كفاح إمرأة... قصة حقيقية
بسم الله الرحمن الرحيم
كفاح إمرأة... قصة حقيقية مؤثرة وجديرة بالقراءة
لعلنا نأخذ منها الدروس والعبر
قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون أنها ضرب من الخيال وقد نسجتها لكم
من خيوط معاناتي،، لتعرفوا أنني ماعانقت اليأس فيها يوماً لأنني توكلت على ربي
وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل
عشت طفولة بائسة أقل مايقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة
لا تكاد تجد ماتسد به رمقها من الجوع...
لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة..
ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل
الحارة لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي حرمنا منها...
كانت أسرتي أسرة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص، فكل
فرد من أسرتي للأسف كان لديه مايشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها..
كان أبي يعمل(مستخدماً) في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة
إلى نهاية الشهر بأمان، بل كثيراً ماتتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر ...
كان أبي إنساناً سلبياً قانعاً من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع لايعلم
عنهم شيئاً وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من
السجن آثاراً سلبية جعلته لا مبالياً بكل من حوله،، كنت أشفق عليه أحياناً وأنا أراه
كثير الصمت والشرود ولا يحرك ساكناً ..
أما والدتي !!!! فأعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة،
فالحقيقة أشد إيلاماً، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها
لم تستوعب يوماً أنها زوجة وأم،، وكانت دائماً تنظر إلى مافي أيدي الآخرين
وتحسدهم وتطلبهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات،،،
أما إخوتي،!!!!!!!!!! فحدث ولاحرج فهم يعيشون بين جنبات الشوارع، وأغلبيتهم انحرفوا
عن جادة الصواب،، حتى إخوتي،(البنات) لم يقمن وزناً للأخلاق ولا للشرف ولا حتى لنظرة
المجتمع،، والكارثة، أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع إبتدائي فإنهم يتركون
الدراسة من غير سبب ،،
في ظل هذه الأحداث من حولي، عشت هذه الطفولة البائسة وأنا كارهة لوضعي ناقمة على
أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود،، كنت متمسكة بدراستي وبقوة وكنت
من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحرافهم جميعاً،،،
وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسار حياتي للأبد
وفيه بدأت مأساتي الحقيقية والتي لولا إيماني
بالله لما تجاوزتها،،،
فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى
هذا المستوى،، تقدم رجل لخطبتي من أبي وكان عمري حينها (15عاما)
أما هو فكان عمره!!!!!!!!!!!
( 60 عاماً) ومصاب بالضغط والسكر وزيادة عليها كان مدمناً وتاجر
للمخدرات،،
مما جعلته تجارته هذه تجني أرباحاً كثيرة، وهو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أبي وأمي
يسيل ولايكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان، ومن دون تردد
وافقا ولم يأخذا إذني،، فصرخت في وجهيهما وقلت: لا أريده، أريد أن أكمل دراستي زوجوه
أختي الكبرى،،،
ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد تم زفافي وسط جو كئيب ولم تبالي أمي بي_
أتعلمون ما أول شيء وضعته أنا في حقيبتي؟!
وضعت دروسي وكتبي،،
ودخلت داري الجديدة ،
عفواً أقصد سجني،،
وبمجرد أن أغلق الباب وراءه بدأ بافتراسي بكل وحشية ،، وبعد أن انتهى من جريمته
تناول شرابه الكريه واستلقى مثل الثور على فراشه،،،،،
ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع. الذي اغتال
آدميتها ونقاءها ,,,
خمس سنوات مرت من عمري دفعت ثمنها كفاتورة قاسية للجشع والطمع
اللذين أعميا أبصار أهلي.
خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غالياً وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط
والنعال _أكرمكم الله_ والحبس والحرمان من الطعام ،،، كل ذلك لم يقهرني بقدر ماقهرني
وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة،، أصبحت أشبه
هيكل عظمي نتيجة الهم والغم، ولكن الله الرحيم يشاء أن يهبني أطفالاً يشغلونني ، أنجبت ولدين وبنت
خلال( 5 سنوات) فقط. كان عمري حينها(20) وعاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع مامررت به
في طفولتي ولكن أنى لي ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة. فبمجرد أن يشرب الخمر
فإنه يقوم بضربي وإياهم.. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم
ونحن جالسين خوفاً من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد.. أما حين يكون بحاجة إلى المخدر ولايجده
فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وطردي وأطفالي إلى الشارع، وكثيراً مايقوم جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة
وشفقة بنا
لعلكم قد تتساءلون عن دور والداي؟
أسمحوا لي أن أصدمكم: فقد كانا لا يحركا ساكناً كعادتهما
كنت أدعوا الله في الليالي المدلهمه أن يفرج كربتي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي على احتماله،
وقد أستجاب الله لدعائي!!!
ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادوني: (ياأم فلان ، زوجك...زوجك!!!)
ركضت أنا وأطفالي مسرعين
لنرى ماحدث،، لقد قام زوجي بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين، فتطاعنا
بالسكين، فطعنه زوجي ومات على الفور،،
لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي الشرطة،،
كانت شفتاه تميلان إلى اللون الابيض من هول الموقف. أما عيناه فقد كانت زائغتان ينظر إلى الناس
من حوله بذهول...
أما أنا فلاتسألوني عن مشاعري المضطربة،،، لا أدري هل هي لحظات سعادة أم شماتة انتظرتها
من زمن طويل أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة، لم أشعر إلا وأنا أردد لاشعورياً
: الحمدلله، الحمدلله،،
تذكرت تلك الليلة الحزينة ليلة زفافي الأليمة حين وجه إلي طعناته النافذة، واغتصبني بقسوة
رجل سكير يحمل بين جنبيه قلب من صخر لارحمة فيه ولاشفقة،، تذكرت جراحي النازفة وثيابي
الممزقة، وارتجافي بين يديه بخوف، لم أكن أعلم إلى أين أفر، ولم يكن لي مهرب تذكرت دموعي الساخنة
في تلك الليلة السوداء،،،
بعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته،، أصدرت عدالة السماء حكمها
فمات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي،،،،
كنت أنظر في منزلي،، بصقت على دولاب ملابسه،،وعلى كؤوس خمره
وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفالي،،، بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه،،،
وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أراهم منذ سنتين...
كانت أول كلمة قالتها لي أمي حتى قبل أن تسلم علي.
قالت(الله يرحمه.. هل عنده ورث؟؟؟!!!)
ولولا خوفي من الله لطردتها ،، ومن تصاريف الله أن زوجي كان مديون وحين علمت أسرتي بذلك
لم أعد أراهم فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئاً إضافياً أنا وأطفالي...
شعرت بالألم الممزوج بالقهر .فيالها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي عقدها أهلي مع ذلك الجلاد،،
وفضل أهلي الهرب بعيداً عني...
جلست أفكر فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري وعندي 3 أطفال وليس لدي أي مصدر للرزق،،
وأمامي طريقان:
الأول هو طريق الكفاح والصبر
والثاني هو طريق الكسب السريع حيث أبيع أنوثتي للراغبين في إمرأة وحيدة مثلي،،،
واخترت الطريق الأول بلا تردد،،، وكان أول مافعلته أنني بعت آخر قطعة ذهب ورحلت عن منزلي
الأول الذي شهد أسوأ ذكرياتي..
وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيدة واستأجرت غرفة صغيرة بحمامها فقط،،واشتريت موقداً صغيراً
وسريراً مستعمل لي ولأطفالي، وبعض الأواني القديمة المستعملة،، وأنا أعترف لكم بأن هذه الغرفة
حقيرة حتى في نظر الفقراء. ولكن ماجعلها مثل الحلم في نظري هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا
التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعاً.
بدأت أبحث عن عمل شريف، ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيراً فقد كانوا يتصدقون علينا
ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إلي فجزاهم الله عني خير الجزاء، ووجدت عمل حكومي كمستخدمة
في أحد المدارس الثانوية القريبة من بيتي، ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي كان بسيط ولكن دموعي
انهمرت لحظة استلامه بكيت كثيراً وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش..
اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعاب وطعاماً طيباً ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ دجاجاً لأطفالي!!!
واشتريت لهم بسكويتاً وشوكولاته.. كنت أرى السعادة في أعينهم....
مرت سنة كاملة وأنا في وظيفتي استطعت أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات،، وذات يوم.
سألت نفسي: لماذا لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية؟
عرضت الأمر على مديرتي فشجعتني وقدمت أوراق انتسابي وكان صدفة أن ابني البكر يدرس في الصف
الأول ابتدائي وأنا أول ثانوي،، اجتهدت في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم وموظفة وطالبة!!!
وفي خلال 3 سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبه 97%
بكيت كثيراً وأنا أرى بداية الخير وأرى ثمار جهدي بدأت تنضج..
انتقلت من عملي مستخدمة وقدمت على وظيفة كاتبة في إحدى الدوائر الحكومية. براتب جيد بالإضافة إلى
تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة[قسم تربية إسلامية] استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة
ومطبخ ودورة مياة ولأول مرة يدخل tv إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفة من البنك أثثت فيها الشقة]]
وبدأت أرتاح في حياتي، خاصة أن أطفالي دخلوا المدارس وأصبحوا متفوقين دراسياً وأخلاقياً
حاولت أن أعوض أطفالي واشتري لهم كل ماتهفوا إليه أنفسهم.. وكونت علاقات صداقة مع زميلاتي
وأخوات لي في الله كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات، وكل ذلك من أجل أن أرفه أبنائي..
مرت أربع سنوات عصيبة حصلت من خلالها على البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف..
وبعدها تم وبفضل الله تعييني مدرسة ثانوية.. كان ابني الكبير في الثالثة عشر من عمره واحتضنني وقال
( أنتي أعظم أم أنا فخور بك)
واحتضنتهم جميعاً وظللنا نبكي بلاشعور لساعات،، ولأول مره أقبض مرتباً ضخماً تصدقت بنصفه كشكر لله
ونصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع مايحتاجون، وبدأت أدخر جزء كبير من مرتبي لكي أبني به منزل
خاص لي،، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف،، وبدأت
في بناء منزلنا مكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح ،، ثم قدمت
على الدكتوراه وكان مشوارها صعباً جداً جداً جداً خاصة أن أطفالي بدؤا يكبرون وكان الإرهاق يكاد
يقتلني وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة وبين مذاكرتي للدكتوراه وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف
على البناء والتأثيث، والذي كان أثاثاً ضخماً ورائعاً
وحصلت على درجة الدكتوراه وتم تعييني كأستاذة في الجامعة وكان عمري حينها 37
أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت؟؟
لقد فكرت بأمي ، ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح،، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنية من وراء ذلك؟!!!!
ولكن لا تعتقدوا أني عاقة لوالدتي أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى ! بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مرة ووجدتها كما هي لم تتغير !!
أما أبي فقد توفي بعد زوجي بسنة وقد كنت أرسل لها من مرتبي،،
أما إخوتي وأخواتي فلم يكن يشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي،
أبتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل ..
وأنا الآن أخبركم عن وضعي
أنا وأبنائي:
أنا الآن لي مركزي الإجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقين..
أما أبنائي: فقد تخرجوا جميعاً من جامعاتهم العلمية
ابني الكبير أصبح طبيباً جراحاً،
وابني الثاني مهندس معماري،
وابنتي الصغرى طبيبة أطفال،
وقد زوجتهم جميعاً وأصر ابني الأكبر أن يعيش هو وزوجته معي فملآ علي البيت بالحياة وضحكات أحفادي،،،
وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري... والحمد لله..
قصتي هذه ،أهديها لكل يائس، ومحبط،، لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته،،
وصدقوني لو أستسلمت لليأس ولحظاته المريره لما وصلت إلى هذه الحياة التي أعيشها الآن بفضل الله ثم بفضل تمسكي بالأمل
صدقوني ومن تجربة خضتها واستطعت النجاح فيها، ليس هناك أجمل من التفاؤل، والتشبث بالأمل حتى وإن كان صغيييير..
هذه القصة حدثت لزميلتي وعبرت عنها بأسلوبي..
الكاتبة: سلوى العضيدان..
(ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب)
الله كريم فلا يتسلل اليأس لقلوبكم،،
--
بسم الله الرحمن الرحيم
كفاح إمرأة... قصة حقيقية مؤثرة وجديرة بالقراءة
لعلنا نأخذ منها الدروس والعبر
قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون أنها ضرب من الخيال وقد نسجتها لكم
من خيوط معاناتي،، لتعرفوا أنني ماعانقت اليأس فيها يوماً لأنني توكلت على ربي
وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل
عشت طفولة بائسة أقل مايقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة
لا تكاد تجد ماتسد به رمقها من الجوع...
لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة..
ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل
الحارة لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي حرمنا منها...
كانت أسرتي أسرة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص، فكل
فرد من أسرتي للأسف كان لديه مايشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها..
كان أبي يعمل(مستخدماً) في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة
إلى نهاية الشهر بأمان، بل كثيراً ماتتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر ...
كان أبي إنساناً سلبياً قانعاً من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع لايعلم
عنهم شيئاً وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من
السجن آثاراً سلبية جعلته لا مبالياً بكل من حوله،، كنت أشفق عليه أحياناً وأنا أراه
كثير الصمت والشرود ولا يحرك ساكناً ..
أما والدتي !!!! فأعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة،
فالحقيقة أشد إيلاماً، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها
لم تستوعب يوماً أنها زوجة وأم،، وكانت دائماً تنظر إلى مافي أيدي الآخرين
وتحسدهم وتطلبهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات،،،
أما إخوتي،!!!!!!!!!! فحدث ولاحرج فهم يعيشون بين جنبات الشوارع، وأغلبيتهم انحرفوا
عن جادة الصواب،، حتى إخوتي،(البنات) لم يقمن وزناً للأخلاق ولا للشرف ولا حتى لنظرة
المجتمع،، والكارثة، أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع إبتدائي فإنهم يتركون
الدراسة من غير سبب ،،
في ظل هذه الأحداث من حولي، عشت هذه الطفولة البائسة وأنا كارهة لوضعي ناقمة على
أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود،، كنت متمسكة بدراستي وبقوة وكنت
من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحرافهم جميعاً،،،
وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسار حياتي للأبد
وفيه بدأت مأساتي الحقيقية والتي لولا إيماني
بالله لما تجاوزتها،،،
فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى
هذا المستوى،، تقدم رجل لخطبتي من أبي وكان عمري حينها (15عاما)
أما هو فكان عمره!!!!!!!!!!!
( 60 عاماً) ومصاب بالضغط والسكر وزيادة عليها كان مدمناً وتاجر
للمخدرات،،
مما جعلته تجارته هذه تجني أرباحاً كثيرة، وهو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أبي وأمي
يسيل ولايكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان، ومن دون تردد
وافقا ولم يأخذا إذني،، فصرخت في وجهيهما وقلت: لا أريده، أريد أن أكمل دراستي زوجوه
أختي الكبرى،،،
ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد تم زفافي وسط جو كئيب ولم تبالي أمي بي_
أتعلمون ما أول شيء وضعته أنا في حقيبتي؟!
وضعت دروسي وكتبي،،
ودخلت داري الجديدة ،
عفواً أقصد سجني،،
وبمجرد أن أغلق الباب وراءه بدأ بافتراسي بكل وحشية ،، وبعد أن انتهى من جريمته
تناول شرابه الكريه واستلقى مثل الثور على فراشه،،،،،
ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع. الذي اغتال
آدميتها ونقاءها ,,,
خمس سنوات مرت من عمري دفعت ثمنها كفاتورة قاسية للجشع والطمع
اللذين أعميا أبصار أهلي.
خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غالياً وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط
والنعال _أكرمكم الله_ والحبس والحرمان من الطعام ،،، كل ذلك لم يقهرني بقدر ماقهرني
وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة،، أصبحت أشبه
هيكل عظمي نتيجة الهم والغم، ولكن الله الرحيم يشاء أن يهبني أطفالاً يشغلونني ، أنجبت ولدين وبنت
خلال( 5 سنوات) فقط. كان عمري حينها(20) وعاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع مامررت به
في طفولتي ولكن أنى لي ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة. فبمجرد أن يشرب الخمر
فإنه يقوم بضربي وإياهم.. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم
ونحن جالسين خوفاً من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد.. أما حين يكون بحاجة إلى المخدر ولايجده
فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وطردي وأطفالي إلى الشارع، وكثيراً مايقوم جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة
وشفقة بنا
لعلكم قد تتساءلون عن دور والداي؟
أسمحوا لي أن أصدمكم: فقد كانا لا يحركا ساكناً كعادتهما
كنت أدعوا الله في الليالي المدلهمه أن يفرج كربتي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي على احتماله،
وقد أستجاب الله لدعائي!!!
ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادوني: (ياأم فلان ، زوجك...زوجك!!!)
ركضت أنا وأطفالي مسرعين
لنرى ماحدث،، لقد قام زوجي بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين، فتطاعنا
بالسكين، فطعنه زوجي ومات على الفور،،
لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي الشرطة،،
كانت شفتاه تميلان إلى اللون الابيض من هول الموقف. أما عيناه فقد كانت زائغتان ينظر إلى الناس
من حوله بذهول...
أما أنا فلاتسألوني عن مشاعري المضطربة،،، لا أدري هل هي لحظات سعادة أم شماتة انتظرتها
من زمن طويل أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة، لم أشعر إلا وأنا أردد لاشعورياً
: الحمدلله، الحمدلله،،
تذكرت تلك الليلة الحزينة ليلة زفافي الأليمة حين وجه إلي طعناته النافذة، واغتصبني بقسوة
رجل سكير يحمل بين جنبيه قلب من صخر لارحمة فيه ولاشفقة،، تذكرت جراحي النازفة وثيابي
الممزقة، وارتجافي بين يديه بخوف، لم أكن أعلم إلى أين أفر، ولم يكن لي مهرب تذكرت دموعي الساخنة
في تلك الليلة السوداء،،،
بعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته،، أصدرت عدالة السماء حكمها
فمات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي،،،،
كنت أنظر في منزلي،، بصقت على دولاب ملابسه،،وعلى كؤوس خمره
وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفالي،،، بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه،،،
وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أراهم منذ سنتين...
كانت أول كلمة قالتها لي أمي حتى قبل أن تسلم علي.
قالت(الله يرحمه.. هل عنده ورث؟؟؟!!!)
ولولا خوفي من الله لطردتها ،، ومن تصاريف الله أن زوجي كان مديون وحين علمت أسرتي بذلك
لم أعد أراهم فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئاً إضافياً أنا وأطفالي...
شعرت بالألم الممزوج بالقهر .فيالها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي عقدها أهلي مع ذلك الجلاد،،
وفضل أهلي الهرب بعيداً عني...
جلست أفكر فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري وعندي 3 أطفال وليس لدي أي مصدر للرزق،،
وأمامي طريقان:
الأول هو طريق الكفاح والصبر
والثاني هو طريق الكسب السريع حيث أبيع أنوثتي للراغبين في إمرأة وحيدة مثلي،،،
واخترت الطريق الأول بلا تردد،،، وكان أول مافعلته أنني بعت آخر قطعة ذهب ورحلت عن منزلي
الأول الذي شهد أسوأ ذكرياتي..
وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيدة واستأجرت غرفة صغيرة بحمامها فقط،،واشتريت موقداً صغيراً
وسريراً مستعمل لي ولأطفالي، وبعض الأواني القديمة المستعملة،، وأنا أعترف لكم بأن هذه الغرفة
حقيرة حتى في نظر الفقراء. ولكن ماجعلها مثل الحلم في نظري هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا
التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعاً.
بدأت أبحث عن عمل شريف، ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيراً فقد كانوا يتصدقون علينا
ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إلي فجزاهم الله عني خير الجزاء، ووجدت عمل حكومي كمستخدمة
في أحد المدارس الثانوية القريبة من بيتي، ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي كان بسيط ولكن دموعي
انهمرت لحظة استلامه بكيت كثيراً وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش..
اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعاب وطعاماً طيباً ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ دجاجاً لأطفالي!!!
واشتريت لهم بسكويتاً وشوكولاته.. كنت أرى السعادة في أعينهم....
مرت سنة كاملة وأنا في وظيفتي استطعت أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات،، وذات يوم.
سألت نفسي: لماذا لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية؟
عرضت الأمر على مديرتي فشجعتني وقدمت أوراق انتسابي وكان صدفة أن ابني البكر يدرس في الصف
الأول ابتدائي وأنا أول ثانوي،، اجتهدت في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم وموظفة وطالبة!!!
وفي خلال 3 سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبه 97%
بكيت كثيراً وأنا أرى بداية الخير وأرى ثمار جهدي بدأت تنضج..
انتقلت من عملي مستخدمة وقدمت على وظيفة كاتبة في إحدى الدوائر الحكومية. براتب جيد بالإضافة إلى
تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة[قسم تربية إسلامية] استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة
ومطبخ ودورة مياة ولأول مرة يدخل tv إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفة من البنك أثثت فيها الشقة]]
وبدأت أرتاح في حياتي، خاصة أن أطفالي دخلوا المدارس وأصبحوا متفوقين دراسياً وأخلاقياً
حاولت أن أعوض أطفالي واشتري لهم كل ماتهفوا إليه أنفسهم.. وكونت علاقات صداقة مع زميلاتي
وأخوات لي في الله كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات، وكل ذلك من أجل أن أرفه أبنائي..
مرت أربع سنوات عصيبة حصلت من خلالها على البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف..
وبعدها تم وبفضل الله تعييني مدرسة ثانوية.. كان ابني الكبير في الثالثة عشر من عمره واحتضنني وقال
( أنتي أعظم أم أنا فخور بك)
واحتضنتهم جميعاً وظللنا نبكي بلاشعور لساعات،، ولأول مره أقبض مرتباً ضخماً تصدقت بنصفه كشكر لله
ونصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع مايحتاجون، وبدأت أدخر جزء كبير من مرتبي لكي أبني به منزل
خاص لي،، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف،، وبدأت
في بناء منزلنا مكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح ،، ثم قدمت
على الدكتوراه وكان مشوارها صعباً جداً جداً جداً خاصة أن أطفالي بدؤا يكبرون وكان الإرهاق يكاد
يقتلني وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة وبين مذاكرتي للدكتوراه وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف
على البناء والتأثيث، والذي كان أثاثاً ضخماً ورائعاً
وحصلت على درجة الدكتوراه وتم تعييني كأستاذة في الجامعة وكان عمري حينها 37
أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت؟؟
لقد فكرت بأمي ، ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح،، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنية من وراء ذلك؟!!!!
ولكن لا تعتقدوا أني عاقة لوالدتي أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى ! بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مرة ووجدتها كما هي لم تتغير !!
أما أبي فقد توفي بعد زوجي بسنة وقد كنت أرسل لها من مرتبي،،
أما إخوتي وأخواتي فلم يكن يشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي،
أبتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل ..
وأنا الآن أخبركم عن وضعي
أنا وأبنائي:
أنا الآن لي مركزي الإجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقين..
أما أبنائي: فقد تخرجوا جميعاً من جامعاتهم العلمية
ابني الكبير أصبح طبيباً جراحاً،
وابني الثاني مهندس معماري،
وابنتي الصغرى طبيبة أطفال،
وقد زوجتهم جميعاً وأصر ابني الأكبر أن يعيش هو وزوجته معي فملآ علي البيت بالحياة وضحكات أحفادي،،،
وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري... والحمد لله..
قصتي هذه ،أهديها لكل يائس، ومحبط،، لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته،،
وصدقوني لو أستسلمت لليأس ولحظاته المريره لما وصلت إلى هذه الحياة التي أعيشها الآن بفضل الله ثم بفضل تمسكي بالأمل
صدقوني ومن تجربة خضتها واستطعت النجاح فيها، ليس هناك أجمل من التفاؤل، والتشبث بالأمل حتى وإن كان صغيييير..
هذه القصة حدثت لزميلتي وعبرت عنها بأسلوبي..
الكاتبة: سلوى العضيدان..
(ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب)
الله كريم فلا يتسلل اليأس لقلوبكم،،
--