العراقيون يعيدون إحياء ليالي أبي نؤاس..
بغداد - أحمد عبد علي : مع قدوم المساء وخروج بعض العوائل القليلة من شارع ابي نؤاس تبدأ اعداد غفيرة جديدة من القادمين للشارع وهم يدخلون من بوابتيه الشمالية (جهة ساحة التحرير) والجنوبية (جهة الكرادة)، والطابع الغالب على اغلب القادمين هي العوائل بمختلف تنوعاتها وما ان يحل الظلام على شارع ابي نؤاس المعروف بتاريخه العريق مع الليل حتى تتحول حدائقه الواسعة إلى معقل صاخب للسمر والمتعة والحركة الدؤوبة للجميع، وهكذا عادت لهذا الشارع بعضاً من روحه المغيبة لعقود طويلة فتحول هذه الايام الصيفية إلى اكثر الامكنة حيوية وسهر في بغداد.
عودة الروح للقلب النابض..
يقول الفنان التشكيلي باسم حنون الذي يواظب على قضاء امسية الخميس على حدائق ابو نؤاس: "أحس ان الحياة بدأت تعود لأبي نؤاس الذي ارتبط به روحياً، وخلال السنوات الماضية حينما (مات) الشارع أحسست باني احتضر معه وبعد ان عادت له الحياة احس باني ساعمر مائة عام معه، لأن كل تاريخي مرتبط بهذا الشارع ولم يكن بمقدوري ان ارسم لوحة في حياتي من دونه لأني كنت ارسم هنا او اصور اللوحة في خيالي في هذا المكان ومن ثم اعود لأرسمها في البيت".
ويتابع: "لا يقتصر جمال هذا الشارع على ما يحوي من مناظر خلابة وصور حية بل يمتد ليداعب مشاعر البغداديين جميعاً باعتباره رمز من رموز الحياة والسهر والفن والحب لهم، وقد تكون فكرة اعادة انعاشه من جديد اكثر الافكار صحة للجهات المسؤولة لأن من يريد عودة بغداد إلى سابق عهدها عليه البدء بقلبها النابض شارع ابي نؤاس".
واختتم بالقول: "يفرحني منظر الاطفال وهم يلعبون بالالعاب المجانية المتوفرة في حدائق الشارع واشد على يد من وفر هذه الالعاب، وافرح اكثر حينما ارى ان النساء في بغداد عادت للخروج ليلاً والتمتع بليل بغداد، اما الشبان الذين يجوبون الشارع ذهاباً واياباً فلهم نكهتهم الخاصة وحيوتهم التي تضيف للشارع روح الشباب".
الليل هنا أجمل..
الاطفال تلعب من على الاراجيح وامهاتهم تناديهم كي لا يقعوا من عليها اما الاباء فبالغالب يجلسون على المقاعد يشربون العصائر او يتبادلون اطراف الحديث مع كبار السن، يقول ابو وسن الذي جلب عائلته للشارع للمرة الاولى: "نصحني احد الاصدقاء بجلب عائلتي إلى هنا مساء يوم الخميس وبالفعل قدمت وتفاجئت بهذا الكم الهائل من الناس الذي يزور الشارع، فنحن هنا منذ اكثر من ثلاثة ساعات والاطفال يرفضون العودة للمنزل وفي كل مرة اذكرهم بضرورة العودة يقولون انهم بحاجة لنصف ساعة آخر كي يكملوا متعتهم، وعلى ما يبدو انهم لن يملوا من اللعب، لذا قررت ان اقايضهم بعودة ثانية الخميس القادم مقابل تنازلهم عن التشبث بالبقاء هنا اليوم".
اما زوجته فتقول: "منذ اكثر من عشر سنوات لم نحصل على فرصة الخروج والتمتعم بالليل، وحتى هذه المرة قدمنا في ساعة العصر إلا ان الوقت سرقنا من دون ان ندري فاكتشفنا ان الليل هنا اجمل بكثير من النهار، وان الوافدين مساءً يتزايدون مع مرور الوقت وبشكل غريب".
الرقص طرباً..
بعض الشبان الصغار جلبوا معهم دفوف وآلات موسيقية بسيطة، وجلسوا وسط الحديقة يعزفون ويتراقصون طرباً لعزفهم المحترف والمنظم، اقتربنا منهم وسألناهم عن سبب اختيارهم هذا المكان فانبرى عازف الطبلة للاجابة قبل زملائه قائلاً: "لا نستطيع اخذ حريتنا والعزف والرقص في اي مكان آخر باستثناء شارع ابو نؤاس وبحيرة الجادرية والزوراء فقط، ولكون هذا الشارع الدخول له مجاني وهو مكان عام للجميع ولقربه من محل سكنانا فنحن ناتي إلى هنا مرة بالاسبوع لنعزف ونرقص ونقضي ساعات جميلة، لا نجد فيها من يمنعنا من التمتع، فرجال الشرطة لا يتدخلون بما نفعل ونحن ايضاً لا نسيء لاحد من الموجودين".
اما كاظم جبار الجالس هو وعائلته بالقرب من مجموعة العزف الشابة فعلق على ما يقومون به قائلاً: "هم شبان صغار يرقصون لوحدهم من دون ان يخدشوا الحياء او يتعدوا على حرياتنا، ونحن الجالسون هنا نستمتع بغنائهم ولا نجد فيه اي تجاوز علينا، وعلى الرغم من ان بعض العوائل لا ترغب بما يفعله هؤلاء الشبان إلا انها تبتعد عنهم قليلاً ويمضي الكل بما يجده ممتعاً لنفسه، فهنا الحرية مكفولة للجميع بشكل لا اجد له نظير في اي مكان آخر في بغداد".
ظواهر..
بعض الحاضرين انتقد حالات اعتبرها سلبية وطالب بالغائها كي يتاح للعوائل قضاء اوقات اكثر في شارع ابي نؤاس، فهذا المواطن حميد سلمان (57 عاماً) ينتقد بعض التصرفات بالقول: "يقوم بعض الشبان بتناول المشروبات الكحولية في الاسفل بالقرب من النهر مباشرة، وهذه ظاهرة مرفوضة تماماً وتتعارض مع وجود عوائل في هذا المكان، فمن المستحسن ان تتوفر اماكن خاصة لهم لا ان يتناولوا المشروبات الكحولية بالقرب من العوائل كون منظرهم يخدش الحياء وقد تبرز بعض التصرفات من قبلهم تسيء للنساء الحاضرات".
وهو رأي يؤيده صاحب احد مطاعم بيع السمك في الشارع حيث يقول: "كنا قبل سنتين نقدم المشروبات الروحية للزبائن لكن الجهات المختصة منعتنا بحجة عدم امتلاكنا الاجازات الخاصة ببيع المشروبات الكحولية وحين راجعنا وزارة السياحة لإستحصال اجازة رفضت الوزارة بداعي انها لا تجيز جدد بل تجدد الاجازات القديمة فقط، وبالنتيجة امتنعنا عن البيع فبدء الشباب بتناول المشروبات الكحولية على الشاطئ ومن دون اي رادع".
الجانب الشمالي الصاخب..
هناك بالقرب من شارع الرشيد وعند المدخل الشمالي تختلف حالة شارع ابي نؤاس المسائية فالعوائل تغيب تماماً عن المشهد الذي يقتصر على الرجال فقط، ومع خفوت الاضاءة تسدل الستائر على ابواب قليلة تقدم الغناء على انغام صاخبة مذكرة بليالي (نؤاسية) ماضية عادت هذه الايام، يقول سرمد وهو من رواد هذه الصالات: "بين فترة واخرى احضر إلى شارع ابي نؤاس لحضور احدى الحفلات في هذه القاعة، والاجواء هنا صاخبة ومثيرة وتذكرني بالليالي الجميلة في بيروت ودمشق، ولا اعتقد ان هذه الحفلات متوفرة في مكان آخر من بغداد فهي تقتصر على هذا الشارع المؤمن والذي لا يمكن للارهابيين الوصول اليه بسبب مجاورته للفنادق الفخمة وتأمينه من الجانبين".
اما بائع السمك حسون فيقول: "نحن نبيع السمك ليلاً على السكارى والخارجين من الحفلات الليلية ولا نقفل في الساعة الثانية عشر مع ساعة بدء حظر التجوال، لأن كثير من رواد الحفلات يداهمهم الوقت ويخرجون بعد الثانية عشر ليجدونا باستقبالهم كي نقدم لهم السمك المسقوف والشاي حتى ساعات الصباح الاولى عندما يرفع الحظر ويرحلون إلى بيوتهم".
بعد اللقاء الاخير غادرنا الشارع في الساعة العاشرة مساءً وكانت عوائل كثيرة ما زالت باقية في الشارع وعلى ما يبدو انها ستتاخر اكثر.
بغداد - أحمد عبد علي : مع قدوم المساء وخروج بعض العوائل القليلة من شارع ابي نؤاس تبدأ اعداد غفيرة جديدة من القادمين للشارع وهم يدخلون من بوابتيه الشمالية (جهة ساحة التحرير) والجنوبية (جهة الكرادة)، والطابع الغالب على اغلب القادمين هي العوائل بمختلف تنوعاتها وما ان يحل الظلام على شارع ابي نؤاس المعروف بتاريخه العريق مع الليل حتى تتحول حدائقه الواسعة إلى معقل صاخب للسمر والمتعة والحركة الدؤوبة للجميع، وهكذا عادت لهذا الشارع بعضاً من روحه المغيبة لعقود طويلة فتحول هذه الايام الصيفية إلى اكثر الامكنة حيوية وسهر في بغداد.
عودة الروح للقلب النابض..
يقول الفنان التشكيلي باسم حنون الذي يواظب على قضاء امسية الخميس على حدائق ابو نؤاس: "أحس ان الحياة بدأت تعود لأبي نؤاس الذي ارتبط به روحياً، وخلال السنوات الماضية حينما (مات) الشارع أحسست باني احتضر معه وبعد ان عادت له الحياة احس باني ساعمر مائة عام معه، لأن كل تاريخي مرتبط بهذا الشارع ولم يكن بمقدوري ان ارسم لوحة في حياتي من دونه لأني كنت ارسم هنا او اصور اللوحة في خيالي في هذا المكان ومن ثم اعود لأرسمها في البيت".
ويتابع: "لا يقتصر جمال هذا الشارع على ما يحوي من مناظر خلابة وصور حية بل يمتد ليداعب مشاعر البغداديين جميعاً باعتباره رمز من رموز الحياة والسهر والفن والحب لهم، وقد تكون فكرة اعادة انعاشه من جديد اكثر الافكار صحة للجهات المسؤولة لأن من يريد عودة بغداد إلى سابق عهدها عليه البدء بقلبها النابض شارع ابي نؤاس".
واختتم بالقول: "يفرحني منظر الاطفال وهم يلعبون بالالعاب المجانية المتوفرة في حدائق الشارع واشد على يد من وفر هذه الالعاب، وافرح اكثر حينما ارى ان النساء في بغداد عادت للخروج ليلاً والتمتع بليل بغداد، اما الشبان الذين يجوبون الشارع ذهاباً واياباً فلهم نكهتهم الخاصة وحيوتهم التي تضيف للشارع روح الشباب".
الليل هنا أجمل..
الاطفال تلعب من على الاراجيح وامهاتهم تناديهم كي لا يقعوا من عليها اما الاباء فبالغالب يجلسون على المقاعد يشربون العصائر او يتبادلون اطراف الحديث مع كبار السن، يقول ابو وسن الذي جلب عائلته للشارع للمرة الاولى: "نصحني احد الاصدقاء بجلب عائلتي إلى هنا مساء يوم الخميس وبالفعل قدمت وتفاجئت بهذا الكم الهائل من الناس الذي يزور الشارع، فنحن هنا منذ اكثر من ثلاثة ساعات والاطفال يرفضون العودة للمنزل وفي كل مرة اذكرهم بضرورة العودة يقولون انهم بحاجة لنصف ساعة آخر كي يكملوا متعتهم، وعلى ما يبدو انهم لن يملوا من اللعب، لذا قررت ان اقايضهم بعودة ثانية الخميس القادم مقابل تنازلهم عن التشبث بالبقاء هنا اليوم".
اما زوجته فتقول: "منذ اكثر من عشر سنوات لم نحصل على فرصة الخروج والتمتعم بالليل، وحتى هذه المرة قدمنا في ساعة العصر إلا ان الوقت سرقنا من دون ان ندري فاكتشفنا ان الليل هنا اجمل بكثير من النهار، وان الوافدين مساءً يتزايدون مع مرور الوقت وبشكل غريب".
الرقص طرباً..
بعض الشبان الصغار جلبوا معهم دفوف وآلات موسيقية بسيطة، وجلسوا وسط الحديقة يعزفون ويتراقصون طرباً لعزفهم المحترف والمنظم، اقتربنا منهم وسألناهم عن سبب اختيارهم هذا المكان فانبرى عازف الطبلة للاجابة قبل زملائه قائلاً: "لا نستطيع اخذ حريتنا والعزف والرقص في اي مكان آخر باستثناء شارع ابو نؤاس وبحيرة الجادرية والزوراء فقط، ولكون هذا الشارع الدخول له مجاني وهو مكان عام للجميع ولقربه من محل سكنانا فنحن ناتي إلى هنا مرة بالاسبوع لنعزف ونرقص ونقضي ساعات جميلة، لا نجد فيها من يمنعنا من التمتع، فرجال الشرطة لا يتدخلون بما نفعل ونحن ايضاً لا نسيء لاحد من الموجودين".
اما كاظم جبار الجالس هو وعائلته بالقرب من مجموعة العزف الشابة فعلق على ما يقومون به قائلاً: "هم شبان صغار يرقصون لوحدهم من دون ان يخدشوا الحياء او يتعدوا على حرياتنا، ونحن الجالسون هنا نستمتع بغنائهم ولا نجد فيه اي تجاوز علينا، وعلى الرغم من ان بعض العوائل لا ترغب بما يفعله هؤلاء الشبان إلا انها تبتعد عنهم قليلاً ويمضي الكل بما يجده ممتعاً لنفسه، فهنا الحرية مكفولة للجميع بشكل لا اجد له نظير في اي مكان آخر في بغداد".
ظواهر..
بعض الحاضرين انتقد حالات اعتبرها سلبية وطالب بالغائها كي يتاح للعوائل قضاء اوقات اكثر في شارع ابي نؤاس، فهذا المواطن حميد سلمان (57 عاماً) ينتقد بعض التصرفات بالقول: "يقوم بعض الشبان بتناول المشروبات الكحولية في الاسفل بالقرب من النهر مباشرة، وهذه ظاهرة مرفوضة تماماً وتتعارض مع وجود عوائل في هذا المكان، فمن المستحسن ان تتوفر اماكن خاصة لهم لا ان يتناولوا المشروبات الكحولية بالقرب من العوائل كون منظرهم يخدش الحياء وقد تبرز بعض التصرفات من قبلهم تسيء للنساء الحاضرات".
وهو رأي يؤيده صاحب احد مطاعم بيع السمك في الشارع حيث يقول: "كنا قبل سنتين نقدم المشروبات الروحية للزبائن لكن الجهات المختصة منعتنا بحجة عدم امتلاكنا الاجازات الخاصة ببيع المشروبات الكحولية وحين راجعنا وزارة السياحة لإستحصال اجازة رفضت الوزارة بداعي انها لا تجيز جدد بل تجدد الاجازات القديمة فقط، وبالنتيجة امتنعنا عن البيع فبدء الشباب بتناول المشروبات الكحولية على الشاطئ ومن دون اي رادع".
الجانب الشمالي الصاخب..
هناك بالقرب من شارع الرشيد وعند المدخل الشمالي تختلف حالة شارع ابي نؤاس المسائية فالعوائل تغيب تماماً عن المشهد الذي يقتصر على الرجال فقط، ومع خفوت الاضاءة تسدل الستائر على ابواب قليلة تقدم الغناء على انغام صاخبة مذكرة بليالي (نؤاسية) ماضية عادت هذه الايام، يقول سرمد وهو من رواد هذه الصالات: "بين فترة واخرى احضر إلى شارع ابي نؤاس لحضور احدى الحفلات في هذه القاعة، والاجواء هنا صاخبة ومثيرة وتذكرني بالليالي الجميلة في بيروت ودمشق، ولا اعتقد ان هذه الحفلات متوفرة في مكان آخر من بغداد فهي تقتصر على هذا الشارع المؤمن والذي لا يمكن للارهابيين الوصول اليه بسبب مجاورته للفنادق الفخمة وتأمينه من الجانبين".
اما بائع السمك حسون فيقول: "نحن نبيع السمك ليلاً على السكارى والخارجين من الحفلات الليلية ولا نقفل في الساعة الثانية عشر مع ساعة بدء حظر التجوال، لأن كثير من رواد الحفلات يداهمهم الوقت ويخرجون بعد الثانية عشر ليجدونا باستقبالهم كي نقدم لهم السمك المسقوف والشاي حتى ساعات الصباح الاولى عندما يرفع الحظر ويرحلون إلى بيوتهم".
بعد اللقاء الاخير غادرنا الشارع في الساعة العاشرة مساءً وكانت عوائل كثيرة ما زالت باقية في الشارع وعلى ما يبدو انها ستتاخر اكثر.