أم النصائح
فهد عامر الأحمدي
الرأي المسبق/ والتعصب الأعمى/ وقلة الخبرة/ وطغيان العاطفة/ والفكر المتصلب/ والإيمان المطلق... مجرد عناصر ومؤثرات خارجية تمنع تفكيرنا بشكل سليم ومحايد!!
وكانت فكرة هذا المقال قد خطرت ببالي بعد انتهائي من آخر مقال ناقشت فيه دور الرأي (الأسبق) و (الأقرب) في تشكيل أفكارنا ومعتقداتنا الشخصية.. وحين وصلت إلى نهايته كنت قد تذكرت بالفعل عناصر أخرى كثيرة تلعب نفس الدور دون أن نعي وجودها أصلا..
ورغم أنني أملك رفا كاملا من الكتب التي تناقش هذا الموضوع، إلا أنني فضلت في النهاية الاستعانة بما أتذكره وأراه شائعا في مجتمعي..
فبالإضافة للعيوب والأخطاء التي ذكرتها (في أول المقال) هناك مثلا:
التحيز والتفكير المؤدلج:
فبسبب تأثير الثقافة والمجتمع تجدنا نفكر دائما (لا بهدف الوصول للحقيقة) بل لإثبات وجهة نظرنا ومناصرة الأفكار التي يتبناها مجتمعنا.. وهذا النوع من التحيز تجده سائدا بين المتشددين في أي دين حيث القناعات موجودة أصلا ولكن النتائج تفبرك لاحقا لمساندتها..
ومانحتاجه فعلا هو أن نبدأ عملية التفكير بمعزل عن نية التأثير وإثبات القناعات الخاصة (وهذا بالضبط ما يفعله العلماء في المختبرات حيث يبحثون عن الحقيقة المجردة دون نية إثبات رأي أو معتقد مسبق)!
الغرور والتمركز حول الذات:
جميعنا نتمركز حول ذواتنا وندافع عن مصالحنا وآرائنا الخاصة.. وهذا ليس شذوذا بل أحد عيوب التفكير التي تمنعنا من رؤية الجوانب الأخرى ووجهات النظر المختلفة.. فطالما افترضت أنك على صواب فما الذي يمنع الآخرين أن يكونوا مثلك!؟.. وحين تكون على صواب فعلا هل يعني هذا أن الآخرين كانوا على خطأ؟!.. أليس من الأفضل والأسهل أن تبدأ دائما بفرضية كونك (أنت) على خطأ!!
القبول بأقرب وأبسط الحلول:
حين يفكر أحدنا بالمشكلة يبرز في رأسه حل مباشر يتبناه فورا كونه الأقرب لمفاهيمه وخبراته السابقة (واسأل أصدقاءك عن رأيهم بأسباب البطالة أو هبوط الأسهم لتكتشف تركيزهم على سبب واحد فقط)..
والخطأ هنا أننا (لا نتوقف) للتفكير بوجود احتمالات أكثر ومسببات أعمق للمشكلة.. ومانحتاجه فعلا هو أن نحاكي خبراء البحث العلمي الذين يضعون عددا كبيرا من الاحتمالات والفرضيات ثم يبدؤون بمناقشتها والتأكد منها الواحدة تلو الأخرى!!
المناوأة والحجج المضادة:
معظم الناس حين يعارضون شخصا أو تيارا يسعون لتسفيه موقفه وتضخيم سلبياته.. والخطأ هنا أن مواقفنا المناوئة وعواطفنا الثائرة تمنعنا من رؤية الجانب الصائب والإيجابي في الطرف الآخر.. أضف لهذا أن محاولة صياغة موقفك بطريقة "هو على خطأ" لا يعني بالضرورة أنك أصبحت "على صواب"، بل قد تجازف بخسارة سمعتك إن استمررت في تبني هذا الأسلوب ضد الآخرين ..
الاستقطاع والاستشهاد بالاستثناء:
حين نناقش أي مشكلة لا ننظر إليها كاملة بل نستقطع منها مايؤيد وجهة نظرنا فقط.. وهذا الاستقطاع قد يتضمن موقفاً شخصياً أو حادثاً فردياً أو فترة زمنية محصورة يتم تعميمها على الجميع.. فقد يتم الاستشهاد مثلا بحالة ابتزاز صحيحة لإثبات خطورة الاختلاط (والتغاضي عن آلاف الحالات البريئة).. كما قد نستشهد بوقوعها في مؤسسة أو شركة معينة (للإيحاء بفساد الموقع) في حين يمكن لنفس الحالة أن تقع في أي مكان آخر، أو حتى بواسطة الهاتف والإيميل وغرف الانترنت !
تبني قوالب مسبقة ونماذج قياسية:
جميعنا للأسف يتعصب لأفكار معينة، ويتبنى قوالب مسبقة، ويعتمد على التعميم في إصدار الأحكام.. ولكن! حين تتعصب لفكرة معينة لن ترى لها بديلا، وحين تتبنى قوالب مسبقة لن تلاحظ التغيرات الجديدة، وحين تعمد للتعميم (ضد جنس أو تيار أو ديانة معينة) لن تشاهد الاختلافات الفردية والفوارق الايجابية داخله.. وما نحتاجه فعلا هو عدم التعميم والاهتمام بالتفاصيل وتقبل وجود استثناءات (فأهل الكتاب مثلا ليسوا سواء)!!
أما (أم النصائح) فهي أننا نمارس كل هذه العيوب (بما فيها المذكورة في مقدمة المقال) بطريقة تلقائية وغير واعية.. وما تحتاجه فعلا بعد معرفتك بها هو أن تفكر فيها بطريقة واعية وعقلانية وخاضعة لسيطرتك الذاتية..
فالمسألة ببساطة هي: إما أن تعيها وتسيطر عليها، أو تتجاهلها وتسمح لها بالسيطرة عليك..
وانظر حولك لتعرف أي الحالين غلاباً ..