عودة القيادة التركية
الصراع الفكري في الساحة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط قد يكون الأشد من نوعه بالمقارنة مع بقية مناطق دول العالم. هذه المنطقة التي كانت مهد الحضارات ومنبع الأديان السماوية، ولدى شعوبها مخزون وموروث ثقافي منذ آلاف السنين. وحيث لم يستطع أتباع أفخم ثلاثة أديان في المنطقة إيجاد نظام للعيش المشترك يضمن حقوق الجميع، بدأت الصراعات العقائدية وكانت نتيجتها الضعف والهوان وتدخل القوى الخارجية لفرض واقع دولة يهودية، وبعد أن أصبح لها كيان وأخذت تنافس وجود الآخرين دخلت بقية المنطقة في صراعات جانبية وأخرى مذهبية طائفية يغلفها الفكر القومي وأفكار جديدة مثل الاشتراكية والليبرالية والرأسمالية والديمقراطية حتى أصبحت هذه المدارس جبهات مضادة للعقيدة الاسلامية، فتعمق الصراع بين المثقفين وأخذ يزداد في التباعد فيما بينهم بعد أن أصبحوا سياسيين من خلال أحزاب تتبنى تلك المدارس الفكرية، ودخلوا ميدان التنافس لقيادة الأمة دون التوصل الى خلق نظام مميز يفي بتحقيق المواطنة الحقيقية، فاتسع نطاق الصراع ومفهومه ليدخل عهدا جديدا ألا وهو الصراع للبقاء على كرسي رئاسة النظام والدولة لأطول مدة ممكنة..!
المثقفون والسياسيون دخلوا مرحلة جديدة من الصراع الفكري بعد ظهور مدارس فكرية سياسية جديدة مثل الماركسية الجديدة والليبرالية الجديدة حيث طرأت تغيرات كبيرة على النظرية والممارسة الديمقراطية والدفع نحو المزيد من الحريات العامة وحقوق الانسان، إلا أن هذه التغيرات تواجه جبهة التحريم من الاسلاميين، خصوصا المتطرفين منهم والذين هم أيضا ركبوا موجة الديمقراطية الليبرالية..!
أعتقد أن تركيا خرجت من معادلة الصراع بعد أن نجح السيد «رجب طيب أردوغان» في تجديد واستحداث الثقافة وعقلية المجتمع التقليدي لمواكبة النهج الديمقراطي الليبرالي الحديث، كما نجح بمد جسور التواصل مع الأرمن واليونان بعد عداء تاريخي طويل، وكذلك مع الجمهوريات السوفيتية، وأيضا نجاحه المميز في إرساء الاستقرار والأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأصبح طرفا مهما في معادلة الشرق الأوسط إلى جانب جمهورية إيران الاسلامية، وقد يتولى قيادة النزاع العربي - الاسرائيلي لو أن الصراع الفكري في العالم العربي تفاقم أو أن أحداث الثورة في مصر لم تعط نتيجة مثمرة ومرضية للعالم الغربي..!