الأسرار الستة للسيطرة على الغضب
دخل صديقي (سعيد) إلى مكتب مديره محتجًّا على تعيين زميله مديرًا لفرع جديد للشركة برغم أنه الأقدم والأقدر. تبادل سعيد ومديره الحجج حول هذا القرار، وتعالت أصواتُهما واحتد الموقفُ أكثر، وما كان من صديقي الذي فارت أعصابه إلا أن أمسك ورقة على طاولة المدير وكتب استقالته ورماها في وجه مديره وانصرف. ما عرفته بعد ذلك أن (سعيدًا) واجه الكثير من المصاعب، وندم أشد الندم على ما حدث ولكن كما يقول الجميع (لحظة غضب)..!!
أنا متيقن أنك تعرف الكثير من القصص المشابهة التي أدت لحظاتٌ من سورة الغضب فيها إلى نتائجَ غيرِ محمودة يندم عليها صاحبُها طوال العمر!! فكم رجل طلق زوجته، وكم خصم اعتدى على خصمه حتى أنهى حياته، وكم سائق أراد النيل ممن ضايقه فارتكب حادثاً مروريا قاتلا.. وتطول قائمة الأمثلة..
الغضب هو حالة شعورية تبدأ من الإثارة الخفيفة حتى الاهتياج الشديد الذي يُعمي البصرَ والبصيرة. قد يكون الغضبُ متجها نحو شخص ما (رئيسك في العمل، زميلك) أو نحو حَدَث ما (زحمة مرور السير، رحلة طيران مُلغاة،..) أو بسبب قلقك حول مشكلة شخصية أو بسبب ذكرى مؤلمة.
يتفق علماء النفس على أن السيطرة على لحظات الغضب يعد من الأمور الشاقة على الإنسان.. ولعلها من المهارات الإنسانية الراقية والاحترافية التي لا تتوفر لدى كثيرين. ومع ضغوط الحياة اليومية، نكشف كل يوم حاجتنا الماسة إلى امتلاك هذه المهارة.
لن أخوض في تفاصيل كثيرة حول الأثر السيئ للغضب على جسم الإنسان وحياته النفسية فهذا أمر بيّن ونعرفه جميعا، ومع ذلك لم يساعدنا على التخلص من الغضب..!!
سوف أجمل فيما يلي وسائل للمساعدة على التخلص من الغضب، وقبل أن نبدأ في بحثها لا بد أن يكون واضحاً أن السيطرة على الغضب مهارة تحتاج –مثل كل المهارات- إلى الكثير من التدريب والتمرين ولكنه أمر يستحق بذل الجهد وعرق الجبين..!
أولاً: لابد أن نسلم بالحقيقة الهامة: أن الحياة ليست مثالية. ولن تكون يوماً من الأيام كذلك. وأن كل ما يجري لن يكون مثالياً، أو على أفضل ما نتوقع أو نرجو.
ثانياً: تعرَّف اللحظات الأولى من الغضب.. وهي اللحظات التي تبدو الأمور فيها أنها ما تزال تحت السيطرة، وجرب الأمور التالية:
(أ) كن واعيا للتغيرات الجسدية المبكرة كتوتر العضلات، ووضعية (القبضة) ليديك، وجفاف الحلق، وانقباض عضلات الجبهة، وتسارع دقات قلبك، وتزايد معدل التنفس وغير ذلك.
مثل هذه التغيرات هي (صفارات إنذار) مبكرة فاستفد منها.
(ب) كن واعيا لتسارع الأفكار في رأسك مع بداية الغضب. الغضب هو رد فعل لما نعتقد أنه إهانة لنا.. إن مراقبة سيل الأفكار مع بداية الحدث المثير للغضب له فائدة كبيرة في منع الغضب لوضعه في إطار إيجابي جديد كما سنوضح في الفقرة التالية.
(ج) كن واعيا بنشوء مشاعر الغضب في أثناء حدوثها ومراقبة نتائجها.. إنها كمشاهدة من الخارج لما يموج في عالمنا الداخلي.. والفرق كبير بين أن تغضب من شخص ما حتى تشعر وكأنك تريد أن تقتله (هذه هي مشاعرك المباشرة) وبين الوعي بها وملاحظتها. فتقول لنفسك في أثناء الغضب: (هذه مشاعر الغضب.. إني غاضب من هذا الشخص). من ثم مراقبة نتائج ذلك: (أنا غاضب، ولذا فإن أي قرار أصدره ربما لا يكون حكيماً). وهكذا ستجد أنك تبسط قوة إضافية على مشاعرك مهما اشتدت حدتها، ومن ثم ستقلل من تأثيرها فيك.
ثالثاً: إعادة وضع الموقف في إطار إيجابي.. أي أن تستبدل بسيل الأفكار المشحونة بالغضب تفسيراتٍ أخرى ممكنة وأكثر سلامة مثل: "من يدري ربما خفيت عليه سيارتي.. أو ربما يكون لديه سبب يجعله يقود سيارته بهذه العجلة.. ربما يكون والده في العناية المركزة في المستشفى.. أوه! الله يعينه!". وهكذا لم تكظم غيظك ولم تنفس عنه، بل قطعت غضبك بأفكار منطقية وممكنة.
يروي ستيفن كوفي في كتابه المميز (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) أن رجلاً دخل إلى القطار ومعه خمسة من الأولاد الذين انتشروا في القطار يلعبون ويصدرون الفوضى والإزعاج في حين ظل هو جالسا بكل هدوء دون أن يمنعهم من إزعاج الآخرين. ضاق الناس بالأولاد ذرعاً فحادثه الرجل الجالس بجانبه وهو غاضب يحثه على منع أولاده من مضايقة الآخرين. فقال أبو الأولاد: (لقد ماتت أمهم منذ قليل، ولا أعرف ماذا سأقول لهم..!!). عندها دهش الرجل الغاضب: (أوه أنا آسف. هل يمكن أن أفعل لك شيئاً). لقد نسي تماماً ما يسببه الأولاد من إزعاج، وتغير غضبه إلى مساندة. صدقني إنه في كل حدث يمكن أن تجد تفسيراً بديلاً لما يدور في رأسك لو حاولت البحث عنه، وذلك سيخفف من حنقك وغيظك. أليست هذه وسيلة فعالة للسيطرة على الغضب الذي يسببه الآخرون لنا.
رابعاً: إلهاء أنفسنا بعيداً عن ما يثير الغضب.. وقد حدثنا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- في الحديث الشريف: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لنا: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).
وذلك لأن تغيير وضعية الغاضب أو خروجه للسير لمدة وجيزة والقيام ببعض الرياضة، كل ذلك سيساعد على تلطيف الغضب. لكن تذكر أن مدة التهدئة هذه لا قيمة لها إذا استنفدت في الانشغال بالأفكار التي استنفرت الغضب في المرة الأولى.
خامساً: تعلم التعبير الصحيح عن الغضب.. عندما نغضب فإننا نُظهر هذا الغضب عبر الأساليب الثلاثة التالية: الصياح، والاعتداء، الكبت، والطريقة الصحيّة هي التعبير عن ما أغضبنا بكل حزم وثبات وعبر استخدام لهجة واضحة وصارمة وبنغمة صوت عادية كالتي تستخدمها بشكل طبيعي دون إيذاء للآخرين.
في بعض المواقف (زحمة الطرق، نقد لا يمكنك دحضه،..) ربما لا يكون هناك فرصة للتعبير عن غضبك، وهنا يكون الأسلوب الأمثل هو تغيير تركيز انتباهنا نحو عمل بناء (تحسين أدائي المنتقَد) أو التفكير بشكل إيجابي (من لا يُخطئ؟!) للتخفيف عن أنفسنا.
سادساً: سلِّم بماهية الأشياء: إحدى الأفكار الجميلة التي ستساعدنا على تجاوز الكثير من الأحداث المزعجة أن نعلم أن الحياة في تغير مستمر. كل شيء له بداية وله نهاية. قدّر أن كل شيء سيعود إلى أصله.. فكل آلة أو أداة تُصنع سوف تَبلى وتتفتت يوماً ما. المسألة كلها مسألة وقت. فالذي تتوقع أنه سينكسر، ينبغي أن لا تُفاجأ أو تصاب بالغضب عندما ينكسر، فهذا قدره..!! وبدلاً من أن تستاء، فإنك تشعر بالامتنان من أجل المدة التي استخدمت هذا الشيء فيها. خذ مثالاً سهلا على ذلك فعندما ينكسر كوب الزجاج المفضل لديك ينبغي أن لا تنزعج؛ لأنك تعلم أن هذا قدره. وأن كل شيء سيبلى يوماً ما ويعود إلى أصله. وعلى هذا يمكنك أن تقيس موقفك من أمور أكثر أهمية.
ختـاماً: جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب).
حقاً إن التحكم بالغضب مهارة راقية تمنح من يتقنها السلام والطمأنينة وتقيه من آثاره المدمرة على الروح والجسد.
مع أطيب تمنياتي