بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم ونُكمل إن شاء الله برنامجنا ونعيش كل يوم مع أسماء الله الحسنى، وكلنا أمل أن لا ينتهي رمضان إلاّ ونكون قد أحسسنا بمعرفة الله عزّ وجل، وهذا هو هدف البرنامج، معرفة الله عزّ وجل، معرفة تؤدي إلى طاعة، معرفة تؤدي إلى سعادة في الدنيا والآخرة، وذلك عن طريق أن نعيش كل يوم مع اسم من أسمائه، نحسه، وعند انتهاء الحلقة، لا تنته علاقتنا بالاسم، بل نكمل باقي يومنا واليوم التالي ونحن نعيش بهذا الاسم، ونعيش مع الأسماء التي ذكرناها من قبل، وتستمر هذه العملية تتراكم على قلوبنا وعقولنا إلى أن نخرج إن شاء الله ونحن شعارنا: باسمك نحيا بقية حياتنا وليس في رمضان فقط.
قبل الدخول في اسم اليوم، أحب أن أطرح سؤالاً: كيف نحن في رمضان؟ أياماً معدودات! وها قد مضى أسبوع، هل نرى كيف الأيام تجري؟ لابد من الاجتهاد، وهل أعتقنا؟ توسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وادعوا الله أن يعتقك فهو لو أعتقك لن يأسرك. الأيام قليلة فابذلوا أقصى طاقاتكم.
حلقة اليوم عن اسم الله الرقيب، وقد ورد في القرآن ثلاث مرات، ولكن معانيه سنجدها في كل صفحة من صفحات القرآن، فاسم الله الرقيب جاء مرة في سورة النساء: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1)
والمرة الثانية على لسان سيدنا عيسى(... فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (المائدة: من الآية117)
ولكن قبل الدخول في معنى الرقيب أريد أن أبدأ بالهدف من هذه الحلقة، ما هو الهدف؟ ما هو الهدف أن تعيش مع اسم الله الرقيب؟ الهدف: أنا معك يارقيب! لما لا نعقد هذه النية؟ أنا معك يا رقيب في رمضان في كل خطوة حتى نهاية رمضان.. أنا مع الرقيب وهو ينظر إليّ، وأن أضع هذه الآية أمام عيني: ((...وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) (الحديد: الآية4)
الهدف من الحلقة أن نُصلح ما بداخلنا، فالرقيب ينظر إلينا. كن سواءً ما اختفى وما علن. فنحن لو نوينا هذه النية نخرج من رمضان بشكل آخر، فهذه الحلقة محورية في حلقات أسماء الله الحسنى، وتم تأخيرها حتى نستعد لها ونستوعبها وهي تحتاج إلى تركيز: الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد عليّ في كل خطوة من خطوات حياتي، في طعامي وشرابي، وضحكي، حتى وأنا مستلقي على سريري. نحن نعرف هذا المعنى، ولكن نريد أن نعيش به فلا يكفي أن تعرف المعنى ولكن لا بد أن نعيش المعنى في كل ذرة، وكل نفس، وكل حركة في حياتك فتكون النتيجة أن يصبح الظاهر كالباطن لأن الرقيب معك.
كل الناس تتجمل، وهناك نظرية اسمها جبل الجليد، الظاهر منه فوق الأرض 20% وتحت الأرض 80%، والناس كلها تحرص أن تركز على نسبة الـ 20% التي هي الظاهر، ولكن نحن نريد أن نعمل على تجميل الداخل ولن يتحقق ذلك إلاّ مع اسم الله الرقيب. هل أنا سواء ما اختفى وما علن؟ ((أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)) (العلق:14)
فلو عشنا مع اسم الرقيب سيصلح داخلنا ويكون مثل ظاهرنا، فأنا إن أخطأت أعلم بأن الله يراني، وإن فعلت حسنة سأفرح لأنه أيضاً يراني.
فالرقيب ليس فقط في السيئات، وإنما أيضاً في الحسنات، وليس كله يعني الخوف، فالأهل الذين يربون أولادهم فقط على الخوف من الله إن هو أخطأ، لا بد أن نعلمهم أيضاً بأن الله ينظر إليه عندما يقوم بفعل حَسن. فلو عشنا مع هذا الإسم لا بد أن نعيش في سعادة أبدية، وهو أكثر أسماء الله الذي يجعلك تعيش مع الله في كل لحظة من لحظات حياتك ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ....))(الحديد:الآية4)
حلقة اليوم مكونة من أربع محاور، ونحن كنا قبل ذلك في كل حلقة نقول معنى الاسم، ولكن هذه المرة نريد أن نعيش مع المعنى.
· المحور الأول: كيف تعيش مع الرقيب؟
· المحور الثاني: ما هي وسائل هذه الرقابة؟
· المحور الثالث : رقابة لطيفة جميلة
· المحور الرابع: كيف نحيا وتحيا بلادنا لو عاشت الأمة هذا المعنى؟
كيف تعيش مع الرقيب؟
ما هو معنى أن الله رقيب عليك؟ لن أبدأ بكلام نظري ولكن سأبدأ بثلاث قصص حدثت مع سيدنا عمر بن الخطاب، القصة الأولى: سيدنا عمر بن الخطاب يمشي في الطريق فيجد راعي غنم، فأحب سيدنا عمر أن يختبره، ويريد من خلال هذا الراعي أن يختبر أحوال أمته. فيقول له: يا غلام أريد أن أبتاع منك هذه الشاه، فيقول الغلام: إنها ليست لي، إنها ملك سيدي، فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: إذن بِعني إياها فإذا سألك سيدك فقل له أكلها الذئب. فنظر إليه الغلام راعي الغنم محدود الثقافة، البسيط، وقال له: الله أكبر فأين الله؟!! فبكى عمر وقال إي والله فأين الله؟!!
أهدي هذه القصة لكل واحد في مجتمعنا غش في بضاعة، أو خان، فأين الله؟ الله رقيب عليك.
فراعي الغنم لخص جوهر الدين، وهناك أناس تتجمل في العبادات، الظاهر عبادة وقرآن وحفظ ودعاء، ولكن الباطن فاسد.
القصة الثانية مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما كان يتجول ليلاً كعادته للاطمئنان على رعيته، فسمع صوت بائعة اللبن وهي تقول لابنتها: يا بُنيتي ضعي الماء على اللبن، فقالت الفتاة: يا أماه ألم تعلمي أن أمير المؤمنين قد نهى عن خلط اللبن بالماء؟ قالت: يا بنيتي عمر بن الخطاب لا يرانا الآن فقالت الفتاة: يا أماه إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا.. فوضع علامة على البيت وذهب لأولاده، وقال لهم: في هذا البيت فتاة أيكم يجب أن يتزوج هذه الفتاة، والله لا تخرج هذه الفتاة من بيت ابن الخطاب، وإن لم ترضوا أن تتزوجوها أنتم فسأتزوجها أنا.. ثم تزوجها عاصم بن عمر بن الخطاب، تزوج بائعة لبن. وتشاء الأقدار أن يأتي من نسلها عمر بن عبد العزيز ويكون بركة مقولتها: إن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا ويكون الخليفة الخامس وصاحب الأفضال العظيمة وينتشر العدل بامرأة راقبت الله في تصرف لها.
القصة الثالثة وكانت تُحكى في قصص التاريخ الإسلامي لشاب كان أيام التتار وكان يريد أن يستقيم ولا يستطيع.. فيذهب إلى عالم ويقول له: أنا سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليه رجل وقال دلني على قول في الإسلام لا أسأل عنه أحد بعدك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " قل آمنت بالله ثم استقم " فالشاب سأل العالم: كيف أفعلها؟ فالعالم لم يقل له كلام نظري، بل أعطاه وصفة عملية. قال له: إذا أويت إلى فراشك قبل أن تنام فردد في نفسك مراراً حتى يأخذك النوم: الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد علي، ورددها حتى تنام، فإذا استيقظت من نومك لتبدأ يومك فرددها حتى تخرج من بيتك. هذا العالم كان يريد من هذا الشاب أن يستقر هذا المعنى في ذهنه ليلاً ونهاراً، ثم قال له العالم: رددها في يومك ما استطعت، وائتني بعد سنة لتقول لي ماذا فعلت. الشاب لم يعد لهذا العالم بعد سنة، ولكنه بعد لقائه بهذا العالم تغيرت أحواله. يقول: فكنت إذا هممت بمعصية أُردد الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد علي، وكنت إذا فعلت خيراً أقول الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد عليّ، فكنت أتغير يوماً بعد يوم، ومضت سنة ولم يرجع إلى العالم، ودخل الجيش وبدأ يتدرج في الجيش، ورأى رؤية أنه تاه في الصحراء وجلس على صخرة يبكي فإذا بكوكبة من الفرسان يتقدمهم رجل أبيض جميل، فلما رآه يبكي نزل عن فرسه وأخذه واسنتهضه وضغط على صدره وقال: قم يا محمود طريقك إلى مصر من هاهنا ستملكها وستهزم التتار. فكان الشاب هو قطز الذي استيقظ بعد هذه الرؤية وذهب إلى العالم الجليل عز بن عبد السلام الذي قال له: ستكون رؤية خير، وتحققت الرؤية بـ واإسلاماه، وكانت بداية هذا الشاب بـ :الله راقبي الله ناظري الله شهيد علي.
فهل عرفتم عن ماذا نتحدث اليوم؟ الرقيب المطلع على أنفاس عباده ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) (غافر:19)
الرقيب الذي يعلم حركاتك وسكناتك: ((وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (الملك:13)
((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (الملك:14)
الرقيب الذي يقول(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)) (طـه:7)
((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) (المجادلة:7)
نحن مكشوفين أمام الله، فأنت تستطيع أن تخبئ ألف سر عن زوجتك، أو ألف فكرة عن مديرك، ولكن الله مطلع عليك، والسر والجهر عنده سواء، سواء نطقت به أم لم تنطق، فأنت ممكن أن تبتسم في وجه فلان وأنت تكرهه، ولكن الله مطلع عليك. انظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ".
ودعاء السفر لم نفكر فيه، لا أحد إلاّ الله صاحبك في سفرك وخليفتك في أهلك. ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ...)) (الأنعام:59)
فسبحانه الذي كتب مقادير أدق الأشياء، أو حبة رمل تحركت في صحراء. إذا كانت الورقة روقبت من الله، أفلا تكون أنت مراقب في كل لحظة؟ وهناك من يفعل المعاصي.. ألا يعلم بأن الله رقيب عليه؟ الطبيب الذي يدفع بمريض إلى عملية لا يحتاجها، وصاحب المصنع الذي يبيع مواد مضرة بالأطفال، والفتاة التي تكلم شاب دون علم والديها، والشاب الذي له علاقة مع فتاة، والآية تقول: ((...وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)) (البقرة: من الآية189)، فحلقة اليوم تقول لك بأن الله معك في كل لحظة. فهل نستطيع أن نعيش هذا الشهر بهذا المعنى؟
فنحن لو تربينا على هذا المعنى لا بد أن تتغير أحوالنا ومجتمعاتنا. ويكون اسم الرقيب أفضل وأقوى للمجتمع من ألف شرطي يراقب الناس، من ألف كاميرا تراقب الناس في المصانع والطرق وغيره. فـ يا أباء وأمهات لو أننا حرصنا على أن نربي أولادنا في مدارسنا وفي بيوتنا على اسم الله الرقيب، وكذلك لو أن حكامنا، والمسؤولين في بلادنا، والمدرسين.. هل نتفق على أن نربي أنفسنا على اسم الله الرقيب؟ يا دكاترة، يا مهندسين، يا طلاب، يا حرفيين، ماذا سيحدث في مجتمعاتنا إن نحن عشنا مع الرقيب؟ يا إعلام، يا شباب فلننوي أن نحيا بهذا الاسم: سأعيش بهذا الاسم.. لن أغش لن أخدع.
هل بدأ المعنى يدخل في قلوبنا؟ الهدف أن يكون داخلك مثل ظاهرك. سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما أراد أن يولي عمر بن الخطاب، فقال له الناس أتوليه علينا وهو شديد؟ فقال: ذلك رجل أعلم أن سره أفضل من علانيته.
هناك قصة لرجل وقصته كتبت في عدة كتب، كان قد ظُلم في مال وكان مالاً كثيراً، والرجل لم يتحمل هذه الصدمة فمرض ويبدو إنه كان مرض الموت، فنادى على ابنه الكبير وقال له إن أنا مت مُر بجنازتي من أمام دكان الرجل الذي ظلمني وأكل مالي، وأعطه هذه الرسالة، واقرأها أمامه وأنت تسير بجنازتي، ومات الرجل ونفذ ابنه الوصية بأن مَرَّ من أمام دكان هذا الرجل وقال له: أرسل لك الميت هذه الرسالة، كتبها قبل أن يموت، ففتح الرسالة وقرأ " إني قد ذهبت إلى الله وهو يعلم ما فعلته أنت بي فهو يراني ويراك، وأنت ستأتي عن قريب. موعدنا يوم القيامة لأسترد حقي ".
فيا من ظلمتم الناس، الرقيب موجود. الرقيب ليس فقط عند الخطأ، ولكنه رقيب عليك في الأشياء الجميلة أيضاً. أنت ممكن أن يمر في ذهنك خاطر من غير أن تبوح به والرقيب سبحانه وتعالى معك. ليس فيما تخاف ولكن في كل شيء جميل، فأنت ستخطئ ولكن إن أخطأت عُد إلى الله واستغفره. إذا أردت أن تعرف صلتك الحقيقية مع الله، فلن تكون في صلاتك ولا في عمرتك، إنما تكون في علاقتك ومعاملاتك مع زوجتك، عائلتك، أقربائك.. فلنعيش في كل لحظة وكل خطوة في هذه الأيام الباقية من هذا الشهر مع اسم الله الرقيب. سأعطيك مثل آخر هل تذكر قصة سيدنا يونس ((..فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (الانبياء: من الآية87) ضع نفسك مكان سيدنا يونس ليس في ظُلمة قاع المحيط ولكن في غرفة مغلقة سجنك بها أحدهم ولا تستطيع الخروج منها، كيف سيكون شعورك؟
الأثر الجميل عندما سمعت الملائكة صوت سيدنا يونس: فقالت يارب صوت معروف من مكان منكر، فقال لهم الله أولا تعرفونه؟ ذلك عبدي يونس. هل هزتك قصة سيدنا يونس؟ هل تستطيع أن تتكلم مع الله (حديث النفس) وتقول له يا الله يا رقيب.. هل أنت راضٍ عني؟ أتمنى أن يكون قد وصل هذا المعنى إلى قلبك.
وسائل هذه الرقابة
الرقابة الأولى: الله ((..إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء: الآية1)
الرقابة الثانية: الملائكة(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) (قّ:18)
ملك يمين وملك شمال، يراقبونك خطوة بخطوة، هل سبق لك أن عملت حسنة، فقلت لملك اليمين اكتب فهذه حسنة؟ أو عملت سيئة فقلت لملك اليسار سأتوب وأستغفر؟ هل أحسست بالعلاقة مع الملكين؟
هناك من ذهب إلى عالم يطلب منه أن يرخص له في المعصية، فالعالم أراد أن يفكره بمعنى الرقابة، فقال له: نعم تعصي ولكن بأربع شروط: فقال وما هي؟ فقال: أما الأولى فلا تعصاه على أرضه، فقال الشاب: فأين أذهب والكون كله أرضه؟ فقال: أما تستحي أن تكون على أرضه وتعصاه؟! فقال له الثانية: قال: إن أصررت أن تعصاه فاعصاه في مكان لا يراك فيه، فقال: أين أذهب وهو يراني في كل مكان؟ قال: ألا تستحي أن يكون ينظر إليك وأنت تعصي؟ قال والثالثة فقال: إذا أبيت إلاّ أن تعصاه فلا تأكل من رزقه، فقال: ومن أين آكل؟ قال: أما تستحي؟ ثم قال له والرابعة، قال إن أبيت إلاّ أن تعصاه فقل لملك اليمين والشمال: اتركوني الآن حتى أعصي ثم ائتوني بعد ذلك. قال الشاب: أتسخر مني؟ فردّ عليه العالم: أنت سخرت من نفسك؟
الرقابة الثالثة: ضميرك.. الله خلقك وخلق داخلك جهاز إنذار شديد الحساسية، وأنت عندما تفعل معصية يحمرّ وجهك خجلاً، وينقبض قلبك، وعندما تقوم بعمل حسن تتهلل أسارير وجهك.
فالله يراقبك، والملائكة تراقبك وداخلك جهاز إنذار يتحرك فوراً يراقب حركاتك. انظر إلى الآية التي تتحدث عن قوم صالح عندما قتلوا الناقة ((...فَتَعَاطَى فَعَقَرَ)) (القمر:الآية29) شرب الخمر حتى يُغيب ضميره، وهناك من يؤكد أن من يريد أن يقدم على جريمة يغيب ضميره حتى يجترئ على فعلته، فيشرب أو يتعاطى أنواع من المخدرات، والعجيب أن الله جعل فيك رقيبك ضميرك وازع داخلي الذي هو أقوى من ألف قانون.
وهناك من أمات ضميره. لكن إن أنت عشت في الدنيا وأنت تصر أن لا تعيش مع الرقيب، فلا بد أن تعلم أن هناك يوم قيامة : ((...وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ )) (الأنعام: من الآية31) ((وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً ... )) (الكهف: من الآية49)
هل تتخيل حتى الغمز بالعين والسخرية من الآخرين تكون في كفة السيئات؟ كل هذا يأتي مجسماً يوم القيامة، مجسماً أي بالصوت والصورة: ((..إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (الجاثـية: الآية29) فاليوم من يكسر إشارة المرور يؤتى به لأن هناك كاميرا قامت بتسجيل ما فعل، فكيف بك يوم القيامة تجد كل أعمالك بالتفصيل مجسدة باليوم والوقت: ((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)) (الاسراء:14) ليس هذا فحسب: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (يّـس:65) ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ )) (فصلت: الآية21) فيدك ستشهد عليك ولن تستطيع أن تنطق.
لا أريدك أن تنظر على الرقيب بنية الخوف فقط، ولكن انظر للرقيب على الأشياء الجميلة أيضاً، الرقيب على نية بنت شابة حدثتها نفسها: إن شاء الله إن تزوجت وأنجبت، أريد ابني أن يكون مثل صلاح الدين ليُعز الأمة، ويحدث أنها لم تنجب في الدنيا، فتأتي نيتها يوم القيامة مجسدة أمامها.
فهل نرى الرقيب في الدنيا؟ وبعد هذه الرقابة في الدنيا، كيف ستكون نتيجتها يوم القيامة والصحف تتطاير أمامك وتأخذ كتابك بيمينك؟ كيف هي فرحتك وأنت تقول: ((... هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ)) (الحاقة: الآية19) كتابك الذي كتبت فيه الملائكة كل أعمالك وكلمة هاؤم تعني أنك تنادي وبصوت عال على أهلك والناس أن يقرأوا كتابك وما جاء فيه من أفعالك الحسنة..
لا بد أن نعيش مع الرقيب وفي هذا الشهر، لأنه إن أنت بدأت فالنتيجة أنك ستخرج بعد هذا الشهر إنسان آخر. وهذه الحلقة لو استطعنا تنفيذها نخرج من رمضان على مقام جديد من العبودية وهو مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أخبرني عن الإسلام، فقال النبي: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة.. فقال أخبرني عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. قال فأخبرني عن الإحسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فأنت لو عشت مع الرقيب لا بد أنك ستصل إلى مقام الإحسان في عملك، في كل حياتك، فالرقابة ستتجلى يوم القيامة ساعة الميزان وساعة تطاير الكتب.
رقابة لطيفة
أحياناً الرقابة تكون مصدر إزعاج، لكن الله تبارك وتعالى معك في سرك، معك في بيتك، في عملك، في كل مكان، لكنها رقابة لطيفة، تخيل لو أن السماء كلها كاميرات، ولكن من لطف الله بنا أن الملائكة أنت لا تراها وخفاءها رقابة لطيفة، رقابة لاتراها، رقابة لا تشعرك بأنك مراقب، فكاميرات الطرق تجعلك تشعر بالقلق، أحياناً أب يكون رقيب على أولاده، أو زوج على زوجته فهذه رقابة مزعجة، لكن الله سبحانه لطيف في رقابته لنا، وما يبعث السرور أنها ليست رقابة فقط للسيئات، ولكنها رقابة أيضاً للحسنات، فأنت مراقب لتدخل الجنة، مثل الذي سيتعين في سلك دبلوماسي أو منصب رفيع المستوى، يراقب حتى يُرى إذا كان مؤهلاً لهذا المنصب، ولكن أنت مراقب من الله لترشيحك لدخول الجنة، لذلك أنت تكون سعيداً بأن ترى الملائكة أفعالك وحسناتك.
ولكن هذه الرقابة أيضاً فيها نقطة جميلة أخرى. أنت مع الناس تحاول أن تشرح لهم قصدك أو نيتك إن كان لك عندهم حاجة، لكن مع الرقيب الذي يعرف عنك كل شيء لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل، لكن مع الله الرقيب يجعلك في غنى عن الشرح فهو يعرف سرك وحالك، وأنت أحياناً ممكن أن تبكي أثناء دعائك فيستجيب الله لك بدمعة ذرفتها دون أن تطلب منه مسألتك، فهو معك ومطلع عليك. هذه رقابة جميلة تجعلك سعيداً وتحميك يوم القيامة وتنجيك: الله راقبي، الله ناظري، الله شهيد عليّ.
كيف تعيش بلادنا بهذا المعنى؟
البلاد تلجأ للقوانين من أجل مراقبة الناس وتصحح من أفعالهم وحركاتهم، ولكن لو استطعنا أن نجعل الوازع الداخلي يعلو عند الناس باسم الله الرقيب سيتغير الأمر. هل تتخيل كم سنوفر من المال؟ المدارس وما يحدث فيها، العلاقات الاجتماعية، المشاكل الزوجية، فلو أن كل هؤلاء أدركوا العيش باسم الله الرقيب ماذا سيحدث للمجتمع؟ أنا أتمنى من كل من يسمعني أن يجلس مع نفسه وأن يتوجه إلى الله ويقول: يارب ياراقبي يا ناظري سأعيش معك يا رقيب في كل لمحة في هذا الشهر، سأركز في كل خطوة وكل ثانية. فهل نتواعد على ذلك ونستطيع أن ننفذ هذا ونرى كيف ستكون النتيجة؟
سأحكي قصة قصيرة. رجل تزوج سراً على امرأته، وحدث أن علمت هذه المرأة أن زوجها قد تزوج عليها، فلم تواجهه وكتمت معرفتها بسره، وكانت قد تيقنت من هذا الأمر. ومات هذا الرجل وترك ميراثاً ضخماً، فالمرأة أرسلت لضرتها نصيبها في الميراث، ولكن الأصعب من ذلك أن الزوجة الثانية رفضت أن تأخذ هذا المال لأن زوجها كان قد طلقها قبل وفاته.
هل نستطيع أن نعيش مع الرقيب هكذا؟ أنا لا أتكلم عن المعاصي فقط، أنا أتكلم عن الغش، على كذا.. وكذا.. هل تستطيع أن تراجع نفسك وترى أين هي نقاط الضعف؟
هل تستطيع أن تعود نظيفاً.. داخلك وخارجك نفس الشيء؟
أسأل الله أن يعينا، وأن نتعلم من هذه القصص :الله راقبي.. الله ناظري.. الله شهيد علي
الواجب العملي لهذا اليوم: سنعيش مع الرقيب سبحانه وتعالى ما بقي من هذا الشهر
قبل الدخول في اسم اليوم، أحب أن أطرح سؤالاً: كيف نحن في رمضان؟ أياماً معدودات! وها قد مضى أسبوع، هل نرى كيف الأيام تجري؟ لابد من الاجتهاد، وهل أعتقنا؟ توسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وادعوا الله أن يعتقك فهو لو أعتقك لن يأسرك. الأيام قليلة فابذلوا أقصى طاقاتكم.
حلقة اليوم عن اسم الله الرقيب، وقد ورد في القرآن ثلاث مرات، ولكن معانيه سنجدها في كل صفحة من صفحات القرآن، فاسم الله الرقيب جاء مرة في سورة النساء: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1)
والمرة الثانية على لسان سيدنا عيسى(... فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (المائدة: من الآية117)
ولكن قبل الدخول في معنى الرقيب أريد أن أبدأ بالهدف من هذه الحلقة، ما هو الهدف؟ ما هو الهدف أن تعيش مع اسم الله الرقيب؟ الهدف: أنا معك يارقيب! لما لا نعقد هذه النية؟ أنا معك يا رقيب في رمضان في كل خطوة حتى نهاية رمضان.. أنا مع الرقيب وهو ينظر إليّ، وأن أضع هذه الآية أمام عيني: ((...وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) (الحديد: الآية4)
الهدف من الحلقة أن نُصلح ما بداخلنا، فالرقيب ينظر إلينا. كن سواءً ما اختفى وما علن. فنحن لو نوينا هذه النية نخرج من رمضان بشكل آخر، فهذه الحلقة محورية في حلقات أسماء الله الحسنى، وتم تأخيرها حتى نستعد لها ونستوعبها وهي تحتاج إلى تركيز: الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد عليّ في كل خطوة من خطوات حياتي، في طعامي وشرابي، وضحكي، حتى وأنا مستلقي على سريري. نحن نعرف هذا المعنى، ولكن نريد أن نعيش به فلا يكفي أن تعرف المعنى ولكن لا بد أن نعيش المعنى في كل ذرة، وكل نفس، وكل حركة في حياتك فتكون النتيجة أن يصبح الظاهر كالباطن لأن الرقيب معك.
كل الناس تتجمل، وهناك نظرية اسمها جبل الجليد، الظاهر منه فوق الأرض 20% وتحت الأرض 80%، والناس كلها تحرص أن تركز على نسبة الـ 20% التي هي الظاهر، ولكن نحن نريد أن نعمل على تجميل الداخل ولن يتحقق ذلك إلاّ مع اسم الله الرقيب. هل أنا سواء ما اختفى وما علن؟ ((أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)) (العلق:14)
فلو عشنا مع اسم الرقيب سيصلح داخلنا ويكون مثل ظاهرنا، فأنا إن أخطأت أعلم بأن الله يراني، وإن فعلت حسنة سأفرح لأنه أيضاً يراني.
فالرقيب ليس فقط في السيئات، وإنما أيضاً في الحسنات، وليس كله يعني الخوف، فالأهل الذين يربون أولادهم فقط على الخوف من الله إن هو أخطأ، لا بد أن نعلمهم أيضاً بأن الله ينظر إليه عندما يقوم بفعل حَسن. فلو عشنا مع هذا الإسم لا بد أن نعيش في سعادة أبدية، وهو أكثر أسماء الله الذي يجعلك تعيش مع الله في كل لحظة من لحظات حياتك ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ....))(الحديد:الآية4)
حلقة اليوم مكونة من أربع محاور، ونحن كنا قبل ذلك في كل حلقة نقول معنى الاسم، ولكن هذه المرة نريد أن نعيش مع المعنى.
· المحور الأول: كيف تعيش مع الرقيب؟
· المحور الثاني: ما هي وسائل هذه الرقابة؟
· المحور الثالث : رقابة لطيفة جميلة
· المحور الرابع: كيف نحيا وتحيا بلادنا لو عاشت الأمة هذا المعنى؟
كيف تعيش مع الرقيب؟
ما هو معنى أن الله رقيب عليك؟ لن أبدأ بكلام نظري ولكن سأبدأ بثلاث قصص حدثت مع سيدنا عمر بن الخطاب، القصة الأولى: سيدنا عمر بن الخطاب يمشي في الطريق فيجد راعي غنم، فأحب سيدنا عمر أن يختبره، ويريد من خلال هذا الراعي أن يختبر أحوال أمته. فيقول له: يا غلام أريد أن أبتاع منك هذه الشاه، فيقول الغلام: إنها ليست لي، إنها ملك سيدي، فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: إذن بِعني إياها فإذا سألك سيدك فقل له أكلها الذئب. فنظر إليه الغلام راعي الغنم محدود الثقافة، البسيط، وقال له: الله أكبر فأين الله؟!! فبكى عمر وقال إي والله فأين الله؟!!
أهدي هذه القصة لكل واحد في مجتمعنا غش في بضاعة، أو خان، فأين الله؟ الله رقيب عليك.
فراعي الغنم لخص جوهر الدين، وهناك أناس تتجمل في العبادات، الظاهر عبادة وقرآن وحفظ ودعاء، ولكن الباطن فاسد.
القصة الثانية مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما كان يتجول ليلاً كعادته للاطمئنان على رعيته، فسمع صوت بائعة اللبن وهي تقول لابنتها: يا بُنيتي ضعي الماء على اللبن، فقالت الفتاة: يا أماه ألم تعلمي أن أمير المؤمنين قد نهى عن خلط اللبن بالماء؟ قالت: يا بنيتي عمر بن الخطاب لا يرانا الآن فقالت الفتاة: يا أماه إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا.. فوضع علامة على البيت وذهب لأولاده، وقال لهم: في هذا البيت فتاة أيكم يجب أن يتزوج هذه الفتاة، والله لا تخرج هذه الفتاة من بيت ابن الخطاب، وإن لم ترضوا أن تتزوجوها أنتم فسأتزوجها أنا.. ثم تزوجها عاصم بن عمر بن الخطاب، تزوج بائعة لبن. وتشاء الأقدار أن يأتي من نسلها عمر بن عبد العزيز ويكون بركة مقولتها: إن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا ويكون الخليفة الخامس وصاحب الأفضال العظيمة وينتشر العدل بامرأة راقبت الله في تصرف لها.
القصة الثالثة وكانت تُحكى في قصص التاريخ الإسلامي لشاب كان أيام التتار وكان يريد أن يستقيم ولا يستطيع.. فيذهب إلى عالم ويقول له: أنا سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليه رجل وقال دلني على قول في الإسلام لا أسأل عنه أحد بعدك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " قل آمنت بالله ثم استقم " فالشاب سأل العالم: كيف أفعلها؟ فالعالم لم يقل له كلام نظري، بل أعطاه وصفة عملية. قال له: إذا أويت إلى فراشك قبل أن تنام فردد في نفسك مراراً حتى يأخذك النوم: الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد علي، ورددها حتى تنام، فإذا استيقظت من نومك لتبدأ يومك فرددها حتى تخرج من بيتك. هذا العالم كان يريد من هذا الشاب أن يستقر هذا المعنى في ذهنه ليلاً ونهاراً، ثم قال له العالم: رددها في يومك ما استطعت، وائتني بعد سنة لتقول لي ماذا فعلت. الشاب لم يعد لهذا العالم بعد سنة، ولكنه بعد لقائه بهذا العالم تغيرت أحواله. يقول: فكنت إذا هممت بمعصية أُردد الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد علي، وكنت إذا فعلت خيراً أقول الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد عليّ، فكنت أتغير يوماً بعد يوم، ومضت سنة ولم يرجع إلى العالم، ودخل الجيش وبدأ يتدرج في الجيش، ورأى رؤية أنه تاه في الصحراء وجلس على صخرة يبكي فإذا بكوكبة من الفرسان يتقدمهم رجل أبيض جميل، فلما رآه يبكي نزل عن فرسه وأخذه واسنتهضه وضغط على صدره وقال: قم يا محمود طريقك إلى مصر من هاهنا ستملكها وستهزم التتار. فكان الشاب هو قطز الذي استيقظ بعد هذه الرؤية وذهب إلى العالم الجليل عز بن عبد السلام الذي قال له: ستكون رؤية خير، وتحققت الرؤية بـ واإسلاماه، وكانت بداية هذا الشاب بـ :الله راقبي الله ناظري الله شهيد علي.
فهل عرفتم عن ماذا نتحدث اليوم؟ الرقيب المطلع على أنفاس عباده ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) (غافر:19)
الرقيب الذي يعلم حركاتك وسكناتك: ((وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (الملك:13)
((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (الملك:14)
الرقيب الذي يقول(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)) (طـه:7)
((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) (المجادلة:7)
نحن مكشوفين أمام الله، فأنت تستطيع أن تخبئ ألف سر عن زوجتك، أو ألف فكرة عن مديرك، ولكن الله مطلع عليك، والسر والجهر عنده سواء، سواء نطقت به أم لم تنطق، فأنت ممكن أن تبتسم في وجه فلان وأنت تكرهه، ولكن الله مطلع عليك. انظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ".
ودعاء السفر لم نفكر فيه، لا أحد إلاّ الله صاحبك في سفرك وخليفتك في أهلك. ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ...)) (الأنعام:59)
فسبحانه الذي كتب مقادير أدق الأشياء، أو حبة رمل تحركت في صحراء. إذا كانت الورقة روقبت من الله، أفلا تكون أنت مراقب في كل لحظة؟ وهناك من يفعل المعاصي.. ألا يعلم بأن الله رقيب عليه؟ الطبيب الذي يدفع بمريض إلى عملية لا يحتاجها، وصاحب المصنع الذي يبيع مواد مضرة بالأطفال، والفتاة التي تكلم شاب دون علم والديها، والشاب الذي له علاقة مع فتاة، والآية تقول: ((...وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)) (البقرة: من الآية189)، فحلقة اليوم تقول لك بأن الله معك في كل لحظة. فهل نستطيع أن نعيش هذا الشهر بهذا المعنى؟
فنحن لو تربينا على هذا المعنى لا بد أن تتغير أحوالنا ومجتمعاتنا. ويكون اسم الرقيب أفضل وأقوى للمجتمع من ألف شرطي يراقب الناس، من ألف كاميرا تراقب الناس في المصانع والطرق وغيره. فـ يا أباء وأمهات لو أننا حرصنا على أن نربي أولادنا في مدارسنا وفي بيوتنا على اسم الله الرقيب، وكذلك لو أن حكامنا، والمسؤولين في بلادنا، والمدرسين.. هل نتفق على أن نربي أنفسنا على اسم الله الرقيب؟ يا دكاترة، يا مهندسين، يا طلاب، يا حرفيين، ماذا سيحدث في مجتمعاتنا إن نحن عشنا مع الرقيب؟ يا إعلام، يا شباب فلننوي أن نحيا بهذا الاسم: سأعيش بهذا الاسم.. لن أغش لن أخدع.
هل بدأ المعنى يدخل في قلوبنا؟ الهدف أن يكون داخلك مثل ظاهرك. سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما أراد أن يولي عمر بن الخطاب، فقال له الناس أتوليه علينا وهو شديد؟ فقال: ذلك رجل أعلم أن سره أفضل من علانيته.
هناك قصة لرجل وقصته كتبت في عدة كتب، كان قد ظُلم في مال وكان مالاً كثيراً، والرجل لم يتحمل هذه الصدمة فمرض ويبدو إنه كان مرض الموت، فنادى على ابنه الكبير وقال له إن أنا مت مُر بجنازتي من أمام دكان الرجل الذي ظلمني وأكل مالي، وأعطه هذه الرسالة، واقرأها أمامه وأنت تسير بجنازتي، ومات الرجل ونفذ ابنه الوصية بأن مَرَّ من أمام دكان هذا الرجل وقال له: أرسل لك الميت هذه الرسالة، كتبها قبل أن يموت، ففتح الرسالة وقرأ " إني قد ذهبت إلى الله وهو يعلم ما فعلته أنت بي فهو يراني ويراك، وأنت ستأتي عن قريب. موعدنا يوم القيامة لأسترد حقي ".
فيا من ظلمتم الناس، الرقيب موجود. الرقيب ليس فقط عند الخطأ، ولكنه رقيب عليك في الأشياء الجميلة أيضاً. أنت ممكن أن يمر في ذهنك خاطر من غير أن تبوح به والرقيب سبحانه وتعالى معك. ليس فيما تخاف ولكن في كل شيء جميل، فأنت ستخطئ ولكن إن أخطأت عُد إلى الله واستغفره. إذا أردت أن تعرف صلتك الحقيقية مع الله، فلن تكون في صلاتك ولا في عمرتك، إنما تكون في علاقتك ومعاملاتك مع زوجتك، عائلتك، أقربائك.. فلنعيش في كل لحظة وكل خطوة في هذه الأيام الباقية من هذا الشهر مع اسم الله الرقيب. سأعطيك مثل آخر هل تذكر قصة سيدنا يونس ((..فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (الانبياء: من الآية87) ضع نفسك مكان سيدنا يونس ليس في ظُلمة قاع المحيط ولكن في غرفة مغلقة سجنك بها أحدهم ولا تستطيع الخروج منها، كيف سيكون شعورك؟
الأثر الجميل عندما سمعت الملائكة صوت سيدنا يونس: فقالت يارب صوت معروف من مكان منكر، فقال لهم الله أولا تعرفونه؟ ذلك عبدي يونس. هل هزتك قصة سيدنا يونس؟ هل تستطيع أن تتكلم مع الله (حديث النفس) وتقول له يا الله يا رقيب.. هل أنت راضٍ عني؟ أتمنى أن يكون قد وصل هذا المعنى إلى قلبك.
وسائل هذه الرقابة
الرقابة الأولى: الله ((..إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء: الآية1)
الرقابة الثانية: الملائكة(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) (قّ:18)
ملك يمين وملك شمال، يراقبونك خطوة بخطوة، هل سبق لك أن عملت حسنة، فقلت لملك اليمين اكتب فهذه حسنة؟ أو عملت سيئة فقلت لملك اليسار سأتوب وأستغفر؟ هل أحسست بالعلاقة مع الملكين؟
هناك من ذهب إلى عالم يطلب منه أن يرخص له في المعصية، فالعالم أراد أن يفكره بمعنى الرقابة، فقال له: نعم تعصي ولكن بأربع شروط: فقال وما هي؟ فقال: أما الأولى فلا تعصاه على أرضه، فقال الشاب: فأين أذهب والكون كله أرضه؟ فقال: أما تستحي أن تكون على أرضه وتعصاه؟! فقال له الثانية: قال: إن أصررت أن تعصاه فاعصاه في مكان لا يراك فيه، فقال: أين أذهب وهو يراني في كل مكان؟ قال: ألا تستحي أن يكون ينظر إليك وأنت تعصي؟ قال والثالثة فقال: إذا أبيت إلاّ أن تعصاه فلا تأكل من رزقه، فقال: ومن أين آكل؟ قال: أما تستحي؟ ثم قال له والرابعة، قال إن أبيت إلاّ أن تعصاه فقل لملك اليمين والشمال: اتركوني الآن حتى أعصي ثم ائتوني بعد ذلك. قال الشاب: أتسخر مني؟ فردّ عليه العالم: أنت سخرت من نفسك؟
الرقابة الثالثة: ضميرك.. الله خلقك وخلق داخلك جهاز إنذار شديد الحساسية، وأنت عندما تفعل معصية يحمرّ وجهك خجلاً، وينقبض قلبك، وعندما تقوم بعمل حسن تتهلل أسارير وجهك.
فالله يراقبك، والملائكة تراقبك وداخلك جهاز إنذار يتحرك فوراً يراقب حركاتك. انظر إلى الآية التي تتحدث عن قوم صالح عندما قتلوا الناقة ((...فَتَعَاطَى فَعَقَرَ)) (القمر:الآية29) شرب الخمر حتى يُغيب ضميره، وهناك من يؤكد أن من يريد أن يقدم على جريمة يغيب ضميره حتى يجترئ على فعلته، فيشرب أو يتعاطى أنواع من المخدرات، والعجيب أن الله جعل فيك رقيبك ضميرك وازع داخلي الذي هو أقوى من ألف قانون.
وهناك من أمات ضميره. لكن إن أنت عشت في الدنيا وأنت تصر أن لا تعيش مع الرقيب، فلا بد أن تعلم أن هناك يوم قيامة : ((...وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ )) (الأنعام: من الآية31) ((وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً ... )) (الكهف: من الآية49)
هل تتخيل حتى الغمز بالعين والسخرية من الآخرين تكون في كفة السيئات؟ كل هذا يأتي مجسماً يوم القيامة، مجسماً أي بالصوت والصورة: ((..إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (الجاثـية: الآية29) فاليوم من يكسر إشارة المرور يؤتى به لأن هناك كاميرا قامت بتسجيل ما فعل، فكيف بك يوم القيامة تجد كل أعمالك بالتفصيل مجسدة باليوم والوقت: ((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)) (الاسراء:14) ليس هذا فحسب: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (يّـس:65) ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ )) (فصلت: الآية21) فيدك ستشهد عليك ولن تستطيع أن تنطق.
لا أريدك أن تنظر على الرقيب بنية الخوف فقط، ولكن انظر للرقيب على الأشياء الجميلة أيضاً، الرقيب على نية بنت شابة حدثتها نفسها: إن شاء الله إن تزوجت وأنجبت، أريد ابني أن يكون مثل صلاح الدين ليُعز الأمة، ويحدث أنها لم تنجب في الدنيا، فتأتي نيتها يوم القيامة مجسدة أمامها.
فهل نرى الرقيب في الدنيا؟ وبعد هذه الرقابة في الدنيا، كيف ستكون نتيجتها يوم القيامة والصحف تتطاير أمامك وتأخذ كتابك بيمينك؟ كيف هي فرحتك وأنت تقول: ((... هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ)) (الحاقة: الآية19) كتابك الذي كتبت فيه الملائكة كل أعمالك وكلمة هاؤم تعني أنك تنادي وبصوت عال على أهلك والناس أن يقرأوا كتابك وما جاء فيه من أفعالك الحسنة..
لا بد أن نعيش مع الرقيب وفي هذا الشهر، لأنه إن أنت بدأت فالنتيجة أنك ستخرج بعد هذا الشهر إنسان آخر. وهذه الحلقة لو استطعنا تنفيذها نخرج من رمضان على مقام جديد من العبودية وهو مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أخبرني عن الإسلام، فقال النبي: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة.. فقال أخبرني عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. قال فأخبرني عن الإحسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فأنت لو عشت مع الرقيب لا بد أنك ستصل إلى مقام الإحسان في عملك، في كل حياتك، فالرقابة ستتجلى يوم القيامة ساعة الميزان وساعة تطاير الكتب.
رقابة لطيفة
أحياناً الرقابة تكون مصدر إزعاج، لكن الله تبارك وتعالى معك في سرك، معك في بيتك، في عملك، في كل مكان، لكنها رقابة لطيفة، تخيل لو أن السماء كلها كاميرات، ولكن من لطف الله بنا أن الملائكة أنت لا تراها وخفاءها رقابة لطيفة، رقابة لاتراها، رقابة لا تشعرك بأنك مراقب، فكاميرات الطرق تجعلك تشعر بالقلق، أحياناً أب يكون رقيب على أولاده، أو زوج على زوجته فهذه رقابة مزعجة، لكن الله سبحانه لطيف في رقابته لنا، وما يبعث السرور أنها ليست رقابة فقط للسيئات، ولكنها رقابة أيضاً للحسنات، فأنت مراقب لتدخل الجنة، مثل الذي سيتعين في سلك دبلوماسي أو منصب رفيع المستوى، يراقب حتى يُرى إذا كان مؤهلاً لهذا المنصب، ولكن أنت مراقب من الله لترشيحك لدخول الجنة، لذلك أنت تكون سعيداً بأن ترى الملائكة أفعالك وحسناتك.
ولكن هذه الرقابة أيضاً فيها نقطة جميلة أخرى. أنت مع الناس تحاول أن تشرح لهم قصدك أو نيتك إن كان لك عندهم حاجة، لكن مع الرقيب الذي يعرف عنك كل شيء لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل، لكن مع الله الرقيب يجعلك في غنى عن الشرح فهو يعرف سرك وحالك، وأنت أحياناً ممكن أن تبكي أثناء دعائك فيستجيب الله لك بدمعة ذرفتها دون أن تطلب منه مسألتك، فهو معك ومطلع عليك. هذه رقابة جميلة تجعلك سعيداً وتحميك يوم القيامة وتنجيك: الله راقبي، الله ناظري، الله شهيد عليّ.
كيف تعيش بلادنا بهذا المعنى؟
البلاد تلجأ للقوانين من أجل مراقبة الناس وتصحح من أفعالهم وحركاتهم، ولكن لو استطعنا أن نجعل الوازع الداخلي يعلو عند الناس باسم الله الرقيب سيتغير الأمر. هل تتخيل كم سنوفر من المال؟ المدارس وما يحدث فيها، العلاقات الاجتماعية، المشاكل الزوجية، فلو أن كل هؤلاء أدركوا العيش باسم الله الرقيب ماذا سيحدث للمجتمع؟ أنا أتمنى من كل من يسمعني أن يجلس مع نفسه وأن يتوجه إلى الله ويقول: يارب ياراقبي يا ناظري سأعيش معك يا رقيب في كل لمحة في هذا الشهر، سأركز في كل خطوة وكل ثانية. فهل نتواعد على ذلك ونستطيع أن ننفذ هذا ونرى كيف ستكون النتيجة؟
سأحكي قصة قصيرة. رجل تزوج سراً على امرأته، وحدث أن علمت هذه المرأة أن زوجها قد تزوج عليها، فلم تواجهه وكتمت معرفتها بسره، وكانت قد تيقنت من هذا الأمر. ومات هذا الرجل وترك ميراثاً ضخماً، فالمرأة أرسلت لضرتها نصيبها في الميراث، ولكن الأصعب من ذلك أن الزوجة الثانية رفضت أن تأخذ هذا المال لأن زوجها كان قد طلقها قبل وفاته.
هل نستطيع أن نعيش مع الرقيب هكذا؟ أنا لا أتكلم عن المعاصي فقط، أنا أتكلم عن الغش، على كذا.. وكذا.. هل تستطيع أن تراجع نفسك وترى أين هي نقاط الضعف؟
هل تستطيع أن تعود نظيفاً.. داخلك وخارجك نفس الشيء؟
أسأل الله أن يعينا، وأن نتعلم من هذه القصص :الله راقبي.. الله ناظري.. الله شهيد علي
الواجب العملي لهذا اليوم: سنعيش مع الرقيب سبحانه وتعالى ما بقي من هذا الشهر