رسائل من بيت الموتى
قاسم محمد مجيد
تتميز رواية ( رسائل من بيت الموتى ) بخلوها من تلك النزعات الذاتية والانحياز لأفكار معينه كان سيد الرواية العالمية فيدور ديستوفسكي يقدمها في رواياته التالية فالصور الانسانيه المحتشدة بكثافة فيها نتاج الاتصال الوثيق بزملائه السجناء الذي ارتبط معهم في ذلك المصير الإنساني الذي ساقه إليه قدره و حتم عليه إن يعيش تلك التجربة بكل مدياتها ومحنها الضخمة !
فطموحه لاغتناء تجربته الادبيه الفتيه وبداية لشق طريق جديد بدأت ملامحه تظهر في الأفق حين عززه ذلك الثناء الذي حظي به من الناقد الروسي الكبير (بلينسكي ) حين قراء روايته البكر ( المساكين) قال له ( يجب أن تعتز بموهبتك وتخلص لها ولسوف تصبح كاتبا كبيرا) حلقت به تلك الكلمات إلى عوالم جديدة وقربته من إحدى المجاميع الادبيه التي كانت تقضي لياليها في مناقشات أدبية وسياسيه حادة ...دعوا فيها إلى أصلاح الأوضاع الفاسدة في روسيا خصوصا في ظل نظام استبدادي مقيت شاع فيه نظام رقيق الأرض !
لم تكن تعلم تلك ألمجموعه من الشبان المثقفين إن عيون البوليس السري مفتوحة لمتابعته نشاطها المريب !! فصدرت أوامر القيصر بالقبض عليهم في 22 ابريل 1849 ليستقبلهم سجن( بطرسوف ) وليوضع ديستوفسكي في إحدى زنزاناته المنفردة والمظلمة ويمنع من الاتصال بالناس وحرم عليه ألكتابه وما عليه سوى انتظار اللحظات المرعبة التي جاءت بسرعة البرق .. فقد اقتيد إلى ميدان (سييونفسكي) معصوب العين مع اثنان من زملائه لتنفيذ حكم الإعدام بهم وعندما هم الجنود لإطلاق النار عليهم اقبل حامل الفرج يحمل مرسوما من القيصر نيقولا الأكبر بإيقاف التنفيذ وتبديل العقوبة إلى السجن مع الإشغال الشاقة
لقد عانى كثيرا من تلك التجربة المروعة ولم تفارق مخيلته أبدا يقول عنها (انك لو وضعت جنديا إمام فوهة مدفع أثناء المعركة ثم انطلق المدفع فان الجندي لن يفقد الأمل مع ذلك في انه ربما ينجو من الموت ولكن إقراء على الجندي نفسه الحكم بالإعدام تراه إما إن يفقد عقله وإما إن ينخرط في البكاء)
فرواية ( رسائل من بيت الموتى) هي رصد للقيمة الانسانيه في صور العذاب والألم فالسجناء ليسوا مجرمون بالفطرة وجرائمهم ترتبط بالسخط على نظام فاسد لايؤمن بكرامه الإنسان فاغلب النزلاء دخلوا تلك الزنزانات دفاعا عن شرف عروس أو أخت أو ابنه ضد بطش الأمراء والإقطاعيون الفاسدون وكشف عن حجم ذلك الصراع الإنساني الذي عاشه بعض السجناء الذين ارتكبوا جرائمهم عامدين هربا من حياة تبدو أكثر جحيما من السجن أو للبحث عن لقمه عيش لاتتوفر خارج أسواره !!
لقد أرهقه العمل في هذه الرواية وخصوصا إن نوبات الصرع تجتاحه بين الحين والأخر فقد كتب بعض فصولها على مصباح غازي
أنها حقا" رواية روسيا الحزينة