البصرة في الرابعة بعد الظهر
ينصهر خط الاستواء, ويتمدد في مثل هذه الساعة من كل يوم, فينخلع من سرّة الأرض ليطوق خاصرة البصرة, ويلتف حول أعناق (القبلة) و(الحيّانية) و(الكزيزة) و(خمسميل),
فتتساقط الضواحي والقصبات من شدة العطش والجفاف, ويغمى عليها خلف جدران الصمت القاتل حيث تتلاشى ظلال البيوت الخاوية, التي يطويها الشقاء والخمول والإرهاق, ويسترها الصفيح الساخن, وتغلفها الأسمال البالية.
يتنفس الموت وحده في منعطفات أزقة (مهيجران) الترابية الموحشة, تتفجر براكين تموز وآب اللهّاب في فضاءات (أبي الخصيب) و(التنومة), فتنفتح نوافذ (باب الهوى), و(باب الزبير), و(باب سليمان) لدوامات رياح السموم المنبعثة من أفران قرص الشمس المتوقدة بالحمم.
يتعكر مزاج الناس المتصدع من قرف الصيف الملتهب, تغلي عروقهم المشوية بمراجل الغضب, فيحتشدون في تظاهرات عارمة تحاصر مبنى المحافظة, بعد ان حصحصت موجات الحر, حتى تحمصت وجوه الناس, واختفت العدالة المناخية من أجندة محطات الطاقة الكهربائية التي فقدت وطنيتها.
تتوقف حركة المرور في الرابعة بعد الظهر, وتتعطل النشاطات الإنسانية كافة, وتصاب البصرة بشلل تام, وتختفي مظاهر الحياة من الشوارع والساحات في المدن والأحياء الفقيرة. فلا تسمع لهم صوتا, إلا ضجيج المولدات وصخبها المدوي, واهتزازتها التي ربما كانت هي السبب في تصدع طبقة الأوزون, وتشقق قشرة الأرض بين (كتيبان) و(الزريجي).
تتوالى ضربات الشمس على وجوه الأطفال, وتتفشى حمى الإعياء الحراري بين النساء والشيوخ, ويتفجر النزيف الأنفي, وتظهر على الناس ملامح الإجهاد القلبي, وترتفع حرارة أجسامهم, وتتزايد سرعات تنفسهم ونبضهم, فتضطرب عندهم الرؤية وينخفض ضغط الدم.
تتعامد أشعة الشمس فوق مراسي الفاو, فيصب العرق من مسامات أرصفتها المهجورة, فتتعرق سواحلها بلون الحناء, وتتبخر برائحة الممرات الملاحية لخور عبد الله, ويتلاشى بريق أصداف المرجان بجوار جزيرة (حجام) المصابة بذات الرئة, ويتسلق الصدأ إلى قمم فنارات شط العرب, فتتمزق أشرعة السفن المتعبة, وتتصاعد زفرات البحارة, وتتعالى صيحاتهم لتملئ تجاويف الفراغ السياسي الذي شاب له (رأس البيشة) وصار أكثر توترا وسخونة.
يتزايد تركيز الأشعة فوق البنفسجية في مثل هذه الساعة, وتتخطى درجات الحرارة حاجز القراءات المتوقعة في مقاييس الأنواء الجوية, فتقفز إلى 53 درجة مئوية في الظل, فيطفو القلق والتوتر والعصبية والنرفزة فوق سطح المدينة المشتعلة بنيران القيظ اللافحة, فتتزايد معدلات التصرفات العدوانية المتمثلة بالتصادم والشجار في الأسواق والمقاهي, ولم يجد البصريون بُدّا من صب جام غضبهم على السياسيين بكافة مشاربهم, ولم يترددوا في نعتهم بأغلظ العبارات, واتهامهم بأنهم يعيشون في نعيم الأجواء المتكندشة, ولا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية, دون مراعاة لأبسط حقوق المواطنين. ويتزايد حنق الناس على خلافات السياسيين, الذين سيزجّون البلاد في متاهات, يخشى أنها ستكون سببا مباشرا في انهيار العملية السياسية برمتها.
ينصهر خط الاستواء, ويتمدد في مثل هذه الساعة من كل يوم, فينخلع من سرّة الأرض ليطوق خاصرة البصرة, ويلتف حول أعناق (القبلة) و(الحيّانية) و(الكزيزة) و(خمسميل),
فتتساقط الضواحي والقصبات من شدة العطش والجفاف, ويغمى عليها خلف جدران الصمت القاتل حيث تتلاشى ظلال البيوت الخاوية, التي يطويها الشقاء والخمول والإرهاق, ويسترها الصفيح الساخن, وتغلفها الأسمال البالية.
يتنفس الموت وحده في منعطفات أزقة (مهيجران) الترابية الموحشة, تتفجر براكين تموز وآب اللهّاب في فضاءات (أبي الخصيب) و(التنومة), فتنفتح نوافذ (باب الهوى), و(باب الزبير), و(باب سليمان) لدوامات رياح السموم المنبعثة من أفران قرص الشمس المتوقدة بالحمم.
يتعكر مزاج الناس المتصدع من قرف الصيف الملتهب, تغلي عروقهم المشوية بمراجل الغضب, فيحتشدون في تظاهرات عارمة تحاصر مبنى المحافظة, بعد ان حصحصت موجات الحر, حتى تحمصت وجوه الناس, واختفت العدالة المناخية من أجندة محطات الطاقة الكهربائية التي فقدت وطنيتها.
تتوقف حركة المرور في الرابعة بعد الظهر, وتتعطل النشاطات الإنسانية كافة, وتصاب البصرة بشلل تام, وتختفي مظاهر الحياة من الشوارع والساحات في المدن والأحياء الفقيرة. فلا تسمع لهم صوتا, إلا ضجيج المولدات وصخبها المدوي, واهتزازتها التي ربما كانت هي السبب في تصدع طبقة الأوزون, وتشقق قشرة الأرض بين (كتيبان) و(الزريجي).
تتوالى ضربات الشمس على وجوه الأطفال, وتتفشى حمى الإعياء الحراري بين النساء والشيوخ, ويتفجر النزيف الأنفي, وتظهر على الناس ملامح الإجهاد القلبي, وترتفع حرارة أجسامهم, وتتزايد سرعات تنفسهم ونبضهم, فتضطرب عندهم الرؤية وينخفض ضغط الدم.
تتعامد أشعة الشمس فوق مراسي الفاو, فيصب العرق من مسامات أرصفتها المهجورة, فتتعرق سواحلها بلون الحناء, وتتبخر برائحة الممرات الملاحية لخور عبد الله, ويتلاشى بريق أصداف المرجان بجوار جزيرة (حجام) المصابة بذات الرئة, ويتسلق الصدأ إلى قمم فنارات شط العرب, فتتمزق أشرعة السفن المتعبة, وتتصاعد زفرات البحارة, وتتعالى صيحاتهم لتملئ تجاويف الفراغ السياسي الذي شاب له (رأس البيشة) وصار أكثر توترا وسخونة.
يتزايد تركيز الأشعة فوق البنفسجية في مثل هذه الساعة, وتتخطى درجات الحرارة حاجز القراءات المتوقعة في مقاييس الأنواء الجوية, فتقفز إلى 53 درجة مئوية في الظل, فيطفو القلق والتوتر والعصبية والنرفزة فوق سطح المدينة المشتعلة بنيران القيظ اللافحة, فتتزايد معدلات التصرفات العدوانية المتمثلة بالتصادم والشجار في الأسواق والمقاهي, ولم يجد البصريون بُدّا من صب جام غضبهم على السياسيين بكافة مشاربهم, ولم يترددوا في نعتهم بأغلظ العبارات, واتهامهم بأنهم يعيشون في نعيم الأجواء المتكندشة, ولا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية, دون مراعاة لأبسط حقوق المواطنين. ويتزايد حنق الناس على خلافات السياسيين, الذين سيزجّون البلاد في متاهات, يخشى أنها ستكون سببا مباشرا في انهيار العملية السياسية برمتها.