أمريكا من لاعب أكبر إلى متفرج!
ساهر عريبي
لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا كبيرا في العراق منذ الغزو العراقي لدولة الكويت قبل عقدين من الزمن
فأمريكا لم تكتف بإخراج القوات العراقية الغازية من دولة الكويت الشقيقة بل فرضت على العراق حصارا إقتصاديا وسياسيا كبيرا توجته بإحتلالها العسكري للعراق وإسقاطها للنظام الدكتاتوري السابق في العام 2003 ,وقد سبق ذلك تحضيرا ت كبيرة أعدت لها الأدارة الأمريكية وذلك بمحاولتها كسب تأييد المجتمع الدولي لمشروعها و بجمعها لفصائل المعارضة العراقية المتناثرة في الشتات في مؤتمرات ومعسكرات وتقديمها العون العسكري والسياسي والمالي اللازم لأضفاء شرعية على غزوها للعراق الذي ووجه بمعارضة كبيرة من قبل المجتمع الدولي.
وبعد أن نجحت في إسقاط النظام السابق الذي إنهار بشكل غير متوقع أمام الضربات العسكرية الأمريكية تمكنت أمريكا من إحكام سيطرتها على مقاليد الأمور في بلاد الرافدين من خلال سلطة الأحتلال المؤقتة التي رأسها الحاكم الأمريكي بول بريمر. وعندما بدأت عملية تحويل السلطة للعراقيين في إطار ماعرف بالمشروع الأمريكي لأحلال الديمقراطية في المنطقة , كانت الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الأكبر في عملية تعيين أعضاء مجلس الحكم ومن ثم تعيين الحكومة المؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي التي أشرفت على إجراء أول إنتخابات نيابية حرة في العهد الجديد حيث فازت بها قائمة الأئتلاف العراقي التي رشحت الدكتور الجعفري لرئاسة الوزراء.
وأما في الدورة الأنتخابية الثانية والتي فازت بها أيضا قائمة الأئتلاف العراقي الموحد فلقد تدخلت امريكا بشكل كبير في عملية تعيين رئيس الوزراء الجديد حيث حالت امريكا دون إستمرار الجعفري في منصبه حتى رست رئاسة الوزراء لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي.ولقد ظل الدور الأمريكي مؤثرا وكبيرا في العراق طيلة سنوات حكم المالكي سواء على الصعيد العسكري او السياسي او الإقتصادي فكانت امريكا اللاعب الأكبر في العراق وبلا منازع او مدافع رغم كثرة اللاعبين الداخليين والخارجيين في العراق ولم تتمكن إيران وهي الغريم التقليدي لأمريكا من لعب دور يوازي الدور الأمريكي في العراق رغم ان دورها كان مؤثرا وكبيرا.
إلا أن الدور الأمريكي في العراق شهد تراجعا كبيرا في ظل الأدارة الديمقراطية الجديدة التي جلس رئسها في المكتب البيضاوي ليضع العراق في اخر سلم أولوياته, حتى أصبحت السياسة الأمريكية في العراق بلا لون ولاطعم ولارائحة.وبالمقابل فإن المبادرة أصبحت بيد دول الجوار التي أصبحت عواصمها قبلة لقادة الكتل السياسية قاطبة الذين جابوها بدأ من طهران وإنتهاء بالرياض. وحتى اولئك الذين عابوا على الأخرين زياراتهم المكوكية لدول الجوار وإتهموهم بإلأستقواء بتلك الدول ,سارعوا أخيرا لزيارة تلك الدول سعيا وراء كسب تأييدها لمساعيهم في البقاء في مناصبهم.
فكانت هناك مبادرة إيرانية وأخرى سورية وأخرى سعودية فيما لعبت تركيا دورا كبيرا عبر زيارات مسؤوليها المكوكية لبغداد وأربيل, واما عمان فهي الأخرى كانت ملتقى لأجتماعات العديد من القادة السياسيين العراقيين.
واما الأدارة الأمريكية فهي لم تحرك ساكنا وإكتفت بدور المراقب حتى إنها لم تطرح مبادرة امريكية ولم تدع القادة العراقيين إلى إجتماع تحت مظلتها كما جمعتهم أيام المعارضة حتى تحولت امريكا من لاعب اكبر في العراق إلى متفرج.بل وصل الأمر بتلك الأدارة إلى حد الأنصياع إلى الرغبة الأيرانية التي شاءت أن ترى المالكي جالسا على كرسي الحكم لدورة ثانية.
فسجلت السياسة الأيرانية إنتصارا كبيرا على أمريكا في العراق حيث نجحت في ترجيح كفة رئيس الوزراء العراقي على منافسيه, عبر نجاحها في عقد صفقة بينه وبين التيار الصدري الذي تعرض زعيمه إلى ضغوطات دفعته لأمضاء تلك الصفقة.وبذلك أصبحت إيران اللاعب الأكبر في العراق التي أعطت دفعة قوية لعملية تشكيل الحكومة الجديدة التي كانت تراوح في محلها والتي كانت مفتوحة على مختلف الأحتمالات. فيما إكتفت الأدارة الأمريكية بدور المتفرج بل بدور (مستر يس)! ولعل في هذا الموقف الأمريكي غرابة مابعدها غرابة بل هو مدعاة للتساؤل عن السر الذي يقف وراء هذه السياسة الأمريكية الجديدة في العراق.
وهنا لابد من مناقشة دواعي هذه السياسة الجديدة فهل إن الأدارة الديمقراطية تريد إفشال التجرية الديمقراطية الوليدة سعيا لتحقيق نصر على منافسيها الجمهوريين في الأنتخابات النصفية ؟فالوضع العراقي هو أحد مخلفات السياسة الجمهورية ولذا فإن أي إنتكاسة لهذا الوضع ستحسب على الحزب الجمهوري الذي وضع هذا السيناريو طيلة سنوات حكمه. أم إن السياسة الأمريكية بشقيها الجمهوري والديمقراطي تشعر بفشل مشروعها في العراق ولذا فهي تريد ان تترك هذا البلد ليلاقي مصيره لوحده في هذه الظروف الصعبة؟
أم إن السياسة الأمريكية تقتضي وجود حاكم في العراق لايبعث الطمأنينة في دول المنطقة؟ بل تريده حاكما مدعوما من إيران ويثير قلق دول الجوار وخاصة الخليجية منها بإعتباره غير حليف لها ولاينتمي لمنظومتها ,وبذلك تبقى هذه الدول في حاجة مستمرة لأمريكا الأمر الذي يعود عليها بمنافع شتى لعل اولها صفقات السلاح الأمريكية وديمومة التواجد الأمريكي في هذه المنطقة الحساسة من العالم.وبغض النظر عن الجواب الصحيح لتلك التساؤلات فإن أمريكا لم تعد اليوم اللاعب الأكبر في العراق سواء أكان ذلك بإرادتها ام رغما عنها.
ساهر عريبي
لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا كبيرا في العراق منذ الغزو العراقي لدولة الكويت قبل عقدين من الزمن
فأمريكا لم تكتف بإخراج القوات العراقية الغازية من دولة الكويت الشقيقة بل فرضت على العراق حصارا إقتصاديا وسياسيا كبيرا توجته بإحتلالها العسكري للعراق وإسقاطها للنظام الدكتاتوري السابق في العام 2003 ,وقد سبق ذلك تحضيرا ت كبيرة أعدت لها الأدارة الأمريكية وذلك بمحاولتها كسب تأييد المجتمع الدولي لمشروعها و بجمعها لفصائل المعارضة العراقية المتناثرة في الشتات في مؤتمرات ومعسكرات وتقديمها العون العسكري والسياسي والمالي اللازم لأضفاء شرعية على غزوها للعراق الذي ووجه بمعارضة كبيرة من قبل المجتمع الدولي.
وبعد أن نجحت في إسقاط النظام السابق الذي إنهار بشكل غير متوقع أمام الضربات العسكرية الأمريكية تمكنت أمريكا من إحكام سيطرتها على مقاليد الأمور في بلاد الرافدين من خلال سلطة الأحتلال المؤقتة التي رأسها الحاكم الأمريكي بول بريمر. وعندما بدأت عملية تحويل السلطة للعراقيين في إطار ماعرف بالمشروع الأمريكي لأحلال الديمقراطية في المنطقة , كانت الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الأكبر في عملية تعيين أعضاء مجلس الحكم ومن ثم تعيين الحكومة المؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي التي أشرفت على إجراء أول إنتخابات نيابية حرة في العهد الجديد حيث فازت بها قائمة الأئتلاف العراقي التي رشحت الدكتور الجعفري لرئاسة الوزراء.
وأما في الدورة الأنتخابية الثانية والتي فازت بها أيضا قائمة الأئتلاف العراقي الموحد فلقد تدخلت امريكا بشكل كبير في عملية تعيين رئيس الوزراء الجديد حيث حالت امريكا دون إستمرار الجعفري في منصبه حتى رست رئاسة الوزراء لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي.ولقد ظل الدور الأمريكي مؤثرا وكبيرا في العراق طيلة سنوات حكم المالكي سواء على الصعيد العسكري او السياسي او الإقتصادي فكانت امريكا اللاعب الأكبر في العراق وبلا منازع او مدافع رغم كثرة اللاعبين الداخليين والخارجيين في العراق ولم تتمكن إيران وهي الغريم التقليدي لأمريكا من لعب دور يوازي الدور الأمريكي في العراق رغم ان دورها كان مؤثرا وكبيرا.
إلا أن الدور الأمريكي في العراق شهد تراجعا كبيرا في ظل الأدارة الديمقراطية الجديدة التي جلس رئسها في المكتب البيضاوي ليضع العراق في اخر سلم أولوياته, حتى أصبحت السياسة الأمريكية في العراق بلا لون ولاطعم ولارائحة.وبالمقابل فإن المبادرة أصبحت بيد دول الجوار التي أصبحت عواصمها قبلة لقادة الكتل السياسية قاطبة الذين جابوها بدأ من طهران وإنتهاء بالرياض. وحتى اولئك الذين عابوا على الأخرين زياراتهم المكوكية لدول الجوار وإتهموهم بإلأستقواء بتلك الدول ,سارعوا أخيرا لزيارة تلك الدول سعيا وراء كسب تأييدها لمساعيهم في البقاء في مناصبهم.
فكانت هناك مبادرة إيرانية وأخرى سورية وأخرى سعودية فيما لعبت تركيا دورا كبيرا عبر زيارات مسؤوليها المكوكية لبغداد وأربيل, واما عمان فهي الأخرى كانت ملتقى لأجتماعات العديد من القادة السياسيين العراقيين.
واما الأدارة الأمريكية فهي لم تحرك ساكنا وإكتفت بدور المراقب حتى إنها لم تطرح مبادرة امريكية ولم تدع القادة العراقيين إلى إجتماع تحت مظلتها كما جمعتهم أيام المعارضة حتى تحولت امريكا من لاعب اكبر في العراق إلى متفرج.بل وصل الأمر بتلك الأدارة إلى حد الأنصياع إلى الرغبة الأيرانية التي شاءت أن ترى المالكي جالسا على كرسي الحكم لدورة ثانية.
فسجلت السياسة الأيرانية إنتصارا كبيرا على أمريكا في العراق حيث نجحت في ترجيح كفة رئيس الوزراء العراقي على منافسيه, عبر نجاحها في عقد صفقة بينه وبين التيار الصدري الذي تعرض زعيمه إلى ضغوطات دفعته لأمضاء تلك الصفقة.وبذلك أصبحت إيران اللاعب الأكبر في العراق التي أعطت دفعة قوية لعملية تشكيل الحكومة الجديدة التي كانت تراوح في محلها والتي كانت مفتوحة على مختلف الأحتمالات. فيما إكتفت الأدارة الأمريكية بدور المتفرج بل بدور (مستر يس)! ولعل في هذا الموقف الأمريكي غرابة مابعدها غرابة بل هو مدعاة للتساؤل عن السر الذي يقف وراء هذه السياسة الأمريكية الجديدة في العراق.
وهنا لابد من مناقشة دواعي هذه السياسة الجديدة فهل إن الأدارة الديمقراطية تريد إفشال التجرية الديمقراطية الوليدة سعيا لتحقيق نصر على منافسيها الجمهوريين في الأنتخابات النصفية ؟فالوضع العراقي هو أحد مخلفات السياسة الجمهورية ولذا فإن أي إنتكاسة لهذا الوضع ستحسب على الحزب الجمهوري الذي وضع هذا السيناريو طيلة سنوات حكمه. أم إن السياسة الأمريكية بشقيها الجمهوري والديمقراطي تشعر بفشل مشروعها في العراق ولذا فهي تريد ان تترك هذا البلد ليلاقي مصيره لوحده في هذه الظروف الصعبة؟
أم إن السياسة الأمريكية تقتضي وجود حاكم في العراق لايبعث الطمأنينة في دول المنطقة؟ بل تريده حاكما مدعوما من إيران ويثير قلق دول الجوار وخاصة الخليجية منها بإعتباره غير حليف لها ولاينتمي لمنظومتها ,وبذلك تبقى هذه الدول في حاجة مستمرة لأمريكا الأمر الذي يعود عليها بمنافع شتى لعل اولها صفقات السلاح الأمريكية وديمومة التواجد الأمريكي في هذه المنطقة الحساسة من العالم.وبغض النظر عن الجواب الصحيح لتلك التساؤلات فإن أمريكا لم تعد اليوم اللاعب الأكبر في العراق سواء أكان ذلك بإرادتها ام رغما عنها.