قصة عراقية حقيقة
في سنة 1946, تعاركت الحيوانات في اسطبل أمانة العاصمة, ببغداد, فأصيب سائسها بضربة في بطنه حـُمل على إثرها إلى المستشفى. وتم تسجيل القصة في تقرير رفعه الطبيب البيطري إلى أمين العاصمة. وكان أمين العاصمة آنذاك الدكتور فائق شاكر, وكان ألمعياً فكهاً. فعلق على التقرير تعليقاً مرحاً يفيض بالنكتة البارعة. وأثبت لكم في ما يلي تقرير الطبيب البيطري وتعليق الدكتور عليه.
أول تقرير وجده أمين العاصمة الجديد, الدكتور فائق شاكر, في ديوانه الرسمي في اليوم الأول من دوامه كان من الطبيب البيطري لأمانة العاصمة إلى أمين العاصمة, وهو كما يلي:
سعادة أمين العاصمة المحترم.
الموضوع: التقرير اليومي للحيوانات التابعة لأمانة العاصمة والتي تستخدم في نقل الأزبال والأوساخ وجر عربات الكير (القير) إلخ.
مساء البارحة, وبعد غروب الشمس بقليل, قام البغل الأسود رقم (73) بممازحة رفيقه الحمار الأبيض رقم (201) المربوط بجانبه بالاسطبل الواقع بالنزيزة مال الشيخ عمر (منطقة في بغداد). وقد أدى هذا الشقا (الشقا كلمة بغدادية تعني المزاح) على غير العادة كل يوم إلى العراك أمام زملاء البغل والحمار, وأسفر – مع الأسف الشديد – عن فشخ الحمار بكوكة راسه (الكوكة تعبير بغدادي يعني قمة الجمجمة) نتيجة ضربة زواج رداف قوية ومعاندة البغل (ضربة زواج تعبير بغدادي يعني الرمح بالحافر, وقوله رداف يعني أن الدابة رمحت بحافريها معاً) مما دفع زميله الحمار إلى أن يخرج عن جادة الصواب, ويملخ البغل بعضة قوية شلعت (قلعت) وصلة (قطعة) من كتفه الأيمن. وعند قيام النوبجي السايس رقم (11) جبار الأعور, بالمفازعة (أي بالحجز بينهما) أمام أنظار بقية الحيوانات, أتته ضربة تياه (تائهة أو طائشة) غير مقصودة في بطنه وانطرح على الفِشقي (روث الحيوانات) يتلوى من شدة الألم. وقد أُدخل المصابون المستشفى البيطري بموجب ورقة الفحص الطبي رقم 93 في 25/9/1946. أما السايس, فقد قام بعدها سلامات.
تقدم بالتفضل بالاطلاع, والأمر بما يلزم وإعلامنا والأمر منوط بسعادتكم.
التوقيع
الطبيب البيطري
وعلق الدكتور أمين العاصمة على التقرير بما يلي:
1. الحمد لله على سلامة السايس جبار الأعور.
2. يغرم البغل والزمال (الحمار) بقطع العليج (العليق = العلف) عنهما لمدة ثلاثة أيام حتى يتأدبا من الآن فصاعدا ويكونا عبرة لغيرهما من الحيوانات وليفهم كل من تسول له نفسه الخربطة. إن الحكومة ساهرة وفاكة (فاتحة) عينها على الزغيرة والجبيرة (الصغيرة والكبيرة) ولا يتصورا الدنيه (الدنيا) عفترة كلمن بكيفه.
3. يمنع الشقا (المزاح) بين الحيوانات بالشغل (أوقات العمل) وأثناء الراحة منعاً باتاً, بأمري. وتعلق قطعة (لوحة) ببذلك بالاسطبل.
4. يربط الطبيب البيطري بين الزمال والبغل حتى إشعار آخر حتى يتأكد الطبيب – وهو الأب المسؤول عن أبنائه – أن البغل والحمار قد صفت قلوبهم وما بقت بيناتهم عداوة تؤدي إلى القتل والمقتول.
5. على مدير الإدارة في أمانة العاصمة أن يكتب إلى معالي وزير الداخلية ليفاتح الجهات المسؤولة لنقلي فوراً إلى أي وظيفة ما عدا أمانة العاصمة لأن ما عندي خلك للزمايل والبغال. إحنا ويا الأوادم هلـّه هلـّه, عاد ويه الحواوين (الحيوانات).
الدكتور فائق شاكر
أمين العاصمة
26/9/1946