الصداع النصفي
داء الشقيقة ،
ماذا تعرف عنه ؟!
أسبابه – تأثيراته
داء الشقيقة ،
ماذا تعرف عنه ؟!
أسبابه – تأثيراته
لمَ يسبّب بعض اللوحات والرسوم والتأثيرات الضوئية الصداع؟ تساعد ديبي آيلز، فنانة تعاني من الصداع النصفي (داء الشقيقة)، الباحثين في معرفة الجواب.
على محبّي الفن ممن يعانون صداعاً نصفياً حصر اهتمامهم بلوحات الرسام ترنر، فضلاً عن تجنّب الجبنة والأضواء الوامضة والتوتر. عليهم أيضاً إبقاء مسكنات الألم في متناول أيديهم. تُعتبر لوحات هذا الرسام الإنكليزي هادئة ونادراً ما تتسبب بصداع، بخلاف أعمال فنية كثيرة أخرى.
تُظهر الأبحاث أن الرسوم الغريبة والخطوط والتناقضات في بعض اللوحات تزعج النظر ويمكن أن تسبِّب صداعاً. يوضح البروفسور أرنولد ويلكنز، الذي أشرف على الأبحاث في جامعة أسكس: «أظهرنا للمرة الأولى أنه يمكن استباق الانزعاج من النظر إلى صور معقّدة مثل اللوحات. تُستخدم اختباراتنا لتفادي عرض صور تثير التوتر في الأماكن العامة لأنها قد تسبّب مشاكل لبعض الناس».
أُجريت هذه الأبحاث بعد لجوء آيلز، التي ترسم لوحات مستوحاة من صداعها، إلى الباحثين لأن بعض الناس شعر بالانزعاج عند رؤية رسوماتها.
غموض
وُصف الصداع النصفي للمرة الأولى منذ أربعة آلاف سنة تقريباً، إلا أن تفاصيل كثيرة عنه لا تزال غامضة. فالمعروف اليوم أن الصداع الذي يتركز عادة في أحد شقّي الدماغ يصيب 18% من النساء و6% من الرجال. وغالباً ما تسبق الصداع هالة أو أعراض تحذيرية. فقد يرى المريض وميضاً أو نقاطاً سوداء، أو يواجه صعوبة في التركيز وفي رؤية الأشياء كما لو أنه ينظر عبر زجاج مكسور. تدوم هذه الهالة من 15 إلى 60 دقيقة.
يُعزى الصداع النصفي إلى عوامل كثيرة تختلف بحسب كل مريض، كذلك قد يرتبط بحالات أخرى، بدءاً من الكآبة وسرطان الثدي إلى السكتة الدماغية وأمراض القلب. هذا ويتجاوب كل مريض بشكل مختلف عن الآخر مع الأدوية.
تشمل مسبّبات الصداع الكافيين والجبنة، الضوء الساطع أو الوامض، تبدّل الطقس، الإجهاد، حبوب منع الحمل، المنومات وقلّة النوم. من المتعارف عليه أيضاً أن المرأة أكثر عرضةً لنوبات الصداع في أوقات معينة من الشهر، وأن هذه النوبات غالباً ما تظهر بعد فترة الإجهاد لا خلالها. يملك معظم المرضى على الأرجح استعداداً وراثياً مسبقاً، إذ أن ثمانية من كل عشرة مرضى لديهم تاريخ عائلي مع هذا المرض.
علاوةً على ذلك، يرتبط الصداع النصفي بخطر الإصابة بمرض القلب أو السكتة أو سرطان الثدي. فالمصابون بالصداع النصفي المصحوب بأعراض تحذيرية قد يُعانون ثقباً خلقياً صغيراً في الجدار بين أذينتي القلب. وتشمل العلاجات البوتوكس ومثبطات بيتا والأدوية المضادة للكآبة والتشنجات.
حتى وقت ليس ببعيد، كان الرأي السائد أنه بغض النظر عن المسبّب، يرتبط الصداع والهالة بالأوعية الدموية التي تتقلص ثم تتمدد، وهذا ما يسمّى بنظرية الأوعية. في المقابل، ظهرت نظرية أخرى تتعلق بخلل كامن في الجهاز العصبي المركزي مفادها أن العوراض تُعزى إلى تغييرات في نشاط الخلايا العصبية في الدماغ، ما يؤدي إلى تبدّل الأوعية الدموية.
قد يكون لمادة السيروتونين الكيماوية الموجودة في الدماغ، التي تنخفض مستوياتها خلال نوبة صداع، دور في ذلك. تفيد إحدى النظريات بأن تراجع مستوى هذه المادة يحدث تقلّصاً في الأوعية الدموية، ما يسبب الهالة. كذلك قد تكون مادة الدوبامين من العوامل المسبّبة، وقد ارتبط تراجع مستويات الماغنيزيوم بهذه الهالة. فضلاً عن ذلك، لعلّ الهورمونات هي السبب وراء كون بعض النساء، اللواتي يعانين صداعاً نصفياً، أكثر عرضةً للإصابة به قبل فترة الحيض وبعدها.
عوارض
وفقاً لباحثين في جامعة ماري لاند، يمكن اللجوء إلى نظرية الاضطراب في الجهاز العصبي المركزي لتفسير عوارض كثيرة تطرأ عند الإصابة بصداع نصفي. يوضح هؤلاء: «يساهم الإجهاد أو أي عامل آخر في إطلاق مادة البيبتايد، التي توسّع الأوعية الدموية وتنتج رد فعل التهابياً يؤدي إلى فرط استثارة الخلايا في العصب الثلاثي التوائم trigeminal nerve، الذي يمتد من جذع الدماغ إلى الرأس والوجه. فينتشر هذا الرد ليبلغ السحايا، الغشاء الذي يغطي الدماغ. على الرغم من أن الدماغ نفسه ليس حساساً تجاه الألم، إلا أن السحايا والأوعية الدموية هي كذلك. بحسب بعض الخبراء، يشعر المرء بالألم عندما ينتقل الدم من مركز الرأس إلى الأوعية الدموية المحيطة بالدماغ».
يضيف الباحثون أن الهالة قد تكون رد فعل على تغيّر تدفق الدم الذي يسبب انخفاضاً سريعاً في نشاط الدماغ لمدة 15 إلى 60 دقيقة.
فضلاً عن ذلك، لم تتضح كيفية حدوث الصداع النصفي. كيف يمكن لعوامل مختلفة كالنظام الغذائي (ثمة أكثر من 100 نوع طعام مسبّب لهذا النوع من الصداع)، الطقس، الإجهاد، الأضواء الساطعة، السفر، الروائح القوية، وحبوب منع الحمل، إحداث موجة العوارض عينها؟
يكشف البحث الفني الذي أجري في جامعة إيسيكس عن بعض الأدلة لناحية مدى فاعلية المسببات البصرية. خلال البحث الذي عُرض في مجلة Perception، نفّذ البروفيسور ويلكينز والدكتور دومينيك فرنانديز سلسلة من الدراسات لتحديد الأسباب الخاصة وراء الشعور بالانزعاج والإصابة بالصداع عند النظر إلى بعض اللوحات.
تحاليل
من جهتها، تقول الفنانة ديبي آيلز: «أدركت ذلك الأمر مع تقدّم العمل. فأنا أعاني الصداع النصفي وبدأت، عن غير عمد في البداية، بنسخ بعض الهالات البصرية التي اختبرتها. فشهد المصابون بهذا الداء عند رؤية أعمالي بعض هذه الهالات في اللوحات نفسها. عندما أدركت تلك التأثيرات، اكتشفت مزيداً منها في لوحاتي ومطبوعاتي. ومنذ أصبحت نوبات الصداع النصفي التي أُصاب بها قيد السيطرة، بدأت اليوم أرسم بطريقة مختلفة».
طُلب من المتطوّعين الذين شملهم ذلك البحث بتصنيف عدد من اللوحات عبر استخدام نطاق من سبع نقاط لناحية قيمتها الفنية والارتياح البصري، ومن ثم أُخضِعت الصور للتحليل. كشف ذلك عن عوامل خاصة بالصور المزعجة. فقد لاحظ الباحثون على وجه الخصوص تناقضات قوية بين النور والظلام، اللذين جُمعا معاً في مراحل معينة حيث يكون البصر أكثر حساسيةً. فالرسوم البسيطة ذات التردد المكاني والتي تحتوي خطوطاً تسبّب صداعاً.
عندئذٍ، طوّر الباحثون برمجيات على الحاسوب تضم المظاهر التي اكتشفوها. فقد التقطوا صوراً لأعمال فنية، وحلّلوها بواسطة هذه البرمجية، ولاحظوا أنها قادرة على تحديد أكثر الصور إزعاجاً للبصر. فكلما كانت بنية اللوحات غريبة، ازداد الانزعاج.
في المقابل، لم يتضح سبب كون هذه الصور مزعجة للبصر. تفيد إحدى النظريات بأن الدماغ تطوّر لمعالجة الصور الطبيعية بسرعة، وأنه يتشوّش أو يضطرب عند مشاهدة بعض الرسوم الغريبة، ما يؤدي بالتالي إلى شعور بالانزعاج قد يسبب ألماً في الرأس، صداعاً نصفياً أو نوبات صرع لدى أشخاص غير حصينين تجاه مثل هذه النوبات.
كذلك عمد الباحثون إلى مقارنة الصور الفوتوغرافية للمدن والمشاهد الريفية. فتبيّن أن الأخيرة أقل إزعاجاً، على الأرجح لأن المناطق المدنية مؤلفة من بنايات إضافية من صنع الإنسان ومن رسوم غريبة. قد تساعد هذه النتيجة في تفسير المسببات البصرية الأخرى، كالأضواء الوامضة والساطعة.
من جهة أخرى، بحث ويلكينز وفريقه في عامل آخر واكتشفوا التأثيرات عينها كما في الصور الفوتوغرافية، وأشكال الأحرف وغيرها من الصور. فتبيّن أن الخطوط الموجودة على السلالم الكهربائية في نظام قطارات الأنفاق في لندن هي الأكثر إزعاجاً.
خرافات
مع ذلك، لم يتوصل البحث إلى أية نتيجة حاسمة. يعقّب الدكتور أندرو داوسون، رئيس مجلس الاستشارات الطبية في جمعية Migraine Action ورئيس قسم خدمات الصداع في مستشفى King’s College Hospital في لندن: «ثمة عدد كبير من الخرافات والروايات القديمة، وجهل كبير يسمح للناس بحبك تلك الخرافات. فهل فكرة أن بعض أنواع الطعام يسبّب دوماً صداعاً نصفياً خرافةً أم حقيقة؟ توصلت الدراسات في الولايات المتحدة إلى أن الشوكولا لا يسبب الصداع النصفي، لعل السبب يعود إلى أن الناس في أولى مراحل حياتهم يشتهون ويتناولون أطعمة معالجة كالشوكولا والجبنة. لذلك قد يكون للصداع النصفي دور في الرغبة بتناول مثل هذه الأطعمة وليس العكس».
يضيف داوسون: «أدرك كثيرون أن الجهاز الحسي يصبح حساساً عند الإصابة بصداع نصفي وغالباً بين النوبات. لقد أصبح من الصعب أكثر فأكثر تأكيد الشك بأن الأطوال الموجية للونين الأحمر والأزرق من المسببات مثلاً، وأعتقد أن هذا الأمر ينطبق على هذه الدراسة أيضاً. من المثير للاهتمام معرفة إن كان التعرّض لنوع واحد من الصور يؤدي إلى الإصابة بصداع نصفي بدرجات مختلفة، لكن يصعب إجراء مثل هذه الدراسة».
آخر الأبحاث حول الصداع النصفي وأمورٍ أخرى
• الاكتئاب
وفقاً لبحث أجري في جامعة مانيتوبا، تشير الأدلة إلى أن الصداع النصفي مرتبط بالاضطرابات الفكرية: اكتئاب، واضطراب ثنائي القطب bipolar disorder، نوبات هلع، ورهاب. يقول الباحثون في هذا الإطار: «تضيف الدراسة الراهنة معلومات متزايدة عن وجود ارتباط قوي بين حالات الصداع النصفي واضطرابات الحالة النفسية والقلق».
• الأزمة القلبيّة والسكتة الدماغيّة
وفقاً لتقرير صدر عن كلية ماونت سيناي الطبية في نيويورك، يزيد الصداع النصفي المصحوب بعوارض تحذيرية خطر الإصابة بأزمة قلبية لدى النساء بنسبة 91 في المئة، وبسكتة دماغية بنسبة 108 في المئة. في المقابل، ساهم الصداع النصفي غير المصحوب بمثل هذه العوارض في زيادة مستوى الخطرين بنسبة 25 في المئة تقريباً. جاء في التقرير: «قد يكون من التعقّل أن تستشير النساء المصابات بصداع نصفي مصحوب بهالة الطبيب وتأخذ تغيّرات نمط عيشهن في الاعتبار لتحسين ملفهنّ الطبي لناحية خطر الإصابة بأمراض قلبية وعائية».
• سرطان الثدي
قد تكون النساء اللواتي يعانين الصداع النصفي أقل عرضةً على الأرجح للإصابة بسرطان الثدي، وتتغير وتيرة الألم في فترات مختلفة خلال دورة الإنجاب لدى المرأة. هذا وتظهر الأبحاث في مركز فريد هاتشينسون للبحوث السرطانية في سياتل أن تاريخ الصداع النصفي مرتبط بتراجع خطر الإصابة بسرطان الثدي.
• الصداع النصفي المتعلّق بالحيض
قد تكون التغيرات الحاصلة في مستويات الهورمونات عاملاً مسبباً على حدّ سواء. وفقاً لبحث أجري في جامعة سينسيناتي، يُعتقد بأن العامل المسبب جزئياً للصداع النصفي، التراجع الكبير في معدل الأستروجين قبل يومين أو ثلاثة أيام من بدء الدورة الشهرية. على حدّ قول الباحثين، يقدّر بأن 50 في المئة تقريباً من النساء يواجهن خطراً متزايداً بالإصابة بصداع نصفي خلال الفترة التي تسبق الدورة ويشهدن انخفاضاً في مستوى الأستروجين».
المراحل الخمس المرتبطة بالصداع النصفي
1. العوارض المسبقة: قد يحدث تغيير في الحالة النفسية، والشهية، وغيرها بما في ذلك الأوجاع والآلام غير المحددة قبل نوبة الصداع.
2. الهالة: بالنسبة إلى واحد من كل ستة أشخاص، تسبق الألم عوارض تحذيرية تدوم كمعدل متوسّط ما بين 20 إلى 30 دقيقة.
3. ألم في الرأس: ألم نابض في أحد شقّي الرأس قد يترافق مع غثيان، حساسية مفرطة تجاه الضوء الساطع والأصوات المرتفعة، ورغبة قوية في التمدد في غرفة مظلمة.
4. مدة الصداع: يختفي معظم نوبات الصداع تدريجياً، وقد يدوم حتى 72 ساعةً.
5. المرحلة الأخيرة: مرحلة الشفاء حيث غالباً ما تترافق مع شعور بالإنهاك.
http://www.qassimy.com/nu/news-action-show-id-1084.htm