من أين ستأتي الخليجيات باللبن الكافي لإرضاع هنود الخليج؟
من قلم: نضال نعيسة
كي يتجنب العواصف الساخطة المتوقعة التي ستثار ضده، سمح فضيلة الشيخ الوهابي عبد المحسن العبيكان، بـ "إرضاع الكبير" في حالة وشرط معين، وشدد في حديث لـ"العربية.نت" الجمعة 21-5-2010 على أن "ما تم تناقله خلا من الشرط والضابط الذي أكد عليه، وهو عدم الإرضاع من الثدي مباشرة، مؤكداً أنه يجب أن يتم أخذ الحليب بطريقة مناسبة بعيدة عن ذلك، ويتم تناوله من قبل الشخص المعني". وأضاف فضيلة الشيخ الجليل: "إذا احتاج أهل بيت ما إلى رجل أجنبي يدخل عليهم بشكل متكرر وهو أيضا ليس له سوى أهل ذلك البيت ودخوله فيه صعوبة عليهم ويسبب لهم إحراجا وبالأخص إذا كان في ذلك البيت نساء أو زوجة فإن للزوجة حق إرضاعه".
وللحقيقة فإن هذه الفتوى الخارقة متطورة جداً، ورائعة وعصرية بكل المقاييس، ومحتشمة جداً، ومختلفة عن فتوى الشيخ عزت عطية، المعروفة والتي فيها "إيحاءات" إباحية أثارت في حينه ضجة، كما سخرية وتهكماً، وأدت لعزله من منصبه، وخسر كرسيه في الجامعة بسبب ذلك، إذ أصدر وقتها رئيس الجامعة، الدكتور أحمد الطيب، قراراً بوقف الدكتور عزت عطية، رئيس قسم" الحديث" بكلية "أصول الدين" عن العمل، وإحالته إلى لجنة تحقيق "جراء ما صدر عنه بموضوع إرضاع الكبير.
ولكن المشكلة هنا، وطبعاً هذا في حال قبولنا لهذه الفتوى وبلعها وهضمها، وبعيداً عن مضامينها الدينية وبعدها الشرعي، باتت مشكلة لوجستية بحتة فنفي شرط الإرضاع يعني أنها لم تعد تتعلق بعملية إرضاع حقيقي، وهي شرط الفتوى الرئيس، وكما جرت وحدثت في التراث، بل عملية "شرب" أو "تشريب" للبن، والغاية من الإرضاع هو إحداث ذاك النوع من الإلفة والموت والحميمية الـ.Intimacy بين المرضعة والرضيع ما يكفل عدم "الوثوب" عليها مستقبلاً من خلال وشيجة الأمومة والرضاعة الأقوى والتي يتداخل فيها العامل المادي الغذائي مع العامل الروحي العاطفي والوجداني، والتي تمنع الرضيع من افتراس من أرضعته الحليب وهنا جوهر الفتوى الروحي الأهم الذي يحقق شرطها، لكنه، وبكل أسف، غاب عن بال مولانا الشيخ الوهابي الجليل. فلا فتوى إرضاع من دون حدوث عملية إرضاع، فشرط العملية الأساسي هو حدوث الإرضاع وإن غاب الإرضاع لم تعد فتوى إرضاع بل فتوى أي شيء آخر.
والأمر الآخر، لا بد من التساؤل عن الكيفية والطريقة التي سيتم بها تأمين كل تلك الكميات من الحليب ولبن الرضاعة الطبيعي من النساء الخليجيات، ومن خلال خمس رضعات مشبعات، وذلك لإشباع جيوش وجحافل العمال والخدم والسائقين "الدريولية"، الذين يملؤون البيوت الخليجية، وتعج بهم جميع المجتمعات في الخليج الفارسي وهم على اتصال مباشر بالنسوة هناك، ويعتمدون عليه في كل صغيرة وكبيرة، وشاردة وواردة، ونحن نعلم جميعاً أن أعداد هؤلاء تفوق عدد السكان الأصليين رجالاً ونساء، والذين لن يكون لهم من أي عمل في حال تطبيق فتوى الشيخ الوهابي سوى الجلوس وشرب لبن الرضاعة كي يحل لهم الدخول على سيداتهم.
ودخول هؤلاء الهنود والآسيويين على النساء والبنات والاختلاط بهم أمر لا يمكن تجنبه وتفاديه، نظراً للخدمات الكثيرة والأعمال التي يقوم بها الآسيويون ويقدمونها للخليجيين من الغسيل والتنظيف والكوي وقيادة السيارات وتربية الأطفال والإشراف على الحراسة وأعمال الصيانة المنزلية المختلفة، وخاصة لجهة توصيل البنات والنساء إلى الأسواق وأماكن العمل، ولا يمكن الاستغناء عنهم، وصاروا جزءاً من الصورة الكاريكاتورية الكاراكوزية أصلاً الموجودة في دول الخليج الفارسي، حيث يختلط السائقون بالنسوة، ويختلون بهن أكثر من أزواجهن.
وإذا تفهمنا إمكانية أن تستطيع المرأة المتزوجة تأمين لبن رضاعة، وبطريقة ما، وقدرة المرأة المتزوجة المرضعة وعلى افتراض أنها تدر الحليب بما يزيد عن حاجة الرضيع الأهم، فكيف ستؤمنه المطلقات والعوانس والبنات الأخريات اللواتي يضطررن للاختلاط والاختلاء بالسواقين الآسيويين، ومنهم غير المسلمين. هذه واحدة، والأخرى كيف ستتم عملية نقل لبن الرضاعة وأين سيوضع، وكما نعلم أن أجواء الخليج حارة جداً وتفسد اللبن فوراً، وقديماً قالت العرب: "الصيف ضيعت اللبن". وإذا قيض الله وتحققت هذه الشروط، فإن النساء سيتحولن إلى مجرد "حلابات" بشرية، لا عمل لهن سوى تأمين اللبن للهنود والآسيويين المتواجدين بكثافات مرتفعة في بيوت الخليجيين، ومقيمين فيها بشكل شبه دائم، ولا يستطيع الخلايجة العيش من دونهم، وهذا الأمر يتطلب مزيداً من التهام الطعام، وخاصة الخضراوات والحشائش لتأمين اللبن، ما يعني زيادة معدلات السمنة والوزن، ما قد يسبب أمراض الضغط والسكر ودخول الخليج في متاهات صحية لا يحمد عقباها فيما لو طبق فتوى الشيخ الوهابي الفهيم.
ولن نتكلم هنا عن احتمال اختلاط النساء أيضاً في العمل مع زملاء لهن، أو مراجعين، وضيوف وما شابه ذلك، الأمر الذي قد يتطلب "حلباً" أكثر لتأمين اللبن لمختلف هؤلاء الذين سيختلط بهن. ومن هنا نرى أن العملية مستحيلة برمتها، ففتوى الشيخ الجليل باطلة ولا يمكن الأخذ بها وتنفيذها، ومثلها مثل بقية الفتاوى العجيبة الغريبة التي باتت تميز الحقبة والعصر النفطي، زمن الإسفاف والابتذال وسقوط وانقراض العقل
يا من بدنياه اشتغل
قد غرره طول الامل
الموت ياتي بغتة
والقبر صندوق العمل
من قلم: نضال نعيسة
كي يتجنب العواصف الساخطة المتوقعة التي ستثار ضده، سمح فضيلة الشيخ الوهابي عبد المحسن العبيكان، بـ "إرضاع الكبير" في حالة وشرط معين، وشدد في حديث لـ"العربية.نت" الجمعة 21-5-2010 على أن "ما تم تناقله خلا من الشرط والضابط الذي أكد عليه، وهو عدم الإرضاع من الثدي مباشرة، مؤكداً أنه يجب أن يتم أخذ الحليب بطريقة مناسبة بعيدة عن ذلك، ويتم تناوله من قبل الشخص المعني". وأضاف فضيلة الشيخ الجليل: "إذا احتاج أهل بيت ما إلى رجل أجنبي يدخل عليهم بشكل متكرر وهو أيضا ليس له سوى أهل ذلك البيت ودخوله فيه صعوبة عليهم ويسبب لهم إحراجا وبالأخص إذا كان في ذلك البيت نساء أو زوجة فإن للزوجة حق إرضاعه".
وللحقيقة فإن هذه الفتوى الخارقة متطورة جداً، ورائعة وعصرية بكل المقاييس، ومحتشمة جداً، ومختلفة عن فتوى الشيخ عزت عطية، المعروفة والتي فيها "إيحاءات" إباحية أثارت في حينه ضجة، كما سخرية وتهكماً، وأدت لعزله من منصبه، وخسر كرسيه في الجامعة بسبب ذلك، إذ أصدر وقتها رئيس الجامعة، الدكتور أحمد الطيب، قراراً بوقف الدكتور عزت عطية، رئيس قسم" الحديث" بكلية "أصول الدين" عن العمل، وإحالته إلى لجنة تحقيق "جراء ما صدر عنه بموضوع إرضاع الكبير.
ولكن المشكلة هنا، وطبعاً هذا في حال قبولنا لهذه الفتوى وبلعها وهضمها، وبعيداً عن مضامينها الدينية وبعدها الشرعي، باتت مشكلة لوجستية بحتة فنفي شرط الإرضاع يعني أنها لم تعد تتعلق بعملية إرضاع حقيقي، وهي شرط الفتوى الرئيس، وكما جرت وحدثت في التراث، بل عملية "شرب" أو "تشريب" للبن، والغاية من الإرضاع هو إحداث ذاك النوع من الإلفة والموت والحميمية الـ.Intimacy بين المرضعة والرضيع ما يكفل عدم "الوثوب" عليها مستقبلاً من خلال وشيجة الأمومة والرضاعة الأقوى والتي يتداخل فيها العامل المادي الغذائي مع العامل الروحي العاطفي والوجداني، والتي تمنع الرضيع من افتراس من أرضعته الحليب وهنا جوهر الفتوى الروحي الأهم الذي يحقق شرطها، لكنه، وبكل أسف، غاب عن بال مولانا الشيخ الوهابي الجليل. فلا فتوى إرضاع من دون حدوث عملية إرضاع، فشرط العملية الأساسي هو حدوث الإرضاع وإن غاب الإرضاع لم تعد فتوى إرضاع بل فتوى أي شيء آخر.
والأمر الآخر، لا بد من التساؤل عن الكيفية والطريقة التي سيتم بها تأمين كل تلك الكميات من الحليب ولبن الرضاعة الطبيعي من النساء الخليجيات، ومن خلال خمس رضعات مشبعات، وذلك لإشباع جيوش وجحافل العمال والخدم والسائقين "الدريولية"، الذين يملؤون البيوت الخليجية، وتعج بهم جميع المجتمعات في الخليج الفارسي وهم على اتصال مباشر بالنسوة هناك، ويعتمدون عليه في كل صغيرة وكبيرة، وشاردة وواردة، ونحن نعلم جميعاً أن أعداد هؤلاء تفوق عدد السكان الأصليين رجالاً ونساء، والذين لن يكون لهم من أي عمل في حال تطبيق فتوى الشيخ الوهابي سوى الجلوس وشرب لبن الرضاعة كي يحل لهم الدخول على سيداتهم.
ودخول هؤلاء الهنود والآسيويين على النساء والبنات والاختلاط بهم أمر لا يمكن تجنبه وتفاديه، نظراً للخدمات الكثيرة والأعمال التي يقوم بها الآسيويون ويقدمونها للخليجيين من الغسيل والتنظيف والكوي وقيادة السيارات وتربية الأطفال والإشراف على الحراسة وأعمال الصيانة المنزلية المختلفة، وخاصة لجهة توصيل البنات والنساء إلى الأسواق وأماكن العمل، ولا يمكن الاستغناء عنهم، وصاروا جزءاً من الصورة الكاريكاتورية الكاراكوزية أصلاً الموجودة في دول الخليج الفارسي، حيث يختلط السائقون بالنسوة، ويختلون بهن أكثر من أزواجهن.
وإذا تفهمنا إمكانية أن تستطيع المرأة المتزوجة تأمين لبن رضاعة، وبطريقة ما، وقدرة المرأة المتزوجة المرضعة وعلى افتراض أنها تدر الحليب بما يزيد عن حاجة الرضيع الأهم، فكيف ستؤمنه المطلقات والعوانس والبنات الأخريات اللواتي يضطررن للاختلاط والاختلاء بالسواقين الآسيويين، ومنهم غير المسلمين. هذه واحدة، والأخرى كيف ستتم عملية نقل لبن الرضاعة وأين سيوضع، وكما نعلم أن أجواء الخليج حارة جداً وتفسد اللبن فوراً، وقديماً قالت العرب: "الصيف ضيعت اللبن". وإذا قيض الله وتحققت هذه الشروط، فإن النساء سيتحولن إلى مجرد "حلابات" بشرية، لا عمل لهن سوى تأمين اللبن للهنود والآسيويين المتواجدين بكثافات مرتفعة في بيوت الخليجيين، ومقيمين فيها بشكل شبه دائم، ولا يستطيع الخلايجة العيش من دونهم، وهذا الأمر يتطلب مزيداً من التهام الطعام، وخاصة الخضراوات والحشائش لتأمين اللبن، ما يعني زيادة معدلات السمنة والوزن، ما قد يسبب أمراض الضغط والسكر ودخول الخليج في متاهات صحية لا يحمد عقباها فيما لو طبق فتوى الشيخ الوهابي الفهيم.
ولن نتكلم هنا عن احتمال اختلاط النساء أيضاً في العمل مع زملاء لهن، أو مراجعين، وضيوف وما شابه ذلك، الأمر الذي قد يتطلب "حلباً" أكثر لتأمين اللبن لمختلف هؤلاء الذين سيختلط بهن. ومن هنا نرى أن العملية مستحيلة برمتها، ففتوى الشيخ الجليل باطلة ولا يمكن الأخذ بها وتنفيذها، ومثلها مثل بقية الفتاوى العجيبة الغريبة التي باتت تميز الحقبة والعصر النفطي، زمن الإسفاف والابتذال وسقوط وانقراض العقل
يا من بدنياه اشتغل
قد غرره طول الامل
الموت ياتي بغتة
والقبر صندوق العمل