عبد الخالق كيطان
بغداد حزينة
تختتم بلقيس شرارة كلماتها عن آخر زيارة لها لبغداد بالقول: "كلما أترك بغداد وأتوجه إلى الطائرة أحس بألم في أعماقي، ألم يشوبه نوع من التفاؤل، لكني شعرت هذه المرة باليأس، رغم شمس بغداد الدافئة التي سرت في عروقي، ولكي ينقلب اليأس إلى تفاؤل يحتاج العراق إلى أجيال عديدة للتخلص من التركة التي يرزح تحتها."...
الجملة الأخيرة أسمعها يومياً من شباب بعمر الورود. يقولون بصراحة ان الوضع في العراق "ميؤوس منه"، وان بغداد تحتاج إلى أجيال عديدة للتخلص مما هي فيه. لماذا يصل الشباب إلى نتيجة وصلها الكبار الذين دبغت جلودهم المنافي والسجون والتوق إلى عراق متسامح ومسالم وآمن؟
في تقديري الشخصي ان العراق عندما دخل نفق الثورات والانقلابات العسكرية قد بدأ بالفعل في عصر دموي دفع ويدفع ثمنه لا جيل واحد بل أجيال من هذا الشعب. لقد صار التغني بالماضي، سواء كان بعيداً يمتد إلى آلاف السنين، أو أقرب من ذلك كما هو الحال في عصر ازدهار الحضارة العباسية التي كانت عاصمتها بغداد، أو إلى أقرب من ذلك، وتحديداً النصف الأول من القرن الماضي، حيث تأسست الدولة العراقية الحديثة ومحاولة نخبها وضع البلاد على سكة التحضر آنذاك.
ولكن ما حدث منذ الخمسينيات وإلى اليوم ليس أكثر من تراجع مريع في مفاصل شتى، لا تشذ هنا علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد عن ذاك التراجع، حتى إذا وصلنا إلى العام 2011 فسنكون أمام عراق بحاجة إلى كل شيء!
يتفنن كثيرون من الماسكين بزمام الأمور اليوم في إرجاع العراق إلى زمن ما قبل نهضة بدايات القرن العشرين. قد يكون هؤلاء غير مدركين لخطورة ما يقومون به من دور تخريبي، وقد تكون الأفكار التي تربوا عليها ووجدوا أنفسهم محشورين فيها طيلة عقود من المنع والكبت والحرمان هي السبب في ذلك، على أن النتيجة ستظل واحدة. العراق اليوم بأمس الحاجة إلى قيم التحديث وسيادة لغة الحوار والبحث عما يعجل في انتشال الناس من حافة اليأس التي تحيط بهم مثل نصل سكين حادة، ولكن ما يجري هو عكس ذلك تماماً.
من المفهوم أن يقوم ذاك البعض بفرض الحجاب، غلق النوادي الاجتماعية، تحريم الموسيقى والغناء والمسرح، منع اللهو البريء، التضييق على حرية الصحافة قبل حرية الأفراد... الخ من شروط تعلمها في الدوائر المغلقة التي تربى في ظلها، ولكن من غير المفهوم اختطاف البلد من اصحابه الحقيقيين، هدم منجزات قرن كامل، وتغليب لغة الثأر والانتقام على غيرها، من غير الممكن القبول بخطة تجهيل الناس التي يمارسها متنفذون في الدولة، تيارات وأحزاب لا تعمل شيئاً غير تعبئة الأكياس الضخمة بالعملة الصعبة فيما نعاني من أزمة خانقة في أعداد المدارس، بل ان نسب الأمية بين أبنائنا في ارتفاع مهول.
العراق في بداية عقده الجديد مطالب بالكثير من الاستحقاقات، والصمت على ما يجري طبخه بنار ليست هادئة لم يعد ممكناً.. إننا بحاجة إلى رجال دولة يؤثرون قيم النهضة في هذه البلاد من جديد على غيرها من قيم تريد نسف ما تحقق عبر عقود طويلة من عمر البلاد.
ليست الصورة قاتمة إلى هذا الحد، ولكنها قاتمة على أية حال!
عبد الخالق كيطان
بغداد حزينة
تختتم بلقيس شرارة كلماتها عن آخر زيارة لها لبغداد بالقول: "كلما أترك بغداد وأتوجه إلى الطائرة أحس بألم في أعماقي، ألم يشوبه نوع من التفاؤل، لكني شعرت هذه المرة باليأس، رغم شمس بغداد الدافئة التي سرت في عروقي، ولكي ينقلب اليأس إلى تفاؤل يحتاج العراق إلى أجيال عديدة للتخلص من التركة التي يرزح تحتها."...
الجملة الأخيرة أسمعها يومياً من شباب بعمر الورود. يقولون بصراحة ان الوضع في العراق "ميؤوس منه"، وان بغداد تحتاج إلى أجيال عديدة للتخلص مما هي فيه. لماذا يصل الشباب إلى نتيجة وصلها الكبار الذين دبغت جلودهم المنافي والسجون والتوق إلى عراق متسامح ومسالم وآمن؟
في تقديري الشخصي ان العراق عندما دخل نفق الثورات والانقلابات العسكرية قد بدأ بالفعل في عصر دموي دفع ويدفع ثمنه لا جيل واحد بل أجيال من هذا الشعب. لقد صار التغني بالماضي، سواء كان بعيداً يمتد إلى آلاف السنين، أو أقرب من ذلك كما هو الحال في عصر ازدهار الحضارة العباسية التي كانت عاصمتها بغداد، أو إلى أقرب من ذلك، وتحديداً النصف الأول من القرن الماضي، حيث تأسست الدولة العراقية الحديثة ومحاولة نخبها وضع البلاد على سكة التحضر آنذاك.
ولكن ما حدث منذ الخمسينيات وإلى اليوم ليس أكثر من تراجع مريع في مفاصل شتى، لا تشذ هنا علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد عن ذاك التراجع، حتى إذا وصلنا إلى العام 2011 فسنكون أمام عراق بحاجة إلى كل شيء!
يتفنن كثيرون من الماسكين بزمام الأمور اليوم في إرجاع العراق إلى زمن ما قبل نهضة بدايات القرن العشرين. قد يكون هؤلاء غير مدركين لخطورة ما يقومون به من دور تخريبي، وقد تكون الأفكار التي تربوا عليها ووجدوا أنفسهم محشورين فيها طيلة عقود من المنع والكبت والحرمان هي السبب في ذلك، على أن النتيجة ستظل واحدة. العراق اليوم بأمس الحاجة إلى قيم التحديث وسيادة لغة الحوار والبحث عما يعجل في انتشال الناس من حافة اليأس التي تحيط بهم مثل نصل سكين حادة، ولكن ما يجري هو عكس ذلك تماماً.
من المفهوم أن يقوم ذاك البعض بفرض الحجاب، غلق النوادي الاجتماعية، تحريم الموسيقى والغناء والمسرح، منع اللهو البريء، التضييق على حرية الصحافة قبل حرية الأفراد... الخ من شروط تعلمها في الدوائر المغلقة التي تربى في ظلها، ولكن من غير المفهوم اختطاف البلد من اصحابه الحقيقيين، هدم منجزات قرن كامل، وتغليب لغة الثأر والانتقام على غيرها، من غير الممكن القبول بخطة تجهيل الناس التي يمارسها متنفذون في الدولة، تيارات وأحزاب لا تعمل شيئاً غير تعبئة الأكياس الضخمة بالعملة الصعبة فيما نعاني من أزمة خانقة في أعداد المدارس، بل ان نسب الأمية بين أبنائنا في ارتفاع مهول.
العراق في بداية عقده الجديد مطالب بالكثير من الاستحقاقات، والصمت على ما يجري طبخه بنار ليست هادئة لم يعد ممكناً.. إننا بحاجة إلى رجال دولة يؤثرون قيم النهضة في هذه البلاد من جديد على غيرها من قيم تريد نسف ما تحقق عبر عقود طويلة من عمر البلاد.
ليست الصورة قاتمة إلى هذا الحد، ولكنها قاتمة على أية حال!
عبد الخالق كيطان