هذه الدبابات في المعركة سيمكن القوات الالمانية من تحقيق التفوق النوعي على القوات السوفيتية واختراق دفاعاتها المحصنة .
وبالرغم ان التحضيرات للعملية الالمانية هذه اعتبرت سرا كبيرا ، الا ان القيادة الالمانية لم تستطع الحفاظ عليه. فنجحت الاستخبارات السوفيتية في اكتشاف معلومات تدل على ان القيادة الالمانية قررت البدء في الهجوم في جبهة كورسك. كما انها استطاعت تحديد اتجاهات ضربات العدو الرئيسية. ثم انتقلت القيادة السوفيتية التي ترأسها المارشال جوكوف وقادة الجبهة المركزية وجبهة "ستيبنوي" وجبهة فورونيج كل من الجنرالات قسطنطين روكوسوفسكي ونيقولاي فاتوتين وإيفان كونيف ،انتقلت الى بناء دفاعاتها في الاتجاهات الخطيرة . وقد تم إنشاء 8 خطوط دفاعية بلغ عمقها 300 كيلومتر. كما بلغت كثافة زرع الالغام في اتجاهات يحتمل ان تنزل فيها ضربات العدو 1500 لغم مضاد للدبابات و 1700 لغم مضاد للمشاة في كل كيلومتر مربع ، ناهيك عن آلاف الالغام التي تم زرعها بعد بدء هجوم الالمان . واحتلت قوات جبهة فورونيج والجبهة المركزية الخطوط الدفاعية الستة الاولى. واحتلت جبهة "ستيبنوي" الخط الدفاعي السابع. اما الخط الدفاعي الثامن فتم بناؤه على الضفة اليسارية لنهر الدون. وكان التفوق العددي لصالح القوات السوفيتية حيث بلغ عدد الافراد في الجبهة السوفيتية مليون و 336 الف جندي مقابل 900 الف جندي الماني فقط.. وكانت هناك 3444 دبابة سوفيتية مقابل 2733 دبابة المانية. كما كانت هناك 2172 طائرة سوفيتية تواجه 2050 طائرة المانية.
واستغرقت المعركة نفسها 50 يوما، اي بدأت 5 يوليو/تموز وانتهت في 23 اغسطس/آب عام 1943. وتضمنت معركة كورسك 3 عمليات للقوات السوفيتية. وهي عملية كورسك الدفاعية (5 – 23 يوليو/تموز) وعملية اوريول الهجومية (12 يولية/تموز – 23 اغسطس/آب) وعملية بيلغورود وخاركوف الهجومية (3 اغسطس/آب – 23 اغسطس/آب).
وبدأ الهجوم الالماني من القصف المدفعي السوفيتي. وسبب ذلك في ان القيادة السوفيتية توفرت لديها معلومات استطلاعية عملياتية حول موعد انتقال الالمان الى الهجوم، فقررت اجراء التمهيد الناري المضاد. وفي الساعة العاشرة مساء يوم 4 يوليو/تموز بدأت المدفعية السوفياتية في قصف شامل للقوات الألمانية المتحشدة في الحد الامامي والمتهيأة للهجوم. وذلك بغية أحداث الفوضى في صفوفها و تعطيل هجومها فنجحت في ذلك، حين اصابت نصف مدافع الالمان ، إلا أن هذه النجاعة بدأت تتراجع في اليوم التالي لأن القسم الأكبر من القوات الالمانية لم تبدأ بعد في التقدم لحد تلك اللحضة. أما المعركة الفعلية فقد اتّضحت في 5 يوليو/تموز بأن بلغ الاشتباك ذروته بين سلاحي الجو الألماني و السوفياتي، وذلك بحثا على التفوق والسيطرة الجوية على سماء الجبهة، الأمر الذي فشل في تحقيقه الطرفان كلاهما رغم التفوق النسبي للألمان.
تمكنت القوات الالمانية في اليوم الاول للمعرقة من التقدم في عمق الدفاعات السوفيتية على بعد حتى 8 - 10 كيلومترات. وفي الجنب الشمالي للمعركة استمرت المعارك الضارية حتى يوم 11 يوليو/ تموز. وبنت القيادة السوفيتية دفاعها على شكل مفارز دفاعية متحركة. وحتى اذا استولت القوات الالمانية على قرية اومدينة ما فلم تستطع الاحتفاظ بها بسبب ان القيادة السوفيتية كانت تقوم بهجمات مفاجئة في اجناب ومؤخرة العدو وتستعيد الوضع كما كان.
اما في الاتجاه الجنوبي للجبهة فاحرز الالمان نجاحا اكبر حيث تمكموا من اختراق الدفاعات العملياتية السوفيتية والوصول الى وسط قوس كورسك.
فوجه الالمان احسن قواتهم المدرعة الى منطقة بروخوروفكا حيث اصطدمت بالوحدات المدرعة السوفيتية، الامر الذي تسبب في وقوع أكبر معركة دبابات في الحرب العالمية الثانية. وشاركت فيها من كلا الطرفين السوفيتي والالماني 1200 دبابة ولم تتمخض معركة الدبابات في بروخوروفكا عن غلب احد الجانبين. لكن القوى الالمانية استندفت ، مما اضطرهم الى الانتقال الى الدفاع على طول الجبهة كلها.
في يوم 12 يوليو/تموز ابتدأت المرحلة الجديدة الحاسمة في معركة كورسك وهي الهجوم المضاد للقوات السوفيتية الذي انتقلت اليه قوات جبهة "بريانسك" والجبهة الغربية التي وجهت ضربة مفاجئة في اتجاه مدينة أوريول وحررتها من الالمان يوم 4 اغسطس/آب عام 1943. اما الهجوم المضاد لجبهتي "فورونيج" و "ستيبنوي" فبدأ في 3 اغسطس/آب حين اخترقت القوات السوفيتية دفاعات الالمان وحررت يوم 5 اغسطس/آب مدينة أوريول.
تعتبر معركة كورسك احدى المعارك الكبرى في تاريخ الحرب العالمية الثانية. كما انها تعد مرحلة هامة على الطريق الى انتصار الاتحاد السوفيتي على المانيا الناتزية. وانتهت في هذه المعركة مرحلة الانعطاف الجذري في سير الحرب العالمية الثانية. وبعد وصول القوات السوفيتية الى نهر دنيبر اضطر الالمان وحلفاؤهم الى الدفاع في كافة الجبهات. وشارك في المعركة بكافة مراحلها الدفاعية والهجومية من كلا الطرفين حوالي 4 ملايين فرد وما يقارب 70 ألف مدفع وهاون وما يزيد عن 13 ألف دبابة و12 ألف طائرة. وتم دحر 12 فرقة ألمانية اعتبرت نخبة للجيش الالماني. وخسرت القوات الالمانية في نتيجة المعركة ما يزيد عن 500 جندي وضابط وحوالي 1500 دبابة و3.7 ألف طائرة و3 آلاف مدفع.
http://arabic.rt.com/news_all_info/36058
عدل سابقا من قبل وليد محمد الشبيبي في السبت 26 مارس 2011, 4:32 am عدل 1 مرات